الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الجزيرة
Monday 31th May,2004 العدد : 61

الأثنين 12 ,ربيع الثاني 1425

عبدالله منَّاع... ونجاح لايدّعيه وحيداً
لم أبحث عن الإثارة.. فالواقع زادٌ للصحفي الحق والصحافة الحقة

حوار/ صالح عبدالله الخزمري
يعتبر أن النجاح الذي حققه في مسيرته الصحفية ليس نجاحاً له وحده وإنما له ولزملائه الذين عملوا معه في (البلاد واقرأ والإعلام) الذين التقوا معه على أن الصحافة إنما تقوم على مبدأ أساسي وجوهري هو أن من حق الإنسان أن يعلم الحقيقة أو الحقائق ويرى أن قلمه كان يحظى على الدوام بمحبة النقاد وتقديرهم.
منح الصحافة عمره وزهرة أيامه وكان همه أن تكون لنا ك(أهرام) الخمسينات ونهار الستينات ، الثقافة أخذت مكانها في صحافة الأفراد ولكنه قل الاهتمام بها.
من خلال الصحافة والكتابة وشجونهما نبحر وإياكم في هذا الحوار الشيق مع الكاتب والصحفي د. عبدالله منَّاع:
* د. عبدالله منَّاع طوال تجربتك الصحفية لم نجد أن خلقت اثارة من أجل الاثارة فقط.. كيف نجحت في أن تقصي القارئ عن مزالق الخداع التي تمارسها الصحافة أحياناً..؟
لم أكن بحاجة خلال تجربتي الصحفية.. لأن أبحث عن (الإثارة) لأن (الواقع) وحده كان (وما يزال) مليئاً بكل ما يثير ثقافياً واجتماعياً وسياسياً، وكان (وما يزال) يشكل زاداً كافياً للصحفي الحق.. وللصحافة الحقة.. بل وللإبداع الروائي والمسرحي والشعري بحد سواء، انني ما زلت اتذكر في هذا السياق.. تلك (الغبطة) التي عبّر عنها الكاتب الدانمركي الشهير: فريدريك ديرنمات.. بعد أن زاره الكاتب المصري المعروف الدكتور يوسف إدريس واستمع إليه وهو يحدثه عن أحوال مصر والعالم العربي.. عندما قال له: إنني أغبطك.. فأنت تعيش وسط زحمة من المشاكل والمآسي التي يمكن أن تشكل مخزوناً لعشرات الروايات والمسرحيات.. انني أغبطك لأنني لا أملك هذا المخزون الضخم الذي تملكه.
وليس من شكٍ في أن سنوات عملي القليلة ب (الصحة) بعد عودتي من البعثة.. مساعداً لمدير مستشفى باب شريف في جدة ومديراً عاماً منتدباً للشئون الصحية بالطائف قد أطلعتني على كثيرٍ من خبايا المجتمع ومشاكله ومآسيه. لقد ملأت تلك الأيام (جعبتي) يضاف إلى ذلك أنني بطبيعة تكويني لا أحب الكذب والاختلاق والتضليل وصحافة (الإنسان الذي عض كلباً) التي قامت عليها صحافة (أخبار اليوم).. رائدة صحافة الإثارة.. وأستاذها الأستاذ مصطفى أمين.
ان (النجاح) الذي تتحدث عنه ليس نجاحي وحدي.. ولكنه نجاح لزملائي الذين عملوا معي خلال تجاربي الثلاث (في البلاد، واقرأ، والإعلام) والتقوا معي على أن الصحافة إنما تقوم على مبدأ أساسي وجوهري.. هو (أن من حق الإنسان أن يعلم الحقيقة... أو الحقائق)وليس الكذب والافتراء، وهو من قبل نجاح للقارئ الذي أقبل على تلك الصحافة الصادقة.. وساندها ودعمها وازرها. ف(الخبر) مسئولية.. والرأي مسئولية.. والكلمة التي تكتب بها الأخبار والآراء مسئولية.. وأي مسئولية.. وقد صدق القائل: (رب كلمة .. قالت لصاحبها: (دعني)!!
* د. كنت في مجلة اقرأ ذاكرة قوية.. تتفاعل حواراً وفكراً.. ماالذي جعلك تقف على الحياد بعد هذه التجربة؟
كما كنت غير محايد..ب(الأمس) فلست محايداً (اليوم). نعم لابد أن يكون (الصحفي) محايداً تجاه الحقيقة، لكن (الكاتب) المحايد لا أهمية له.. ك(الشاعر) المحايد.. لا ضرورة له، ولكنني مشغول عن النشر هذه الأيام.. بكتابة تاريخ واحد من أكبر شخصيات هذا الوطن، الذين أسهموا في تأسيسه وبنائه.
ان قوام الكتابة يا عزيزي: فكر حر.. وكلمة معبّرة.. وذاكرة تاريخية حاضرة.. فإذا فقدت الكتابة (أو الحوار) (بعض) ذلك.. أو (كل) ذلك.. أصبحت كعبارات (الاستدعاء) أو سندات القبض أو الاستلام.
* ثلاثية.. الصراحة والحرية والوضوح.. متى كنت تضعها حينما تقدم للقارئ وجبة الكتابة الأسبوعية؟
كنت آخذ وقتي وما أزال في الكتابة.. رغم الحاح سكرتيرية التحرير واستعجال المطبعة، ولمعرفتهم بحرصي على الكمال.. المستحيل، فقد كانوا يعتقدون بأنني آخذ ذلك الوقت الطويل حتى أجوّد.. لقد كان ذلك صحيحاً إلى حدٍ ما.. ولكن الأصح منه أن الوقت كان يضيع مني في اختيار الموضوع الذي يمكن أن أكتب عنه بثلاثية الحرية والصراحة والوضوح. لقد كان ذلك هو ديدني في (النشر) للآخرين.. كما هو في الكتابة بالنسبة لي، ولذلك كثر فقدي لمناصبي الصحفية المرة تلو الأخرى.. إما بسبب خبر أو تحقيق أو مقال أو قصيدة، ولكنني لست نادماً.. لا على ما كتبت.. ولا على ما أجزت نشره.
* د. عبدالله عُرف عنكم شفافية الكلمة.. تحدثاً وكتابةً.. ما الذي خرجتم به من هذا التراكم المعرفي الرائع..؟
سعادة لا تنضب.. ومحبة من القراء لا تنسى.. وتقدير من المسئولين الواعين يعلو فوق كل اختلاف.
* هناك ثنائية إنسانية تقدمكم دائماً .. (طب الأسنان) و (قلم الكتابة).. كيف لك أن تصل بين هذين المحورين من قلم الكتابة إلى مشرط الطبيب..؟
هذه الثنائية بين (مشرط الطبيب) و (قلم الكاتب).. التي لفتت انتباهك هي ثنائية تاريخية.. تمتد بامتداد التاريخ الإنساني المعاصر.. أي منذ أن أصبح في العالم جامعات وخريجون من كلياتها ومعاهدها، ف(بوشكين) الروسي هو خريج كلية الطب وهو أستاذ القصة القصيرة على مستوى العالم، ود. يوسف إدريس.. خريج كلية طب القصر العيني هو أستاذ القصة القصيرة على مستوى العالم العربي، وسومرست موم.. القاص البريطاني المعروف هو خريج كلية الطب، ود. زكي أبو شادي ود. إبراهيم ناجي الشاعران المصريان العربيان الكبيران هما خريجا كلية الطب، والكاتب والروائي وفيلسوف المذاهب والأديان الدكتور مصطفى محمود... خريج كلية الطب، وأحد أشهر رؤساء تحرير مجلة روز اليوسف.. كان صلاح الدين حافظ وهو خريج كلية طب القصر العيني، ومحلياً.. لدينا الروائي والمسرحي الدكتور عصام حوقير، ولم يقف الأمر عند هذا.. بل إن خريجي الحقوق لم يعملوا بالمحاماة بل أصبحوا نجوماً في سماء الأدب كتوفيق الحكيم ود. محمد حسين هيكل.. ونجوماً في الصحافة ك(إحسان عبدالقدوس) وأحمد بهاء الدين، والغريب حقاً أن خريجي كليات الآداب.. لم يشتغل معظمهم بالكتابة وإبداعاتها النثرية أو الشعرية.. ولكن معظمهم اشتغل بتدريس الأدب واللغات وتاريخهما، وقلة منهم اشتغلت بالنقد الأدبي، واذا كان بعض هؤلاء جعلوا من النقد متعةً وإبداعاً.. فإن البعض الآخر صدع الرؤوس بهرطقاته.
اما قديماً.. فقد كان علماء الرياضة والفلك والطب.. يشتغلون بالكتابة والتأليف. وهكذا.. وكما رأيت فإن الصلة تاريخية قديمة بين قلم الكاتب ومشرط الطبيب.. اما (الوصل) بينهما، فهو يتمثل لي في الانتقال من (الخاص) إلى (العام) فمشرط الطبيب يعالج حالات مرضية بعينها.. لكن قلم الكاتب يتوجه إلى المجاميع.. يتحدث إليها مرة ويتحدث عنها ألف مرة.
* د. عبدالله.. كيف كانت علاقتك بالنقد.. وهل كنت تعول على النقد خيراً في تقديم أدبنا وفكرنا..؟
كان قلمي على الدوام يحظى بمحبة النقاد وتقديرهم ولا ابرئ نفسي.. ولا أقول (أعمالي) فليست لي سوى رواية واحدة نُشرت في (الرائد) ولم تطبع هي رواية (على قمم الشقاء) ومجموعتان من الخواطر القصصية هما (لمسات) التي طبعتها على نفقتي عندما كنت طالباً في الجامعة و(أنين الحيارى) التي قامت بطباعتها الشركة التونسية، ومسلسلة إذاعية هي (ذكريات رمضان).. أما رواية (الخاسكية) فهي لم تكتمل ولم تطبع.. وقد تعرضت كلها إلى نقد غلبت عليه صفة الترحيب.. أما عن دور النقد في تقديم أدبنا وفكرنا.. فإني أقول وبكل حسرة بأن النقد تعرض في فجر أيامه إلى نكسة لم يخرج منها أبداً.. عندما نشر أستاذ النقاد الاستاذ عبدالله عبدالجبار كتابه النقدي الاول والاهم: (التيارات الأدبية في قلب الجزيرة العربية).. بجزئيه الشعري والنثري، فقد هُمّش الكتاب.. وحوصر إلى درجة أنني شخصياً.. لم اطلع عليه ولم اقرأه من نسخة مصورة إلا بعد صدوره بأكثر من عشرين عاماً وكان قد صدر عام 1959م. لقد كان كتاباً.. عظيم القيمة في شموليته وفي دراسته لأدب الجزيرة وأدبائها. لقد قال ما لا يقال.. وتطابق من حيث لا يدري ولا يريد مع توصيف الكاتب العربي المعروف الصادق النيهوم ل(المثقف) الذي عليه (ان يقول جهاراً.. ما لا يطيق احد ان يسمعه سراً) والذي جاء بعد صدور كتاب التيارات ربما بأكثر من ثلاثين عاماً، وهكذا لم يقم الكتاب ب(الدور) التعريفي الذي كان يمكن أن يقوم به وعلى أفضل وجه.. ليتحول النقاد بعد تلك النكسة من نقاد للأدباء والشعراء والمفكرين.. إلى نقاد ل(النص) و(بنيويته) وتفكيكه دون دراسة ملهمة لصاحب النص أو كاتبه.
* ما الذي منحته للصحافة؟ وما الذي منحتك إياه؟
منحت الصحافة عمري وزهرة أيامي وربما أفضلها.. وكان همي أن تكون لنا صحافة في بؤرة الاهتمام العربي بها.. لا أن تكون على رصيف تلك البؤرة أو على هامشها لا يدري عنها أحد ولا يشعر بها إنسان. كنت أريد أن تكون لنا صحافة ك(اهرام) الخمسينات و(نهار) الستينات و (لوموند) كل أزمنة عصور ما بعد الثورة الفرنسية، ومع فداحة وقسوة الثمن الذي دفعته طوال أكثر من ثلاثين عاماً.. فإنني لست حزيناً أو مبتئساً أو مكتئباً لذلك.
أما ما منحته الصحافة.. فقد كان كثيراً وكبيراً وجليلاً. فقد منحتني اسماً وقيمةً ومكانةً، واحتراماً من المسئولين.. ومحبةً حميمةً من القراء تعبّر عنها تلك اللفتة التي لن انساها.. عندما ركض خلفي أحدهم بسيارته، وعندما توقفنا في الإشارة.. قال لي بعد أن انزل زجاج نافذته: أرجوك ألا تسرع هكذا.. فنحن نخاف عليك.. لاننا نحبك.
ولعله يتوجب عليّ أن أذكر في سياق هذه الإجابة عرفاناً بالفضل لأصحابه وحتى يطمئن السائل ولا يأخذه القلق عليّ بعيداً، انني بعثت ذات مرة بنسخة من كتاب صدر لي عن الهيئة العامة للكتاب في مصر عام 1995م.. لأحد أصدقائي وقد كان قبل ذلك مسئولاً كبيراً فبعث إليّ في اليوم التالي برسالة شكر ومحبة ومعها شيك بخمسة وعشرين ألف ريال، وتعهد منه بتحمل نفقات الطبعة الثانية من الكتاب مع ترشيحه لأحد الفنانين العرب الكبار لرسم غلاف جديد للطبعة الثانية على نفقته..!!
* د. عبدالله.. لكم باع طويل في استظهار الحالة المعرفية.. كيف ترون تأثير العمل المعرفي في القارئ العادي بمعنى هل تقدم عملاً صحفياً من أجل أن تكسب القارئ؟
ان المعادلة المعرفية هنا ياعزيزي إنما تقوم على اساس ان نكسب القارئ.. وان يكسب القارىء معاً. فالقارئ يريد ان يعرف الحقيقة.. حقيقة ما جرى ويجري، وأن يقرأ رأيا صادقاً.. لا رأياً زائفاً.. منافقاً مضللاً. وهنا يمكن ان ترد كلمة المفكر والكاتب الالماني هيرمان هيس المرعبة: (الكتابة مأساة.. يصنع بها الكاتب حتفه)!!
* احتفت بك أكثر من جهة ربما أحدثها اثنينية الشيخ عبدالمقصود خوجة.. فهل أنت مع هذه الظاهرة؟ وهل ترى انها تلمع من لا يستحق أحياناً؟
نعم احتفت بي بعض الأندية الأدبية وجمعية الثقافة والفنون في التسعينات الميلادية الماضية.. كما احتفت بي (الاثنينية) ولكن كان احتفاؤها بي قبل قرابة خمسة عشر عاماً وهو ما يقطع الصلة زمنياً على الاقل بينك وبين دواعي سؤالك الان عن احتفاء مر عليه اكثر من عقد من الزمن، ولكن يبدو ان رغبتك المبيتة في استكشاف رأيي حول: (الاثنينية) التي تلمع من لا يستحق كما تساءلت مستنكراً.. هي التي دفعتك للتمهيد بالحديث عن احتفاء الاثنينية بي. لا بأس..فهذا هو رأيي.
(الاثنينية) لها أكثر مما عليها إجمالاً وتفصيلاً.. فقد كرمت جيل الرواد في الفكر والأدب والشعر والصحافة وكان لها فضل في استرجاع حيوات أولئك الرواد وتاريخهم وتجربتهم بوضعها أمام الأجيال الجديدة..
بل وحفظه وتوثيقه ب(الكلمة) والصورة، لقد فعلت في هذا الإطار ما لم يفعله أحد من قبل.. ثم انتقلت في مرحلتها التالية ل(استضافة) المعاصرين من المفكرين والعلماء والأدباء والشعراء والصحفيين من السعوديين ومن العرب والمسلمين.. وكانت منصة من منصات الحوار معهم والحديث عنهم والتقدير لهم والتعريف بجهودهم وإنتاجهم وإنجازهم وكانت في هذه (كما كانت.. في الأولى) سباقة بل ورائدة وملهمة أيضاً.. فقد حذت بعض الأندية الأدبية حذوها في ذلك.
نعم.. هناك قلة قليلة من الأسماء ما كانت تستحق (الاستضافة) فضلاً عن (التكريم) وليس المجال مجال ذكرها..ولكن هذه الأسماء تظل في إطار الندرة.. فهي لا تصل عندي لأكثر من عشرة أسماء على الأكثر.. وهذه (الندرة) لا تعطينا حق اتهام (الاثنينية) بأنها لمعت من لا يستحق بإطلاق.. ان الشجرة يا عزيزي.. يجب ألا تحجب عنا الغابة.
فقد قامت (الاثنينية) بدور فريد ورائد في تكريم من لحقت بهم من الرواد في بلادنا.. وقامت وتقوم بدورٍ لا يقل ريادة عن سابقه في استضافة عشرات العشرات من المبدعين في شتى حقول المعرفة الإنسانية وعلومها وآدابها وتاريخها، وهي ستتحول عن قريب كما علمت إلى مؤسسة ثقافية مستقلة بمكانها وايراداتها ومجلس أمنائها الذي سيتولى وضع دستورها ومنهجها..
انني استئذنك.. في أن ابعث من على ظهر هذه المجلة الثقافية التي تشق طريقها الآن وبشكل لافت ومثير للإعجاب.. بتحية تقدير وإعجاب لصاحب الاثنينية الاستاذ الصديق عبدالمقصود خوجة..على جهوده التى بذلها ويبذلها خدمة للمثقفين من أبناء الوطن .
* كتبت بأسماء مستعارة .. فهل كنت تتوقع أن الأفكار خطيرة إلى هذا الحد؟ أم أنها رغبة في الممالحة والدعابة..؟
نعم كتبت بالعديد من الأسماء المستعارة ولم ترد على بالي فكرة (الممالحة) أو الدعابة هذه.. ولكنني أردت (بهذه الأسماء المستعارة) ان اوفّر لنفسي أكبر قدرٍ من الحرية في أن أكتب ما أريد دون حصار من (اسمي) المعروف الذي قد يمنعني أو يحرمني من الانطلاق. بدأت في الرائد..ب(ابن الشاطئ) وفي عكاظ على الصفحة السابعة التي كان يحررها الصديق الأديب الأستاذ عبدالله جفري يوم الأحد أو الأربعاء من كل أسبوع ب(التائه) وب(أحدهم) في الشأن الاجتماعي و (مثقف) في الشأن الثقافي و (متفرج) في الشأن الرياضي.. في (اقرأ) وكان أهم أسمائي المستعارة في اقرأ.. هو (خبير) الذي كتبت به أسبوعياً لأكثر من اثني عشر عاماً وعبّرت من خلاله عن معظم آرائي السياسية وكان هو التوقيع الذي اتدارى به عن الأفكار والتعليقات السياسية الحادة والحارة التي كنت اتناول بها مواضيع السياسة التي لا اجرؤ على تناولها في مقالي الأسبوعي (من الخميس للخميس) وبالمناسبة لم أكن أنا صاحب اختيار هذا التوقيع (خبير).. ولكنه كان اختيار زميلي مدير تحرير (اقرأ) في ذلك الوقت د. هاشم عبده هاشم، فالمسألة كما ترى ليست مسألة (ممالحة) أو دعابة.. ولكنها محاولة ل(المرور من بين شدقي الأسد).. كما يقولون؟!
* مرت الصحافة السعودية بحقيقتين متوازنتين فصل بينهما العام 1384هـ حينما تحولت الصحافة من صحافة أفراد إلى صحافة مؤسسات برأيكم.. كيف ترون واقع الصحافة في تينك المرحلتين.. هل أفادت الثقافة أم ساهمت في تراجعها..؟
كانت مراحل نشوء الصحافة في بلادنا.. طبيعية إلى أبعد الحدود، فقد بدأت بصحافة الدولة (أم القرى) وصحافة الأفراد (صوت الحجاز) معاً.. واستمرت بعد ذلك مع التوسع في صحافة الأفراد فكانت المدينة والمنهل والبلاد السعودية واليمامة والرائد وعرفات وقريش وحراء والأسبوع التجاري.. وغيرها، ثم انتقلت بعد ذلك إلى عهد المؤسسات.. وهو التطور الطبيعي، فالصحف الكبرى في العالم الآن لا يصدرها أفراد.. ولكن مؤسسات وشركات تضم في عضويتها عشرات الأشخاص.. ويتولاها عادة مجلس إدارة منتخب ورؤساء منتخبون أيضاً لمجالس إدارتها وتحريرها. ان عيوب هذا النظام.. هي كعيوب الديموقراطية.. تبدأ ب(الجماعة) وتنتهي إلى ديكتاتوريات الأفراد والمشكلة أن آلية الديموقراطية التي تغير الأفراد كل أربع أو خمس سنوات في العالم.. لا تعمل بذات القدر في بلادنا. اننا بحاجة إلى وضع فقرة في نظام الصحافة او المطبوعات.. تشترط تجديد الثقة في شخص المدير العام ورئيس التحرير المطبوعة كل أربع أو خمس سنوات.
أما الحديث عن نصيب الثقافة في المرحلتين (صحافة الأفراد والمؤسسات) فقد كان كبيراً واسعاً في المرحلة الأولى بطبيعة الحال.. وبطبيعة الاعتماد على الأدب والشعر والثقافة عموماً فقد كانت القصائد الطويلة تنشر على الصفحات الأولى.. في مواقع الافتتاحيات حتى الثلث الأول من القرن العشرين، وهكذا كان الاهتمام ب(الثقافة) من أدب وشعر ومقالة وقصة وتاريخ.. يمثل قوام تلك الصحافة، أما مع تغير أحوال العالم بعد الحرب العالمية الأولى وتسارع اخباره وتقدم الوسائل الذي صاحب دخول الراديو ف (التلكس) فالنقل الإذاعي.. ف (الفاكس).. ف (التلفزيون) فالنقل الفضائي المباشر وما تبع ذلك من تغير في اهتمامات الإنسان ومتطلباته.. فقد بدأت صحافة الخبر والسبق والتعليق الطائر لتحل عوضاً محل صحافة القصائد والمطولات من المقالات. وقد وجدت صحافة المؤسسات.. نفسها في هذا الإطار الصحفي العالمي الجديد، فماتت فيها الثقافة بصفة عامة.. وانطلق الخبر والتحقيق وصور اللاسلكي، على ان صحافة المؤسسات.. حافظت في بدئها على العناية بالثقافة والمقالات والقصائد بل والمعارك الأدبية. لكن الزمن تغير وتبدل الآن.. واصبحنا في عصر التلفزيون والصورة المتحركة والنقل الحي المباشر من مواقع الاحداث. ان المجلات المصورة.. تعاني أشد المعاناة في البحث عن قارئ لها.. وهي مهددة بالزوال ما لم تجد دعماً من الدولة، لكن الصحافة اليومية ستبقى (بعنايتها الموسعة ب(الاقتصاد) و (الرياضة) وعنايتها المحدودة جداً ب(الثقافة) لانها عادة.. ولانها (ذاكرة) .. ولانها (أرشيف) يمكن أن يعود إليه كل الناس في أية لحظة رغم الاقراص المدمجة وشبكات الإنترنت العظيمة والرهيبة.
ولو أن (شوقي) ما يزال حياً.. لعدل بيته الشهير:
لكل زمان آية.. وآية هذا الزمان الصحف
إلى القول بأن آية هذا الزمان.. هي النقل التلفزيوني المباشر الذي يتابعه كل الناس ويمكن أن يشارك بالرأي فيه معظم الناس.
الصفحة الرئيسة
أقواس
فضاءات
قضايا
تشكيل
ذاكرة
مداخلات
الملف
الثالثة
مراجعات
اوراق
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved