الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الجزيرة
Monday 31th May,2004 العدد : 61

الأثنين 12 ,ربيع الثاني 1425

المعارك اللغوية بين حمد الجاسر وعبدالقدوس الأنصاري
د.نبيل بن عبدالرحمن المحيش

كان الأستاذ حمد الجاسر معاصراً لعبد القدوس الأنصاري، وتربطهما صداقة الأدب، ويحدثنا الجاسر عن منزلة الأنصاري في نفسه وفضله عليه فيقول: (منزلة الأستاذ الأنصاري في نفسي ليست بحاجة إلى أن أتحدث عنها فأنا أعترف له بالفضل بالنسبة إليَّ، لأنه كان أول من أتاح لي فرصة نشر بعض آرائي، بل كان مشجعاً لي، حيث أفسح لي في مجلته بأن عمد إليَّ نشر كل ما أقدمه له بل كان فوق ذلك يدفعني في كثير من الأحيان إلى أن أكتب في موضوعات لم أفكر بأن أكتب عنها، ولهذا جعلني أطرق نواحي فكرية كان هو السبب في أن أتعمق في دراستها)(1).
ويعترف الجاسر بما قدمه الأنصاري من جهود كبيرة في دفع الحركة الثقافية والأدبية في البلاد 1324هـ إلى الأمام، وبكونه رائداً من الرواد في ذلك (وجهد الأستاذ الأنصاري في المجال الثقافي من بلادنا وأثر ذلك واعتباره من الرواد في هذا المجال، كل ذلك لا ينكره إلا جاهل أو مكابر، ومجلة المنهل ومؤلفاته تعتبر ذخيرة من الذخائر الثقافية التي تضاف إلى ما لبلادنا من الآثار النافعة في المجالات الفكرية.
ولقد متَّعه الله بعمر مديد حيث ولد سنة 1324هـ وعاش متمتعاً بالصحة وقوة الحواس، بحيث إن إنتاجه الثقافي فيما ينشره من أبحاث في الصحف أو في مجلة (المنهل) بقي مستمراً حتى قبيل وفاته. ولا أبالغ إذا قلت بأن بلادنا فقدت بفقد الأنصاري أحد رواد الثقافة والأدب الكبار الذين لهم في كل مجال من ذلك آثار نافعة ليس هذا موضع استقصائها)(2).
وقد حدث خلاف بين الجاسر والأنصاري حول بعض الآراء، أدى إلى جفوة مؤقتة بينهما، وهو ما يحدث عادة بين المتعاصرين ممن تجمعهم مهنة واحدة، ولذا يقول الجاسر عن هذا الخلاف: (حقاً لقد كان بيني وبين الأستاذ عبدالقدوس رحمه الله ما يكون عادة بين المتعاصرين، الذين تجمعهم مهنة واحدة، ولكنني كنت أعتبر أن ما جرى بيننا لايعدو أن يكون خلافاً في بعض الآراء، لا يصل إلى درجة إثارة البغضاء والكراهية أو يدعو إلى التقاطع)(3).
وهو يرى أن هذا الخلاف (عاد على حركتنا الثقافية بنوع من الحركة، إن لم تكن في نظر البعض ذات فائدة عظيمة فإنها ولا شك أبرزت صورة من صور ما يحدث بين متعاصرين شريكين في حرفة واحدة هي حرفة الأدب)(4).
* معركته اللغوية مع الأنصاري حول (جيم) جدة:
يلخص الجاسر أساس الخلاف الذي نشأ والمعركة اللغوية التي نشبت بين الأديبين حول قضية ضم جيم جدة، وشارك فيها عدد من الأدباء بقوله: (وخلاصة ماجرى أن جريدة عكاظ نشرت بتاريخ 13 رجب 1385هـ كلمة نسبت فيها إلى أحدنا على لسان الآخر ما كان سبباً في تجاذب الحديث بيننا، بدرجة قد تخرج أحياناً بالنسبة لكلينا عن دائرة النقاش الفكري في الحدود العلمية، وكان من أثر ذلك أن استفادت بعض الصحف بأكثر من أربعين مقالة مني ومنه ومن غيرنا من الكُتَّاب.
والموضوع في حد ذاته قد يعتبره بعض المثقفين تافهاً، لأنه يتعلق بضبط اسم (جدة) ولكل واحد منا رأيه في ذلك، فكان الأستاذ عبدالقدوس رحمه الله غيرةً منه على اللغة العربية، وحفاظاً على كيانها من العبث، وحرصاً على عدم انتشار اللحن، كان يرى وجوب ضم الجيم، وكنت أرى أن الأمر أوسع من ذلك في هذا الاسم، فهو يتصل بجوهر اللغة، وضبط الأسماء غالباً ما يكون بطريق السماع. ولاشك أن الأستاذ الأنصاري رحمه الله كانت له مجالات في المباحاث اللغوية وأنه كان أقدم مني في هذه المباحث، وأقدر مني، وقد ألّف في ذلك وأنا ما أزال طالباً في (المعهد السعودي بمكة) وكنت أعترف له دائماً بالفضل، إلا أنني آخذ عليه وعلى غيره بعض المآخذ كما يأخذ هو وغيره عليَّ مثل ذلك (فالكمال لله وحده، والعصمة لأنبيائه)، وإنني لأحمد الله تعالى على أننا تصافينا، وزال ما في نفوسنا من تأثر، ولم يرحل أحدنا من هذه الدنيا الفانية وفي قلبه ضغينة على أخيه)(5). وكان رأي حمد الجاسر هو إباحة الضم والكسر والفتح في جيم جدة، ويعلل ذلك بخفة الاستعمال وسهولة النطق: (فكل ما كان اللفظ سهلاً في النطق ولم يكن يترتب عليه تحوير أو تغيير في المعنى وخاصة في أسماء المواضع، فلا مانع من النطق به بهذه الصفة ما لم يكن هناك نص صريح معقول في تحديد النطق)(6). ويرد الأنصاري على استناد الجاسر إلى سهولة النطق فيقول: (إن الضم أسهل في الجيم خاصة، فحركة الضمة فيها تخرج من الشفتين واللسان والحنك معاً إلى خارج الفم في الجيم ذاتها.. أما كسرة الجيم فتخرج من اللسان والحنك معاً، ولكن إلى داخل الفم حيث يبتلع المتلفظ بالجيم المكسورة شيئاً من نَفَسِه إلى داخل الحلق مما يزيد في صعوبة النطق وعسره نوعاً ما)(7).
كما يرد على إجازته تغيير النطق في أسماء المواضع إذا لم يترتب عليه تحوير أو تغيير بأنه ليس من حقنا أن نتصرف من عندنا في حركات أسماء المواضع الموضوعة من قبل العرب قديماً، لئلا يختلط الحابل بالنابل وتتغير أسماء المدن والمواضع(8).
ويقول بأنها (قاعدة لا يعول عليها علمياً بل إن المعول على ضدها ويجب العدول دائماً من الأخف في الاستعمال على ألسنة الناس اليوم إلى الصحيح ليسلم كيان اللغة من الأوشاب والأوصاب التي تدفعها إليها اللهجات العامية المختلفة دفعاً عارماً مستديماً). ثم يورد الأنصاري سلسلة من النصوص لعدد من اللغويين والأدباء والجغرافيين والرحالة القدامى والمحدثين تدل دلالة واضحة على ضبط جيم جيدة بالضم (9).
* خلافهما حول مدينة جازان:
سبق أن اختلف حمد الجاسر مع عبد القدوس الأنصاري حول مدينة (جازان) وكان رأي الأنصاري هو فتح جيم جازان واتباعها بألف ممدودة بدلاً من استعمال الصيغة الشائعة خطأ (جيزان)(10). وكان رأي حمد الجاسر هو البقاء على الاستعمال الشائع المشهور، وأن الخطأ المشهور خير من الصواب المهجور(11). ولكن الأنصاري نقب في بطون الكتب وأخذ يسرد الدليل على ما يراه صواباً، وقد عاد الجاسر إلى رأي الأنصاري(12) لم تطل القضية بينهما أو تشغل اهتمام غيرهما من الأدباء واللغويين. ومن خلال تتبعنا للمعركتين اللتين دارتا حول مدينتي جدة وجازان يتبين لنا أن عبدالقدوس الأنصاري كان حريصاً على تصحيح الأخطاء اللغوية الشائعة، كما يتبين لنا قدرته على استنباط الأدلة وتمكنه من اللغة وقدرته على البحث وتفنيد آراء الخصوم كما يتضح لنا جلياً دفاعه عن آرائه من غير تجريح أو تقريع للآخرين. وهذا يدل على مكانته في البحث اللغوي الذي قدره له من عناصره مثل علامة الجزيرة الأستاذ حمد الجاسر. كما يتضح لنا مدى نزاهة وموضوعية الأستاذ حمد الجاسر في كلامه حول عبدالقدوس الأنصاري.
(1) مجلة المنهل، العدد 430 محرم وصفر 1405هـ ص (133).
(2) مجلة العرب الجزء 4،3 السنة 18 رمضان وشوال 1403هـ ص (269).
(3) المرجع السابق ص (266).
(4) مجلة المنهل، العدد 430 محرم وصفر 1405هـ.
(5) مجلة العرب الجزء 4،3 السنة 18 رمضان وشوال 1403هـ.
(6) التحقيقات المعدة بحتمية ضم جيم جدة لعبدالقدوس الأنصاري ص (60).
(7) المرجع السابق ص (62).
(8) المرجع السابق ص (68).
(9) المرجع السابق ص 72 وما بعدها.
(10) المرجع السابق ص (59).
(11) المرجع السابق ص (59).
(12) المرجع السابق ص (59).
الصفحة الرئيسة
أقواس
فضاءات
قضايا
تشكيل
ذاكرة
مداخلات
الملف
الثالثة
مراجعات
اوراق
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved