الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الجزيرة
Monday 31th May,2004 العدد : 61

الأثنين 12 ,ربيع الثاني 1425

الامتحان الذي لا ينتهي بشهادة!!
إبراهيم بن عبد الله السماري

(الامتحان) عنوان ديوان شعر للأستاذ عبيد الشحادة، صدر في 64 صفحة بحجم 11\15سم عن دار عكرمة بدمشق عام 1424هـ 2003م تضمن تسع قصائد قصيرة، فإذا تجاوزنا ما في تلك القصائد عن غرض المدح نجد ان تناول الشاعر لبقية الأغراض الشعرية في ديوانه اتسم بالواقعية، ومحاولة الإطلالة على واقع أمته بمبضع تشخيصي في جانب، وتأنيبي في جانب آخر، مستخدماً في ذلك أسلوب القياس العقلي المستحضر للمتاح والممكن ووزنه في ميزان الواقع حيناً، وأسلوب التشريح اللفظي للعلل والأدواء المتمكنة في جسدها حيناً آخر، مما ألقى بظلال تشاؤمية في كثير من إطلالاته الشعرية، كما هو واضح في قصيدته (امة التصفيق) وقصيدته (قبيلة المتناقضات) وقصيدته (مرآة بلقيس).
استخدم الشاعر مفردات لغوية جميلة، ورسم صوراً بلاغية معبرة، في غالب أبيات قصائد الديوان، في مثل قوله في قصيدة (ليلى):
سراب أنت يغريني بماء
ولغز غامض يبدو جميلا
أؤمل فيك ما ينأي منالاً
فكنت كمن يحاول مستحيلا
كأني لا أريدك أو كأني
أرى ما فيك لا يشفي الغليلا
ينغصني أمامك أن تكوني
كمثل الحلم لا يبقى طويلا
وظهرت هذه الصورة جلية واضحة في قصيدة (العانس) حين يقول:
أفنى حياء أنوثتي صبر الفتاة
ولواعج الحرمان في جمر الأناة
وكوامن الآهات في أرق الدجى
وتمرد الجريان في عين المهاة
أنا رفة الطرف الحزين مكحلاً
بصدى ابتسامات الشفاه الذابلات
فإلامَ يجهلني أبي ما أشتهي
وإلامَ امي لا تعير لي التفات
وأخي تجاهل رغبتي وهو الذي
أحرى بها فهماً بدون الترجمات
وأدوا يفاعي في لحود عيونهم
وحثوا على رمسي غبار الترهات
أنا لم اكن مما يباع ويشترى
حتى يغالي قيمة المهر الغلاة
ما مال قارون الكثير براجح
عندي على بوحٍ أحبك يا فتاة
شرف بأني الدر في أصدافه
لا بهرجات الكاسيات العاريات
من جاء يخطبني يشاطر والدي
قلقاً يساوره نزاع مرتبات
أجتر حرماني وأشرب دمعتي
هيهات ترويني البحار المالحات
ثكلى تعذبني طيوف وليدي ال
مدفون في أحضان كل الأمهات
ويروعني الكابوس أصرخ إنني
أأبى الرقود على فراش العانسات
وبرزت قدرة الشاعر على حياكة الاحداث والمواقف في ثوب شعري زاهٍ من خلال قصيدته (الامتحان) التي اختارها عنوانا لديوانه، وذكر ان قصتها حدثت لصديق من أصدقائه فسجلها شعراً، معللاً ذلك بأن أجنحة الشعر تطوي المسافات، ومن أبياتها:
في المغرب العربي غرب شماله
في بلدة بالقرب من وزّان
نشأ الفتى عبد الرحيم بمنزل
متوشح بسكينة الإيمان
وقد التقى كهل به فترافقا
وبنية العمل التقى الاثنان
وأحله الكهل الكبير ببيته
كفتى له من سائر الفتيان
فتخطف الإعجاب إذ حتى التي
قد عدها أما من النسوان
تطريه ألفاظاً وتمعن قربه
ويظنها كالأم منه تداني
وهي التي تدنو تراوده الخنا
ترخي عليه نعومة الثعبان
فاستجمعت كل المثيرات التي
تغريه واتكلت على الشيطان
واستدرجته لباب مخدعها فلم
يك قبل ذاك لها من الأخدان
ومضت تطارحه الحديث مداخلاً
تفضي لغايتها ببعد معان
رفع العيون إلى السماء بدعوة
يا رب إني مبتلى وتراني
وهكذا يمضي في تحريك أحداث القصة بتفصيلاتها الدقيقة من خلال مئة وسبعة وعشرين بيتاً، في تناغم تام، وتقارب لفظي، وتناسق بين الصور والمعاني. تميز الديوان بتفاعل الشاعر مع جراح أمته والأحداث المستجدة، ليسجل انطباعاته وآهاته عنها شعراً، فهو في قصيدة (حجاب مروة) يتفاعل مع قضية الحجاب في فرنسا، وفيها يقول:
يا تاج مروة رائعاً ومهاباً
لله درك يا حجاب حجابا
أفزعتم في عقر مأمنهم وهم
أقوى عليك تحزباً وجنابا
أحرجتهم في منبر متحرر
وسع الجميع وضاق عنك رحابا
يا أمة الإسلام هذا رمزكم
والرمز أولى ان يكون مهاباً
(الامتحان) لعبيد الشحادة رغم صغر حجمه يعد إضاءات شعرية تعبر عن إمكانات الشاعر الفنية، وقدرته على تطويع موسيقى النص لمخاطبة عاطفة المتلقي ووجدانه وعقله عبر أدوات تكاد تكون حركية باستخدامها المقارنات والإشارات والدلالات. ورغم أن الديوان حمل اسم (الامتحان) إلا أنه يقيناً امتحان لا يحتاج إلى شهادة لتأكيد طبيعته، أو الوفاء بفروضه؛ فقد كان واضحاً من النص ومما صرح به المؤلف أن ذلك الامتحان أداء لإخلاص الموقف، وأمانة ما يجب، في استمرار لا ينقطع، قاصداً أن يعزف هديلاً يرن صداه في أذن الزمن!!

alsmariibrahim@hotmail.com
ص.ب 30242 الرياض 11477

الصفحة الرئيسة
أقواس
فضاءات
قضايا
تشكيل
ذاكرة
مداخلات
الملف
الثالثة
مراجعات
اوراق
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved