Culture Magazine Monday  31/12/2007 G Issue 227
الملف
الأثنين 22 ,ذو الحجة 1428   العدد  227
 

الأديب الرائد
عبدالله بن أحمد الشباط

 

 

كلما مرَّ اسم الشيخ الأديب الشاعر عبدالله بن عبدالعزيز بن إدريس أمام ناظري عادت بي الذكرى إلى ما قبل نصف قرن عندما كنت أتابع طباعة جريدة الخليج العربي في مطابع الرياض عام 1376هـ وكان هو يقوم بتصحيح بعض مطبوعات مطابع الرياض، فكنا نلتقي باستمرار لقاءات ودية، كنت استفيد خلالها من توجيهاته. وقد ازدادت نظرة الإكبار والتقدير له عندما أهداني باكورة إنتاجه الأدبي (شعراء نجد المعاصرون) في طبعته الأولى عام 1380هـ. وهو الكتاب الذي يُعدُّ فتحاً في تاريخ الأدب والنقد في وسط الجزيرة العربية، حيث قام بتعريف الكثير من الشعراء المغمورين الذين كان إنتاجهم قليل الظهور في الصحف، حيث وسائل الإعلام محصورة في الصحف والمجلات المحدودة العدد. وقد لقي ذلك الكتاب اهتماماً وترحيباً من محبي الأدب باعتباره وضع أسس الدراسة الأدبية للأدب المعاصر في نجد. فعن طريق ذلك الكتاب تعرفت على كثير من الشعراء المعاصرين الذين لم أسمع عنهم، وهو عمل غير مسبوق في منطقة نجد خاصة ولا يضاهيه في الأهمية سوى كتاب (أدب الحجاز) الذي ألفه محمد سرور الصبان عام 1344هـ وكتاب وحي الصحراء الذي ألفه كل من محمد سعيد عبدالمقصود خوجه، وعبدالله عمر بالخير -رحمها الله- عام 1355هـ، وكتاب الأدب في الخليج العربي الذي ألفه الأستاذ عبدالرحمن عبدالكريم العبيد وطبع بدمشق عام 1377هـ. وقد تفرقت بنا السبل عندما انهمك كل منا في أداء رسالته التي كرَّس نفسه لها، ومرت فترة طويلة لم نتواصل حتى حسبت أنه - حفظه الله - قد نسيني فإذا به يفاجئني بهدية ثمينة منه عنوانها (في زروقي)، وهو ديوان شعر طبعه في عام 1404هـ عدد صفحاته 350 صفحة من القطع الكبير موزعة قصائده على ستة أقسام حسب مواضيعها: (القوميات، الإسلاميات، وطنيات واجتماعيات، المراثي التأمليات، الوجدانيات، في أحضان الطبيعة).

وفي قراءة استطلاعية لاحظت أن قسم الوجدانيات هو أفقر الأقسام حيث لم يحتوِ سوى على سبع مقطوعات خمس منها قيلت بين عامي 1375هـ، 1377هـ وقطعتان لم يذكر لهما تاريخ، عنوان الأولى ضمخيني:

ضمخيني بشذا الحلم وعطر الذكريات

وبما ضم فؤادينا من الماضي المواتي

من ربيع الحب من خمر الأماني المترفات

وأمنحي روحي أنسام رفيف الأمنيات

علني أنعش هذي النفس من ذي الخطرات

أما المقطوعة الثانية فعنوانها (البهية) جاء مطلعها:

أيا بهية يا أبها النساء ويا

بنت الزمان وفيك الحسن عنوان

خطفت قلبي بعين جل خالقها

كعين ريم وهل للريم صنوان؟

ويظهر أن بهية بعد أن خطفت قلب الشيخ لم تترك له فسحة للتغزل بغيرها، ولعل مشاغله ومراكزه التربوية والثقافية في التعليم وفي الحراك الثقافي بعد أن أنبطت به رأسه نادي الرياض الأدبي لم تترك له فرصة ليستريح قلبه على طوار الغزل المصاحب لذلك النهج الشعري الأصيل، كان الله في عونه، لذلك عدت من جديد استعرض قصائد الديوان وافتش بين زواياه عن قصائد حديثة باعتبار زمن طبع الديوان فعثرت على قصيدة وطنية عنوانها أميرة المدن أنشدها الشاعر بمناسبة وصول المياه المحلاة إلى الرياض من ضفاف الخليج العربي عام 1403هـ قال فيها:

تلفتت خشية أن تفقد المددا

أو بسلب المنتج من أعماقها الرغدا

وحدقت بعيون ملؤها ثقة

أن المهيمن لن يضوي لها جسدا

وأيقنت أن فتح الله متسع

بالعلم سخر ما يجري وما جمدا

فعاد مأملها رحباً لحاضرها

واستشرفت غدها المزهو متئدا

تشكو إليه جوى من وجد غيبته

إذ طالما انتظرت منه القدوم غدا

وجاء يبلغها أن الهوى قسم

تبادلاه.. فلم يخفر لها عقدا

وها هو اليوم بدنو من رغائبها

يطوي المفاوز من شوق بما وعدا

وأذكر أنني كتبت تنويهاً عن هذا الديوان في مقالة نشرت في إحدى الصحف المحلية جددت في البحث عنها فلم أعثر لها على أثر ولي العذر في ذلك لأنني بدأت أنسى أشياء كثيرة من حولي لأن حوادث الأيام تركت على جدار الذاكرة شروخاً لا يمكن ترميمها.

وقد زاد أفضاله بأن تفضل علي بنسخة من كتاب (كلام في أحلى الكلام) في عام 1410هـ (دراسات شعرية) وهو كتاب نقدي لبعض الأعمال الأدبية قال عنه في المقدمة: (قد لا تتفق هذه الدراسات النقدية أن تسمى هكذا مع مناهج النقد كونها تحتفظ بسمات من النقد العربي الأصيل المشتق أصلاً من نقد الشيء نقداً نقره ليختبره أو ليميز جيده من رديئة، يقال نقد الدراهم والدنانير، ويقال نقد الشعر أظهر ما فيه من عيب أو حسن، وهذا ما قصدته تماماً من وضع مسباري على هذه المجموعة الشعرية التي تضمنها الكتاب). وأنطلاقاً من هذه الأسس وقف أخونا الأديب مع بعض الدواوين الشعرية مستذكراً ما فيها من مواطن الجودة والجدة فأشاد ببعضها وأشاح عن بعضها الآخر. ولا شك أن الأستاذ عبدالله بن إدريس له سابقة في النقد ممثله في كتابه الموضوعي (شعراء نجد المعاصرون) الذي سبقت الإشارة إليه.. ولا شك أيضاً أن موقعه في مجال التعليم الجامعي المتخصص في العلوم الدينية والعربية وضع أمامه فاعدة صلبة يتكئ عليها عندما يكون رأياً في أي عمل أدبي يقع تحت يده خاصة وأن لديه تجربة ثرية في مجال النشر الأدبي في مجلة الدعوة وبعض المجلات المحلية التي تولي الشأن الثقافي أغلب اهتمامها، ومن سيرته الشخصية أنه منذ أن تخرج من كلية الشريعة واللغة العربية بجامعة الأمام محمد بن سعود الإسلامية وهو مرتبط بعجلة التعليم من عام 1376هـ حتى عام 1385هـ حيث أعبرت خدماته لمؤسسة الدعوة الإسلامية الصحفية لمدة سبع سنوات رئيساً لتحرير مجلة (الدعوة) عاد بعدها لوزارة المعارف ثم انتقل إلى جامعة الإمام عام 1396هـ وواصل عمله بها حتى عام 1409هـ حيث أدركه التقاعد.

ومن سيرته أيضاً أنه كان عضواً في العديد من اللجان التي تهتم بالشأن الثقافي وكان أهمها توليه رئاسه النادي الأدبي بالرياض. وقد حصل على جوائز وميداليات التكريم في أكثر من مناسبة.

والجزيرة الثقافية عندما تفتح هذا الملف إنما هو رسالة له بأنه لا يزال بين القلب والعين من كل له علاقة بالهم الثقافي. ونقول للقراء من الأدباء والصحفيين هذا واحد منكم سبقكم على درب فرشت أرضه بالشوك والحجارة فاجتازها بسلام فلا تتوانوا عن السير على رسم خطاه خصوصاً بعد أن توفر لكم ما لم يتوفر له من الإمكانيات المادية والتقنية.

إن الأديب عبدالله بن إدريس واحد من الأعلام الرواد في بلادنا العزيزة ويستحق منا كل تقدير. ولا شك أن موالاة إصدار هذه الملفات ما هو إلا تأكيد للدور الثقافي الذي تضطلع به مؤسسة الجزيرة الصحفية، كما أنه حفظ لحق أؤلئك الأعلام في الخلود اعتماداً على ما خلفوه من تراث ثقافي راشد.


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة