Culture Magazine Monday  31/12/2007 G Issue 227
مداخلات
الأثنين 22 ,ذو الحجة 1428   العدد  227
 

عود إلى (أنّ) المفتوحة
أبوأوس إبراهيم الشمسان

 

 

أكرمني أخي عبد البر علواني سليمان بقراءة ما كتبته أنفي أن يكون في (أنّ) المفتوحة شيء من التوكيد(المجلة الثقافية،ع 217)، وكتب تعقيبًا رائعًا (المجلة الثقافية،ع222)، وذهب فيه إلى إقرار المألوف من قول النحويين في دلالة (أن) المفتوحة على التوكيد، ولا أشك أنّ معاندة أمر مشهور قد لا يلقى القبول لأنه يزعج الإلف والتعود، وكنت وعدت بالجواب على ما تفضل به. وكان أخي بدأ بتقريره قائلا: «ثم هناك قرائن ودلائل لغوية على إفادة (أنَّ) معنى التوكيد، ألا ترى أن قولك: (علمت أنَّ زيدًا قادم) آكد من قولك: علمت زيدًا قادمًا)». ويعلم أخي أني لا أراها كذلك وأن لو رأيت ذلك ما كتبت ما كتبت. واستدل لدلالتها على التوكيد قائلاً: «فإذا كان لا سبيل إلى اليقين القاطع فلا مجال للتوكيد بها، وذلك كما ورد في قوله تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلاَ تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ}(10)سورة الممتحنة، لم يقل عزّ من قائل: فإن علمتم أنهن مؤمنات، لأن الإيمان أمر قلبي لا يعلمه ولا يطلع على حقيقته إلا الله، ولذا قال {اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ} اكتفى بالأمارات والدلالات الظاهرة الدالة على الإيمان، ولم يؤكده. وهذا الذي ذهب إليه أخي عبد البر دليل عدميّ، إذ ترك استعمال (أنَّ) في الآية ليس دليلاً على أنّها للتوكيد. لأن التوكيد أمر اختياري ويحتاج إليه في غير المتيقن أيضًا لدفع إنكاره. ألست تقول: أعلم أنك محب للخير، والحب أمر قلبي لا يطلع على حقيقته إلا الله، أفيجب أن تقول: أعلمك محبًّا للخير. وأنت تقول: (يعجبني أنّك مؤمنٌ بالله). فهل دخلت (أنّ) لأنه ثمة سبيل لليقين القاطع. وهل تحذف من المتيقن في الجملة (يعجبني أنّك حاضرٌ بيننا الآن). واستدل قائلاً: «وقال تعالى: {الآنَ خَفَّفَ اللّهُ عَنكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا}(22) سورة الأنفال. فجاء ب(أنَّ)، لأنه علم مؤكد. فالسؤال هنا ما معنى التوكيد الذي ينسبه النحويون ل(إنَّ) المكسورة؟ إنه توكيد اتصاف المبتدأ بالخبر والغرض منه إقناع المخاطب بذلك، وليس في الآية ?عند التأمل- إقناع للمخاطب بل هو إخبار بعلم الله بالضعف وهو علم الله المؤكد في كل الأحوال، فلا فرق عندي بين (علم الله فينا ضعفًا) و(علم الله أنّ فينا ضعفًا) فالجملتان صحيحتان والعلم مؤكد فيهما معًا لأنه علم الله. ثم استدل فقال: وقال تعالى: {إِنَّ شَرَّ الدَّوَابَّ عِندَ اللّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لاَ يَعْقِلُونَ * وَلَوْ عَلِمَ اللّهُ فِيهِمْ خَيْرًا لأَّسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّواْ وَّهُم مُّعْرِضُونَ} (22-23)سورة الأنفال. فقال: (ولو علم الله فيهم خيرًا)، أي لو علم فيهم جانبًا ضعيفًا من الخير غير محقق ولا متيقن لأسمعهم، أي أن هؤلاء ليس فيهم شيء من الخير المحتمل، ولذا لم يأت بأن. والله أعلم. وما أفهمه أنك تقصد أن الخير غير متحقق فيهم ولذلك لم يؤكد ب(أنّ)، فما تقول في قوله تعالى{وَلَوْ أَنَّهُمْ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَمَثُوبَةٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ خَيْرٌ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ} (البقرة:103)هل الإيمان متحقق حتى يؤكد؟ ثم استدل قائلاً: «وقال على لسان يوسف لأخوته: {أَلاَ تَرَوْنَ أَنِّي أُوفِي الْكَيْلَ وَأَنَاْ خَيْرُ الْمُنْزِلِينَ} (59) سورة يوسف، فقال أولاً: {أَنِّي أُوفِي الْكَيْلَ} على التوكيد بأن، ثم قال و(أنا خير المنْزلين) على غير سبيل للتوكيد وذلك -والله أعلم- أنه في الحكم الأول متأكد من أنه يوفي الكيل، تأكدًا لا شك فيه، لأن هذا أمر يستطيع الجزم به بخلاف ما بعده (وأنا خير المنْزلين) فإن هذا الحكم ليس بمنزلة الحكم الأول في التحقيق واليقين فجاء به غير مؤكد، فخالف بين التعبيرين لاختلاف الحكمين». وتعلم أخي أن الفعل (ترون) بصرية هنا وبدون (أنّ) قد يكون الفعل قلبيًّا (تروني أوفي الكيل). ولا أرى فرقًا بين الأمرين فهو على ثقة من أنه يوفي الكيل وأنه خير المنْزلين، ولو كانت (أنّ) للتأكيد لأدخلها على الجملة الثانية فالقضيتان مرتبطتان في غرض إغراء إخوته ليحضروا أخاه، لأن الغرض من التأكيد إقناع المخاطب. ثم يستدل قائلا: (ومما يدل على أنها للتوكيد، أن القرآن الكريم إذا قرن الظن بها أفاد اليقين -كما يقول النحاة - فحيث اقترنت به في القرآن الكريم أفاد الظن معنى العلم واليقين). وقد جاء ذلك في كثير من الآيات. قال تعالى: {وَاسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلاَّ عَلَى الْخَاشِعِينَ * الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُم مُّلاَقُو رَبِّهِمْ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ} (45-46)سورة البقرة، وقال: {إِنِّي ظَنَنتُ أَنِّ ي مُلاَقٍ حِسَابِيهْ * فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَّاضِيَةٍ* فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ}(20-22)سورة الحاقة، فإن الظن يلحق بالعلم واليقين.، «والذي يمكن أن أقوله هنا أني لا أعلم أحدًا من النحويين قال بذلك فلعل أخي عبدالبر يدلني مشكورًا على مصدر هذا . وما أجده أن الظن في استعمال العرب يدل على اليقين والشك ولذلك صنف في الأضداد، والمسألة متعلقة بالسياق فهو الذي يحدد تلك الدلالة، ولا علاقة لفتح (أن) بها. أورد الأزهري في معجم (تهذيب اللغة): مادة(ظن): (الظَنُّ يقين وشكٌّ), وقال الجوهري في معجم (الصحاح) مادة:(ظنن): لظَنُّ معروف، وقد يوضع موضع العلم. قال دريد بن الصمَّة:

فقلت لهم ظُنُّوا بألفَيْ مُدَجَّجٍ

سَراتُهُم في الفارسيِّ المُسَرَّدِ

أي استيقِنوا، وإنَّما يخوِّف عدوَّه باليقين لا بالشك. (ونجد في تفسير القرطبي (13: 289) قوله عند تفسير الآية {وَظَنُّوا أَنَّهُمْ إِلَيْنَا لا يُرْجَعُونَ}(القصص:39) "أي توهموا أنه لا معاد ولا بعث.

وجاء في تفسير الطبري (21: 455) «وقوله:{وَلَكِنْ ظَنَنْتُمْ أَنَّ اللَّهَ لا يَعْلَمُ كَثِيرًا مِمَّا كنتم تَعْمَلُونَ} (فصلت: 22) يقول جلّ ثناؤه: ولكن حسبتم حين ركبتم في الدنيا من معاصي الله أن الله لا يعلم كثيرًا مما تعملون من أعمالكم الخبيثة، فلذلك لم تستتروا أن يشهد عليكم سمعكم وأبصاركم وجلودكم، فتتركوا ركوب ما حرّم الله عليكم).

aboaws11@gmail.com


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة