Culture Magazine Monday  31/12/2007 G Issue 227
تشكيل
الأثنين 22 ,ذو الحجة 1428   العدد  227
 

أجمع النقاد على ريادته للأسلوب
الشيخ يقيم معرضه التاسع في صالة الأمير فيصل بن فهد بمعهد العاصمة

 

 

إعداد : محمد المنيف

مساء اليوم في صالة الأمير فيصل بن فهد للفنون التشكيلية موعد افتتاح معرض الفنان التشكيلي عبدالله الشيخ الذي نظمته له وكالة الشؤون الثقافية بوزارة الثقافة والإعلام، ويفتتحه الأديب إبراهيم العواجي، بحضور وكيل وزارة الثقافة والإعلام للشؤون الثقافية الدكتور عبدالعزيز السبيل. وقد تم توجيه الدعوة لحضوره إلى مختلف المثقفين والتشكيليين. هذا المعرض يعتبره التشكيليون في الرياض من أهم المعارض التي تستحق الزيارة؛ عودا إلى ما يمتلكه الشيخ من مكانة مهمة في الساحة التشكيلية المحلية والخليجية بما يقدمه من أعمال تلفت النظر، وتفرض الاحترام، وتثير الفضول في كل خطوة يتقدم بها في الساحة. يأتي المعرض القادم حاملاً الرقم تسعة؛ ما يدفع الكثير إلى التساؤل: لماذا لم يقم سوى هذا العدد حتى الآن.. رغم قدم تواجده على الساحة واعتباره من رواد البدايات ورواد الأسلوب أيضا، في وقت تنافس الكثير فيه بتعدد المعارض وكثرتها؟ هنا يقف السؤال شامخاً وتبرز الإجابة أكثر شموخاً؛ فالفنان الشيخ لم يكن يعنيه الكم أو كثرة المعارض، مع أنه قادر عليها، بقدر ما يعنيه الكيف أو النوعية والمستوى؛ فالفن فكرة، والفكرة لا تولد إلا بعد أن تتشكل في رحم العقل والذاكرة، لتصل إلى مرحلة الولادة التي تمر بمخاض عسير يتبعها رعاية واهتمام قبل أن تظهر للعيان من خلال اللوحة؛ لهذا كان الفنان الشيخ حريصاً على ألا يقدم إلا الجديد، ولا يتواجد إلا إذا كان لديه ما يضيف إلى الساحة كل إبداع متميز في الشكل والمضمون، وهذا ديدن الكبار الحريصين على ألا يأتوا إلا ومعهم ما يبقى أثرا لا ينقطع في ذاكرة المتلقي، يستمر معه إلى موعد آخر.

الفنان الشيخ يحمل مؤهلاً عالياً من معهد الفنون الجميلة في بغداد عام 1959، عاصر خلال دراسته تلك عمالقة الفنانين في العراق، ونهل من تجاربهم ما يجعله في مقدمة الأسماء البارزة في مجاله.

تنوع وتميز

المتابع لإبداعات عبدالله الشيخ يكتشف ما يختزله هذا الفنان من رؤية نافذة عبر بصيرة متأمّلة، يلج بها إلى أعماق الواقع المرئي بكل أجزائه وتفاصيله، ويمتد كانسدال ضياء الصبح على فضاءات الأرض، يلامس محيطه، ويتواجد فيه أيضاً.

بدأ واقعياً خلال دراسته، مهتماً بالبيئة.. إلا أنه لم يستطع التوقف أمام قدراته المبكرة في البحث عن جديد الإبداع، فاتخذ لنفسه أسلوباً فنياً خاصّاً به؛ نتيجة ما جمعه واختزله من ثقافة بصرية ووعي بالفنون العالمية، مطوراً أدواته، محافظاً على قيمه الراسخة المؤطَّرة بهويته الوطنية؛ حيث نرى انعكاس البيئة في لوحات الشيخ بعناصرها البيئية والاجتماعية، غامساً فرشاته في تراب الوطن، مستخلصاً منه ألوانه من الصحراء من رمال النفود وسمرة الوجوه وألوان سنابل القمح.. وفي بيوت القرية، مسترجعاً واقعها الجميل: الإنسان والحياة البسيطة. ومع أن هذا الواقع ما زال راسخاً في مخيلة المبدع الشيخ إلا أن ما عاشه في مراحل حياته اللاحقة في محيط الصناعة والآلة، وما تبع ذلك من أحداث كانت تحيط بموقعه في المنطقة الشرقية من المملكة، وما يشكله الموقع من أهمية عالمية تدور حولها مختلف القضايا، كانت نقلة أخرى نحو التعبير عن تلك الأحداث وعن واقع الإنسان فيها، فخرج لنا بمجموعة من الأعمال برزت في معرضه الثامن بشكل واضح؛ حيث نرى الإنسان والآلة في محور واحد، يراه هو كفنان ويضعه في حيزه الذي يكشف من خلاله ما آلت إليه الحياة وكيف أصبح الإنسان في هذا العصر أقرب إلى افتقاد الإنسانية.

في أعماله يظهر الاستلهام المبستر لواقع الحياة بكل أشكالها الثابتة كأنماط البناء وهندستها والحال التي تبرز فيها زخرفتها من موقع لآخر بعد تحوير تلك الرؤى ومرورها وإخضاعها بمختلف مراحل التغيير نحو رؤيته الشخصية التي يتعامل بها مع منجزه التشكيلي. فعند النظر إلى تفاصيل العمل ومفرداته أو عناصره نجد أن الأشكال عامة تأخذ حقها في التوزيع الهرموني للون والتوازن في العلاقات الأخرى المكملة للعمل الناجح حيث تأخذ قالبها النهائي لمجمل التكوين مسيطراً على أي تمرد على الذات نتيجة قبول أي تأثير خارجي.

ومن الجوانب الهامة في تجربة أو مسيرة الفنان عبد الله الشيخ غنائية اللون التي يجمع فيها أحياناً بين المتضادات بين الألوان الساخنة والباردة في توزيع موسيقي لا يمكن أن يشعرك بنشاز أو يصدم الذائقة، وأحياناً أخرى يسعى إلى التعبير عن إحساسه بأبعاد فلسفية فتظهر ساخنة في مجمل عناصر اللوحة تبعاً للفكرة والموضوع أو هادئة بالرماديات المنسابة من بين أجزاء ومساحات تشكل التفافاً على بقية العنصر. ولهذا فالفنان عبد الله الشيخ يتعامل مع اللون بحساسية دقيقة وحرص شديد نتيجة قناعته بأن اللوحة بدون هذا المستوى من النقاء ومن التوظيف لن يكون لها قيمة أو معنى.

من جانب آخر، يسعى الفنان الشيخ إلى التكنيك بمواد وخامات إضافية أحدث بها ملمساً ونتوءات ونفوراً في سطح للوحة بأسلوب (الريليف) بمزج احترافي مع اللون محققاً بذلك في تكوينها العام إبراز الفكرة التي تأخذ أهمية كبرى في العمل ويأتي استخدام الفنان الشيخ لهذا الأسلوب بشكل مدروس عكس ما حاول به البعض التقليد أو المحاكاة أو الاقتراب من التجربة إلا أن الفارق كبير بين من يتعامل مع إبداعه بمرجعية تقنية وفكرية مؤطرة بالثقافة والوعي بعيدة المدى وبين من تعامل معها بالتجريب السريع في محاولات يائسة لتحقيق النجاح المرتجل. لقد استطاع الفنان الشيخ أن يضع أمامنا نتاج ما تعلمه من تكنيك وتوظيف للضوء والظل في العمل المسطح وتأثير الضوء من خارج اللوحة والتقائه بالعناصر المضافة، جامعاً بذلك بين اللوحة الزيتية وما يتبعها من صفات ومواصفات وبين المنحوتة الجدارية.

الشيخ والاهتمام بمحور العمل

يؤكد لنا الفنان عبد الله الشيخ قدرته على تجاوز الشكل التقليدي في تشكيل اللوحة، وجعل همه منصباً على المعاصرة والتفرد في كيفية توزيع العناصر والعناية الكاملة بالشكل العام، فارضاً الدور الأهم المكمل والمتمثل في التكوين، مؤكداً تميز أسلوبه الذي أخضع من خلاله مضامين إبداعه بكل مصادرها الحضارية والبيئية والاجتماعية، مستعيراً بها مختلف الملامح التقليدية المعروفة في تلك المصادر خصوصاً ما يشعر بضرورتها للتأكيد على الهوية.

وقد نجد تحليلاً مقنعاً للكيفية التي لامس فيها المظاهر الفيزيائية عند تعامله مع الوجوه خاصة وفي عموم رسمه للأشخاص، ودرجة الشفافية التي اقترب بها من أبعادها النفسية بتآلف يكشف مدى العلاقة بين الفنان والموضوع أو الفكرة وبين كيفية اختياره لزاوية رؤية لذلك الموضوع من أجل الوصول إلى المعالجة الحقيقية التي تصيب الهدف من إبداعه.

قالوا عن الفنان الشيخ

أعد للمعرض الذي يقام اليوم، ويستمر أسبوعين، كتيباً من كلمة للفنان وعدد من القراءات لفنانين ونقاد على المستوى العربي وأقلام محلية، تناولوا في كتاباتهم إبداعات الفنان عبدالله الشيخ وتجربته، منهم الدكتور عبدالعزيز السبيل الذي نقتطع مما جاء في مقدمته للكتاب قائلا: عبدالله الشيخ واحد من أبرز رواد الفن التشكيلي في المملكة العربية السعودية، عاش تجارب جغرافية وفنية مختلفة، انعكست بشكل إيجابي ومؤثر على مستوى إبداعه. وحين ارتبط بالبيئة المحلية من خلال رموزها المختلفة فإنه لم يتوقف عند رؤية واحدة؛ بل سبح في فضاء الفن عربياً وعالمياً، وتمازجت الرؤى لديه، ونجح في رسم خطوط وألوان خاصة به، جعلت من إبداعه أسلوباً متميزاً.

أما أسعد عرابي فيقول: يتفق فنانو الحركة التشكيلية المحلية على أهمية دور الرائد عبدالله الشيخ وموقعه الأصيل. وترسخ هذا الاعتراف مع تسارع تطورات لوحته؛ فهو لم يستكن أبداً للنتائج التي بلغها، ولم يقع مرة في فتنة طواعيته التقنية، وهي خصلة يتفوق فيها على أترابه من الفنانين، وخصوصاً الذين تعثروا في النمطية الأسلوبية. ولعل هذه الميزة حصَّنته منذ حياته الأولى من الاستشراف الفلكلوري واستعراضات الخطاب التراثي السهل، وانتظمت انعطافاته من جهة أخرى ضمن سياق متوحد الشخصية، محافظاً بأمانة توليفية على ما تلقاه في مراحله الدراسية في أكاديمية بغداد، وخلفت هذه الفترة في لوحته عقيدة التجريد الجداري النحتي.

أما عمران القيسي فيقول عن عبدالله الشيخ: هو أكثر من جيش من الشهود على حجم التحولات التي مرَّت بها ساحتنا العربية؛ فهو ذاكرة مملوءة بأصداء المدن والناس والأفكار التي تساقطت حتى قبل نضوجها المبكر؛ لذلك لا يمكن التعامل مع لوحة الفنان الشيخ إلا من خلال التلبس بحالة من اليقظة الهائلة والمراقبة الذكية.

أما الفنان عبدالرحمن السليمان فيقول عن الشيخ: مثلما تولد لوحات الفنان السعودي عبدالله الشيخ من رحم واقع هو مصدره للإبداع والعطاء، تعود أعماله لنشأته وتكوينه كمّا بتراكمات أحداث ووقائع تركت أثرها فيه منذ وقت مبكر من حياته، حيث بداية المعرفة بالألم والهم الإنساني بصورة واضحة.

monif@hotmail.com


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة