الاقتصادية المعقب الالكتروني نادي السيارات الرياضية كتاب واقلام الجزيرة
Sunday 18th September,2005 العدد : 132

الأحد 14 ,شعبان 1426

تراجع أمريكا إلى المركز الـ13 من الرابع
اليابان الأولى عالمياً في الاتصال السريع بالإنترنت

* إعداد إسلام السعدني
أيام عصيبة يبدو أنها تنتظر إدارة الرئيس الأمريكي جورج بوش ليس فقط بسبب المأزق الذي قادت الولايات المتحدة إليه في العراق، وإنما كذلك بسبب التدهور الذي طرأ على المكانة التي تحظى بها أمريكا على الصعيد الدولي في المجال التقني.
وليس أدل على هذا التدهور من أن الولايات المتحدة تراجعت من المركز الرابع في التصنيف العالمي لخدمات الاتصال بالإنترنت فائق السرعة أو ما يعرف أيضاً بالاتصال عريض النطاق إلى المركز الثالث عشر خلال السنوات الثلاث الأولى من وصول بوش للبيت الأبيض لأول مرة في يناير من عام 2001م.
ويشير ذلك التراجع إلى وجود العديد من المشكلات التي تشوب هذا النوع من الاتصال المتطور في أمريكا، سواء من حيث سرعته أو تكلفته، وهي عيوب ربما لا يوجد مثيل لها بهذا القدر في باقي البلدان المتقدمة.
إلى جانب ذلك، تتضاءل كثيراً في الولايات المتحدة نسبة من يستطيعون الدخول على الإنترنت بواسطة الهواتف المحمولة مقارنة بنظرائهم في بلدان العالم المتقدم الأخرى.
ولأن هذا التدهور الخطير بات كابوساً يؤرق العديد من الأمريكيين سواء كانوا خبراء في صناعة المعلومات، أو مواطنين عاديين يشعرون بالحزن لأنهم محرومون من مزايا كان يفترض أن يكونوا أول من يتمتع بها باعتبارهم أبناء أقوى دولة في العالم حالياً، أفردت مجلة (فورين أفايرز) الأمريكية الرصينة العديد من صفحاتها، لنشر مقال في هذا الموضوع كتبه توماس بليها، الذي يستكمل حالياً وضع اللمسات الأخيرة على كتاب جديد له يتناول السباق المحتدم بين دول العالم على انتزاع قصب السباق في مجال الإنترنت.
ويرجع بليها ما حل بأمريكا من تدهور لمكانتها في مجال تقنية المعلومات إلى التوجهات التي تتبناها إدارة بوش منذ تسلمها مقاليد السلطة في واشنطن، وتجاهلها لإعطاء الاهتمام اللازم لمسألة تطوير شبكات الاتصال فائقة السرعة في البلاد.
ويقر الرجل بألم واضح بأن الولايات المتحدة هي الدولة الوحيدة من بين الدول الصناعية الكبرى في العالم التي لا تمتلك استراتيجية وطنية واضحة لتعزيز الاتصال فائق السرعة، وهو ما لم يكن من المتصور أن يصبح هكذا، في ضوء أن أمريكا كانت حتى وقت قريب تتصدر دول العالم فيما يتعلق بتقنيات هذا النوع المتقدم من الاتصال.
ويعود بنا بليها إلى عقدي الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي، حينما بدأت الإرهاصات الأولى لظهور شبكة الإنترنت إلى الوجود، بفضل الأبحاث التي أجرتها في هذا الشأن وكالة مشروعات الأبحاث المتطورة التابعة لوزارة الدفاع الأمريكية (البنتاجون).
ويشير الكاتب إلى ما شهدته ثمانينيات القرن العشرين من جهود بذلتها المؤسسة القومية للعلوم في أمريكا للإسهام في أن تشمل خدمة الاتصال بالإنترنت جميع أنحاء الولايات المتحدة، ثم ما تلا ذلك خلال التسعينيات من خروج شبكة المعلومات الدولية إلى النور، وابتكار الوسائل التي تُمّكن من تصفحها، وهو ذلك التطور الذي شكل مؤشراً على أن الإنترنت أصبح حقيقة واقعة لا ريب فيها.
جهود كلينتون
ويؤكد توماس بليها في مقاله أهمية الدور الذي لعبه الرئيس الأمريكي السابق بيل كلينتون ونائبه آل جور في نشر خدمة الإنترنت بين الأمريكيين، سواء من خلال إكساب الخدمة طابعاً تجارياً، أو إطلاق مبادرة تستهدف توفير البنية التحتية اللازمة للاتصال بالشبكة أو إصدار قانون الاتصالات لعام 1996، فضلاً عن العمل على ترويج التجارة الإلكترونية والأخذ بنظام الحكومة الإلكترونية في البلاد. وعلى الرغم من أن الشركات الخاصة هي التي تولت تنفيذ هذه المشروعات حسبما يشير بليها إلا أنه يؤكد أن الحكومة الأمريكية كان لها الفضل في صياغة رؤية واضحة في هذا الصدد معززة بعزم لا يلين، وهو ما أدى إلى تهيئة أجواء تنافسية صحية للشركات الأولى التي عملت في مجال تقديم خدمة الاتصال بشبكة الإنترنت.
ومع كل الإيجابيات التي تحققت بسبب سياسات إدارة كلينتون في مجال تدعيم القدرة على الاتصال بالإنترنت، إلا أنها لم تلق تأييد الجميع، إذ عارضها البعض بدعوى أنها أدت إلى ظهور مشروعات تهدر فيها الأموال، بينما رأى الكثيرون أنه يكفي أن تلك السياسات كفلت للولايات المتحدة صدارة دول العالم في مجال تطوير واستخدام الإنترنت طيلة عقد التسعينيات.
أولويات مختلفة
ولكن وصول بوش إلى الحكم غيّر العديد من الأشياء في ما يتعلق بوضع خدمات الاتصال بالإنترنت في الولايات المتحدة، وخصوصاً أن الإدارة الأمريكية منذ ذلك الوقت يناير 2001 وضعت لنفسها أولويات مختلفة من قبيل خفض الضرائب، وإقامة نظام دفاع صاروخي، ثم شن الحرب ضد الإرهاب عقب وقوع هجمات الحادي عشر من سبتمبر. ومن خلال استقراء الخطابات التي ألقاها الرئيس الأمريكي الحالي خلال السنوات الثلاث الأولى من فترته الرئاسية الأولى أيضاً، يشير بليها إلى أن بوش لم يأت على ذكر الاتصال فائق السرعة سوى مرتين وبشكل عابر أيضاً.
وفي الوقت نفسه، يلفت الكاتب في مقاله النظر إلى أن اللجنة الفيدرالية للاتصالات في الولايات المتحدة لم تعبأ كثيراً بإتاحة الفرصة أمام الشركات الأمريكية للتنافس في مجال استخدام خطوط الهواتف بهدف تقليل تكاليف الاتصال فائق السرعة، وهي الخطوة التي كانت ستؤدي إلى تخفيض تكلفة هذا الاتصال، وتلبية حجم الطلب المتزايد عليه، وقاد تضاؤل اهتمام أمريكا في عهد بوش بالحفاظ على ريادتها في هذا المجال إلى أن تنتهز اليابان الفرصة وتصبح في صدارة المشهد الدولي في مضمار الاتصال فائق السرعة أو عريض النطاق.
ويوضح توماس بليها أنه بعد أن كانت طوكيو تجاهد في عام 2001 للحاق بواشنطن في ذلك الميدان، أصبحت في السنوات التالية قادرة على تجاوز أمريكا نظراً للأهداف الطموحة التي وضعتها الحكومة اليابانية لنفسها بشأنه.
فبحلول مايو من عام 2003 أصبح عدد من يتمتعون بخدمة الاتصال فائق السرعة في اليابان كما يشير بليها يفوق نظيره في الولايات المتحدة، ولم يقتصر الأمر على هذا الحد بل إن سرعة الاتصال بشبكة الإنترنت في هذا العملاق الآسيوي أصبحت أسرع بمقدار 16 مرة عنها في أمريكا.
وغير هذا وذاك، تتميز خدمة الاتصال بالإنترنت في اليابان بانخفاض تكاليفها بشكل كبير حيث لا تتجاوز هذه التكلفة 22 دولاراً شهرياً، وبات من المقرر أن تتاح الفرصة لليابانيين للدخول على الإنترنت عبر كابلات الألياف الضوئية التي تزيد من السرعة بشكل أكبر بحلول ديسمبر من العام الجاري مقابل مبلغ يراوح بين 30 و40 دولاراً وليس أكثر.
ويلقي بليها الضوء في مقاله على أن التفوق الياباني بات يمتد إلى ميدان الدخول على الإنترنت عبر الهواتف المحمولة، حيث أصبحت اليابان رائدة العالم بلا منازع في هذا الشأن متقدمة بالطبع على الولايات المتحدة.
ويخلص توماس بليها للقول إنه صار من الواضح أن طوكيو وجاراتها الآسيويات ستقود قاطرة العالم في مجال الاتصال فائق السرعة خلال الأعوام القليلة القادمة، ويدلل على ذلك بالقول إن كوريا الجنوبية على سبيل المثال تضم أكبر عدد من مستخدمي الاتصال فائق السرعة في العالم، وكذلك بتوضيح أن عدد من تتوافر لديهم هذه الخدمة في المناطق الحضرية من الصين فاق خلال العام الماضي نظيره في أمريكا! ولا شك في أن هذا التقدم التقني ستكون له انعكاسات إيجابية على اقتصاديات تلك البلدان، خصوصاً أنه سيُمكّنها من أن تجني ثمار ما حققته من تطور في مجال الاتصالات، هذا التطور الذي سيجعلها قادرة على زيادة معدلات النمو الاقتصادي، وأيضاً زيادة معدلات الإنتاجية، إلى جانب تسريع وتيرة الابتكارات التقنية، وتحسين مستوى المعيشة لمواطنيها.
طموحات يابانية
وفي محاولة لاستجلاء الكيفية التي تمكنت خلالها اليابان من تحقيق هذه القفزة، يتحدث توماس بليها باستفاضة عن الإجراءات التي اتخذتها طوكيو في هذا الشأن التي بدأت بقرار رئيس الوزراء الياباني السابق (يوشيرو موري) في منتصف عام 2000 بتشكيل مجلس لوضع استراتيجية يابانية شاملة في مجال الاتصالات.
وكُلف هذا المجلس الذي رأسه رئيس مجلس إدارة شركة سوني بوضع خطة طموحة تضع اليابان في صدارة دول العالم فيما يتعلق بتكنولوجيا المعلومات بحلول عام 2005م.
وفي الوقت الذي كان فيه الرئيس بوش يدلف للبيت الأبيض لتولي مهام منصبه رئيساً للولايات المتحدة عام 2001، كانت الحكومة اليابانية تعلن استراتيجية حملت اسم (اليابان الإلكترونية)، وهي الاستراتيجية التي استهدفت توفير خدمة الاتصال فائق السرعة لـ40 مليون أسرة يابانية من أصل 46 مليوناً خلال خمسة أعوام.
وفي إطار هذه الاستراتيجية كانت حكومة طوكيو تأمل في أن يتم توفير خدمات الاتصال فائق السرعة ل 30 مليون أسرة عبر نظام الكوابل، وكذلك من خلال خطوط الاشتراك الرقمية ال(دي.إس.إل)، بينما يتم توفير الخدمة نفسها إلى عشرة ملايين أسرة المتبقية من خلال كابلات الألياف الضوئية.
ويقول بليها إن المسؤولين اليابانيين أنفسهم أدركوا أن هذه الأهداف ربما تعد طموحة أكثر من اللازم، وأن تحقيقها يتطلب حشد جهود شركات القطاع الخاص، فضلاً عن تهيئة الأجواء الملائمة لإنجاح مهمة تلك الشركات في هذا الشأن.
ويستعرض الكاتب بعض الجوانب الإيجابية التي تمخضت عن الخطة المتكاملة التي وضعتها الحكومة اليابانية لتوفير خدمات الاتصال فائق السرعة لأكبر عدد ممكن من مواطنيها، ويشير إلى أنه بفضل نجاح حكومة طوكيو في توفير بيئة تنافسية مناسبة في مجال الاتصالات فائقة السرعة، ارتفعت سرعة الاتصال من خلال ال(دي.إس.إل) من 8 ميجابايت إلى 40 ميجابايت في الثانية، وهي سرعة هائلة بالمقارنة بتلك المتوافرة في الولايات المتحدة التي لا تتجاوز 1.5 ميجابايت في الثانية! ليس هذا فحسب، بل إن التكلفة التي يتكبدها اليابانيون مقابل تمتعهم بخدمات الاتصال فائق السرعة، أقل بكثير من تلك التي يتكبدها نظراؤهم الأمريكيون.
وفي الوقت الذي تمكنت فيه اليابان من تحقيق الهدف الأول لاستراتيجيتها الإلكترونية وهو الهدف الخاص بتوفير خدمات الاتصال فائق السرعة لـ40 مليون أسرة بسرعة تصل إلى 40 ميجابايت في الثانية، بدا تحقيق الهدف الثاني والمتمحور حول توفير هذه الخدمات بسرعة تصل إلى مائة ميجابايت في الثانية إلى عشرة ملايين أسرة يابانية.
ومن شأن هذه السرعة الهائلة أن تسمح بإجراء اتصالات هاتفية مرئية، وكذلك تمكين مستخدمي الإنترنت من تحميل أفلام طويلة المدة نسبياً من على الشبكة العنكبوتية، بدلاً من تلك المشاهد المصورة القصيرة للغاية، التي اعتاد الأمريكيون تحميلها، إلى جانب العديد من المزايا الأخرى.
حوافز ومساعدات
ويلفت توماس بليها النظر في مقاله بمجلة (فورين افايرز) إلى المشكلة التي واجهت السلطات اليابانية في ما يتعلق بتحقيق هذا الهدف، وتتمثل في أن الاتصال بمثل هذه السرعة لا يمكن إجراؤه عبر خطوط الهاتف الحالية، بل يستلزم مد كابلات ألياف ضوئية في مختلف أنحاء اليابان، ولمواجهة هذه العقبة فتحت حكومة طوكيو المجال أمام الشركات المختلفة للتنافس فيما بينها في مجال مد هذه الكابلات، وعملت على تقديم حوافز لتلك الشركات من أجل حملها على الاستثمار في هذا المجال، ولا سيما في ما يتصل بتوفير خدمة الاتصال فائق السرعة في المناطق الريفية من البلاد.
وتمثلت هذه الحوافز كما يوضح الكاتب في مقاله في تقديم إعفاءات ضريبية جزئية للشركات التي تبدي اهتماماً بالاستثمار في هذا المضمار، وكذلك منح ضمانات حكومية للقروض التي تحصل عليها تلك الشركات.
وكانت مثل هذه الحوافز كافية لتشجيع الشركات اليابانية على المشاركة في مد كابلات الألياف الضوئية في المدن والبلدات الكبرى، إلا أن عملية مد هذه الكابلات للبلدات الصغيرة والقرى ظلت متعثرة إلى أن قدمت حكومة طوكيو دعماً مالياً إلى الأجهزة المحلية في هذه البلدات والقرى، وهو الدعم الذي غطى ثلث التكاليف الخاصة بتوفير خدمات الاتصال فائق السرعة في تلك المناطق.
وأدت المنافسة التي احتدمت بين الشركات اليابانية على الاستثمار في ميدان مد كابلات الألياف الضوئية بفضل المناخ المواتي الذي وفرته حكومة طوكيو في هذا الصدد إلى انخفاض أسعار استخدام هذه الخدمة إلى ما يراوح بين 30 و 45 دولاراً شهرياً.
وهكذا فبحلول نهاية عام 2002 أصبح الاتصال فائق السرعة عبر كابلات الألياف الضوئية متاحاً لعشرة ملايين أسرة بالفعل في العاصمة طوكيو وفي مدينة أوزاكا، وبعد عامين فحسب كانت هذه الخدمة متوفرة لـ80 % من اليابانيين، ومن المتوقع أن تصبح متاحة لجميع مواطني اليابان بنهاية العام الجاري، مما يؤكد النجاح الباهر الذي حققته الاستراتيجية التي وضعتها الحكومة اليابانية في هذا الصدد.
رؤية ضبابية
وينتقل توماس بليها إلى الجانب الآخر من العالم ليرصد وضع الاتصال فائق السرعة في أمريكا في عهد إدارة بوش، وهي الإدارة التي يفتقر مسؤولوها إلى أي رؤية واضحة مماثلة للرؤية التي تبنتها اليابان في هذا الشأن، بخلاف مايكل باول الرئيس السابق للجنة الاتصالات الفيدرالية، الذي تحدث عن ضرورة الاستفادة من المميزات التي يكفلها الدخول إلى عصر الاتصالات فائقة السرعة، ولكنه لم يحدد موعداً بعينه للدخول بالولايات المتحدة إلى هذا العصر. إلى جانب ذلك، كانت طموحات باول متواضعة للغاية، فيما يتعلق بما يجب على بلاده تحقيقه في مجال الاتصال فائق السرعة، حيث اعتبر أن توفير خدمة الاتصال بسرعة 200 كيلو بايت في الثانية أي واحد على مائة من سرعة الاتصال الموجودة في اليابان حالياً هو هدف جدير بالسعي إلى الوصول إليه!
وعلى الرغم من تواضع هذه الطموحات، إلا أن إدارة بوش لم تقم بالكثير على درب تحقيقها، وما زال الأمريكيون يعانون من بطء سرعة الاتصال بالإنترنت وارتفاع تكلفته. وبالإضافة إلى ذلك لم تحرز الإدارة الأمريكية تقدماً كبيراً على طريق وضع اللبنات الأولى لما يعتبره الكثيرون النموذج المستقبلي المثالي لخدمات الاتصال فائق السرعة، ألا وهو مد كابلات الألياف الضوئية التي تربط بين المنازل والشركات والأحياء.
ويتناول بليها في مقاله العوامل التي أدت إلى تعثر الجهود الرامية لدفع عجلة الاتصال فائق السرعة قدماً في أمريكا منذ دخول جورج بوش الابن المكتب البيضاوي، مشيراً إلى أن من أهم هذه العوامل غياب الرؤية المتكاملة، إلى جانب عدم وجود قيادة مقتنعة بأهمية تكثيف الجهود لتحقيق تقدم على هذا الصعيد. ويستطرد الكاتب قائلا إن السياسة الأمريكية في هذا الشأن كانت غير مستقرة خلال العامين الأولين من حكم بوش في ظل انشغال اللجنة الفيدرالية للاتصالات بقضايا أخرى غير تلك المتصلة بمسألة توفير خدمات الاتصال فائق السرعة للأمريكيين، في حين كانت وزارة الخزانة تتبنى رؤية مفادها أن قيادة التحول نحو دخول عالم الاتصال فائق السرعة يجب أن تناط بالشركات الخاصة وليست بالحكومة. وفي الوقت نفسه، حاولت الشركات التي تقدم الخدمات الهاتفية في أمريكا عرقلة المضي قدما على طريق تنفيذ بعض الإجراءات التي تعهدت إدارة كلينتون بوضعها موضع التطبيق في سبيل تهيئة الأجواء لتوفير خدمة الاتصال فائق السرعة في البلاد.
ويوضح بليها أن هذه الشركات بدأت محاولاتها منذ إقرار قانون الاتصالات عام 1996، وهي محاولات تركزت على حشد جماعات الضغط، ونواب الكونجرس لمنع تطبيق الإجراءات التي نص عليها القانون، والتي تنهي احتكارها لاستخدام الخطوط الهاتفية في المناطق التي كانت تنفرد بالعمل فيها دون منافس. ويشير الكاتب إلى أن مايكل باول بدا وكأنه لا يحفل كثيرا بهذه المحاولات التي شكلت تحديا لا يستهان به، كما أنه لم يكن مهتما بقدر كبير بمسألة تشجيع الشركات على التنافس في مجال تقديم خدمات الاتصال من خلال ال(دي.إس.إل)، على الرغم من أن هذا الأسلوب أثبت نجاحا كبيرا في زيادة سرعة الاتصالات وتخفيض تكلفتها في اليابان والعديد من دول العالم.
ويستعين الكاتب بالإحصائيات التي تؤكد أن المنازل والمكاتب التي تتوافر لها خدمة الاتصال فائق السرعة باستخدام كابلات الألياف الضوئية مثلا في أمريكا لم تتجاوز 600 ألف منزل ومكتب خلال عام 2003م. وعلى الرغم من أن هناك العديد من الشركات الأمريكية قد أعلنت عزمها تنفيذ مشروعات لتوفير مثل هذه الخدمة لمزيد من الأسر في الولايات المتحدة خلال الأعوام المقبلة، إلا أن ما يقلل من قيمة هذه المخططات بشكل كبير، أن تلك الشركات وضعت لنفسها سقفا فيما يتعلق بالأموال التي ستخصصها لمشروعاتها هذه، وأنها تعتزم التوقف بعد الوصول إلى ذلك السقف، لمراجعة وتقييم ما تحقق، وتحديد ما إذا كان مربحا بما يبرر مواصلة الاستثمار فيه أم لا.
ويؤكد ذلك كله بحسب ما يقول بليها أن توافر ظروف تسمح بازدهار الابتكارات وتسريع وتيرة التطورات على صعيد الاتصال بالإنترنت عن طريق كابلات الألياف الضوئية في أمريكا لا يزال يحتاج إلى سنوات وسنوات.
انتكاسة المحمول
وفي ظل هذا الوضع، يعرب الكاتب عن اعتقاده بأن وضع الاتصال فائق السرعة في الولايات المتحدة لن يشهد تطورا كبيرا خلال السنوات الخمس المقبلة، وهو ما سيلقي بظلاله أيضا على إمكانية ازدهار خدمة الدخول على الإنترنت بواسطة الهواتف المحمولة، رغم أن هذه الهواتف أثبتت قيمتها وأهميتها وتعدد استخداماتها، إذ يمكن القول إنه من الممكن استخدام الهاتف المحمول في القيام بالعديد من المهام التي يقوم بها المرء حاليا باستخدام الحاسب الآلي، فيما عدا بعض الأعمال المكتبية مثل تلك التي تتم من خلال برنامج معالجة الكلمات أو برامج إعداد الجداول.
ويشير ذلك كما يوضح توماس بليها إلى أنه سيصبح في الإمكان قريبا استخدام الهاتف المحمول للقيام بكل شيء تقريبا، مضيفا بالقول إن العديد من بلدان العالم بما فيها اليابان تخطط حاليا للمزج بين التقنيات المستخدمة في الاتصالات السلكية وتلك المستخدمة في الاتصالات اللاسلكية، وهي الخطوة التي ستجعل بوسع اليابانيين بحلول عام 2010 التمتع بخدمة الاتصال فائق السرعة بالإنترنت من خلال الحاسب النقال أو الهاتف المحمول.
وتشير الإحصائيات إلى أن اليابان تحتل صدارة دول العالم، من حيث الاتصال بالإنترنت باستخدام الهاتف المحمول، خاصة أن البنية الأساسية اللازمة لمد شبكات ذلك النوع من الهواتف، كانت قد اكتملت في البلاد منذ منتصف العقد الأخير من القرن الماضي.
ويوضح الكاتب أن طوكيو بدأت التحول إلى استخدام الهاتف المحمول في الاتصال بالإنترنت قبل ستة أعوام، مشيراً إلى أن ازدهار هذا القطاع يرجع إلى اهتمام الشركات اليابانية بالاستثمار فيه، وهو ما أشعل حمى المنافسة في ما بينها، مما قاد في نهاية المطاف إلى تطوير هذه الخدمة وتحسين مستواها.
ويلفت بليها النظر إلى أن 72 مليون ياباني من أصل 83 مليوناً لديهم هواتف محمولة يستطيعون الاتصال بالشبكة العنكبوتية عبر هواتفهم.
وأدت هذه التطورات الإيجابية على ذلك الصعيد في اليابان إلى ظهور خدمة الهواتف المرئية قبل أعوام، وهي الخدمة التي لاقت إقبالا كبيرا تمثل في وصول عدد المشتركين فيها إلى 26 مليون ياباني بنهاية العام الماضي، ذلك العدد الذي يزيد بنسبة 190 % سنويا.
الجيل الرابع
وقد قاد الإقبال على هذه الخدمات المتطورة إلى أن يبدأ في اليابان اختبار الجيل الرابع من الهواتف المحمولة، وهي الهواتف التي يمكنها استقبال الإرسال التليفزيوني، ويمكن تحميل الأفلام عبرها من على شبكة الإنترنت، كما يمكن أيضا تحميل ألعاب أكثر تطورا عليها، وغير ذلك من التطبيقات.
ويشيد توماس بليها في مقاله بالدور الذي لعبته الحكومة اليابانية من أجل تهيئة المناخ لحدوث تلك التطورات، وظهور هذه الابتكارات، بفضل القرارات التي اتخذتها في وقتها المناسب لإتاحة الفرصة أمام كل جيل من أجيال الهواتف المحمولة للظهور والتطور، وذلك دون أن تتغافل في الوقت نفسه عن حماية حقوق المشتركين في الحصول على مستوى جيد من الخدمة، وهو ما يتناقض بشكل كبير مع ما حدث في الولايات المتحدة حيث سادت ظروف غير مواتية ظلت مسيطرة على سوق الهاتف المحمول هناك حتى وقت قريب.
ويشير في هذا الشأن إلى أن اللجنة الفيدرالية للاتصالات قسمت أمريكا في بداية ظهور خدمة الهاتف المحمول بها إلى 734 منطقة، ومنحت ترخيصين فقط لتقديم الخدمة في كل منها، أحدهما ذهب لشركة الاتصالات الهاتفية المسئولة عن مد خدمة الهاتف السلكي إلى المنطقة الجاري توفير خدمة الهاتف المحمول فيها، أما الآخر فقد تم منحه عن طريق القرعة. وأدى ذلك حسبما يوضح بليها إلى أن تصبح البنية التحتية الخاصة بخدمة الهاتف المحمول في الولايات المتحدة هشة ومفككة، مما قاد إلى صعوبة إجراء الاتصالات عبرها بين منطقة وأخرى في بعض الأحيان، وكذلك إلى ارتفاع تكلفة الخدمة بالنسبة للمستهلكين.
ويشير الكاتب إلى أن إدارة كلينتون حاولت تغيير هذا الوضع المتردي بعد ذلك بعشرين عاما، عندما بذلت جهودا حثيثة للمساعدة على ظهور شبكات للهاتف المحمول على المستوى القومي في الولايات المتحدة، وهو ما أدى إلى ظهور ست من هذه الشبكات قدمت لها الحكومة الأمريكية الإمكانيات التقنية اللازمة لعملها.
وأسهم خروج هذه الشبكات إلى النور في انخفاض أسعار تقديم الخدمة للمستهلكين مما أدى إلى زيادة الطلب من جانبهم عليها.
ولأن دوام الحال من المحال، فقد أدت السياسات التي انتهجتها اللجنة الفيدرالية للاتصالات في عهد بوش إلى تقلص عدد شبكات الهاتف المحمول في الولايات المتحدة من ست إلى أربع، مما قاد إلى تدهور الخدمة في البلاد مقارنة بنظيراتها في البلدان الأوروبية ناهيك عن اليابان.
ويعرب بليها في المقال عن أسفه إزاء اقتصار أوجه المنافسة بين الشبكات الأمريكية العاملة في مجال الهاتف المحمول على تخفيض السعر وتوسيع نطاق التغطية فقط، دون أن تمتد هذه المنافسة إلى نوعية الخدمات المعلوماتية المتقدمة التي توفرها كل شبكة. ويشير إلى أن الجيل الثالث من الهواتف المحمولة الذي بدأ استخدامه في أمريكا منذ العام الماضي، غير متوافر سوى في ثماني مدن فحسب، وأنه ما لم تقدم اللجنة الفيدرالية للاتصالات مزيدا من الدعم التقني اللازم له، فسيظل مستخدموه يعانون من سوء مستوى الخدمة، وهو ما يشير إلى أن الجيل الرابع من الهواتف ما زال بعيداً للغاية عن أيدي الأمريكيين.

..... الرجوع .....

السوق المفتوح
العنكبوتية
الاتصالات
وادي السليكون
الامن الرقمي
بورة ساخنة
قضية تقنية
دليل البرامج
اخبار تقنية
تجارة الالكترونية
جديد التقنية
دكتور .كوم
الحكومة الالكترونية
معارض
الصفحة الرئيسة

ارشيف الاعداد الاسبوعية

ابحث في هذا العدد

للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2002, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved