الاقتصادية المعقب الالكتروني نادي السيارات الرياضية كتاب واقلام الجزيرة
Sunday 27th March,2005 العدد : 108

الأحد 17 ,صفر 1426

هل أصبحنا أسرى هواتفنا الجوالة ؟!

* إعداد طارق راشد:
بعد المكالمة الأولى التي أجريت بهاتف محمول بعشرين عاماً، يبحث جون أرليدج John Arlidge في كيفية تغيير الهاتف المحمول لكل مفردات الحياة من حولنا.
تجلس بات Pat التي ترتدي سترتها الرمادية المصنوعة من الجينز في الحافلة، وجميع الركاب يعلمون أنها (مستقلة الحافلة) لأنها صرحت بهذه الحقيقة من فورها بنبرتها الحادة التي لا يلجأ إليها الناس إلا عندما يتحدثون في هواتفهم المحمولة على الملأ. ولقد نما إلى علم الجميع من رفاقها الركاب أنها في طريقها إلى مستشفى سانت توماس St. Thomas للكشف على رئتيها. لم يسبق للركاب أن قابلوا بات Pat ولكن في نهاية الرحلة التي لم تستغرق أكثر من 10 دقائق علم كل من في الحافلة رقم 243 المتجهة إلى محطة ووترلو Waterloo Station أنها تتلقى علاجاً من الالتهاب الرئوي، وأنها على وشك الانفصال عن صديقها، وأنها ستتناول النقانق بالبسلة والجزر عند عودتها للمنزل. لقد حدث هذا المشهد بأدلوتش Aldwych بلندن London وكان من الممكن أن يحدث في أي شارع آخر وفي أي مدينة على وجه التقريب. عندما ظهرت الهواتف المحمولة في بداية الأمر، كان الجميع يتحرجون من الحديث فيها على الملأ. فقد كان ذلك ضرباً من إساءة الأدب. ولكن الآن، فقد أصبحوا لا يملون من الكلام، نسمع مصادفة نصف المحادثات التي تتم في حضرتنا، وعادة ما يكون ما نسمعه أدق تفاصيل حياة أناس أغراب بالنسبة لنا.
***
وكثيراً ما يخيم الصمت اللهم إلا هذا الوقع المعدني للأنامل على لوحات المفاتيح المعدنية الصغيرة حيث نكتب رسائل نصية لأحبائنا وأصدقائنا وزوجاتنا وأزواجنا وأطفالنا نعبر لهم فيها عن سعادتنا أو استيائنا.
ولا غرو أبداً أن أشهر هدايا عيد الميلاد لهذا العام تتمثل في الجيل الثالث من الهواتف المحمولة. لقد قدر عدد هدايا عيد الميلاد من الهواتف المحمولة مؤخراً بخمسة ملايين هاتف. هل كان لدى إيرني وايز Ernie Wise أدنى فكرة أن حياتنا ستتبدل كلية بفعل علبة من البلاستك تحتوي على لوحات لدارات وشرائح من السيليكون وأجهزة الإرسال المكدسة؟ لقد كان وايز Wise هو الرجل الذي استهل ثورة الهواتف المحمولة.
منذ عشرين عاماً، وبالتحديد في غرة كانون الثاني (يناير) عام 1985، أجرى الممثل الكوميدي أول مكالمة هاتفية في بريطانيا. لقد تبادل وايز Wise، من موقعه بسانت كاثرينز دوك St. Katherine's Dock، شرقي لندن London، حواراً مشوشاً ومتقطعاً لم يتعد خمس دقائق مع جيري وينت Gerry Whent، الذي كان في تلك الأثناء في مكتب لا تزيد مساحته على شقة بمدينة نيوبيري Newbury، بمقاطعة بيركشاير Berkshire، والتي أصبحت في المستقبل مقر الشركة التي أسسها من فوره، ألا وهي شركة فودافون Vodafone.
واليوم تحتل الشركة المدرجة على مؤشر بورصة فاينانشيال تايمز (فوتسي 100) معظم مساحة فرع المكتب الكائن بنيوبيري Newbury. ولقد تطورت تلك التقنية بسرعة أكبر من غيرها من التقنيات البريطانية حتى أصبحت الأكثر ربحية من بين شركات المحمول في العالم أجمع. لقد أصبح الأثير المشحون قصة نجاح بريطانية. ففي فترة لا تتعدى العقدين، أصبحت الهواتف المحمولة المنتج الاستهلاكي الأكثر مبيعاً، والأكبر شعبية والأكثر مدعاة للاستياء في نفس الوقت.
وتعد بريطانيا أضخم سوق للهواتف المحمولة في العالم، حيث تفوق نسبة حيازة الفرد فيها للهاتف المحمول عن نسبته في أي بقعة أخرى في العالم، وكذلك تفوق فواتير الهواتف المحمولة فيها نظيراتها في العالم. ونستطيع القول إن الغالبية العظمى من الراشدين في الوقت الحاضر يملكون هاتفاً محمولاً، ويملك واحد من بين اثنين من المراهقين الآن واحداً، هذا وقد طورت شركة جديدة تعرف بكوميونيك آيت، Communic8، هاتفاً محمولاً جديداً أطلقت عليه اسم (مايمو) MyMo، للأطفال من أربع وحتى ثماني سنوات.
لقد قدرت الرسائل النصية التي أرسلت هذا العام بما يقرب من 32 مليار رسالة، كما قدرت المكالمات التي أجريت ب 20 مليار مكالمة. وتقدر القيمة الكلية لتلك الضوضاء الإلكترونية ب 15 مليار جنيه إسترليني. لقد كان انتشار الهواتف المحمولة انتشار النار في الهشيم لدرجة أن جون أجار John Agar، مؤلف كتاب (اللمس المتصل) (Constant Touch): التاريخ العالمي للهاتف المحمول)، (BC)ما قبل الخلوي Before Cellularization)، و(AC) الآن ويريد ما بعد الخلوي (After Cellularization).
ويشير في هذا الكتاب إلى الكمبيوتر الشخصي الذي ظهر إلى حيز الوجود منذ أربعين عاماً على وجه التقريب، ومع ذلك استطاع أن يغزو بيوتنا حتى هذه اللحظة، فما بالك بكل جيب! لقد تسلل الهاتف المحمول خلال عقدين من الزمان إلى كافة جوانب الثقافة الحديثة تقريباً.
يقول ريتشارد بنسون Richard Benson، المحرر السابق لمجلة (فيس) Face، والذي يعمل في الوقت الحاضر خبير تكهن بتوجهات المستهلك لشركتي الهواتف المحمولة موتورولا Motorola، وإم إم أو تو MM02،: (لقد أوجد الهاتف المحمول، مثله في ذلك مثل التلفاز والسيارة من قبله، أشكالاً جديدة من السلوك والاتصال والتفكير، وأصبحنا مصابين بهوس البقاء على اتصال، ومنهمكين في مجرد الرنين باستمرار، وخبراء في التواصل بصورة أكثر وبطرق مبتكرة، لقد ابتدعنا أشكالاً جديدة من اللغة، ونشعر بأننا أكثر عرضة لكوننا وحدنا بين الناس، لقد بزغ الهاتف المحمول في وقت في حياتنا زادت فيه تنقلاتنا، وشرعنا في ممارسة أساليب حياة أقل صرامة وتوقعاً، ولقد عمل الهاتف المحمول على تكثيف تلك التغيرات بحيث تقلص المكان وأضحت علاقاتنا أكثر مرونة، وبطبيعة الحال فقد سلبتنا الهواتف المحمولة أموالنا وأثارت فزعنا المخاطر الصحية المترتبة على استخدام الهاتف المحمول، ولكننا دفعنا لقاء كل ذلك عن طيب خاطر).
إن الغالبية العظمى منا الآن يعولون على الهاتف المحمول لدرجة أنه في غيابه نصبح وكأنه ينقصنا شيء كبير، أما في بيئة العمل، يتوقع أرباب عملنا أن يتسنى لهم الاتصال بنا في أي وقت وفي أي مكان وأن تتاح لهم القدرة على فصلنا من مناصبنا بواسطة الرسائل النصية.
تقول إدريان ديفيز Adrienne Davis، الموسيقية البالغة من العمر 25 ربيعاً من برمنجهام Birmingham، إن هاتفها المحمول يمارس أكبر قدر من النفوذ على حياتها، فهو يمثل في واقع الأمر الحياة نفسها بالنسبة إليها، وتضيف بقولها: (يطلعني هاتفي المحمول على كل شيء، وتطلعني رسائلي النصية على الأماكن التي ارتدتها، وتعلمني قائمة مكالماتي على الأشخاص الذين خاطبتهم في طريقي إلى مكان ما، وهوية الأشخاص الذين قابلتهم في طريقي لمكان ما، إن للهاتف المحمول قيمة هامة، مثله في ذلك مثل المذكرات، فأنا اصطحبه معي حتى لو نسيت غيره من أغراضي مثل مفاتيحي على سبيل المثال).
قد تبدو لنا آراء ديفيز Davis مبالغة بعض الشيء ولكن شريحة الهاتف المحمول تحتفظ لنا بأكثر تفاصيلنا خصوصية، الرقم الأخير الذي تم الاتصال به؟ المكالمات التي لم يتم الرد عليها من أصدقائنا؟ الرسائل النصية التي لم يتم الاطلاع عليها والواردة من أرباب أعمالنا؟ استفسار جدتنا عما إذا كنا ننوي زيارتها في رأس العام الجديد، وحتى نغمة الهاتف المحمول خاصتنا تبوح بأسرارنا. فحديثاً قامت شركات تشغيل الهواتف المحمولة بالصين بتغيير نغمة الهاتف التي يسمعها المتحدثون من الخارج متى اتصلوا بمقاطعة ماكاو Macau بحيث تماثل النغمة المسموعة بهونج كونج Hong Kong ، إن هذه الرواية تكشف عن إحدى أهم الحقائق المتعلقة بالهواتف المحمولة، ألا وهي أنه أصبح في غضون عقدين دليل براءة عالمياً، مخرج واحد يتفق وكل المناسبات، فكم من مرة أخبرنا أحدهم أننا (عالقين في إشارة مرورية)، بينما نحن في واقع الأمر جالسين خارج ستارباكسStarbucks نستمتع باحتساء القهوة؟ قد يبعث الأمر على الضجر أن يتاح المرء طوال الوقت على الهاتف، ولكن دائماً ما يمكن لنا أن نلجأ إلى كذبة بيضاء، أو في حال شرائنا برمجيات فائقة لهاتفنا المحمول، يمكننا أن نوحي للطرف الآخر أننا في المكتب في الوقت الذي نكون فيه مستمتعين بالترفيه. فالهواتف المحمولة التي تحاكي برمجياتها الضوضاء في خلفية المطاعم، أو المكاتب، شائعة ولا سيما في فرنسا حيث تطلب الزوجات المتشككات إلى أزواجهن تشغيل هواتفهم المحمولة على الدوام خشية انغماسهم في أي ممارسات مشينة.
ولقد لبى الأزواج رغبة زوجاتهم، وسواء اتسمنا بالأمانة أم كانت فينا نقيصة، فالهاتف المحمول يمنحنا القدرة على انتحال أية شخصية نريدها. لقد صارت الهواتف المحمولة من القوة والنفوذ في حياتنا اليومية البسيطة حتى إنها أضحت كماليات تضارع الملابس والسيارات والماكياج، إن اقتناء الطراز الأحدث من الهاتف المحمول بلاتينوم فيرتو Platinum Vertu لا يقل أهمية عن اقتناء أحدث موديل من الحقائب طراز مارك جاكوبس Marc Jacobs، ولقد شاعت بين المراهقين أحدث صيحة متمثلة في الهواتف العتيقة مثل نوكيا 7110 إنتاج عام 1996 والذي يتميز بمرونته ويمتاز بخاصية الواب، كي يضاهي أحذية المدارس العتيقة، ما يستتبع الاحتمال العجيب أن المراهقين البالغين من العمر 16 عاماً عرضة لسرقة هواتفهم المحمولة وأحذيتهم. وهناك أيضاً تلك الألاعيب السلطوية الطبقية التي نلعبها جميعاً باستخدام الهاتف المحمول، سواء أقررنا بذلك أم لم نقر. ففي كل مطعم أو مقهى نرتاده تجد الهواتف المحمولة تحتل مكاناً على الطاولة أمامنا كما لو كانت ضيوفاً إضافية مدعوة. إن قدرة المرء على استقطاب أكبر عدد من المكالمات الهاتفية على هاتفه المحمول يعد مؤشراً على مكانته الاجتماعية. فنجد أن شخصاً مثل جوردون رامزي Gordon Ramsay قد حقق رقماً قياسياً بلغ 19 مكالمة هاتفية خلال تناوله الحلوى بمطعم كلاريدج Claridge بمدينة مايفير Mayfair، يكشف بحث ريتشارد بنسون Richard Benson عن أن الهواتف المحمولة عملت على إطالة الوقت وقضت على ما كان يعرف بزمن الخمود، ويضيف بقوله: (لقد صار الوقت الذي نقضيه في الطوابير أقل مللاً، وكذا الانتقال بالمواصلات العامة أو الاسترخاء بالبيت، ولا يسعنا الآن الصبر على فحص رسائلنا، أو إرسال النغمات، أو ممارسة الألعاب، أو ترتيب دفتر العناوين الخاص بالهاتف المحمول، وحتى عندما يتاح لنا التواصل البشري نجد أن الهاتف المحمول يتدخل. إن عدداً قليلاً منا هم الذين يهتمون بتعيين الأوقات والأماكن التي يلتقون فيها. إننا نعمل على (تقريب اللقاء) فنتصل في الدقيقة الأخيرة قبل اللقاء لتحديد الزمان والمكان، ومن ثم نجد أن أجهزة المحمول تضفي على الوقت مرونة أكبر. ولعل أضخم تغيير نتج عن الهواتف المحمولة يكمن في لغة الاتصال التي أصبحنا نستخدمها جميعاً، إن مزيج الكلمات المختصرة وشفرات الترقيم التي طورها المراهقون بحيث يمكنهم إرسال عدد أكبر من الكلمات في نطاق رسائلهم النصية المحدودة، صممت خصيصاً بحيث يصعب فهمها على الراشدين ولكن الغالبية العظمى الآن صارت ملمة بشيء من تلك الكلمات، عندما كتبت طالبة بمدرسة اسكتلندية إعدادية مقالاً بتلك الصيغة الشفرية وسلمته لمدرسها، منحها الأخير (C+4 e4t)، ويزعم بعض المعلقين على الأمر أن سهولة عملية الاتصال واستخدام هذا النص الشفري قد زادنا أمريكية أكثر من ذي قبل. تقول سارة بايلي Sara Bailey التي قامت على تحرير مجلة Elle في بريطانيا قبل أن تنتقل أخيراً إلى مجلة بازار Bazaar التابعة لدار نشر هاربر Harper بنيويورك: (لقد أصبحت بريطانيا عاصمة الشعار (أنا أتكلم أتراسل نصيا، إذن أنا موجود) في العالم أجمع، الأمر الذي جعل منا أكثر أمريكية من ذي قبل، إنني أذكر رحلتي الأولى لمدينة نيويورك New York عندما انتابني هذا الشعور كما لو كنت بداخل أحد أفلام وودي آلان Woody Allen حيث كنت أجوب الشوارع فرأيت رجلاً وامرأة في عمر والدي يتحدثان بصوت مسموع حول أفكارهم ومشاعرهم الدقيقة في تلك اللحظة بالضبط.
ما من أحد في بريطانيا كان ليتصرف بهذه الطريقة. ولكنهم الآن نهجوا نفس هذا النهج، ففي لندن London أسمع حوارات على الهاتف المحمول، وتعبيرات تفتقد لعنصر الوعي، ودفقات فياضة من الرسائل النصية التافهة، إن الجانب الإيجابي لهذه الظاهرة يكمن في أنها ساعدت الرجال على التعبير عن مشاعرهم الدفينة بطريقة أفضل، ولكن الثرثرة المتواصلة من الممكن أن تصيب المرء بالجنون).
لقد كان للهواتف المحمولة بالفعل أثر عميق في ثقافتنا الاستهلاكية حتى إنه ليس من المذهل أبداً أن تحتل مرتبة أساسية في الثقافة العامة بشكل عام، وما على المرء إلا أن يجلس أمام التلفاز أو يذهب إلى دور السينما ليكتشف أن الهاتف المحمول قد صار عاملاً أساسياً في الدراما الحديثة. ولا أقصد أن الأمر قاصر فقط على مشهد جيمس بوند James Bond وهو يقود سيارته طراز بي إم دابليو الفئة السابعة من المقعد الخلفي باستخدام جهازه المحمول طراز نوكيا كوميونيكيتور .
يقول دوم جولي Dom Joly، الممثل الكوميدي الذي ذاع صيته إثر نقده الساخر للهواتف المحمولة من خلال الشخصية ذات الهاتف المحمول الضخم التي لعبها في المسلسل التلفزيوني تريجر هابي Trigger Happy،: (لقد صارت الهواتف المحمولة من الأدوات المثالية التي يمكن أن يستعين بها الفنان، والكاتب المسرحي، والممثل الكوميدي، ذلك أن السواد الأعظم منا يقتني هاتفاً محمولاً وغالبيتنا يرتبط بعلاقة حب وكراهية بها في نفس الوقت، والكتاب المهرة يستخدمون الهواتف المحمولة لكسر رتابة الأفلام والمسرحيات وكوميديا الموقف، وبما أننا تعرضنا للمقاطعة في حياتنا بنفس تلك الشاكلة، فإننا نتفاعل مع الموقف في التو واللحظة، إن ما دفعني في واقع الأمر لقبول لعب شخصية الرجل صاحب الهاتف الضخم كراهتي لتلك النغمة التي شاعت بين الناس على هواتف نوكيا عندما ظهرت الهواتف المحمولة لأول مرة. ولقد ضاق الجميع ذرعاً بتلك النغمة بالضبط كما ضقت أنا بها إلى أبعد الحدود، ما ساعد على أن أتت المزحة ثمارها وحققت أثرها المنشود)، قد يغري الأمر المرء فينظر إلى الهاتف المحمول على أنه ضرب من اللهو التقني، ويقول بنسون Benson: (إن السواد الأعظم من الناس يرى أنه من التفاهة أن ينظر المرء لاستخدام الهاتف المحمول نظرة جدية)، إن الهاتف المحمول لا يمثل مسألة حياة أو موت؟ أم إنه كذلك؟. لننسى، إن استطعنا للحظة، المزاعم التي تقول بأن الهواتف المحمولة تشوي عقولنا وتقلل من هرمونات الذكورة، ولنتجاهل ولو لثانية المزاعم التي تفيد بأن هوائيات الهواتف المحمولة تسبب السرطان لدى الأطفال، الأمر الذي حدا بعائلة من ولاية ويلز Wales، على الأقل، لأن تغطي حوائط منزلها بورق ألومونيوم، إن الهواتف المحمولة تشهد لحظة الميلاد الآن، والهواتف المحمولة المزودة بكاميرات تسجل اللحظات الأولى من حياة مولود جديد ثم نرسلها بكل فخر لهواتف أقاربنا).
وجدير بالذكر أن الهواتف المحمولة أيضاً تتواجد في اللحظات الأخيرة من حياة البشر. فنجد أن الإرهابيين الذين قتلوا 191 شخصاً الذين كانوا يستقلون قطار الركاب في مدريد Madrid العام الماضي، استعانوا بالهواتف المحمولة في تفجير قنابلهم المرتجلة، ويقع خيار الإرهابيين على الهواتف المحمولة نظراً لسهولة توصيلها بسلك المفجر، كما أن بطاريتها تدوم لفترة طويلة فتسمح للإرهابيين بالسفر لآلاف الأميال قبل إجراء مكالمة هاتفية لا تكلفهم عشرة بنسات من كابينة هاتف عمومي لتفجير القنابل.
إن الأمر ينطوي على قدر من الأخطار بالرغم من ذلك. فالهاتف المحمول يرسل دفقة ثابتة من البيانات لشبكة الهاتف أثناء تشغيله، ومن ضمن هذه البيانات أقرب موضع للهاتف بما لا يزيد عن بضعة أمتار، وتلك البيانات يعتمد عليها لأغراض إعداد فواتير الهاتف المحمول ولكنها أيضا تمكن من له سلطة من الوصول إلى تلك المعلومات من اقتفاء أثر حركات المستخدم. وبالتالي فإذا كنت متصلاً بالشبكة، فما من سبيل للهرب. ولقد اكتشف محمد نعيم نور خان تلك الحقيقة بعد فوات الأوان، فلقد وافق خان، أحد الإرهابيين الذين شاركوا في كارثة الحادي عشر من (أيلول) سبتمبر، على تلقي مكالمة هاتفية على هاتفه المحمول من شخص ظن أنه مصدر موثوق فيه، وبعد تلك المكالمة بساعات اقتحم المسؤولون الأمريكيون والباكستانيون، الذين تتبعوا إشارة الهاتف المحمول، منزله الواقع في مدينة لاهور Lahore، وألقوا القبض عليه، هذا وقد اكتشف الضباط عدداً من الهواتف المحمولة وأجهزة الكمبيوتر التي تحتوي على سجلات هاتفية لغيره من الإرهابيين المشتبه بانتمائهم لمنظمة القاعدة. ولقد أدت الهواتف المحمولة وأجهزة الكمبيوتر إلى إلقاء القبض على عدد كبير من المشتبه بهم، لقد كان المشتبه بهم الذين اعتقلوا الأوفر حظاً، ذلك أن غيرهم من المشتبه بهم الذين تم اقتفاء أثرهم بنفس الأسلوب وجد أنهم أبعد عن القواعد العسكرية من أن يتم القبض عليهم. وبدلاً من إرسال جنود لاعتقالهم، فقد أطلق صاروخ كروز يعرف باسم Hellfire، وفي (آب) أغسطس، سقط صاروخ ينطلق بسرعة 900 ميل في الساعة على بعد مترين منطقة على الحدود الأفغانية الباكستانية حيث كان نيك محمد المشتبه بصلته بالقاعدة يجري مكالمة على هاتفه المحمول، فقتل على الفور.
لم يكن لأحد أن يتخيل منذ عشرين عاماً أن سماعة صغيرة تتحول إلى سلاح دولي قوي أو أن يكون لها قوة فريدة تخول لها توجيه وعي شخص لآخر في اللحظة الأخيرة من حياة المرء، إن الآلاف الذين قضوا نحبهم في واقعة الحادي عشر من سبتمبر عام 2001 ببرجي نيويورك التوأم لجؤوا لهواتفهم المحمولة، لقد كانت بعض الشهادات الأكثر مأساوية تلك الكلمات الأخيرة المسجلة لضحايا الكارثة، فنجد زوجة أو زوجاً يخبر زوجته كم يحبها حتى ينقطع الاتصال تدريجياً، فقال رجل لزوجته: (حبيبتي، يبدو أن مصيبة تحدث الآن، ولا أعتقد أني سأنجو. أنا لا...).
إنهما يتيحان لطفليهما قدراً كبيراً من الحرية ولكنهما يخافان أن يتعرضا للسرقة في طريق عودتهم للبيت، فتقارير الشرطة تقدر أن ما يربو على 250000 مراهق يتعرضون لسرقة هواتفهم المحمولة سنوياً، كما أن ثلث جرائم الشوارع في البلاد تنطوي على سرقة الهاتف المحمول.
وبغض النظر عن رأينا في الهواتف المحمولة وعلى الرغم من أننا نستخدمها، إلا أننا نتفق على أمر واحد ألا وهي أنها قد تثير إزعاجنا بصورة لا يمكن تخيلها، يقر بنسون Benson أن الهواتف المحمولة أكثر الأجهزة تطفلاً على الإطلاق، ويعترف بأنه يملك مجموعة صغيرة من تلك الهواتف المحمولة.
اليوم نرى مقدم البرامج جون همفريز John Humphrys يتخلى عن كافة هواتفه المحمولة. ولقد اتصلت به على رقم يبدأ بالأرقام 0208 فأجابني قائلاً: (إنني أكره فرضية ألا أجد شيئاً أفضل أفعله في حياتي سوى انتظاري رنة هاتفي المحمول.
إنني لا أريد أن أصبح أسيراً لهاتفي المحمول).
ولكن المعركة بالنسبة للمعارضين لاستخدام الأجهزة الإلكترونية الصغيرة على وشك أن تحتدم وتزداد صعوبة، فالآن، وبعد عشرين عاماً من ضغط إرني وايز Ernie Wise على زر (اتصال) على سماعة الهاتف المحمول طراز موتورولا Motorola الذي يماثل حجمه قالب الطوب، فإن الجيل الثالث من الهواتف المحمولة على وشك أن يغزو الأسواق.
واليوم فإن الآلاف من المراهقين والراشدين ينكبون على الكتيبات الإرشادية للهواتف المحمولة الغريبة، ويهيئون سماعاتهم بحيث يمكنهم تصفح الإنترنت وإنزال لقطات فيديو واللقطات المتلفزة، والتقاط الصور الفوتوغرافية، وإجراء مكالمات الفيديو، وتشغيل ملفات الموسيقى ذات التنسيق MP3، إن شركات الهواتف المحمولة تخطط في الوقت الراهن لإدخال الموسيقى، ولقطات الفيديو، والألعاب، والمسلسلات اليومية المتنقلة، على تلك الهواتف الجديدة ليلاً متى يكون الضغط على شبكات المحمول أقل ما يمكن، ويعلق ريتشارد بنسون Richard Benson على ذلك بقوله: (إنها صرخة بعيدة ترجع إلى تلك الأيام التي كنا نبتهج فيها إذا ما طال عمر بطاريتنا حتى منتصف الليل).
وبينما ينطلق الجيل الثالث من الهواتف المحمولة، تزداد فرص إصابتنا بهوس الدردشة أكثر بكثير مما سبق. وسنغير الطريقة التي نتكلم بها وسنكتشف أساليب أخرى لاستخدام هواتفنا المحمولة كرموز تشي بالوجاهة دون أن ندري بطبيعة الحال أن رمز الوجاهة المطلق هو عدم امتلاك هاتف محمول. سنتعرض للسرقة أكثر من ذي قبل، وسندمن الاتصالات المصورة، وسنزداد وسوسة جراء احتمال إصابتنا بسرطان المخ.
وسنهيم في سماء التقنية الرقمية مداعبين لوحات مفاتيح أحدث الأجهزة اللاسلكية القادرة على الاتصال بالإنترنت بجنون في العمل وفي البيت وفي أثناء وقوفنا في صف الخروج من السوبر ماركت، وفي إشارات المرور وفي الإجازة، وسندفع أكثر وأكثر من أجل حفنة من المميزات الجديدة. وبينما يكمل الهاتف المحمول مسيرته، تبقى حقيقة تقنية واحدة، ألا وهي أننا لن نفتأ نعبر عن استنكارنا عندما تعلن امرأة مستقلة الحافلة أنها (في الحافلة).
الهاتف المحمول خلال عشرين عاماً يناير 1985
بعد أن أنتجت شركة نوكيا Nokia أول هاتف للسيارة عام 1982، والذي بلغ وزنه 9.8 كيلوجرام وهو وزن من شأنه تدمير أي هيكل داعم للهاتف المحمول العادي الآن، تم تصنيع الهاتف المحمول الحقيقي وأجرى إرني وايز Ernie Wise أول مكالمة هاتفية في بريطانيا من خلال شبكة فودافون Vodafone في غرة (كانون الثاني) يناير1985م.
عام 1987
في فيلم وول ستريت Wall Street الذي تم تصويره بهوليوود Holywood، استخدم جوردون جيكو Gordon Gekko هاتفاً محمولاً في حجم قالب الطوب الأمر الذي نتج عنه أن أصبح هذا الهاتف صرعة شائعة جذابة في الإعلانات المعلقة في الشوارع.
عام 1991
تم كشف النقاب عن تقنية جي إس إم GSM، وهي الشبكة القياسية الرقمية التي تسمح للهواتف المحمولة بأن تتجول في شتى أنحاء العالم.
عام 1994
تم تدشين خدمة الرسائل النصية القصيرة مغيرة الطريقة التي كنا نتهجى بها كلمة For ever إلى 4eva
عام 2002
تعدى عدد الهواتف المحمولة في العالم أجمع مليار هاتف.
عام 2003
الجيل الثالث من الهواتف المحمولة يعرض للبيع بالأسواق البريطانية، مبشراً بخدمتي التراسل الصوري السريع والاتصال بالإنترنت. وفي نفس العام تم إدراج مصطلحات (نغمة الهاتف المحمول)، و(الهاتف الذكي) و(الرسالة النصية) في قاموس أكسفورد للغة الإنجليزية Oxford English Dictionary، وفي ليلة رأس السنة، بلغ عدد الرسائل النصية التي أرسلت في يوم واحد ما يربو على مائة مليون رسالة لأول مرة.
عام 2004
أصبح الهاتف المحمول طراز بلاك بيري BlackBerry لا غنى عنه بما يتميز به من بريد إلكتروني دائم وقدرة على الاتصال بالإنترنت، وفي (تشرين الثاني) نوفمبر من نفس العام، شارك توني بلير Tony Blair في منتدى نصي استغرق 35 دقيقة، قامت بتنظيمه شركة أو تو O2 للهواتف المحمولة، وأجاب أثناءه على الاستفسارات التي وردت إليه عبر الرسائل النصية.
يناير 2005
دشنت شركة كوميونيك إيت Communic8 هاتفها المحمول مايمو MyMo، والذي يتميز ببساطته وصغر حجمه ويستهدف الأطفال ما بين الرابعة والثامنة من عمرهم.

..... الرجوع .....

العنكبوتية
الاتصالات
وادي السليكون
هاي تك
الالعاب
الركن التقني
الامن الرقمي
بورة ساخنة
دليل البرامج
اقتصاد الكتروني
جديد التقنية
الحكومة الالكترونية
معارض
برمجة
منوعات
الصفحة الرئيسة

ارشيف الاعداد الاسبوعية

ابحث في هذا العدد

للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2002, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved