Al Jazirah Magazine Tuesday  05/06/2007 G Issue 221
خارج الحدود
الثلاثاء 19 ,جمادى الاولى 1428   العدد  221
 

اختفلت آراءهم
موسكو بعيون الصحافيين الأجانب

 

 

* إعداد- أشرف البربري

كل وسائل الإعلام الكبرى في مختلف أنحاء العالم لها مراسلوها في العاصمة الروسية موسكو. وينظر البعض إلى تعيينه مراسلا لصحيفته أو وسيلته الإعلامية في بلاد الروس تكريما له والبعض يعتبره منفى اختياريا. والبعض منهم يتزوج من امرأة روسية وآخرون يحلمون دائما بالهرب من هذه المدينة. وبعض المراسلين يستمتعون بالحديث باللغة الروسية ويستمتعون بمتابعة الفن الروسي والبعض الآخر يعتبر وجوده في العاصمة الروسية عقابا.

ورغم ذلك فإن الأغلبية تتفق على أن روسيا ما زالت مكانا مثيرا بالنسبة للتغطية الإعلامية. وقد التقى مراسلو مجلة (بولشوي جورود) وهي من أشهر المجلات في العاصمة الروسية موسكو بعدد من المراسلين الأجانب في المدينة لكي يرصدوا رؤية هؤلاء المراسلين للعالم في روسيا.

ستيفن لي يرأس مكتب صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية الشهيرة في موسكو. ويبدو مكتب ستيفن لي أقرب إلى غرفة نوم مراهق تعج بالفوضى حيث تتبعثر الملابس في كل ركن والأوراق والمفكرات ملقاة على الأرض. ولكن الحقيقة أن مكتب نيويورك تايمز في موسكو في الواقع كان عبارة عن شقة سكنية في وسط المدينة أعيد تصميمها لكي تستخدم مكتبا.

وعلى أحد جدران المكتب هناك صورة ضخمة لمجموعة من الأحياء البحرية في جزر الأزور وهي تلك الجزر الموجودة في المحيط الأطلنطي وتابعة للبرتغال حيث إن زوجة ستيفن برتغالية. وهناك أيضا حدوة حصان مثبتة في شريط برتقالي كان قد حصل عليها تذكاراً عندما ذهب إلى ميدان الاستقلال في أوكرانيا لتغطية الثورة البرتقالية قبل أعوام.

والحقيقة أن ستيفن مايرز الذي يرتدي بنطالا من الجينز وسترة من الصوف لا يوجد لديه أي شيء مشترك مع الدبلوماسيين وموظفي وزارة الخارجية الأمريكية لدى موسكو. ولكنه بالتأكيد هو الشخص الذي يشارك مع آخرين في تشكيل الرأي العام للملايين من قراء صحيفة نيويورك تايمز في مختلف أنحاء العالم بما في ذلك الدبلوماسيون وموظفو الخارجية الأمريكية.

يقول ستيفن: الإرهاب تحد عالمي خطير هذه الأيام.. والكثيرون من الأمريكيين لا يهتمون بأي شيء يحدث في أي مكان آخر. ولكن قراءنا يبدون اهتماما كبيرا بروسيا وما يحدث في الشيشان. ولا يتفق الكثيرون منهم مع بوتين (الرئيس الروسي) ولكنهم مثل رئيسنا (الرئيس جورج بوش) يعتقدون أن بوتين حقق تقدما في الشيشان وفي التعامل مع الإرهاب. فهما شركاء أليس كذلك؟. وإذا كانت نبرة الرجل تشير إلى أنه مؤيد لروسيا كان علينا أن نسأله كيف انتهى به المطاف للعمل مراسلا لصحيفته في روسيا فقال: اعتقد أنه كان خطأ.. مضيفا: إنها قصة طويلة وقد ارتسمت على شفتيه ابتسامة تنم عن الخجل. ففي تلك الأيام كان ستيفن يعمل في واشنطن ويغطي أخبار وزارة الدفاع الأمريكية ولكنه كان متحمسا للعمل خارج الولايات المتحدة. وفي ذلك الوقت كان هناك مكتبان للصحيفة خاليان وفي انتظار ترشيح من يعمل فيهما وهما مكتبا روسيا ومكتب اليابان.

وقد اختار روسيا لأنه كان يرى روسيا دولة كبيرة خاصة وأنه زارها مرة واحدة قبل ذلك عندما كان بصحبة وزير الدفاع الأمريكي عام 1998وقد أحبها. وسواء كان الأمر خطأ أم لا فالحقيقة أن ستيفن يشعر بالرضا عن عمله الحالي في روسيا.

ويقول: (موسكو تبدو آمنة جدا بالنسبة لي وأنا أستطيع التجول في شوارعها في أي وقت من الليل أو النهار). ويضيف أن الأمر أصبح مختلفا في نيويورك. فقد أصبح الخروج من المنزل ليلا في نيويورك مخاطرة كبيرة. وعموما فهو لم يتجول كثيرا في موسكو ولم تقده قدماه إلى أبعد من وسط المدينة.

وقد أعجب جدا بالاماكن التاريخية الموجودة في المدينة وبخاصة المتاحف التي لا يوجد مثيل لها في بلاده. ولكن وعلى عكس أغلب الأجانب في روسيا فإن ستيفن ليس من بين المعجبين بالفن الروسي الكلاسيكي ولكنه يفضل الفن المعاصر. وننتقل إلى ماري يجو التي وصلت إلى روسيا في البداية عام 1991 بعد وقت قصير من الانقلاب الذي أطاح بالنظام السوفيتي كله لتصبح روسيا مجرد جمهورية واحدة بعد تفكك جمهوريات الاتحاد السوفيتي.

وقد كانت ضمن وفد يهدف إلى تغطية المشاعر العامة في روسيا بعد هذا التحول التاريخي. ففي ذلك الوقت كان الشعب الروسي قد سقط أسيرا لمشاعر البهجة والخفة وينتظر المعجزة القادمة. لذلك كان يمكن تجاهل غياب بعض الأشياء مثل المقاهي والمتاجر وبعض السلع. وفي ذلك الوقت أيضا لم يكن هناك الكثير من الأماكن التي يمكن الذهاب إليها في موسكو غير الميدان الأحمر ومتحف لينين. ولذلك كانت الفرصة متاحة تماما أمام ماري لكي تعرف الكثير عن تجربة الاتحاد السوفيتي.

وقد كانت ماري قد استأجرت سيارة تاكسي للوصول إلى مطار موسكو أغلى من ثمن تذكرة الطائرة نفسها. وماذا في ذلك؟ لقد كان لدى السائق الكثير مما يقوله فقد كانت مرحلة فوضى وغياب المنطق وعلامات الاستفهام التي لا تنتهي. ولكن لم يكن هناك الكثير من الخوف. بل إن العكس هو الصحيح فقد كان الوقت وقت الأمل.

وعندما عادت ماري إلى موسكو مرة أخرى بعد نحو عشر سنوات لم تستطع أن تصدق عينيها حيث تقول: سرت في الشوارع التي سرت فيها من قبل ولكنني لم أتمكن من تذكر أي شيء. فكل شيء تغير. فالتطورات الآن في كل مكان. والناس أيضا تغيروا. أصبحوا يرتدون بشكل أشد أناقة وأصبحوا يتركون شعرهم أطول ولم يعودوا عدوانيين كما كانوا من قبل. ومازالت ماريا تحب موسكو. لذلك فقد رحبت بسعادة بتكليفها بالعمل في موسكو للمرة الثالثة. فهي تحب الحديث باللغة الروسية كما أنها تجيد الحديث بهذه اللغة فعلا. وهي تحب المتاجر والمطاعم التي تظل مفتوحة 24 ساعة يوميا.

بالطبع هناك أشياء في هذه المدينة العريقة تثير ضيقها مثل وقاحة الباعة في المتاجر وافتقاد الناس للياقة في المحادثة فعندما تتحدث مع أحد بدلا من أن يقول لك عفوا عندما يفوته جزء من حديثك يقول لك ماذا؟ ولكن ماري تدرك تماما أن هذه العيوب ترتبط ارتباطا وثيقا بطبيعة الشعب الروسي الطيب الذي يتعامل بحميمية.

وعندما يبدأ الحديث عن القضايا السياسية يثور حزن ماري. وهي تقول إن الموضوعات السياسية في روسيا هي الشيء الوحيد الذي يثير اهتمام هيئة تحرير صحيفة (لوموند) الفرنسية التي تعمل بها. فعندما يريدون معلومات عن روسيا في فرنسا فإنهم لا ينظرون إلا إلى الكريملين. والحقيقة أن الأشخاص الذين تضطر للتعامل معهم في الحكومة الروسية غير مريحين بالمرة.

وتقول إنها لا تتذكر مقابلة ديمتري ميديفيف أحد كبار المسئولين في الحكومة الروسية. فقد كان يبدو وكأنه بدأ الحديث عندما انضم إلى الحكومة. وقد كان الرجل كأغلب مسئولي الكريملين غير قادرين على إثارة اهتمام الصحفية الفرنسية. ولكن على عكس أغلب زملائها من المراسلين الأجانب في عاصمة المجد الروسي الغابر فإنها لا تعتقد أن روسيا تتجه نحو الهاوية.

وتقول: إحدى السيدات قالت لي مؤخرا إن العصر الذي نعيشه الآن يشبه تماما الأيام الأخيرة من العهد السوفيتي. ونحن لم نكن نعرف ما إذا كانت الحقبة السوفيتية في ذلك الوقت تبدأ أو تنتهي. ولكن ماري تقول إنها تنتهي وان كل الأمور ستكون على ما يرام قريبا جدا.


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة