الاقتصادية المعقب الالكتروني نادي السيارات الرياضية كتاب واقلام الجزيرة
Tuesday 6th July,2004 العدد : 88

الثلاثاء 18 ,جمادى الاولى 1425

الافتتاحية
فصل من مصير العراق
من السابق لأوانه التوقع بما سيؤول إليه الوضع في العراق، حتى بعد تشكيل الحكومة العراقية ومباشرتها لسلطاتها بحماية أمريكية، على النحو الذي تم قبل الموعد المحدد لها بيومين، بانتظار إجراء الانتخابات العامة في العام القادم.
أقول ذلك، وقد اقتيد صدام حسين أخيراً مُكَبَّلاً بالأغلال إلى المحكمة ليقول القضاء كلمته في حقبة طويلة من تاريخ العراق الدموي بقيادة رئيسه السابق صدام حسين، الذي يواجه سبع تهم جنائية، تكفي إدانته بواحدة منها لتنفيذ حكم الإعدام فيه.
نعم، لا يمكن التنبؤ بحقيقة المستقبل الذي ينتظر العراق وشعب العراق في ضوء المناخ الذي يسود الحياة في العراق، منذ سقوط حكم البعث ووقوع العراق في قبضة المحتل بالسيناريو الدامي الذي دفع ثمنه الكثير من الأبرياء العراقيين وغير العراقيين.
ولا شك أنَّ مشهد مثول أحد عشر مسؤولاً كبيراً من رموز نظام صدام حسين أمام شاشات التلفازات وعدسات المصورين، وإن كان يؤكد أنَّ النظام السابق قد انتهى وولَّى وأصبح جزءاً من التاريخ، إلاَّ أنه غير كافٍ لإعطاء قراءة صحيحة للتطورات المستقبلية المتوقعة في هذا البلد الشقيق.
أما لماذا هذه النظرة غير المتفائلة لمستقبل العراق، ولمَ الخوف عليه ومنه، والثقة من أنَّ ما يخفيه المستقبل من تطورات قد لا تصب في مصلحة هذا البلد الشقيق؛ فلأنَّ الممارسات الإرهابية التي تشهدها الساحة العراقية صباح مساء تعطي مؤشراً غير سار، وقد تعيق أي محاولة للخروج من هذا النفق المظلم.
فالعراق يفتقر اليوم إلى الحد الأدنى من الأمن..
وهناك كما هو معروف ثارات قديمة بين أفراده وقبائله..
فضلاً عن التدخلات الخارجية لزعزعة استقراره..
وما يصاحبها من أطماع ورغبة في السيطرة على مقدراته من الداخل والخارج..
وهناك قائمة أخرى طويلة تعزز من حجم الخوف على بلاد الرافدين.
والمطلوب في هذه المرحلة الدقيقة والصعبة والقاتلة في تاريخ العراق..
وما ينبغي عمله في هذا المنعطف الخطير الذي توجهه البوصلة، على ما يبدو، نحو ما هو أسوأ..
أن يكفَّ العدوّ عن إشعال الفتنة بين المواطنين..
وأن يُترك الخيار لأبناء العراق في تصريف أمور بلادهم..
بلا وصاية منه..
أو مخططات لا تخدم استقراره..
وأن يلتفَّ المجتمع العراقي نحو ما يعزز استقرار بلاده.
وبهذا تفوت الفرصة على الأعداء المتربصين شراً بالعراق..
سواء كانوا من الداخل..
أو من أولئك الذين جاءوا من الخارج..
وهنا سوف يسرع المحتل بأخذ عتاده والرحيل من أرض الرافدين..
ويعود العراق كما يريد أهله، وكما نتمنى أبيَّاً وقوياً وسنداً لقضايانا العربية.
خالد المالك
الصين ... بلاد ساحرة موغلة في القدم

* جولة إسلام السعدني
الصين، تلك البقعة القصية الحافلة بالأسرار، بلد عريق ذو طابع مميز يشي عن حضارة خالدة لها عشاقها في مختلف أنحاء العالم كانت هدفا لجولة في هذه البلاد مترامية الأطراف التي تخلب لب كل من تطأ قدماه أراضيها.
ونبدأ رحلتنا بين ربوع الصين بزيارة لحي ( هوتونجس) بالعاصمة بكين، وهو الحي الذي كان يُعرف من قبل ب(المدينة المحرمة) التي كان يسكنها الأباطرة الممسكون بزمام الأمور في البلاد، تلك المدينة التي كان يحظر على العامة الولوج إليها. ومبانيه العتيقة تكاد تختفي بفعل الأضواء المتلألئة التي تحفل بها الأحياء الحديثة في العاصمة الصينية، وأزقته ودروبه الضيقة تحيط بتلك المدينة المحرمة التي ظلت قائمة لعدة قرون في هذا المكان.
على الرغم من أن أشعة الشمس تبدو باهتة والهواء معبق بالأتربة في طرقات (هوتونجس)، إلا أن أزقته تغص بالبشر سواء من السكان الذين يتجولون هنا وهناك أو من السائحين الغربيين الذين يستقلون دراجات ثلاثية تتمايل بحمولتها من الركاب الذين يتشكل أغلبهم من الزوار الأجانب.
كما ان طرقات هذا الحي تموج بالباعة الجائلين الذين ينادون على معروضاتهم بغية استمالة الزوار، و على الرغم من أن التعامل باليوان الصيني هو السائد إلا أن هناك لهفة ملموسة على تقاضي ثمن المشتريات بالدولار الأمريكي!.
هذه السلع من بينها مظلات للوقاية من أشعة الشمس وكذلك من الأمطار، وأكياس نقود مطرزة، إلى جانب مجموعات من البطاقات البريدية رائعة الألوان، فضلا عن قبعات (البيسبول) الموجودة في كل مكان تقريبا والتي تحمل شعار الدورة الأوليمبية القادمة التي ستحتضنها بكين عام 2008.
و أصل تسمية ذلك الحي تعود الى كلمة (هوتونجس) المستقاة من اللغة المنغولية وتعني (البئر)، وتشير هذه الكلمة إلى الآبار التي كان يحفرها السكان الأوائل في تلك المنطقة للحصول على مياه الشرب.
حفيد جنكيز خان :
ولقد تم تشييد المباني الأولى في هذا المكان على يد الإمبراطور المغولي (قوبلاي خان) حفيد جنكيز خان والذي يعد مؤسس أسرة (يوان) التي تولت زمام الأمور في البلاد في الفترة ما بين عامي (1279 1368)، كما أن عددا من هذه المنازل أعيد بناؤه خلال عهد أسرتي مينج (1368 1628)، وكينج (1644 1911).
وقد قام أباطرة الصين بمنح عدد من المنازل الفخمة في هذا الحي إلى مسئولين رفيعي المستوى كانوا يعملون في القصر الإمبراطوري.
والحياة تجري بداخل هذا الحي العتيق خلف جدران جرداء وأبواب صلدة متينة، وذلك بداخل منازل صغيرة من طابق واحد يضم كل منها أحيانا العديد من الأسر، و الأزقة والدروب الصغيرة التي تفصل بين تلك المنازل تشكل منافذ لدخول الزوار والسكان إلى الحي، كما تسمح بدخول الهواء وأشعة الشمس أيضا إليه.
ويبدو أن زيارة الصين كانت ممتعة بحق، للدرجة التي دعت كاتبة أمريكية للتأكيد على أنها كانت بمثابة تحقيق لحلم العمر بالنسبة لمعظم أعضاء المجموعة التي رافقتها.
وبكلمات منبهرة تصف (تشارترز) الإعجاب الذي شعرت به ورفاقها عندما تأملوا أبواب منازل الحي الرائعة ذات اللون الأحمر والسقوف المستوية التي كانت تستخدم كحدائق وباحات.
عرس ميري! :
وفيما يبدو وكأنه تأكيد على الطابع النابض الذي يتسم به الحي تروي لنا (جيليان تشارترز) ما جرى في زيارة قامت بها مع مجموعة أصدقائها السائحين إلى روضة للأطفال في (هوتونجس) تقول الكاتبة إنه يبدو بوضوح أنها مخصصة لاستقبال الزوار الغربيين.
وأوضحت أن أحد المعلمين في هذه الروضة سألها ورفاقها عما إذا كانوا يرغبون في الرقص والغناء مع الأطفال، وهو ما حدث بالفعل خاصة وأن أغلب أفراد هذه المجموعة كانوا من الاسكتلنديين الذين يعشقون الرقص.
وتمضي قائلة إنها وزملاءها رقصوا مع الأطفال رقصة تقليدية صينية في البداية، ثم على أنغام مقطوعة موسيقية اسكتلندية تحمل اسم ( عرس ميري) كانت على اسطوانة مضغوطة جلبها أحد أعضاء المجموعة الزائرة، مشيرة إلى أن الأطفال أعجبوا بهذه الموسيقى بشدة، وشاركهم معلمهم الذين أعرب عن تقديره لرغبة السائحين في التفاعل والتبادل الثقافي مع مضيفيهم.
سر الصنعة :
ونتيجة لكل هذا المجهود الذي بذل في الرقص كان من الطبيعي أن تشعر الكاتبة ورفاقها بالجوع مما دفع عددا منهم للتوجه إلى منزل في الحي يشير الكتيب السياحي الذي بحوزتهم إلى أنهم سيستمتعون فيه بتناول الطعام مع عدد من السكان البسطاء.
إلا أن ما وجدوه هناك دفع (تشارترز) للقول إنه ربما كان السكان بسطاء حقا ولكن الطعام لم يكن كذلك على الإطلاق، إذ تشير إلى أنهم تناولوا هناك وليمة حقيقية!.
وأكدت أن أصحاب هذا المنزل أعدوا لهم طعاما كان الأشهى على الإطلاق على مدار تجربتهم مع الأطعمة الصينية، وبدت الكاتبة مهتمة بأمر ربما لا تحفل به سوى النساء في كل مكان وزمان ! ألا وهو سرد كيف كشفت صاحبة المنزل لزوارها عن أسرار صناعة الفطائر الصغيرة الدائرية التي تشتهر بها بكين، وهو الأمر الذي تناولته (تشارترز) بشكل مفصل بداية من إعداد الفطائر وحشوها وقليها وحتى تقديمها على المائدة لضيوف لم يستطيعوا كما اعترفت (جيليان تشارترز) بأن يأكلوا بروية التزاما بآداب المائدة بل انكبوا على الفطائر من فرط كونها شهية.
الصين الخفية :
وتشير الكاتبة إلى أن وسيلة الانتقال المستخدمة في (هوتونجس) هي دراجات ثلاثية تقل شخصين ويستخدمها السائحون عادة،ولكنها تجلب عليهم بعض الإزعاج الناجم عن أنهم يتعرضون خلال ركوبها لمحاولات الباعة الترويج لبضائعهم في وقت لا يستطيع فيه السائحون الإفلات من هذا الإلحاح المستمر.
وتروي (تشارترز) تجربتها الشخصية مع هذا الأمر، مشيرة إلى أن أحد قائدي تلك الدراجات الثلاثية شعر بالشفقة حيالها وحيال أصدقائها، فعلمهم كيف يصيحوا في هؤلاء الباعة باللغة الصينية قائلين (أغربوا عن وجوهنا).
وتقول إنهم حاولوا أن يتفوهوا بهذه العبارة بلهجة آمرة أول الأمر مما أصاب الباعة بالدهشة والذهول، ثم انفجر الجميع بالضحك بعد ذلك حتى البائعين أنفسهم الذين تركوا مجموعة السائحين هذه وشأنها لبرهة.
الجنة المفقودة :
وإذا كانت (جيليان تشارترز) قد وقعت خلال زيارتها للصين في غرام مدينة الأباطرة المحرمة فإن زميلها الكاتب (دومنيك ميرل) قد طفق يبحث خلال الزيارة التي قام بها إلى هناك عما إذا كانت مدينة (ليجيانج) الصينية الواقعة في مقاطعة (يونان) هي ذاتها تلك الجنة الخيالية التي تحدث عنها الأديب البريطاني (جيمس هيلتون) في روايته (الأفق المفقود) والتي أطلق عليها اسم ( شانجري لا) أم لا؟.
ومن هذا المنطلق يستهل (ميرل) المقال الذي يتناول رحلته إلى تلك المدينة بتساؤل مفاده :هل هذه هي المدينة التي تتحول فيها الأسطورة إلى حقيقة؟.
ويردف قائلا إنه من الصعوبة بمكان أن يتمكن المرء من إقناع المزارعين البسطاء الذين يفلحون أراضيهم 12 ساعة يوميا بهذا الأمر، إلا أنه يشير في الوقت نفسه إلى أن المسئولين المحليين في (ليجيانج) كانت لديهم الجراءة الكافية لأن يعيدوا تسمية الطريق الرئيسي في المدينة باسم طريق (شانجري لا)!.
من التبت إلى المثلث الذهبي :
ولا يغفل الكاتب في مقاله تقديم بعض المعلومات التي تساعدنا على تحديد الموقع الجغرافي لمدينة (ليجيانج) فيشير إلى أن هذه المدينة التي لا تعد من بين المزارات المعتادة لزوار الصين تقع على مسافة يوم واحد بالسيارة من بلدان المثلث الذهبي الواقعة جنوبها وهي ميانمار(بورما سابقا) وتايلاند ولاوس، مضيفا أن المرء يمكنه أيضا إذا انطلق بسيارته من ( ليجيانج) متوجها شمالا أن يصل بعد نفس الفترة إلى هضبة التبت.
ويلفت (ميلر) الانتباه إلى أنه لا يزور هذه المنطقة سوى عدد محدود من أبناء أمريكا الشمالية في الفترة الراهنة، قائلا إن هؤلاء يفضلون زيارة المعالم السياحية الأخرى الساحرة في الصين ولاسيما المدن الثلاث بكين وشنغهاي وكسيان، ومن ثم يدعو الرجل لأن يتم إدراج (ليجيانج) على قائمة أهم المزارات السياحية في الصين لتنضم بدورها إلى المدن سالفة الذكر.
وبعد أن ينتهي من هذا العرض الجغرافي يأخذنا الكاتب إلى أضابير قاموس (وبستر) ليطلعنا على التعريف الذي أورده هذا القاموس ل(شانجري لا) وهو ذاك الذي يقول إن (شانجري لا) هي كلمة تشير إلى أي مكان تسوده قيم طوباوية (مثالية)، أو تشير إلى جنة مفقودة خفية، وهو ما يعني كما يشير ميلر إلى أن هذه المنطقة غير موجودة في الواقع.
ويمضي الكاتب قائلا إن الكاتب البريطاني (هيلتون) والذي يعد أول من تحدث عن منطقة بهذا الاسم في روايته (الأفق المفقود) قد اعترف هو الآخر بأن (شانجري لا) غير موجودة على أي خريطة، بيد أنه قال في الوقت نفسه إن ذلك المكان يقع بالقرب من أكثر الجبال جمالا على وجه الأرض..حيث يعيش أناس منحدرون من أصول عرقية مختلفة في مناخ من التفاهم الكامل.
ويدفع ذلك الوصف الذي ورد في رواية (هيلتون) الكاتب الأمريكي للقول إنه يبدو كما لو كان هيلتون كان يتحدث في هذه الرواية عن (ليجيانج)، متسائلا في الوقت نفسه عما إذا كان الأديب البريطاني قد زار المدينة الصينية ليتسنى له الحديث عنها بكل هذه الدقة، إلا أنه يردف قائلا إنه لا يوجد أي دليل يثبت ذلك حتى هذه اللحظة.
ثم يستعرض (ديفيد ميلر) في مقاله أوجه الشبه بين (ليجيانج) و(شانجري لا)، قائلا إن تلك المدينة تقع تحت سفح جبل التنين شاهق الارتفاع الذي يكسو الجليد قممه الثلاث عشرة على مدار العام ومن ثم فإن ذاك الجبل يعد بالفعل من بين أروع الجبال على مستوى العالم بأسره.
ويضيف الرجل أن (ليجيانج) تعد كذلك موطنا للعديد من الأقليات العرقية التي تدين كل منها بديانة مختلفة، حيث يوجد هناك مسلمون ومسيحيون إلى جانب من يتبعون عقائد مثل البوذية والطاوية وغيرها، مشيرا إلى أن هذه الأقليات العرقية والدينية تعيش جنبا إلى جنب في (تفاهم كامل) تماما كما ورد في رواية (هيلتون)!.
لغز هيلتون ويتساءل الكاتب هنا عن الكيفية التي تمكن من خلالها الأديب البريطاني من وصف المدينة الصينية بكل هذه الدقة دون أن يكون قد زارها من قبل، ويجيب على نفسه بالقول إن هناك إمكانية لأن يكون (جيمس هيلتون) قد اطلع على سلسلة المقالات المدعمة بالصور التي كتبها عالم النباتات والكاتب الأمريكي (جوزيف ويلسون) عن الصين حيث كان ذلك الرجل من ضمن الباحثين الذين زاروا البلاد أوائل القرن الماضي، وأشار (ميلر) إلى أن العديد من هذه المقالات تناول مدينة (ليجيانج) من أبعاد مختلفة، حيث تطرق إلى تاريخها وثقافتها وموقعها الجغرافي إلى جانب الديانات المنتشرة فيها.
ويقول (ميلر) إن هذه المقالات نشرت بين عامي 1924 و1935 فيما أصدر (هيلتون) كتابه عام 1933 مما يعزز إمكانية وجود صلة بينهما وهو ما يميل إليه السكان المحليون، على الرغم من أن الكاتب يعود ليؤكد عدم وجود دليل قطعي يثبت وجود مثل هذه الصلة.
البندقية الصغيرة ويصحبنا الكاتب بعد ذلك في جولة تاريخية تكشف النقاب عن أن مدينة (ليجيانج) قد ظهرت إلى النور للمرة الأولى قبل نحو 800 عام خلال حكم أسرة (سونج)، مشيرا إلى أن من أبرز السمات المميزة لتلك المدينة هي القنوات المائية الموجودة فيها والتي دفعت البعض لأن يطلق عليها اسم (البندقية الصغيرة) في إشارة لمدينة البندقية الإيطالية الشهيرة.
ويوضح (دومنيك ميلر) أن بيوت هذه المدينة ذات جدران طينية وأسقف من القرميد، مشيرا إلى أن أفنية هذه المنازل مليئة بكل ألوان الزهور والأشجار.
ويمضي الكاتب قائلا إنه لا يسمح بمرور السيارات في شوارع (ليجيانج)، فيما يسمح بمرور الدراجات إلى جانب عربات (الكارو)، مشيدا بأناقة المحال التجارية الموجودة في المدينة التي تضم أيضا مطاعم يمتدح (ميلر) جودة ما تقدمه من وجبات، وكذلك يثني على مستوى الخدمة الذي توفره لمن يترددون عليها.
ولكن كل هذا الوصف الخلاب لا يعني أن ليجيانج هي المدينة الفاضلة على هذه الأرض وهو ما يوضحه (ميلر) بقوله إنه وجد هناك تجارة مزدهرة للسلع المقلدة وهو ما يشير ساخرا إلى أنه لم يرد بالتأكيد في الوصف الذي أورده (جيمس هيلتون) في روايته بشأن تلك الجنة الخفية التي سماها ( شانجري لا)!.
مدينة الربيع الدائم ثم ينتقل الكاتب للحديث عن أمسية خلابة قضاها في البلدة القديمة بالمدينة حيث حضر حفلا للموسيقي الصينية التقليدية أحيته فرقة فريدة من نوعها ينحدر أفرادها جميعا من أقلية (ناكسي) العرقية، ويشير إلى أن الفرقة التي تجاوز أعضاؤها سن السبعين والتي قدمت من قبل عروضا في القارة الأوروبية عزفت مقطوعات تمثل نوعاً من أنواع الموسيقى التقليدية الصينية يطلق عليها اسم (دونج جينج)، وهي موسيقى كانت شائعة بين أبناء الطبقة الأرستقراطية في البلاد خلال القرن السادس عشر.
ويستطرد قائلا إن الأدوات الموسيقية التي استخدمتها الفرقة التي تشكلت عام 1987 لحماية موسيقى (دونج جينج) من الاندثار تتسم بالغرابة إذ إن بعضها مصنوع من أجساد حيوانات وزواحف.
ويشير (ميلر) إلى أن الذهاب إلى (ليجيانج) يستلزم التوجه بالطائرة أولا إلى مدينة (كون مينج) عاصمة مقاطعة (يونان)، مما يقوده إلى الحديث عن (كون مينج) التي تمتاز بجوها المعتدل طيلة العام إلى حد أنها معروفة بأنها مدينة الربيع الدائم.
ويقول إن (كون مينج) التي تضم حاليا 800 ألف نسمة ينحدرون من 26 أصل عرقي مختلف عرفت عبر التاريخ بأنها بوابة طريق الحرير الشهير، وهي تبعد أربعين دقيقة بالطائرة عن (ليجيانج) التي تقع إلى الشمال الغربي منها.
غابة حجرية :
ويوضح الكاتب أن من بين أبرز معالم مقاطعة (يونان) أيضا تلك الغابة الحجرية التي تمتد على مساحة 200 هكتار شرق مدينة (كون مينج)، وتضم أحجارا جيرية تتراوح ارتفاعاتها من 10 إلى 100 قدم.
ويقول (ميلر) إن هذه الغابة نجمت عن الرواسب البحرية التي تشكلت جراء التغيرات التي طرأت على جغرافية الأرض قبل 200 مليون عام، مشيرا إلى أن صخورها اتخذت الأشكال التي باتت عليها الآن بفعل عوامل التعرية التي تعرضت لها طيلة هذه الحقب الطويلة.
ويستطرد الرجل قائلا إن إحدى هذه الصخور تبدو كما لو كانت تمثالا لفيل صغير، فيما تبدو صخرة أخرى كما لو كانت تصور طائرين مقبلين على بعضهما البعض.
ويختتم الكاتب مقاله الذي تناول فيه رحلته إلى مدينة (ليجيانج) بالتأكيد على أن المسئولين عن السياحة في الصين يعولون كثيرا على هذه المدينة لتكون المزار السياحي الأبرز في البلاد خلال القرن الحادي والعشرين.
ولا يغفل (ديفيد ميلر) في النهاية أن يشير إلى أنه فيما يتعلق بما إذا كانت (ليجيانج) هي (شانجريلا) التي تحدث عنها الأدباء أم لا فإن الإجابة التي يراها أقرب إلى الصحة من غيرها هي أنه بما إن (شانجري لا) حسب تعريف قاموس (وبستر) هي تلك الجنة الخفية التي لا يمكن للمرء أن يجد موقعها على أي خريطة لذا يمكن القول حسبما يؤكد ميلر إن هذا المكان ليس سوى مكان في القلب وليس مكانا على أرض الواقع.
السندباد الصيني :
المحطة الثالثة في جولتنا السياحية في الأراضي الصينية تأخذنا إلى مدينة (نانجينج) التي زارها الكاتب (ديفيد تايلور) ليجد فيها حكاية أخرى لا تقل إثارة عن أسطورة الجنة الخفية التي حاول زميله (دومنيك ميلر) أن يتحقق من وجودها في (ليجيانج)، ألا وهي تلك الأحاديث التي تتردد في أروقة (نانجينج) بشأن كون الأدميرال الصيني (زينج هو) ابن هذه المدينة العريقة والذي عاش في القرن الخامس عشر الملهم الحقيقي لشخصية (سندباد) الأسطورية التي ترد في حكايات (الف ليلة وليلة).
وأشار (تايلور) إلى أن تلك المدينة الصينية تضم متحفا مكرسا لهذا البحار الذي كان يدين بالإسلام والذي طبقت شهرته الآفاق بعد أن جابت سفنه البحار وعبرت المحيطات في رحلات متعددة شهدت الكثير من المغامرات.
وأوضح الكاتب أن من بين الرحلات التي قام بها (زينج هو) وأسطوله الهائل الذي كان يضم أكثر من ثلاثمائة سفينة يعمل عليها نحو 27 ألف رجل رحلات قادته إلى موانئ تقع على الخليج العربي، حيث حظي هناك بشهرة واسعة باعتباره مغامرا من طراز فريد.
وأشار (تايلور) إلى أن من بين العوامل التي أعادت اسم ذلك الأدميرال الصيني مرة أخرى إلى الواجهة مؤخرا فيلم الرسوم المتحركة الذي يتناول أسطورة (سندباد) والذي بدأ عرضه خلال الصيف الماضي، وكذلك ما أعلن عنه الكاتب والضابط البحري البريطاني المتقاعد (جافين منزيس) من أنه يعتقد بأن (هو) الذي كان معروفا أيضا باسم (سينباو) أو (سنباد) كان أول من وصل إلى أمريكا عام 1421 حتى قبل وصول (كريستوفر كولومبوس) إليها.
رحلات إلى بلاد العرب وأوضح الكاتب أن (زينج هو) بدأ حياته بالعمل في إحدى المحاكم وتمكن بفضل نبوغه واجتهاده من أن يصبح ضابطا في البحرية الصينية في عهد الإمبراطور (يونج لي)، مشيرا إلى أن (هو) تمكن من الاطلاع على ثقافات ومعارف البلدان الأخرى بفضل قدوم مئات الباحثين من تايلاند وكوريا واليابان للدراسة في جامعة (جوزيجيان) الوطنية التي فتحت أبوابها في (نانجينج) خلال حكم (يونج لي)، تلك الجامعة التي كانت حينذاك أضخم من نظيراتها في أوروبا.
وأكد (تايلور) في مقاله أن هذا السندباد الصيني قام برحلات إلى الهند وتايلاند كما نجح في تعزيز التبادل التجاري بين بلاده وبين المنطقة العربية وكذلك مع البلدان الواقعة على الساحل الشرقي للقارة الإفريقية، مشيرا في الوقت نفسه إلى أنه ربما تكون رحلات ذلك البحار الشهير قد شملت أيضا القارة الأوروبية.
المدينة الذهبية :
ويقدم الكاتب نبذة تاريخية عن مدينة (نانجينج) التي كانت تسمى في الماضي (نانكينج) أي المدينة الذهبية مشيرا إلى أنها كانت عاصمة سابقة للبلاد، وينقل في هذا الصدد عن المرشد السياحي الصيني الذي اصطحبه في هذه الزيارة قوله إن تلك المدينة تعد بمثابة مرآة لتاريخ الصين، باعتبار أن هناك العديد من الصينيين يعتقدون بأن(نانجينج) هي مهد الصين الحديثة، وذلك عندما مخرت سفن الأسطول البريطاني عباب نهر (يانجتسي) الذي يقع بالقرب من المدينة، وأجبرت حكام البلاد على فتح موانيها أمام الأجانب.
ويشير المرشد إلى أن تلك المدينة العريقة أصبحت عاصمة للبلاد بعد أن أعلن الدكتور (صن يات صن) الذي يعتبر مؤسس الصين الحديثة النظام الجمهوري أوائل القرن العشرين، عقب نجاحه في الإطاحة بحكم أسرة (كينج)، موضحا أن المدينة قاست خلال تاريخها الطويل من ويلات الحروب كانت من أبرزها مذبحة دموية وقعت عام 1937 سميت على اسم المدينة نفسها.
وألقى (تايلور) الضوء على أن (نانجيانج )تضم نصبا تذكاريا مهيبا ل(صن يات صن) يضارع في فخامته ذلك النصب الموجود بالولايات المتحدة لتخليد ذكرى الرئيس الأمريكي الأسبق (إبراهام لينكولن) الذي يعرف باسم ( محرر العبيد).
صناعة وآثار :
ويقر (ديفيد تايلور) بأن زيارة (نانجينج) لم تكن موضع اهتمامه الأول خلال جولته الأخيرة في أنحاء الصين، بل كانت رحلته إلى هذه المدينة في بداية الأمر مجرد جملة اعتراضية في سياق تجواله في كبريات المدن الصينية مثل بكين وجوانجزو، ولكنه يؤكد أن ما رآه في (نانجينج) جعل زيارتها بمثابة مفاجأة مبهجة أفعمته بالسعادة خلال فترة إقامته في الصين التي استمرت ثلاثة أسابيع.
وينقل الكاتب عن مرشده الصيني قوله إن هذه المدينة اختيرت عاصمة للصين للمرة الأولى في القرن الثالث الميلادي ثم اختيرت مرة ثانية لتكون عاصمة للبلاد خلال القرن الرابع عشر.
ويستطرد مشيرا إلى أن الصناعة الرئيسية في المدينة هي صناعة أجهزة التليفزيون والحاسب الآلي والتي تباع في داخل البلاد وكذلك يتم تصديرها إلى كوبا.
ويستعرض (تايلور) الجولات التي قام بها في معابد هذه المدينة الصينية، تلك المعابد التي تحفل بالنقوش الرائعة والتماثيل البديعة التي يعجب بها السائحون، كما يتحدث أيضاً عن أماكن التسوق في ( نانجينج) التي تباع فيها القطع الخزفية والمخطوطات وكذلك اللوحات الفنية.

..... الرجوع .....

الطب البديل
الفن السابع
الفن العربي
عالم الاسرة
المنزل الانيق
رياضة عالمية
عواصم ودول
نادي العلوم
المستكشف
خارج الحدود
الملف السياسي
فضائيات
السوق المفتوح
العمر الثالث
استراحة
تقرير
أقتصاد
حياتنا الفطرية
منتدى الهاتف
بانوراما
من الذاكرة
جزيرة النشاط
روابط اجتماعية
الصفحة الرئيسة

ارشيف الاعداد الاسبوعية

ابحث في هذا العدد

للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2002, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved