الاقتصادية المعقب الالكتروني نادي السيارات الرياضية كتاب واقلام الجزيرة
Tuesday 7th September,2004 العدد : 97

الثلاثاء 22 ,رجب 1425

الأفتتاحية
الوشاية بلا طلب!!
جُبِل بعض الناس على الوشاية بين الشخص ومن يعمل معه أو تربطه به صداقة أو علاقة من أي نوع..
والبحث عن كل ما يسيء إلى هذه العلاقة بوضع ما يكفي لتوتيرها بالافتئات على الحقائق وممارسة أساليب الدس والخداع..
وهذا مرض لا نستطيع أن نعممه على جسم أفراد المجتمع.. ولكننا في المقابل لا نستطيع أن نتجاهل وجود مرض بهذا المستوى وبهذا النوع ووجود من يغذيه من بعض أفراد المجتمع ليستمر نقطة سوداء في العلاقات الإنسانية.
***
والوشاية قد تنطلي على البعض..
وقد يصدقها أو لا يصدقها آخرون..
ما لم تفضحها التداعيات..
وتكشفها التناقضات والمواقف وحكمة الطرفين المتضررين.. والوشاية أسلوب خسيس لا يقوم به ولا يقدم عليه إلا من افتقد الحس الإنساني والأخلاقي..
وهو مرفوض من المجتمع بكل شرائحه وإن شذ منه من شذ..
ولحسن الحظ أن هؤلاء يتوارون عادة خلف الأسوار ولا نرى وجوههم أو نسمع أصواتهم أو نقرأ أسماءهم أو يمكنوننا من معرفتهم حين يحبكون مخططاتهم..
وهذا كاف لكشف زيف ما يقولون وعدم صحته البتة, ومن أنه لا يعدو أن يكون هراء مصدره إنسان غير سوي ويعاني من مشاكل نفسية تترجمها مثل هذه التصرفات التي تصدر منه.
***
أنا هنا لا أتحدث عن حالة خاصة..
ولا عن موقف معين..
وإنما أتناول بالنقد قضية تسيء إلى الصورة الجميلة للمجتمعات..
وهي قضية حين تتفشى فإنها تدمر مجتمعات ومؤسسات وأفراداً..
وأول من سوف يكتوي بنارها..
وأول من سيتضرر منها..
هم أولئك الذين يشعلون الفتنة..
من يمارسون هذا العمل اللا إنساني وغير الأخلاقي..
لأن سلوكهم هذا ترفضه المجتمعات المتحضرة..
ويتنافى مع كل المبادئ وتعاليم الأديان..
وهو بالتالي محكوم عليه بالوأد..
ولا خوف منه.


خالد المالك

كولن باول..جنرال ناجح ولكن..!

* إعداد إسلام السعدني
(سوف تصبح مالكاً فخوراً لخمسة وعشرين مليون شخص.. سوف تمتلك كل آمالهم.. طموحاتهم.. ومشكلاتهم أيضاً.. سوف تكون مالكاً لكل ذلك).
جاء ذلك على لسان وزير الخارجية الأمريكي (كولن باول) لرئيسه (جورج بوش) حسبما ذكر الصحفي الأمريكي (بوب وودوارد).
في بعض الأحيان يجدر بالمرء أن يسطر رثاءً لشخص ما، حتى قبل أن تحل منية هذا الشخص، وفي حالة الساسة بالتحديد يكون غرض مثل هذا الرثاء أن يشكل ما يمكن أن نسميه تحذيراً من الخطر الذي يشكله بعض الموتى الأحياء من الساسة الذين إما اسُتنفدوا سياسياً أو فقدوا أرواحهم ومبادئهم، ويمكن القول إننا نرى العديد من هؤلاء حولنا حالياً، ومن بينهم رئيس الوزراء الإسباني السابق (خوسيه ماريا إثنار)، رئيس الوزراء البريطاني (توني بلير) ووزير خارجيته جاك (سترو)، إضافة إلى (كوفي عنان) الأمين العام للأمم المتحدة، و(خافيير سولانا) المنسق الأعلى للسياسة الخارجية والأمنية في الاتحاد الأوروبي وإلى جانب هؤلاء وأولئك (كولن باول) وزير خارجية الولايات المتحدة الأمريكية.
** عام 2000 كان أحد الوجوه المفيدة في الحملة الانتخابية للرئيس (بوش)
** مفاجأة (كاي) جعلت من المتعذر على (باول) مواصلة الدفاع عن موقفه
** اعتاد التغطية على العمليات الإجرامية التي تنفذها إسرائيل بحق الفلسطينيين
*****
إن اعتراف (باول) الأخير بأن الأدلة التي استند إليها في الكلمة الشهيرة التي ألقاها أمام مجلس الأمن الدولي في فبراير من العام الماضي حول الاتهامات الأمريكية المزعومة للنظام العراقي السابق بامتلاك أسلحة دمار شامل يعد الدرك الأسفل لحياة عملية محزنة ومثيرة للشفقة، إذ إن إقرار الرجل بأن هناك ثغرات في تلك الكلمة وهو الاعتراف الذي جاء في مرحلة متأخرة من مراحل الحرب الأمريكية في العراق بعد مقتل آلاف من العراقيين وتدمير بلادهم يشبه ما يقوم به شخص ما ضبط وهو متورط في كذبة هائلة إلى أبعد الحدود فما كان منه حينذاك إلا أن اعترف بكل بساطة أنه ربما كان مخطئاً من الأساس !.
إن (باول) يثبت من خلال هذا الاعتراف أنه أصبح قاسي القلب من فرط البقاء بداخل درع السلحفاة الذي يحاول الاحتماء به.
من جهة أخرى، يمكننا التأكيد على أن إقرار (ديفيد كاي) رئيس فريق التفتيش الأمريكي عن الأسلحة العراقية بأن نظام (صدام) لم يطور قط أسلحة دمار شامل قد سحب البساط من تحت قدمي وزير الخارجية الأمريكي، فقبل ذلك الإقرار من قبل (كاي)، كان (باول) يصر على أن الاتهامات التي تضمنتها كلمته أمام مجلس الأمن للنظام العراقي بحيازة أسلحة محظورة كانت تستند إلى تقارير استخباراتية دقيقة وذات مغزى، وقد ظل الرجل متمسكاً بهذا الموقف حتى وقت قريب، بل وكان يرد بغضب على كل من يشكك في ذلك الأمر، وبدا ذلك جلياً خلال جلسة الاستماع التي عقدها الكونجرس أواخر فبراير من هذا العام للنظر في الاتهامات الخاصة بامتلاك نظام الحكم السابق في بغداد أسلحة دمار شامل، وهي الجلسة التي علقت في أذهان الكثيرين بسبب ذاك الغضب العارم الذي بدا على (باول) خلالها، حيث واصل الرجل أحابيله حول أسلحة الدمار الشامل العراقية المزعومة بينما ارتسمت على ملامحه علامات استياء .
إلا أن المفاجأة التي فجرها (كاي) جعلت من المتعذر على (باول) مواصلة الدفاع عن موقفه، وأصبح مجبراً على الاعتراف بالخطأ الذي ارتكبه، وهو ما حدث في الثاني من إبريل الماضي في ما كان أشبه بتدريب على التقليل من حجم الأخطاء لتصير في حدها الأدنى، حيث أقر (باول) أخيراً بأنه اعتمد على أدلة لم تكن دقيقة بما يكفي، وقد كان ذلك إقراراً غريباً من نوعه إذ إنه ركز على جزء واحد من سلسلة الاتهامات التي رددها الرجل أمام مجلس الأمن، وهو الجزء المتعلق بوجود مختبرات متنقلة للأسلحة البيولوجية في العراق ذاك الاتهام الذي كان بالفعل قد أصبح بلا أدنى مصداقية بشكل رسمي، بينما تجاهل وزير الخارجية الأمريكي بقية اتهاماته التي نعلم الآن أنها تفتقر إلى المصداقية بدورها.
وفي الحقيقة فقد بدا واضحاً أن فحص كل هذه الاتهامات بدقة يؤكد أن مصداقيتها في الحضيض، وأن الكثير منها لم يكن سوى أكاذيب محضة، وحتى تفاصيل تلك الاتهامات كانت إما زائفة أو محرفة ومشوهة بشكل متعمد، ولم يكن بوسع كلمة (باول) في مجلس الأمن خداع أحد حتى في وقت إلقائها، فالسذج وحدهم هم من كانوا سيرون أنها تتضمن أدلة قاطعة على وجود أنشطة غير مشروعة ناهيك عن أنها تتضمن مبرراً يسوغ شن حرب.
وليس من المتصور أن يعتقد أحد أن (باول) ألقى هذه الكلمة دون أن يدرك أن أغلب ما تضمنته لم يكن سوى أكاذيب أو محض اختلاق، ولكن لا عجب فإن ذلك كان جزءاً من وظيفة الرجل وجزءاً أيضاً من المهمة التي اضطلع بها طيلة العقود القليلة الماضية ألا وهي الترويج للحروب والسعي لإشعال أوارها. فتلك كانت السمة التي عرف بها دائماً.
اجتماعات الصم والبكم!
على الرغم من أنه من المفترض أن يكون ل(باول) الكلمة العليا فيما يتعلق بالسياسة الخارجية للبلاد، إلا أن ذلك لم يكن صحيحاً من الناحية العملية، فلم يكن للرجل الكلمة الأخيرة في اختيار الدبلوماسيين أو في
مجال وضع وتطوير سياسة خارجية متماسكة. وفي الوقت الذي كان من المتوقع أن يضطلع (باول) بدور مهم وفاعل في كبح جماح النزوات الطائشة لرجال (بوش)، اكتفى الرجل بلعب دور ثانوي بداخل الإدارة، وراح يتشدق لشهور بالحديث عن سياسة وضعها آخرون، وقد وصف (بول أونيل) وزير الخزانة الأمريكي السابق في كتابه الذي صدر مؤخراً اجتماعات الإدارة التي كان يرأسها (بوش) بأنها كانت أشبه باجتماعات للصم يرأسها أبكم، وهو تشبيه يلائم بشدة حال (باول) المذعن دائماً لما يدور حوله. وقد بات واضحاً أن (باول) لم يكن له دور كبير في اختيار بعض الشخصيات التي تنتمي إلى تيار (المحافظون الجدد) لشغل مناصب في الإدارة، وكان من بين هؤلاء الصهيوني البارز (إليوت إبرامز) والذي يعد اختياره للإشراف على سياسة أمريكا حيال الشرق الأوسط بمثابة اختيار شخص مصاب بهوس إشعال الحرائق للانضمام إلى أحد فرق الإطفاء، ويمكن الحديث من هذا المنظور أيضاً عن اختيار شخصيات مثل
(جون بولتون) مساعد وزير الخارجية لشؤون الحد من التسلح.
ولم يقتصر الأمر عند هذا الحد، بل إن (باول) واجه إهانة لا حد لها، عندما تم منح وزير الخارجية الأمريكي الأسبق (جيمس بيكر) مكتباً في البيت الأبيض، حتى يتسنى الأخذ برأيه فيما يتعلق بالمحادثات المهمة التي تجريها الإدارة، أو الاستعانة بمشورته بشأن قضايا السياسة الخارجية.
تواطؤ باول
وقد تمخضت السنوات التي انقضت منذ شغل (باول) منصب وزير الخارجية الأمريكي عن ذكريات بائسة، من بينها دوره في دفع أمريكا على طريق الحرب ضد العراق أو على الأقل عدم تصديه للأجندة التي فرضها (المحافظون الجدد) على الإدارة الأمريكية في هذا الشأن، ودوره في تقويض القانون الدولي، وكذلك دوره في إعطاء الضوء الأخضر لرئيس الوزراء الإسرائيلي ( آرييل شارون) للقيام بكل ما يحلو له، وكل هذه أدوار لا أخلاقية اختار كبير الدبلوماسيين الأمريكيين الاضطلاع بها.
فإذا تحدثنا عن دور (باول) إزاء ما يجري في الأراضي الفلسطينية، يمكننا أن نستعيد ما جرى قبل عامين حينما دفعت الاحتجاجات الدولية العنيفة على العدوان الإسرائيلي بحق المدنيين الفلسطينيين في الضفة الغربية الولايات المتحدة لاتخاذ موقف ما في هذا الشأن، ولكن واشنطن اتخذت هذا الموقف بشكل يظهر بجلاء أنها تريد إعطاء الضوء الأخضر لإسرائيل للمضي قدماً فيما تعتزم القيام به بحق الفلسطينيين، فبدلاً من أن يتوجه وزير الخارجية الأمريكي مباشرة إلى القدس في ذلك الوقت، تباطأ الرجل في الوصول إلى إسرائيل متخذاً مساراً غير مباشر تضمن المرور على المغرب ثم على مصر ولم يصل إلى القدس سوى عندما كانت القوات الإسرائيلية قد سوت مخيم (جنين) بالأرض، وقتلت عشرات الفلسطينيين في مختلف أنحاء الأراضي المحتلة. وحتى عندما وصل (باول) إلى إسرائيل لم يسع إلى وضع حد للأعمال العدائية، ولم يطرأ على علاقاته الودية ب(شارون) أي تغيير.
ولم يكتف الرجل بذلك بل علّق مهمته لبضعة أيام بعد وقوع إحدى العمليات الفدائية الفلسطينية، ولم يحاول خلال هذه المهمة كبح جماح دولة حليفة لأمريكا مثل إسرائيل، أو إكساب مصداقية لدعوة (بوش) لضبط النفس، بل كان يلعب ذلك الدور الذي اعتاده طيلة سنوات وسنوات، وهو التغطية على ما ترتكبه تل أبيب من عمليات استلاب للأراضي الفلسطينية.
وفي نفس السياق أيضاً، يمكن تذكر الدور الذي اضطلع به (باول) لعرقلة قيام المحكمة الجنائية الدولية بالنظر في قضية الجدار الفاصل الذي تقيمه إسرائيل للاستيلاء على المزيد من الأراضي الفلسطينية، هذا الجدار الذي أقرته الولايات المتحدة وشاركت حتى في تمويل أغلب أجزائه، في مواجهة رأي عام عالمي اعتبر الجدار انتهاكاً لمبادئ القانون الدولي.
وشكّل ما قام به (باول) في هذا الشأن وصمة أخرى في جبين أمريكا، فقد سعت واشنطن في البداية إلى ممارسة ضغوط على العديد من الدول لتقديم اعتراضات إلى المحكمة بدعوى أن نظرها لقضية الجدار سيعد تسييساً للأمر برمته، كذلك طلبت إسرائيل من الولايات المتحدة إرجاء صدور التقرير الذي تعده الخارجية الأمريكية حول حقوق الإنسان حتى ما بعد جلسات المحكمة حول قضية الجدار، إذ إن تل أبيب كانت تخشى من أن يتضمن هذا التقرير انتقادات للجدار الفاصل.
وفي الحقيقة، كان (باول) متواطئاً في هذا الأمر حيث لم يصدر التقرير سوى بعد أسبوع من بدء مداولات المحكمة الدولية حول الجدار الإسرائيلي الفاصل، وجاء ذلك بتأخير قدره شهر كامل عن الموعد المحدد لصدوره، كما أن الولايات المتحدة لا تزال حتى الآن تحاول عرقلة صدور أي حكم من المحكمة الدولية في هذه القضية، حتى يصبح الحكم في النهاية دون جدوى، أي أن يصدر بعد انتهاء تشييد الجدار بالفعل.
حل إسرائيل العنصري
ويجب النظر إلى اللقاء الذي عقد في ذلك اليوم في البيت الأبيض بين (بوش) و(شارون)، في سياق عملية اغتيال الشيخ (أحمد ياسين) ذلك الرجل المقعد الذي كان زعيماً روحياً لحركة حماس في الثاني والعشرين من مارس الماضي، فقد كان (شارون) هو من أمر بتنفيذ هذه العملية بشكل شخصي، دون أن يواجه أي مشكلة جراء ذلك، واستخدمت الولايات المتحدة حق النقض ضد قرار شديد الاعتدال من مجلس الأمن الدولي كان يرمي للإعراب عن معارضة هذه العملية.
ولا يوجد دليل أوضح من ذلك على التواطؤ الضمني بين الولايات المتحدة وإسرائيل فيما يتعلق باستهداف قادة الفصائل الفلسطينية، فوزير الخارجية الأمريكي سعى إلى ألا تصدر أي إدانة دولية لهذه الاغتيالات من قبل الأمم المتحدة، وهو ما اعتبر بمثابة ضوء أخضر لتل أبيب لتواصل مضيها قدماً على هذا المضمار.
وهكذا نرى أن (باول) لعب في هذا الشأن دوراً مروعاً آخر، ففي الفترة السابقة واللاحقة على مباركة (بوش) لخطة (شارون) لفك الارتباط، انتقد وزير الخارجية الأمريكي الفلسطينيين بقوة لفشلهم في التصدي للإرهاب على حد قوله، على الرغم من أنه من الواضح أن الرئيس الفلسطيني (ياسر عرفات) ومساعديه لا يفرضون سيطرتهم سوى على مبنى متداع في مدينة (رام الله)، ولذا تبدو أي انتقادات لهؤلاء بعدم السعي للسيطرة على العنف أمراً يدعو للضحك بجدارة.
ولم يقف الأمر عند هذا الحد، بل أكد (باول) مراراً تكراراً ضرورة ألا تسمح السلطة الفلسطينية لحماس بالمشاركة في صنع القرار، على الرغم من أن تلك الحركة وهي تنظيم سياسي شرعي ربما صارت تعبّر الآن عن الرؤى التي يتبناها معظم الفلسطينيين، مما يجعل تصريحات الوزير الأمريكي في هذا الشأن محاولة مجحفة من جانبه للتدخل في عمليات بلورة وتشكيل الجهة التي سيكون لها حق تمثيل الشعب الفلسطيني.
وفي اجتماع عقدته اللجنة الرباعية الدولية في أوائل مايو الماضي، رأينا (باول) إلى جوار (كوفي أنان)، ومعهما (خافيير سولانا)، وعلى الرغم من أن الاجتماع كان يستهدف إحياء خطة (خريطة الطريق) التي لفظت أنفاسها الأخيرة بالفعل، إلا أن تصريحات (باول) أظهرت بوضوح أن الهدف لم يكن سوى خدعة قاسية أخرى، فقد أشار الرجل إلى ضرورة أن ينظر الفلسطينيون إلى خطة (شارون) باعتبارها فرصة سانحة يجب عليهم اغتنامها، بعبارة أخرى كان وزير الخارجية الأمريكي يريد من الفلسطينيين أن ينظروا إلى الوجه المشرق في ضم إسرائيل الأحادي لأراضيهم! وفي إقامتها لجدار يستلب المزيد من هذه الأراضي! وفي رفضها لحق عودة اللاجئين إلى ديارهم ! وأخيراً كان الرجل يطالبهم على ما يبدو بأن يروا الجانب المضيء في سعي تل أبيب لفرض حل نهائي يكرس التفرقة العنصرية !.
وقد كشف (باول) في تصريحاته عن تفاصيل أخرى حول الخطط التي تعتزم الولايات المتحدة وإسرائيل وضعها موضع التنفيذ خلال الفترة القادمة، حيث بدا واضحاً أن الجانبين سيسعيان إلى التفاوض من الآن فصاعداً مع مصر والأردن حول القضايا التي تهم الفلسطينيين، إذ ستصبح القاهرة وعمّان شريكتين في تطبيق الخطة الخاصة بفك الارتباط لتحلان محل الشريك الفلسطيني.
وتشير تصريحات (باول) بأن ما يقال عن رؤية الرئيس (بوش) حول قيام دولة فلسطينية أو حصول الفلسطينيين بشكل فعلي على أي حق من حقوقهم، هو أمر لا يندرج في إطار أولويات الإدارة الأمريكية على الإطلاق، خاصة إذا ما أخذنا في الاعتبار تصريح الرئيس الأمريكي الأخير الذي استبعد فيه قيام هذه الدولة خلال العام القادم كما كان محدداً من قبل، وذلك بسبب ما رآه (بوش) من أخطاء ارتكبتها القيادة الفلسطينية، أو بكلمات أخرى بسبب ما سماه ب(الإرهاب).
ومن المفارقات أن يستخدم رجل مثل (باول) كأداة لإعطاء الضوء الأخضر لحل يكرس التفرقة العنصرية بشكل مغالٍ فيه، كذاك الحل الذي يراد فرضه على الفلسطينيين حالياً، ويمكننا في هذا السياق الاستشهاد بما قاله (روني كاسريلز) وزير المياه في جنوب إفريقيا مؤخراً من أن نظام التفرقة العنصرية الذي كان مطبقاً في بلاده على مدار عقود طويلة يبدو شديد الاعتدال إذا ما قورن بالاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية، الذي يجبر الفلسطينيين على ترك ديارهم والنزوح عنها.
مبعوث الديموقراطية
وقد تبنى (المحافظون الجدد) في الإدارة الأمريكية رؤية مؤداها أنه من الضروري أن يتم تحديث دول الشرق الأوسط ونشر الديموقراطية بها، وقد تماشى (باول) مع هذه الرؤية أيضاً وأصدرت وزارته تقريراً يحدد ما يجب على دول هذه المنطقة القيام به في هذا الصدد، وعقد مسؤولو الوزارة اجتماعات مع مسؤولي هذه الدول لمناقشة ذاك الموضوع.
وقد اختارت الخارجية الأمريكية عنواناً رناناً لمبادرة خاوية من المضمون في هذا الصدد أطلقت عليها اسم (الشرق الأوسط الكبير)، وربما يعن للمرء ملاحظة أن الولايات المتحدة تطالب دول الشرق الأوسط بتبني المفاهيم الديموقراطية، في الوقت الذي تورطت فيه واشنطن في الإطاحة بحكومة منتخبة ديموقراطياً في هييتي، حيث كان من الواضح أن أمريكا ضالعة في تدريب وتسليح الميلشيات الهييتية التي كان يقودها أحد زعماء كتائب الموت سيئي السمعة، حتى تمكن هذا الرجل في النهاية من الاستيلاء على السلطة في بلاده.
فكيف يمكن ل(باول) أن يتحدث عن رغبة أمريكا في نشر الديموقراطية في الشرق الأوسط، بينما تدعم بلاده في الوقت نفسه انقلابا ضد حكومة ديموقراطية في أمريكا اللاتينية؟
سيف معاداة السامية
وقبل أقل من شهرين دعت الولايات
المتحدة رسمياً إلى العمل على التصدي للمشاعر المناهضة للسامية في أوروبا، وبالطبع كان (باول) على الخط ليتحدث في اجتماع عقدته منظمة الأمن والتعاون في أوروبا عن أن الانتقادات الموجهة لإسرائيل قد تؤول باعتبارها عداءً للسامية، حيث أشار إلى أن (انتقاد دولة إسرائيل لا يعتبر في حد ذاته عداء للسامية إلا أن الأمور قد تختلط عندما يتم مهاجمة قادة إسرائيل أو تشويه سمعتهم باستخدام رموز نازية)!.
من جهة أخرى، ربما يمكن القول إن الدول الأعضاء في منظمة الأمن والتعاون في أوروبا والتي وجه (باول) بيانه بشأن معاداة السامية إليها، تشهد حالياً بفعل التنوع العرقي الراهن فيها ممارسات عدائية ضد العرب والمسلمين، أكثر من تلك التي يتعرض لها اليهود، إلا أن الضغط الأمريكي جعل المنظمة تركز على الحديث عن مظاهر العداء للسامية خلال اجتماعها دون التطرق
للممارسات التي تتعرض لها الأقليات العربية والمسلمة.
حصاد كارثي
لا شك في أن احتلال العراق كان كارثة في ضوء الوضع الذي يتكشف لنا شيئاً فشيئاً هناك، والذي يتضح لنا من خلاله أن تكاليف الاحتلال صارت ضخمة بشكل يفوق أي تصور، ومن المنطقي القول إن المبررات التي تم على أساسها شن الحرب كانت مجرد هراء.
ويمكن أن نقول إن من بين عواقب هذه الحرب تصاعد درجة العداء للولايات المتحدة في العالم والتي بلغت حداً غير مسبوق، وهو ما جعل موقف من روجوا لتلك الحرب يكتنفه الغموض بغتة، ليبدأ المرء في متابعة الصراعات التي نشبت بين من حملوا لواء غزو العراق، حيث رأينا (باول) يهاجم (بول وولفويتز) مساعد وزير الدفاع، ولو بشكل
ضمني وهو ما بدا محاولة من قبل وزير الخارجية الأمريكي لكي ينأى بنفسه عن (المحافظون الجدد) من هواة إشعال الحروب، بيد أن تلك المحاولة ربما جاءت بعد فوات الأوان.
إن العسكريين الذين تدربوا على إطاعة الأوامر فحسب والقيام بمهام محددة دون زيادة، لم يخبروا جيدا التعقيدات الخاصة بالدبلوماسية التي تعد شكلاً آخر من أشكال الحروب، ولكن بسمات مختلفة شديدة الاختلاف.
ومن هذا المنطلق لا ينبغي ترشيح العسكريين لشغل المنصب الدبلوماسي الأرفع في الولايات المتحدة، وفي حالة (باول) لا بد أن يتذكر المرء أن إسهامه الوحيد في تشكيل العقيدة العسكرية لأمريكا كان يتمثل في أنه كان من بين مؤيدي استخدام (القوة العسكرية الساحقة)، وهو ما يجعلنا نعلم أي عبقري كان هذا الرجل الذي اقترح اتباع مثل هذه الاستراتيجية!.
ومن هنا فإن خلفية (باول) لم تكن بالقطع تجعله المرشح الأفضل والأكثر ملاءمة لتولي منصب وزير الخارجية، ولذا يبدو أن اختياره لهذا المنصب بالتحديد، يرجع إلى الدور الثانوي الذي أرادت الإدارة الأمريكية الحالية إسناده إلى المؤسسة الدبلوماسية.
وإذا نظرنا إلى حصاد السنوات الماضية منذ تولي (باول) هذا المنصب سنجده حصاداً كارثياً تماما كما كان الحال عليه عندما تولى جنرال آخر وهو (ألكسندر هيج) هذا المنصب قبل نحو عشرين عاماً، فبدلا من أن يسعى (باول) إلى بلورة سياسة خارجية متماسكة، وإلى تدعيم المشاركة على المستوى الدولي في أطر عمل متعددة الأطراف، سمح لنفسه بأن يمضي في اتجاه آخر من خلال انتهاج سياسة المواجهة، والقيام بتحركات أحادية وانعزالية، تحفل بازدراء القانون الدولي، ويكمن فيها استعداد لخوض غمار (حروب وقائية).
والنتيجة الحتمية لكل ذلك باتت واضحة، ففي الأمم المتحدة لم تعد هناك دول تقف في صف الولايات المتحدة سوى إسرائيل وناورو وجزر مارشال، حتى الدومنيكان صارت تمتنع عن التصويت هذه الأيام! وهو إنجاز يتعين على كل من شاركوا في التخطيط للعمل الدبلوماسي الأمريكي أن يشعروا بالفخر حياله!.
بل ويمكننا القول بحق إنه في القريب العاجل لن يكون بوسع أي أمريكي السفر إلى الشرق الأوسط ومناطق معينة في إفريقيا دون أن يخشى على حياته من الإقدام على هذه المغامرة.
في السابع والعشرين من إبريل الماضي أعلن (باول) أنه لا يعتزم الاستقالة من منصبه، إلا أن أحد مساعديه كشف عن أن الرجل لا يعتزم البقاء في هذا المنصب لفترة ثانية حال فوز الرئيس (بوش) في انتخابات الرئاسة القادمة، قائلاً في هذا الشأن إن (وزير الخارجية قضى معظم الوقت يسعى لمواجهة الأضرار الناجمة عما يقوم به زملاؤه.. ولذا فقد صار يشعر بالإجهاد بدنياً وذهنياً).
لقد تحول (باول) من شخص رأى الكثيرون أنه قد يصلح مرشحاً رئاسياً جيداً، إلى نجم خبا في أقل من أربعة أعوام فحسب، والآن ماذا تبقى له في جعبة السنوات القادمة، هل سيعمل في مجال تجارة السلاح؟ أم سيكتب مجلداً آخر من مذكراته ؟ أم سيتجه إلى إلقاء المحاضرات؟
إذا كان وزير الخارجية الأمريكي يلعب دوراً في ملهاة لوجد المرء شيئاً ما يثير في نفسه الضحك حيال ما يراه أمامه من تحركات يقوم بها الرجل، ولكن للأسف الشديد لا توجد أي كوميديا في ذلك المجال الذي قضى فيه (باول) حياته، بل إنه مجال امتزجت فيه المأساة بالشفقة، المأساة التي كمنت في أن الرجل كان مجبراً على التعامل مع قضايا تفوح منها رائحة الموت في كل من فيتنام والعراق وفلسطين وهييتي، أما الشفقة والأسف فتثور في النفس إزاء تلك الرغبة التي تمكنت من (باول) ودفعته للخوض في الملفات القذرة التي أحاطت بمثل هذه القضايا.

..... الرجوع .....

الفن السابع
الفن العربي
عالم الاسرة
المنزل الانيق
المستكشف
خارج الحدود
الملف السياسي
فضائيات
استراحة
منتدى الهاتف
جزيرة النشاط
روابط اجتماعية
الصفحة الرئيسة

ارشيف الاعداد الاسبوعية

ابحث في هذا العدد

للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2002, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved