الاقتصادية المعقب الالكتروني نادي السيارات الرياضية كتاب واقلام الجزيرة
Tuesday 8th October,2002 العدد : 4

الثلاثاء 2 ,شعبان 1423

مجلة الجزيرة كما هي وكما نخطط لها
أما وأنَّ هذا العدد هو الرابع من "مجلة الجزيرة" التي أطلَّت عليكم دون أن يكون هناك إسناد تسويقي مسبق لصدورها..
وأنها صدرت دون كلمة عن هويتها، وبلا إفصاح عن الهدف من إصدارها فضلاً عن عدم معرفتكم ربما لما نخططه لمستقبلها..
***
في ضوء ذلك فإن عليَّ أن أسرع لأقول لكم..
لقد ملَّ القراء من الادعاء الذي تمارسه الكثير من الصحف مع كل خطوة هامشية من خطواتها..
ولا نريد للجزيرة الصحيفة أو المجلة أن تصنف ضمن منظومة هذه الصحف فيما لو قامت بمثل هذا التوجه..
***
وأننا لهذا آثرنا إصدارها دون أن يسبق ذلك ما اعتيد عليه من عمل دعائي مسبوق لمثل هذا الإصدار..
وفضلنا أن تكون المجلة بمضمونها وشكلها بمثابة الإعلان عنها والمسوق لها وأن يقتصر التنويه عن إشهارها على الأهم وفي أضيق الحدود..
ولا بأس أن أشير الآن مع صدور العدد الرابع من مجلة الجزيرة إلى:
أنَّ فكرة المجلة أن تكون منوعة ورشيقة وذات طابع علمي توثيقي..
وأن تجمع مادتها بين الجديَّة والإثارة معاً.. مع التزام بالصدق والموضوعية.. وأن يصاحب ذلك التقاط الغريب والتفتيش عن النادر والتنقيب عن الجواهر من بين هذا الكم الهائل من المواد الصحفية..
مع التأكيد على أن تكون مجلتكم جديدة في فكرتها ومواضيعها.. مختلفة عن غيرها من حيث الإخراج وتصميم الغلاف وحتى في صياغة المادة وكتابة العناوين..
وأن تبتعد مجلة الجزيرة عن القضايا والموضوعات المحلية مما هي مادة يومية مستهلكة ومكررة في صحفنا المحلية.. ومن ذلك تلك التي لا تمثل جديداً أو انفراداً للمجلة فيما لو نشرت فيها..
***
هذه بعض ملامح مجلة الجزيرة وليس كلها..
نحاول من خلال إصدارنا لها أن نرسخ قواعد وأصول المهنة...
وبالتالي تقديم أفضل خدمة صحفية لقرائنا..
ضمن تخطيط مستقبلي أفضل لهذه المجلة..
إنه هاجس الزملاء وهاجسي أيضاً..
***
وبكم..
ومعكم..
ومن أجلكم..
سيظلُّ شعارُنا:
الجزيرةُ تكفيك..

+
خالد المالك

باحث سعودي يقرع جرس المياه:
العطش "يهدد البشر" فكيف نتجنب الكارثة؟
أغلب الآبار ارتفعت ملوحتها وما تبقى نضب
د. عبد الرحمن سليمان الحبيب

يتنامى الطلب على الغذاء والماء مع اطراد نمو عدد السكان في المملكة ، وهذا يستلزم زيادة الإنتاج الغذائي أي التوسع الزراعي، ولكن إزاء محدودية الموارد المائية المتاحة ، نواجه تحديا حقيقيا يتمثل بالموازنة بين الأمن المائي والأمن الغذائي، لذا فإنه من الأولويات الاستراتيجية لترسيخ هذه الموازنة هو انتهاج أساليب وتقنيات ترفع من كفاءة استخدام المياه ومن ثم تخفض جوهريا من استنزاف المياه الجوفية القابلة للنضوب ، إضافة إلى البحث عن وسائل جديدة وعن مصادر مياه جديدة ومتجددة .
وضع المياه : تشير بعض التقديرات إلى أن القطاع الزراعي في المملكة يستهلك حوالي 90% من المياه مقابل حوالي 5% لكل من الاستهلاك المنزلي والاستهلاك الصناعي ، فقد تزايد معدل استهلاك مياه الري خلال العشرين سنة الأخيرة إلى معدلات خطرة "1520 بليون م3/سنة حسب بعض الدراسات" ، هذا الاستنزاف المائي أدى إلى زيادة الملوحة في كثير من الآبار الجوفية ناهيك عن خفض هائل في كمية الموارد المائية ، حيث يقدر انخفاض منسوب المياه الجوفية في شمال غرب المملكة مثلا إلى حوالي 100 متر خلال العقد المنصرم ، وتذكر بعض الدراسات FAO1992 أن مخزون المياه الحالي من الآبار الجوفية في المملكة يمكن أن يستنفذ خلال25 سنة إذا ظل الاستنزاف على نفس المعدلات الحالية ، مما يجعل من خفض الاستهلاك والبحث عن سبل ووسائل بديلة واجبا وطنيا وإنسانيا كل فرد. كل حسب قدرته وتخصصه ، وهنا ينبغي أن ينصب التركيز على ترشيد استهلاك المياه في المجال الزراعي قبل المجالات الأخرى .
الحملة الوطنية : من أهم الإجراءات التي قامت بها وزارة الزراعة والمياه سابقا هو إطلاقها حملة وطنية لترشيد استهلاك المياه ، حيث دشن سمو ولي العهد في 25/2/1418هـ بداية نشاط الحملة ، وبذلت وزارة الزراعة والمياه جهوداحثيثة بخصوص التوعية الإعلامية بأهمية المياه ، وما يترافق مع ذلك من إقامة اللقاءات والنشاطات الأخرى الهادفة إلى نشر الوعي المائي لدى المستهلكين ، ولأهمية إبداء الملاحظات والمقترحات سأطرح بعضا منها لتطوير ودعم هذه الحملة الوطنية من وجهة نظري كمختص بمجال كفاءة استخدام المحاصيل للمياه .
* أولا : تقييم المراحل : مضى حوالي خمس سنوات ونصف على الحملة الوطنية لترشيداستخدام المياه . ونحن حاليا في المرحلة الثالثة التي انطلقت في 14/1/1421هـ، ورغم صرف مبالغ طائلة ، فإنه لم يظهر تقييم إحصائي لنتائج المرحلتين السابقتين موضحا كمية ومعدلات الاستهلاك المائي السابق لكل مرحلة وما طرأ عليها من تبدل مع نهاية كل مرحلة ، فمن الصعوبة معرفة أثر المرحلة السابقة ، ومن ثم الأثر المتوقع للمرحلة الراهنة والتخطيط للمرحلة القادمة ، دون تحليل وتقييم إحصائي ودراسة نتائج كل مرحلة ومدى نجاحها في تحقيق أهدافها.
* ثانياً : تحديد المستهدفين من الحملة . هناك جهد جبار بذلته وزراة الزراعة "والمياه" في توعية وإرشاد السكان بضرورة ترشيد استهلاك المياه ، ولكن خلال تركيز في جهود الحملة موجه لمستهلكي مياه المنازل التي لا يتجاوز استهلاكها اللمياه 5% من إجمالي الاستهلاك العام للبلد ، بينما الشطر الأعظم من استهلاك المياه يستنزفه القطاع الزراعي كما أشرت . مما يعني أن تركيز الحملة كان ينبغي أن يتوجه أولا للمزارعين والمتصلين بالشأن الزراعي .
* ثالثا: تحديد الوسائل ، بذلت وزارة الزراعة "والمياه" جهودا مؤثرة في اقناع العموم بخطورة اهدار المياه ، ولكن باستثناء مؤتمر علمي واحد وبعض الجهود التوعوية ، تكاد تنحصر أساليب التوعية في الوسيلة الاعلامية الاعلانية ، دون سائر الوسائل الأخرى وحتى في هذه الحالة فإن التوعية كانت ذات صبغة شعاراتية توضح الغاية أو الهدف ولا تبين الوسائل وطرق التنفيذ ، فمثلا من الحالات القليلة التي يعلن بها مادة ارشادية للمزارعين هناك شعار مكرر ويعد الأشهر، وهو عن تشجيع استخدام الري بالتنقيط بصورة عامة بدلا من الأساليب الأخرى ، وهذا تعميم خاطئ علميا وعمليا ، فإذا كان الري بالتنقيط يستهلك أقل كثيرا من الري بالرش والري بالغمر فإنه في ذات الوقت لا يناسب كثيراً من المحاصيل، فالأساس هو استخدام نظام الري الحقلي المناسب للمحصول المناسب وتحسين كفاءة هذا النظام وكفاءة استهلاك المحصول للماء.
أهم الوسائل الأخرى لترشيد استهلاك المياه
1 تشكيل فرق من الفنيين والمهندسين في كل منطقة تعمل على التوجه للمزارع وإرشاد المزارعين بأنجع السبل لرفع كفاءة الري الحقلي وخفض استهلاك المحاصيل من المياه ، إضافة إلى اصدار نشرات إرشادية فعالة للمزارعين في مجال كفاءة استعمال الماء ، وتوفير هذه الاصدارات بأعداد كافية وتيسر تواجدها في أماكنها المناسبة وتكون في متناول المزارعين ، يبين فيها وبوضوح أفضل الأساليب المتاحةفي ترشيد استهلاك المياه ، وكيفية رفع كفاءة استهلاك المحاصيل للمياه بالمملكة ، وتحسين كفاءة أنظمة الري الحقلي وهذه تتحقق بطرق عدة سنستعرضها لاحقاٍ في هذا البحث ولكن ينبغي أن نشدد ان اغلب المزارعين يرغبون بشدة في خفض استهلاك مزارعهم للمياه من أجل خفض تكلفة التشغيل . أي أنهم مقتنعون بحكم الحاجة ، ولكن نتيجة للنقص المريع في المعارف التطبيقية وأساليب التنفيذ يستمرون في الري بكميات تزيد أحيانا عن ضعف الكمية اللازمة لاحتياجات المحصول المنزرع .
ومن وجهة نظري الفنية فإن استنزاف المياه في المملكة يأتي أساسا من الفقدالهائل للماء نتيجة ممارسة منظومة من الأساليب والقرارات الزراعية غير المناسبة للاقتصاد بالمياه وعدم حسن اختيار الوسائل الملائمة أكثر من التوسع الزراعي المطلق ، بمعنى أنه من الممكن خفض كميات المياه اللازمة للري لدرجات مأمونة لمستقبل البلد مع الاستمرار بالتوسع الزراعي أفقيا "وليس رأسيا" وتشجيع استخدام أحدث الوسائل المناسبة لذلك ، ومن ثم تحقيق التوازن بين الأمن المائي والأمن الغذائي .
2 قامت وزارة الزراعة مشكورة بسن بعض التشريعات التي تخفض كمية المياه مثل منع تصدير القمح والأعلاف والحد من زراعة القمح والشعير ، ولكن هذه الأساليب رغم أهميتها لم يصاحبها حلول بديلة لأزمات نقص المنتوجات الزراعية وما شابهها ، فمثلا النقص الحاد في محاصيل الأعلاف لم يصاحبة مشاريع بحث تهدف إلى توفير أعلاف بديلة لا تستنزف المياه وتتحمل الجفاف ، ورغم ذلك فإن التشريعات في هذا المجال قليلة ، ولا زلنا بحاجة إلى جهة أو وكالة تقوم بمهام الإشراف والتوجيه والتشريع لشؤون المياه والري والصرف ، مثل إصدار الأنظمة واللوائح الخاصة بعمليات الري الحقلي والصرف الزراعي وتجهيزاتها المناسبة ، كاستيراد أو تصنيع أجهزة الري المناسبة ، ومثل التوجيه أو الأمر بإنشاء شبكة ري وصرف لجهة زراعية ، وما يتبع ذلك من رصد استهلاك المزارع الضخمة للمياه بوضع عدادات للآبار مثلا وتحديد حصص معينة من المياه والتقيد بذلك ، وقد يتبادر للذهن عدم معقولية هذا المثال ولكن هل يعقل أن إحدى المزارع الضخمة يمكن تقدير استنزافها للمياه بكمية ما تستنزفه مدينة متوسطة الحجم دون حسيب أو رقيب في بلد يعتبرأجف بلد بالعالم!
3 هناك نقص حاد في دعم الدراسات والأبحاث والتي يمكن اعتبارها القاعدة الأساسية لاعطاء المعلومة الصحيحة وطريقة تنفيذها ، وأغلب الدعم المالي الموجه لقطاعات أبحاث الزراعة والمياه لا يفي حتى لصيانة منشآت هذه القطاعات ، وفي الحدود الدنيا عند توفير بعض الأبحاث فإنها تفتقد لتفعيل نتائجها وتوظيف مقترحاتها ، ولا ينبغي أن تكون الأبحاث للتباهي بها في المؤتمرات ثم وضعها في رفوف الأرشيف ، ومن الضرورة جمع شتات الأبحاث والدراسات المتفرقة من الجامعات وجهات البحث والخاصة بتحسين كفاءة الري الحقلي ورفع كفاءة استهلاك المحاصيل للمياه وخفض كمية الاستهلاك المائي من المحاصيل ومن التربة.
4 توفير قاعدة من المعلومات والبيانات المتصلة بالمياه والري والصرف، وربطها بشبكة الحاسب الآلي والانترنت، بحيث تتوفر للمزارع الحديثة المعارف اللازمة، بل وتحديد الاحتياجات المائية لمحاصيلهم حسب بيانات المناخ والتربة والمحصول والموقع ، ومثل ذلك أصبح متوفرا في شبكات الانترنت في بعض الدول العربية وبالامكان استنساخه بسهولة .
5 تقديم الاستشارات اللازمة للجهات المحتاجة من قطاعات إنتاجية رسمية وغيررسمية لرسم الخطط ووضع الاستراتيجيات المناسبة لخفض استهلاك المياه خاصة الجهات ذات الاستهلاك العالي ، مثل استغلال المياه المالحة لشركات الإنتاج الكبيرة ، ومثل وضع دراسة لاستغلال مياه الصرف الصحي في المجمعات السكنية الضخمة أو المدن الصناعية لري المسطحات الخضراء والتجميلة في هذه المواقع ، بحيث تكون هذه الاستشارات برسوم مالية .
الاستغلال الأمثل للمياه
إن أهم معيار ينبغي إدراكه في استغلال المياه للإنتاج الزراعي هو ما نطلق عليه كفاءة استهلاك المحاصيل للمياه ، وهي تعني كمية المحصول المنتج نظير كمية المياه المستهلكة ، فعندما يكون لصنف معين احتياجات مائية منخفضة فإنها غير مجدية إذا كانت إنتاجية الصنف منخفضة أيضا ، ومن خلال معيار كفاءة استهلاك المياه يمكن الحكم على جدوى استزراع أو التوسع في زراعة كثير من المحاصيل ، فمثلا نجد أن كيلو جراماً واحداً من القمح قد يستهلك في بعض المزارع في المملكة حوالي 2000 كجم ماء كمعدل وسطي، بينما قد يحتاج إلى خمس هذه الكمية من المياه في مواقع أخرى رطبة ، فمثلا ، النخيل أشهر وأقدم المحاصيل الزراعية في المملكة وأكثرها تأقلما مع البيئة الصحراوية ، ولكنه للأسف يحتاج لكميات ضخمة من المياه بالمقارنةمع المحاصيل الأخرى ، على الرغم أنه يمكن أن ينتج محصولا اقتصاديا في ظروف جفاف لا تتحملها الأشجار المنتجة الأخرى ، ولتصور رداءة كفاءة استهلاك النخيل للمياه التي هي أقل من القمح ، أضرب مثلا نخلة تروى بالطريقة التقليدية وبالكمية التبذيرية المعتادة بحوالي 150 م3 بالسنة ، وتنتج ثمار بمقدار30كجم ، يعني أن الكيلو الواحد من التمر يتطلب خمسة آلاف كيلو جراما من المياه!!
وفي المملكة حاليا ما يزيد عن 19 مليون نخلة بمساحة 142 ألف هكتار ، قد تستهلك تقريبا ضعف ما يستهلكه سكان المملكة من المياه!! فما جدوى التشجيع الذي توليه وزارة الزراعة للتوسع الكبير في زراعة النخيل؟ لا اختلاف على أهميةالنخيل لكن الاعتراض على التوسع الكبير في زراعته ، وفي نفس السياق نجد أن أهم محصول علفي في المملكة هو البرسيم وهو محصول ذو كفاءة رديئة جدا في استهلاك المياه ، فهكتار واحد "10000م2" من محصول البرسيم يروى حاليا في بعض المزارع بمعدل تقربي قدره 30 ألف م3 في السنة ، أي 30 مليون كجم!! وفي المملكة هناك حوالي 130 ألف هكتار منزرعة بالبرسيم الدائم .
رفع كفاءة استهلاك
المحاصيل للمياه بالمملكة
أوضحت كثير من الدراسات أن كمية المياه التي تروى للمحاصيل من قبل الشركات الزراعية والمزارعين تتجاوز كثيرا الاحتياج الأساسي لتلك المحاصيل ، إضافة لزيادة نسبة الفاقد في أنظمة الري، مما يزيد من هدر المياه وكلفة ساعات التشغيل ، دون زيادة اقتصادية في إنتاجية المحصول . وهذا كله نتيجة الافتقارللعلوم الحديثة والمعارف التطبيقية وطرق التنفيذ في مجالات الري واحتياجات المحاصيل للمياه ونظم المعلومات الحاسوبية ، ويمكن من وجهة نظري رفع كفاءة استهلاك المحاصيل للمياه في المملكة على أسس أربعة، وهي: عامل التربة ، ظروف المناخ ، العامل النباتي، العمليات الزراعية. وبطبيعة الحال. هذه عوامل عامة متداخلة ولكن تم الفصل بينها كهدف إجرائي تنظيري ، وسأتطرق إليها باختصار شديد .
* عامل التربة: تتصف أغلب مناطق المملكة باستثناء المناطق الجبلية بأن تربتها ذات قوام خشن "رملية طميية" عالية المسامية ، مما يعني ضعف احتفاظ هذه الأراضي للمياه وزيادة معدل التسرب ، وبناء على ذلك فان إضافة محسنات التربة مثل الأسمدة العضوية كالبيت موس أو المحسنات الحديثة كأنواع البوليمرز أو احدث الأنواع كخلائط الصخور البركانية مع البوليمرز والمواد العضوية الأخرى كالجل والسليلوز..الخ كلها ذات تأثير أساسي في تحسين خواص تلك الترب للزراعة ، حيث تعمل هذه المحسنات على زيادة قابلية التربة للاحتفاظ بالمياه وإضافة بعض العناصر الغذائية ، وفي المملكة ، بصورة عامة، يرتفع تركيز الأملاح في محلول التربة نتيجة التبخر العالي من التربة مما يعني ترسب الأملاح مقابل قلة الأمطار أو مياه الغسيل التي تخفف من تركيز الأملاح في التربة ، لذا فان الترب الزراعية لهذه المناطق تحتاج إلى غسيل بشكل منظم والى برامج تسميدخاصة ونظم ري وصرف مناسبة لمنع تراكم الأملاح.
* عامل المناخ: يتميز مناخ المملكة في أغلب مناطقها بالحرارة العالية والجفاف وعليه فان معدل بخار المياه من سطح التربة ومن الطبقة العلوية للتربة ومعدل نتح النباتات يصل إلى مستويات عالية جدا وبالتالي فان معدل امتصاص الجذور للماء لابد وأن يكون مرتفعا ، وذلك يعني أن كمية استهلاك المحاصيل والتربة للمياه ترتفع كثيرا وأن كفاءة استهلاك المياه لدى المحاصيل تنخفض إلى مستويات متدنية خاصة خلال فصل الصيف ، واستغلال التوقع المسبق للظروف المناخية يمكن أن يعمل على رفع كفاءة استهلاك المياه ، فإذا كان من الممكن تعديل موعد زراعة محصول ما بحث تتزامن مرحلة النمو النشط للمحصول "ذروة الاستهلاك المائي" مع موسم الأمطارأو على الأقل تجنب تزامن هذه المرحلة من النمو مع ذروة الموسم الجاف الذي يتميز بالحرارة الشديدة والرطوبة المنخفضة ، فان ذلك سينتج عنه خفض لاحتياج المحصول للمياه. كما أن زراعة المحاصيل ذات موسم النمو القصير واختيار المحاصيل الشتوية بدلا من المحاصيل الصيفية حيث معدل التبخر عال صيفا. يعمل على تقليل استهلاك المياه.
إن المناخ يلعب دورا رئيسا في تحديد التركيبة المحصولية للمملكة ، أي تحديد المحصول المناسب للمنطقة المناسبة ، وبالتالي فإن اعتماد التركيبة المحصولية الملائمة لكل منطقة بالمملكة يمكن أن يقلل من إهدار المياه نتيجة زراعة محاصيل معينة في مناطق غير ملائمة لها مناخيا ومائيا ، وفي هذا السياق ينبغي معرفة الاحتياجات المائية لكل محصول في كل منطقة لأنها تعد من المعلومات الأساسية التي يجب توفيرها للمزارعين كي لا يتجاوز الري عن الكمية الضرورية للحصول على إنتاج مجد اقتصاديا.
العامل النباتي
لا شك أن تربية أو اختيار أصناف أو جلب أنواع جديدة تتحمل الجفاف والملوحة ونجاح زراعتها سيعمل على تقليص كمية الاستهلاك المائي وبالتالي زيادة كفاءة استهلاك المياه ، ولا تزال التجارب جارية في المملكة لاستنباط أصناف متحملة جديدة من أنواع المحاصيل المهمة كالقمح. إضافة إلى بعض المحاولات لإدخال أنواع برية صحراوية كمحاصيل اقتصادية متأقلمة مع نقص المياه وزيادة الأملاح ، ولكن مثل هذه الأبحاث تحتاج إلى دعم وافر ، وتخطيط زمني عملي ، وبرامج مدروسة من النواحي التنظيمية والفنية والجدوى الاقتصادية ، ذلك أن مدى الاستفادة التطبيقية من نتائج هذه الأبحاث يعتمد على قابلية الأصناف المستنبطة للإنتاج الاقتصادي المجدي نوعا وكما ، وليس فقط قدرتها على البقاء تحت ظروف الجفاف والملوحة أو إنتاجها محصولا وافرا منخفض الجودة ، كما أن العملية الإرشادية والإعلانية لتعريف المزارعين والشركات الزراعية بصفات هذه الأصناف الجديدة المتحملة يمكن اعتبارها أحد الركائز الأساسية في عملية استثمار نتائج هذه الأبحاث التي امتدت إلى أكثر من عقدين من الزمن دون أن نرى لها تطبيق تجاري ، يبقى أحد أهم العناصر في عملية طرح أنواع جديدة تتحمل الجفاف وهو توفير البذور أو الشتلات الكافية للزراعة ، وذلك بعد توفر القناعة بالصنف المحلي الجديد وتوفر الإرادة لمثل ذلك العمل.
العمليات الزراعية
لقد أوضحت التجارب أنه بالإمكان رفع كفاءة المحاصيل في استهلاك المياه عن طريق تحديد الإجراء الأنسب لبعض العمليات الزراعية مثل: عمق الحرث ونوعيته ، موعد الزراعة ، معدل البذار "الكثافة النباتية" ، نظام الري وتصميمه ، فقد وجد أن الفاقد من ماء التربة الذي يهدر عن طريق التبخر من سطح التربة يمكن تقليصه بزيادة محددة في الكثافة النباتية "عدد النباتات في وحدة المساحة" ، ومن ثم زيادة استغلال المحصول لنفس الكمية من ماء التربة ، كذلك وجد أن زيادة عمق الحرث لأنواع معينة من التربة تؤدي إلى زيادة قدرة التربة على الاحتفاظ بالماء ، كما أثبتت بعض الأبحاث أن تعديل موعد الزراعة لبعض المحاصيل قد لايؤثر على كمية المحصول اقتصاديا في الوقت الذي يؤدي إلى انخفاض كمية المياه المستهلكة وساعات تشغيل جهاز الري.
كذلك فان التوسع في أنواع معينة من الزراعات كزراعة البيوت المحمية التي يقل فيها كثيرا الاستهلاك المائي يمثل أحد الأساليب المطروحة لاستخدام المياه بكفاءة عالية ، كما أن الزراعة المائية "الهيدروليكية" لبعض البيوت المحمية تعتبر من أقل الطرق استهلاكا للمياه ويمكن من خلالها خفض كمية ماء الري إلى مستويات متدنة فعلا مما يجعلها أحد أهم وسائل الموازنة بين الأمن المائي والغذائي ، ولكنها لم تنتشر على نطاق تجاري لما تحتاجه من عمالة مدربة وبعض
التجهيزات الخاصة.
ويعتبر اختيار نظام الري الحقلي المناسب وتصميمه وفقا لأحدث الأساليب من أحد عوامل خفض هدر المياه وتقليل الفاقد منها . ومن الطرق الحديثة التي تؤدي إلى تقليص كبير لكمية المياه المستهلكة هي أساليب تقنين أو جدولة الري Scheduling Irrigation والتي عبرها يتم تحديد كم ومتى نروي بالاستناد إلى معطيات وبيانات خاصة بالمحصول والتربة والمناخ ، وباستخدام نماذج ومعادلات رياضية تقوم بحساب المتطلبات المائية بدقة. ومن أحدث الطرق استخدام برامج الحاسب الآلي التي تكون مرتبطة بالحقل المزروع ، وبناء على البيانات المناخية الخاصة بالحقل يتم تقدير الاحتياجات المائية وتحديد الكمية والموعد المناسبين للري ، ويمكن أن يصل خفض استهلاك الماء إلى نصف الكميات المعتادة ، ولكن جدولة الري بالحاسب الآلي لم ينتشر استخدامها بعد، نتيجة عدم التوعية والنقص في بعض المعلومات المطلوبة عن المحاصيل المنزرعة تحت مختلف الظروف البيئية في المملكة وعلاقتها بهذه الظروف.
البحث عن وسائل جديدة
توفير مصدر إضافي ومتجدد للمياه يعتبر أحد الأساليب المهمة في التخفيف من استنزاف المصادر غير المتجددة "المياه الجوفية" ، وليس بالإمكان عرض مختلف الوسائل الحديثة والقديمة لخفض استهلاك المياه أو البحث عن مصادر إضافية للري غير الآبار ، بل سأطرح بعض الأمثلة
الواعدة ، وقد أنشأت وزارة الزراعة والمياه السدود لاستخدام مياه الأمطار في الري ، وهذه الطريقة القديمة لاتزال مؤثرة وتحتاج إلى تفعيل أفضل ، ففي المملكة تروى 86% من المساحة المروية بالآبار ، بينما 14% من المساحة تروى بالأمطار والعيون والسدود وخلافها ، ولكن لا يتجاوز ما يروى بالسدود نصف بالمائة من المساحة المروية ، ومن المصادر المهمة هو ما يسمى بحصاد مياه الأمطار ، وهي طريقة قديمة وسهلة ، وأشهر أمثلتها مصائد السيول التي توجد في المدرجات أو المصاطب الزراعية في اليمن "منذ حوالي أربعة آلاف سنة" ، وحاليا تجرى دراسات جادة في تكساس لتطوير هذا الأسلوب القديم بالاستفادة من أحدث المنجزات التقنية ، ومن المصادر الجديدة مياه الصرف الصحي المعالجة التي عملت وزارة الزراعة والمياه على الاستفادة منها وتوزيعها إلى بعض القرى الزراعية المجاورة للمدن الكبيرة وتوصيلها للمزارع عبر أنابيب مخصصة ، ولكن تظل هذه الكمية ضئيلة جدا ، بنحو خمسين مليون متر مكعب تغطي حوالي تسعة آلاف هكتار فقط ، وتعد المياه المالحة من مصادر الري الجديدة ، فقد أوضحت الدراسات المحلية أنه عند اتباع أساليب ونظم زراعية وري وصرف مناسبة فهناك إمكانية مقبولة لاستخدام المياه المالحة في الترب الخشنة القوام "رملية أو رملية طميية" كأغلب ترب المملكة، وكلما زادت ملوحة المياه قلت فرصة الاستفادة منها ، لذا فإن استغلال مياه الصرف الزراعي يواجه صعوبات تعترض تطبيقه على رأسها زيادة التكلفة الرأسمالية للمشاريع الزراعية ، ولكن بالإمكان الاستفادة من هذه المياه في الزراعات التجميلية وغيرها كالحدائق العامة والمنتزهات الوطنية ومشاريع صد الرمال والأحزمة الخضراء حول المناطق السكنية المتاخمة للصحراء.
ويعد استبدال الأنواع التقليدية بأنواع جديدة غير معروفة أو برية ذات احتياجات مائية منخفضة أحد السبل الواعدة لخفض استهلاك المياه ، فهناك إمكانية زراعة بعض النباتات البرية التي تتحمل الجفاف أو الملوحة ، فمن أهم النباتات الصحراوية التي درست في المملكة شجيرة الرغل "أتربلكس" كمحصول علفي . ونبات الساليكورنيا كمحصول زيتي يمكن ريه بمياه البحر ، ونبات الهوهوبا ، وقد أظهرت كثير من الدراسات إمكانية استزراع مثل هذه الأنواع سواء للزراعة المروية أو للرعي ، وبصورة عامة ، فإن النباتات الملحية الجديدة يمكن حصر استخدامها اقتصاديا كمحاصيل أعلاف أو للإنتاج الورقي، وتتراوح أفضل إنتاجية لهذه النباتات بين 817 طن/هـ عند الري بمياه عالية الملوحة ، وهي متشابهة مع إنتاجية المحاصيل التقليدية مثل البرسيم ، حيث تتراوح بين 520 طن/هـ عند ريها بمياه عذبة ، ورغم أن النباتات الملحية تتحمل الملوحة العالية فإن معظمها لا تتميز بتحمل الملوحة عند طور الإنبات ، لذا ينبغي اتباع إجراءات خاصة لتفادي انخفاض نسبة الإنبات ، وتشكل الزيادة العالية لملوحة مياه الري مشكلة حقيقية من الناحية البيئية حيث يمكن أن تؤدي إلى تدهور كبير للتربة المستزرعة على المدى الطويل ، لذا فإن التحدي يكمن في تطوير أساليب وعمليات خدمة زراعية خاصة ، مثل : غسيل التربة ، جودة الصرف ، استخدام محسنات التربة والمواد العضوية والعلاج الكيماوي المناسب ، كما تعد إشكالية تدني جودة المحصول من أكبر المعوقات في انتشار زراعة أنواع صحراوية تتحمل الملوحة ، ولكن بالإمكان استعمال مثل هذه الأنواع في النواحي البيئية مثل تثبيت التربة وصد الرمال وإصلاح الأراضي الملحية ، ويمكن استغلالها في النواحي التجميلية كالمنتزهات العامة وتزيين جوانب الطرق ، بل إن بعض الدراسات أشارت لإمكانية الاستفادة من مخلفات هذه الأنواع لإنتاج الطاقة ، عموما ، هناك نقص حاد في المعارف المتصلة بهذه المواضيع ، ولسده وزيادة الدقة في النتائج فإنه لا غنى عن التجارب والأبحاث التي ينبغي أن تكون على مستوى وتجهيزات أفضل مما هي عليه ، وعدد باحثين أكثر. وحقول تجريبية أكبر (Largescale) ، فهذا النوع من الدراسات يحتاج إلى دعم واهتمام أكبر يليقان بأهميتها الخطيرة ، وهو الذي ما لم تنله حتى الآن ، فأزمة المياه هي مرشحة أن تكون من أعقد الأزمات العالمية للقرن الواحد والعشرين .
في الخاتمة ، أود ان أنوه انه سيظل هناك مختصون مجتهدون يبالغون بالتفاؤل والتطمينات ، ينبغي ان لا نسلّم بأقوالهم مالم ترتكز على أسس علمية واضحة ودراسات محكمة علميا ، أما تصريح مطمئن من هنا وندوة مجاملة من هناك فلن تجدي نفعا ولن يدفع ثمنها الباهظ إلا أطفالنا و أبناء أطفالنا ، ومن خلال طبيعة عملي حيث أستقبل عشرات المزارعين كل أسبوع وأقدم توصيات واستشارات زراعية خاصة بالري والتسميد.. ها أنا أقدم شهادتي : هناك العديد من الآبارالتي غارت أو نضبت تماما.. اما أغلب الآبار أكرر أغلب ارتفعت ملوحتها إلى الدرجة المصنفة عالميا بأنها مياه مرتفعة الملوحة ، أيها السادة ، يكررالبعض : أن التحذير بخطورة الوضع المائي مضى عليه عشرون عاما حيث كان يقال ان مستقبل المياه في خطر.. ولم نر شيئا من ذلك ، أنا أقول من وجهة نظر زراعية: اننا بهدوء دخلنا الكارثة ولسنا فقط في انتظارها.. وهي تتفاقم يوما بعد يوم!
* مصادر البيانات في الأشكال : التعداد الزراعي الشامل لعام 1999 والكتاب الاحصائي الزراعي السنوي لعام 1998 ، إدارة الدراسات الاقتصادية والإحصاء ، وزارة الزراعة .

..... الرجوع .....

اعرف عدوك
قضية العدد
تحت الضوء
ذاكرة التاريخ
الطابور الخامس
تكنولوجيا الحرب
فن الادراة
النصف الاخر
الطب البديل
تحت المجهر
تربية عالمية
الفن السابع
عالم الاسرة
المنزل الانيق
كتاب الاسبوع
ثقافة عالمية
رياضة عالمية
الفيروسات والاختراقات
نادي العلوم
هنا نلتقي
المستكشف
الصحة والتغذية
ملف المياه
مسلمو العالم
الاخيرة
الصفحة الرئيسة

ارشيف الاعداد الاسبوعية

ابحث في هذا العدد

للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2002, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved