Al Jazirah Magazine Tuesday  10/07/2007 G Issue 226
الافتتاحية
الثلاثاء 25 ,جمادى الثانية 1428   العدد  226
 
أمام زنزانة مانديلا؟!
خالد المالك

 

 

وقفتُ أمام زنزانته، حيث ضيق المساحة، وانعدام التهوية، وبقايا متواضعة من مقتنياته تركها لتكون شاهداً على قوّته وصموده من جهة، وعلى ظلم القساة من جهة أخرى!.

ملابس رثّة، وأوانٍ متواضعة، كانت كل ما وفّره الجلادون لتكون في متناول استخدامات أشهر سجين في العالم، مع حصار رهيب، وعذاب وقهر مضى وانتهى إلى غير رجعة!.

* * *

وبين هذه الجدران الإسمنتية الموصدة بأبواب من الحديد السميك، لم يتبيّن لي وأنا أدلف إلى حيث كان يقضي سنوات طويلة من عمره حجم المعاناة التي كان (مانديلا) يعانيها في سجنه لولا ما رأيته من بقايا آثار وصور ومقتنيات تصرخ وتنطق عن حجم الظلم والألم والقهر الذي تعرّض له هذا المناضل الوطني الكبير !.

* * *

عندما رأيت كل هذا، وقد أصابني ما أصابني من ذهول وحزن وألم من ممارسات الطغاة والظلمة، تذكّرت أنني أمام توثيق تاريخي لمرحلة حكم نظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا، وأنّ ما جاد به هذا النظام من فرش بالٍ وأغطية رثّة لسجينه الأشهر، إنما هو سلوك لا إنساني، ينعدم فيه الضمير، وتغيب عنه القيم والشهامة، بينما كان هذا النظام البائد ينعم بخيرات ونِعَم هذا البلد الجميل!.

* * *

إنّه الحقد الدفين - أي والله !! - وما كنت لأصدق أنّ (مانديلا) كان هذا وضعه وهذه حالته في سجنه ومع سجانيه، رغم كل ما قرأناه مما كُتب ونُقل عنها من صور ومعلومات يندي لها جبين كل حر وشريف.

لكن من رأى ليس كمن سمع، ولقد رأيت المشهد الحزين بأُم عيني، فوجدت في المكان مشاهد تبرز حجم الظلم والقهر الذي تعرّض لها كل السود في جنوب أفريقيا وفي طليعتهم الزعيم التاريخي الأسود مانديلا!.

* * *

غير أنّ التنكيل بأحرار جنوب أفريقيا، وممارسة هذا الجبروت والطغيان معهم وفتح المزيد من السجون، لم يوقف الثورة العارمة التي زلزلت هذا الحكم البغيض الذي امتد حكمه - عفواً ظلمه - إلى مئات السنين متخفِّياً ومعتمداً على صمت العالم عن ممارساته وحكمه لهذا الشعب بالحديد والنار!.

ومن يزور جنوب أفريقيا التي تبدو واحدة من أجل دول العالم من حيث الطبيعة والتخطيط وجمال المظهر، لا بدّ وأنّه سيزداد إعجاباً وتقديراً واحتراماً للسود هناك، حيث خرجوا من غياهب السجون بعد أن أشرقت أمامهم شمس الحرية، دون أن يمارسوا مع سجانيهم الملونين حقهم في الثأر والانتقام، وإنّما قدّموا للعالم دروساً بليغة في الوطنية وفي الشعور بالمسؤولية والحرص على حماية منجزات بلادهم دون أن يؤذوا أحداً ممن أساء إليهم!.

* * *

مانديلا وشعبه درس للظّلَمَة ومصّاصي الدماء وقاهري الشعوب، ولكن من ذا الذي استوعب الدرس وأخذ به، واحتاط من أن لا يمسه ما مسّ البيض الذين حكموا لسنوات طويلة هذا البلد الجميل!.

هناك على امتداد العالم حكام ظَلَمَة، لا يعيرون شعوبهم شيئاً من الاهتمام، ولا يلقون بالاً لحقوقهم، ويفعلون بهم ما فعله النظام العنصري في جنوب أفريقيا مع الشعب هناك وربما أكثر، وهناك في المقابل حكام تحملهم شعوبهم على أعناقها إجلالاً واحتراماً لقاء حدبهم وحرصهم وإخلاصهم، فمتى نرى حكام دول العالم بلا استثناء ينحازون إلى الخيار الثاني، حيث العدل والمساواة واحترام الشعوب، لا كما كانت الحالة في جنوب أفريقيا.


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة