الاقتصادية المعقب الالكتروني نادي السيارات الرياضية كتاب واقلام الجزيرة
Tuesday 12th October,2004 العدد : 102

الثلاثاء 28 ,شعبان 1425

لو تعلمنا ..!!
دروس كثيرة يتاح للمرء أن يتعلمها في الحياة فلا يفعل..
أنواع من الدروس وأشكال من العبر..
تأتي بالصدفة..
أو تمر على عوالمنا بفعل موقف هنا أو حدث هناك..
قد يأتي ذلك في سفر..
وقد يصادفنا في لحظة غضب..
وأحياناً قد تكون مسببة..
وربما لا تكون كذلك.
***
الناس غالباً لا يعيرونها اهتماماً..
وإن أعارها البعض شيئاً من اهتمامه فلا يكون ذلك بالقدر الذي ينبغي..
والعجيب أننا نحزن بشكل متأخر حين تمر مثل هذه المشاهد دون الإفادة منها..
ويتعزز هذا الشعور حين يصادفك موقف تشعر كما لو أن له علاقة أو صلة بدرس سابق مرَّ بك دون أن تتوقف عنده بما فيه الكفاية..
أو تستفيد منه بما لا يثير حزنك مما قد يواجهك من مشاهد حزينة أو سعيدة مما يمر به كل منا في حياته.
***
من المؤكد أن الإنسان مجموعة عواطف..
ومشاعر إنسانية غاية في الرقة..
ويحمل في داخله الكثير من الصفات التي يتأثر ويؤثر فيها..
وهو وإن حاول أن يظهر بغير حقيقته..
ويبدو بصورة مغايرة لشخصيته..
فإن المواقف التي تمر به وتراوح عادة بين ما هو سعيد وغير سعيد سوف تكشف واقعه..
ضعفه ..
وقوته ..
قدرته على الاستنارة من دروس الحياة..
وتجنب الوقوع في الأخطاء المدمرة..
فهل المجتمع هكذا..؟
وأين هو من هذا الذي يُذَكّره فينسى..
ويوقظه فينام..
ويدعوه إلى تجنب الوقوع في فخ المشاكل فلا يفعل.
***
ليتكم ..
وليتني ..
نتعلم من الحياة بقدر ما تعطيه لنا من عبر ودروس..
وتمضي أعمارنا في الاستزادة من التجارب التي تجنبنا المشاكل..
لتبقى صورة كل منا حية وخالدة في ذواكر الجميع..
ببهاء ووفق ما يتمناه كل فرد لنفسه..
وبما يؤطر هذه الصورة بالجمال الذي لا يؤذي..
وبالسمعة التي تكون مادة للدروس الجيدة التي نستقيها من الحياة ونعلمها للآخرين.


خالد المالك

(العبور).. عذاب يومي يؤرق الفلسطينيين
وحشية الحواجز الإسرائيلية!!

* إعداد هيفاء دربك
هل من الممكن وصف التعذيب بأنه رحيم؟! او وصف الوحشية بأنها اخلاقية؟! او وصف الاذلال بالانسانية؟! رغم ان الاجابة عن هذه الاسئلة هي (لا) قاطعة، الا ان الاسرائيليين راحوا يتحدثون بوقاحتهم المعتادة عن (حواجز انسانية)! الحواجز لمن لا يعرفها، من غير الفلسطينيين طبعاً، هي كتل اسمنتية تقطع الطرق الرابطة بين القرى والمدن الفلسطينية، ترتكز عليها نقاط تفتيش مكونة من ضباط وجنود اسرائيليين، مهمتهم احالة حياة الفلسطينيين الى جحيم كلما فكروا في الانتقال من مكان الى آخر! وعند كل حاجز يمكنك أن تشاهد مئات من الفلسطينيين المتزاحمين الذين يراودهم حلم العبور الى الجانب الآخر من الحاجز، إما لطلب علم، او تلقي علاج، او اجراء عملية جراحية، او تدبر مصدر للرزق.
*
اذا امتلكت الجرأة للدخول بين تلك الكتل البشرية المتلاصقة بعضها ببعض، سوف تقرأ سطور الجحيم بعيون الأطفال التي تملؤها الدموع من شدة الاختناق في أحضان أمهاتهم، وفي ملامح الشيوخ المتعبة والمرهقة.
لا يكاد يمر يوم على الحاجز، إلا ويشهد حالات إغماء واختناق من شدة التعب والانتظار التي يتعرض لها الفلسطينيون.
كل مواطن على هذا الحاجز لديه عشرات من القصص يرويها عما حدث معه أو شاهده من ممارسات الجنود المقيتة على الحاجز. ومن ذلك فلن يكون لنا أن نتخذ لهذه الحواجز وصفاً إلا (بالوحشية).
ولا نبالغ بهذا الوصف لدى معرفتنا بأن 52 امرأة فلسطينية أنجبن على الحواجز الإسرائيلية وأن 19 امرأة و29 طفلاً حديث الولادة توفوا على الحواجز الإسرائيلية.
وحسب الإحصائيات فإنها تشير إلى ارتفاع عدد حالات الوضع داخل المنزل بنسبة 14% مقارنة بـ 8% قبل الانتفاضة، وذلك لصعوبة وصول النساء إلى المرافق
الصحية بسبب الحواجز والبوابات الإسرائيلية.
قهر واذلال
هناك ممارسات عديدة تشير الى ان الجنود الاسرائيليين المرتكزين عند الحواجز ما هم الا مرضى نفسيون. من ذلك ما حدث مع مجموعة من طلاب جامعيين فلسطينيين، ارادوا المرور عبر الحاجز، فأوقفهم الجنود الاسرائيليون، وطلبوا من احدهم ان يصعد فوق ظهر دبابة، وعندما صعد امروه بخلع ملابسه تماماً، وعندما رفض كان التهديد بقتله واغتصاب زميلة له، ولم يجد الشاب سوى ان ينفذ ما طلبوا! لم يقف الامر عند هذا الحد بل تم تهديد الفتيات بضرورة النظر اليه وهو على هذه الحال! وعندما رفضت احدى الفتيات كان نصيبها ضربة قوية من كعب البندقية الآلية التي كان يحملها هذا الجندي الاسرائيلي المعتوه!
في موقف آخر طلب من احد الطلاب ان يقوم بتقبيل زميلته الجامعية امام الجميع، وإلا تعرض للقتل ومزقوا لها ثيابها! وعندما رفض الشاب الفلسطيني، بكت زميلته
وطلبت منه ان يفعل ذلك انقاذاً لحياته وشرفها! من المعتاد ايضاً ان توجه الشتائم بألفاظ نابية تخدش الحياء دون ان يكون بمقدور احد ان يرد عليها، فثمن الرد عندئذ فادح للغاية.
انتصر هنا!
عند حاجز حوارة جنوب مدينة نابلس، قام الجنود الاسرائيليون باحتجاز الفتيات الفلسطينيات ووضعهن في مكان يطلق عليه (الحفرة)، وهي منطقة منخفضة عن الحاجز، اعتاد الجنود استخدامها لاحتجاز الشباب الفلسطينيين.
وبعد انتظار دام لسبع ساعات سمح للمنتظرين بالعبور، وكم كانت الفرحة عارمة باقتراب حلم العبور من التحقيق.
عند المدخل المؤدي إلى النفق الأسمنتي الطويل المؤدي إلى البوابة الإلكترونية التي وضعت حديثا للكشف عن (أحزمة ناسفة أو متفجرات) كما يدعي الاسرائيليون، كتبت عبارة (انتصر هنا)، وعند الاستفسار عن سبب
وجود هذه العبارة، قيل إنها كانت مكتوبة بالشكل التالي: (انتضر هنا) بالضاد بدل الظاء، ويقصد بها طبعا (انتظر هنا)، فقام شاب فلسطيني بإزالة النقطة من على كلمة (انتضر) محولاً الكلمة إلى (انتصر هنا)!.
بالوصول إلى النفق الأسمنتي ظنت كثير من الفتيات بأن نهاية يوم شاق شارفت على الاقتراب وحانت لحظة العودة إلى منازلهن، إلا أن ذلك لم يحدث. فكان الجندي يأخذ هويات الفتيات ويطلب منهن النزول إلى الحفرة.
حاولت الكثيرات معرفة سبب هذا التصرف إلا أنهن لم يجدن أذناً صاغية، ولم يكن لديهن أي خيار سوى النزول إلى (الحفرة). بعد ذلك زعمت احدى الجنديات الاسرائيليات ان هناك بلاغاً بوجود فتاة تحمل حزاماً ناسفاً، يجري البحث عنها.
لم تجد الفتيات المحتجزات وسيلة لتخفيف دقات قلوبهن المذعورة سوى تبادل الابتسامات التي تحولت بعد ذلك الى ضحكات عندما اشارت احدى الفتيات الى ان الوضع الحالي لهن يماثل مسابقة لتتويج ملكة جمال الحاجز، وانه تم اختيارهن تحديدا لانهن اجمل الفتيات
الموجودات عند الحاجز، وان التصفية سوف تأتي بعد قليل لاختيار فتاة من بينهن! وعج المكان بالضحك، مما أثار سخط الجنود، الذين حاولوا تعكير صفوهن بشتى الطرق، ومنها عدم السماح لأي منهن بالوقوف، وإجبارهن على الجلوس بشكل قرفصاء. وعندما وجدوا بأن ذلك لم يجد نفعاً، استخدموا أساليب أخرى للعب بأعصابهن.
فكان يأتي الجنود إليهن ويخبروهن بأن وقت عودتهن قد حان، ثم يطلبوا منهن الاصطفاف من أجل أن يعيدوا إليهن هوايتهن ويسمحوا لهن بالعودة، وسرعان ما تكتشف الفتيات حقيقة كذبهم!.
200 حاجز
ومنذ أكتوبر من العام 2000 أي بعد أقل من شهر من اندلاع الانتفاضة فرض رئيس الوزراء الاسرائيلي السابق إيهود باراك الإغلاق التام على المدن الفلسطينية ليحيل حياة المواطنين الفلسطينيين إلى جحيم، إلا أنه وبعد تولي شارون رئاسة الوزراء ازداد الوضع سوءا، فحاول الأخير التفنن في تعذيب المواطنين على الحواجز، بحيث شمل الإغلاق الداخلي للضفة والقطاع، وتم تفتيت الأراضي الفلسطينية من خلال تقسيمها إلى مربعات أمنية، وأصبح هناك أكثر من 150 حاجز عسكري في الضفة الغربية، وأكثر من 40 في الداخل وعلى طول قطاع غزة. ومنذ ذلك الحين أصبح الفلسطينيون سجناء داخل وطنهم.
أية إنسانية؟!
عندما تسربت معاناة الحواجز الى وسائل الاعلام العالمية خرج وزير الدفاع الإسرائيلي شاؤول موفاز ليعلن عن خطة جديدة اسماها (الحواجز الانسانية)، صادق خلالها على سلسلة توصيات وصفتها صحيفة يديعوت احرونوت الاسرائيلية (بالثورية). وقالت الصحيفة في معرض سردها لتلك التوصيات، بأن الحواجز سيتم فيها أعمال ترميم، وأن معاملة الجنود مع الفلسطينيين الذين يمرون خلالها ستتحسن.
وحسب الصحيفة فإن الهدف من تلك الإجراءات التخفيف من معاناة السكان المدنيين الذين يضطرون إلى اجتياز هذه الحواجز وتحسين صورة الجيش الإسرائيلي أمام الرأي العام العالمي.
وتبدأ تفاصيل الخطة التي بلورها العميد احتياط (باروخ شبيجل) بالجيش الاسرائيلي باستبدال لفظ (الحواجز) أو ما يعرف (بالمحاسيم) إلى (نقاط مراقبة)، يتبعها بلورة نمط سلوك أخلاقي للجنود الذين يخدمون في الحواجز حول كيفية معاملتهم للسكان الفلسطينيين، املا في توفير حرص زائد من الجنود في كل ما يتعلق باستخدام القوة، العقاب والإهانات، مع تدريبات لهم حول ذلك لتأهيل ما أسمتهم (بقادة حواجز).
أما فيما يتعلق بتحسين البنى التحتية لتلك الحواجز، ذكرت الصحيفة بأنه سيكون هناك تحسينات فورية في كل الحواجز، المعابر ونقاط المراقبة بما في ذلك ترميم البني التحتية للطرق، وإقامة مراحيض مرتبة وصنابير مياه في كل حاجز؛ نصب إنارة دائمة وصناديق قمامة؛ وإقامة عرائش انتظار، وحجر فحص، وساحات لإيقاف السيارات ومحطات تسفير؛ ووضع لوحات ملائمة.
وتتضمن التوصيات أيضا تشكيل فريق فحص من الجيش الإسرائيلي، مكون من الإدارة المدنية والمخابرات، هدفه إعادة تحديد مكانة السكان الفلسطينيين الممنوعين من عبور ما يسمى (الخط الأخضر)، وأوضحت بأن ذلك سيتم من خلال بلورة ملف، يجمع في داخله كل الأوامر الثابتة للحواجز؛ وإقرار إجراءات معالجة السكان الفلسطينيين؛ ووجود لوحات موحدة في كل الحواجز؛ بالإضافة إلى وجود رجل من الإدارة المدنية في كل حاجز.
وتشمل الخطة أيضا النظر في إمكانية حركة المدنيين دون كل الوثائق المطلوبة اليوم؛ من أجل السماح بما وصفته (بعبور سريع ومتواصل للسكان)؛ كما يشمل وضع (مسار أخضر) في كل حاجز من أجل الهدف نفسه.
واعترفت الخطة بأن زمن الانتظار على الحواجز، يصل في اليوم حتى أكثر من 6 ساعات للشخص الواحد.
وفيما يتعلق بما يسمى (ببوابات خط التماس) من المقرر ان يصل عددها إلى 37 بوابة، علماً بأن الموجود حالياً 31 بوابة فقط، وقد وصفتها الصحيفة الاسرائيلية بأنها عنق زجاجة تخلق عرقلات ومشاكل عسيرة في الإبقاء على نمط حياة معقول لسكان خط التماس وتشكل مصدر ضغط ذا آثار إنسانية.
وسوف يتم ضمن الخطة المرتقبة مرابطة ما أسمته (بقوة بشرية مهنية) في البوابات؛ موضحة بأنه لقاء كل ثلاث بوابات يرابط وكيل أو ضابط إدارة مدنية يكون مسئولا مهنيا أمام السكان في تلك المنطقة؛ إضافة الى رجال الخدمة الدائمة ليكونوا مسئولين عن التشغيل المهني، (المدني والإنساني).
وحول تنظيم المرور قالت الصحيفة بأنه سيتم تثبيت ساعات فتح البوابات بشكل دائم؛ مبينة بأنه سينظم من تلك العملية نصب لوحات ارشادية تتضمن تعليمات واضحة وجداول زمنية؛ بالإضافة إلى إقامة مظلات انتظار للطلاب. أما أغرب ما طرح في الخطة فكان ما
ميراث الكراهية
وفي ذات الصحيفة كتب شلومو رايزمان، المدير العام لاتحاد المزارعين وعضو حزب الليكود الاسرائيلي، مقالاً تحت عنوان (صرخة من دافع الحب)، حكى فيه قصة طفل مريض كان يجب ان يصل الى المستشفى، كان عالقاً على الحاجز، حاول مساعدته وفشل، لماذا؟ فقط لانه فلسطيني!! ويقول: (يصعب علي ان أفهم الى أي درجة تحولنا نحن الاسرائيليين الى منغلقين لا نتحدث عن فقدان الحنكة السياسية وفقدان الانسانية تجاه جيراننا الفلسطينيين، الذين سنكون مجبرين على العيش معهم سنوات طويلة... أنا لست يسارياً، على العكس أنا يميني منذ ولادتي. كنت عضو ادارة الحزب الليبرالي، عضو مركز الليكود، وما زلت حتى اليوم عضو مهم في مركز الليكود.
لا أعشق جيراننا، أنا أعرف ايضا الطرف المعتم والمجرم وأعي تماماً حجم التعقيد في وضعنا الأمني.
لا أملك أي ادعاءات تجاه الجيش الاسرائيلي، الذين يقومون بواجبهم وينفذون الأوامر.
لكنني أطرح سؤالاً: أين الصبر والرحمة والانسانية؟ أين الحنكة السياسية؟ أين الرأفة اليهودية؟ فنحن اليهود كنا قد واجهنا اوضاعا مشابهة وأصعب خلال آلاف السنين من المهجر عندما كنا مشتتين بين الشعوب المختلفة. أترابي قاموا بأداء الواجب في حروب اسرائيل، لكن لدينا ايضا أبناء وأحفاد واطفال، ونحن نورث لهم طرحا جوهره الكراهية وقسوة القلب بدايته تجاه جيراننا ونهايته ان يتحول الى معيار داخل انفسنا. وهذا الامر بدأ في الحدوث).
حواجز حضارية
وفي صحيفة هآرتس، كتبت عميره هاس، مراسلة الصحيفة للشؤون الفلسطينية، مقالاً تحت عنوان (ليست هناك حواجز حضارية)، اكدت فيه انه لا يمكن بأي حال من الاحوال تحويل الحواجز الى حواجز حضارية اخلاقياً رغم كل عمليات التجميل التي يقوم بها الجيش لانها حواجز وُضعت لحماية نظام التفرقة في الضفة واستمرار المشروع الاستيطاني.
وتضيف قائلة: سمع الجميع عن تصرفات قاسية ومُنكلة يرتكبها الجنود الاسرائيليون. وكذلك الأنباء حول عمليات التفتيش الشكلية التي تستغرق عدة ساعات، والتهديدات ومضايقة النساء والصفعات ومصادرة الكتب والوثائق وإلقاء قنابل الغاز المسيل للدموع الى داخل السيارات المنتظرة وثقب إطارات السيارات وتحطيم زجاج السيارات واطلاق النار لإخافة الناس وترهيبهم. هذا تصرف ليس نابعاً من حاجة أمنية معينة. بل على العكس تماما، انما هو يضيف الوقود فقط الى مشاعر الانتقام عند الفلسطينيين.
لذلك بادر القادة العسكريون الى عقد ايام دراسية ودورات تعليمية إرشادية في قضية التصرف في الحواجز.. لذلك هناك من يوهمون انفسهم بأن التربية والتعليم الصحيحين سيتيحان تحويل الحواجز الى حواجز انسانية. هذا وهم نابع ممن أحبوا الاعتقاد بأن المستوطنات قد أقيمت فعلاً للاحتياجات الأمنية.
اليوم يحب من يوهمون انفسهم تناسي ان هذه الحواجز ليست حواجز على حدود الدولة السيادية وانما هي حواجز منصوبة في عمق الاراضي المحتلة.
كم هو عدد القوى البشرية العسكرية التي كان بامكانها ان تدافع بصورة أفضل بكثير عن العمق الداخلي المدني انطلاقا من خط الحدود ذاته، والتي تُهدر على هذه الحواجز؟ هؤلاء الذين يوهمون انفسهم بأن الحاجز يمكن ان يكون انسانيا يتجاهلون دوره في تكريس المشروع الاستيطاني.. وحتى لو اجتاز الجنود عشرات الدورات حول السلوك اللائق فان مهمتهم لن تتغير: ضمان نظام الامتيازات المعطاة لليهود (بشكل أساسي: حق اليهود الأوحد في الانتقال من تل ابيب للسكن في الضفة بينما لا يُسمح للفلسطينيين بالانتقال للسكن في تل ابيب)... اذا تعامل الجنود مع المارين في الحواجز كبني بشر مكافئين لهم، فقد يبدأون في طرح اسئلة حول خدمتهم العسكرية ذاتها.
المجتمع الذي يعتبر فيه (تسميم الجيش) مصطلحاً ايجابياً، تكون هناك قلة قليلة فقط تتجرأ على ترجمة الاسئلة الاخلاقية الى رفض يتمخض عنه دخول السجن.
كثيرون آخرون يتملصون من الخدمة بوسائل غير ظاهرة للاعلام. الاغلبية التي تواصل الخدمة في الحواجز شبان وراشدون لا تستطيع الا تستوعب السيكولوجية الفوقية التسيدية التي يتمخض عنها نظام الحقوق المفرطة والامتيازات.
أي انهم يرون ان آلاف الفلسطينيين الذين يمرون من أمامهم أقل جدارة بالحقوق من اليهود، بمعنى انهم دونيون، ولذلك يمكن اعتبارهم عنوانا طبيعيا لشتى أنواع الإهانة والإذلال).
يبدو ان الاسرائيليين انفسهم قاموا بما اردنا فعله، وهو ابراز وحشية الحواجز الاسرائيلية، حواجز الاذلال والقهر والاستيطان!
ما هو دارج ومتكرر
في كل فرع بنك متوسط في بلدة صغيرة، هو مثابة حلم في الحواجز. هذا يكاد يكون غير مفهوم كيف ان الجيش الاسرائيلي القادر على ان يجلب مهاجرين من اثيوبيا، ان يُحرر مخطوفين من اوغندا، ان ينقذ اسرائيليين من تحت الحطام في تركيا، يجد صعوبة في ان ينصب مراحيض، ومقاعد وصنابير مياه بعدد يتناسب والمنتظرين. رجاء منك، سيدي رئيس الاركان، لا تقل انه توجد هنا مشكلة ميزانية.
فكم تُكلف عشرات الصنابير، المقاعد والمراحيض، وعدد من المولدات الكهربائية للمراوح؟ وحتى لو انها نُصبت في كل الحواجز، فان ثمنها لن يصل الى رُبع كرسي في طائرة (اف 16)، ولكن الضرر الذي يلحق جراء عدم وجودها يفوق عشرات أضعاف الطاقة الكامنة للهدم في الطائرة. كما لا يوجد هنا حاجة أمنية. بالعكس. فكر بجنودنا الشبان الذين يتعين عليهم ان يتصدوا مع كل هذا اللباب المتقد. فهم أوائل من سيكسبون من تحسين الشروط في الحواجز والذي سيتيح لهم العمل بمهنية أعلى وبضغط أقل. العمى الذي يظهر في هذه القصة يجب ان يقلقنا جميعاً.
فلا يوجد شخص لا يفهم ما تفعله هذه المعاملة بالفلسطينيين (والذين أردنا أم أبينا، هم شركاؤنا في شقة الاستجمام الشرق اوسطية هذه).
لا يوجد أي سبب يدعو لأن تُبنى الحواجز وكأنها جاءت لترشيح بهائم وليس بني بشر.
مجرد نصبها يضع مصاعب بشكل لا يطاق على حياة الناس هناك، ولا حاجة لمزيد من الإهانة.
عندما تبث لبني البشر بأن حياتهم لم تعد تساوي شيئا، لا يجب ان تفاجأ صباح غد اذا ما وافقوك الرأي وباعوا حياة البهيمة تلك... لو كانت هناك حاجة اضطرارية لنصب الحواجز، فلا توجد أي حاجة اضطرارية في ان تكون مُهينة بهذا القدر)!.
وصفته (بالتوثيق المغناطيسي للسيارات).
ويبدو واضحا ان حديثا بهذا الشكل عن خطة للحواجز، لا يعني سوى أن هذه الحواجز ستبقى إلى أجل غير مسمى، وانه لا نية لدى الاسرائيليين للرحيل، وستصبح الحواجز، إذا ما نفذت الخطة، شبيهة بالجسور التي تفصل بين الدول، لا بين قرية عن مدينة، أو مدينة عن أخرى!!.
شاهد من أهلها
وصلت وحشية لاتعامل مع الفلسطينيين على الحواجز الى درجة استفزت الاسرائيليين انفسهم، فتتابع كثير من المقالات تنتقد هذه الاساءات لانها تسيء حسب قولها إلى صورة اسرائيل وجيشها المحتل امام الرأي العام العالمي، كما انه يزيد من غريزة الانتقام لدى الفلسطينيين، بما ينعكس في النهاية على الاسرائيليين انفسهم في صورة المزيد من العمليات الاستشهادية.
(يوفال البشان)، كاتب اسرائيلي، كتب مقالا في صحيفة معاريف الاسرائيلية تحت عنوان (ليسوا بهائم)، كان بمثابة رسالة الى رئيس الاركان الاسرائيلي، يزعم فيها الكاتب ايمانه بأهمية وجود الحواجز الا انه ينتقد احوالها، فيقول: (لقد اقتنعت بشيء واحد: في سخافتنا، نحن الاسرائيليين، والتي تجد تعبيرها بالشكل الذي تُترجم فيه سياستك المبررة في الميدان. فمع انه مطلوب حواجز، ولنفترض انها تُقام في المكان الأفضل، فلماذا ينبغي لها ان تظهر كما تظهر؟ لماذا اضطررنا لأن نرى مئات الاشخاص يقفون في الحر الشديد دون مأوى من الشمس الحارة فوق رؤوسهم؟ اشرح لي رجاء، سيدي رئيس الاركان، ما هي المشكلة في اقامة مظلات لاولئك الذين يضطرون للانتظار ساعات طويلة هناك؟ وأكثر من ذلك، هل توجد حقا مشكلة لقسم التخطيط والنقليات في نصب عدد من المراوح الميدانية كي يكون الجو ألطف قليلا لهم؟.
في سياق الجولة رأينا عجائز يقفون لساعات، دون صنابير مياه شرب، دون مراحيض، دون مقاعد مناسبة لكبار السن.

..... الرجوع .....

الفن السابع
الفن العربي
عالم الاسرة
المنزل الانيق
رياضة عالمية
عواصم ودول
نادي العلوم
المستكشف
خارج الحدود
الملف السياسي
فضائيات
السوق المفتوح
العمر الثالث
استراحة
تقرير
أقتصاد
منتدى الهاتف
من الذاكرة
جزيرة النشاط
روابط اجتماعية
ملفات FBI
الصفحة الرئيسة

ارشيف الاعداد الاسبوعية

ابحث في هذا العدد

للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2002, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved