Al Jazirah Magazine Tuesday  13/03/2007 G Issue 210
ملفات FBI
الثلاثاء 23 ,صفر 1428   العدد  210
 

(طبيب الموت)..
استخدم علاج أمه في قتل 236 ضحية

 

 

لا شك أن مهنة التطبيب من المهن الإنسانية الرفيعة فضلاً عما يلاقيه اصحابها من التقدير والأجر المالي، حيث يقوم الطبيب بإسعاف وإنقاذ العديد من الأرواح، ولكن ماذا لو كان هناك طبيب أتعب نفسه في دراسة الطب ليمارسها في قتل الأبرياء؟ بلا شك سيكون سماع مثل ذلك الخبر كوقع الصاعقة على آذان من يسمعونه، والذي حدث فعلاً في أوائل التسعينيات هو أن الدكتور هارولد شيبمان كان مسؤولاً عن قتل ما يقارب من 236 شخصاً في فترة وجيزة ليكون بذلك صاحب الرقم القياسي بين مجرمي العالم من حيث عدد القتلى والذي لم تشهد بريطانيا عبر تاريخها الطويل جريمة ببشاعة جريمته التي هزت أركان الدولة عند الإعلان عنها.

دلال الطفولة لطبيب الموت:

ولكي تكتمل صورة وشخصية هذا المجرم العربيد الذي خان شرف مهنته وانتهكه دون تردد فلا بد أن نعود لبداياته، ولد هارولد شيبمان لعائلة من الطبقة العاملة العادية في بريطانيا سنة 1946م وكان الابن الأوسط بين إخوانه وكان الابن المفضّل لوالدته فيرا.

واشتهر حينئذ ب(فريد)، وذلك لأن اسمه الأوسط كان فريدريك، وقد لاحظ العناية والرعاية المميزتين اللتين كانت أمه تبديهما له من دون إخوته منذ صغره فقد شاهدت الأم في ابنها هذا الأمل الأوحد في خروج العائلة من حالتها المعدومة إلى بر تحصيل الأموال لذكائه الحاد منذ صغره وتميّزه الكبير في دراسته.

وبعد مضي عدد من السنين صدمت العائلة كافة عند معرفتها بأن أمهم فيرا مصابة بسرطان الرئة وظلت تعاني منه وتصارعه بالمسكنات وحقن المورفين حتى وفاتها سنة 1963م في الواحد والعشرين من شهر يونيو.

وكانت الصدمة قوية على هارولد لدرجة اليأس وظل جريح الصدمة حتى دب اليأس فيه وفي ظل هذا التخبط في المشاعر عزم على أن يمارس الطب ويلتحق بإحدى الكليات الطبية في الجامعة وتحقّق ذلك بعد قبوله في كلية الطب بجامعة ليدز ولكنه فشل في إكمال تسجيله بعد رسوبه في اختبار القبول الرئيسي والذي حرمه من ممارسة الطب حتى ذلك الوقت.

زواج مثالي لهارولد الشاب

وعلى الرغم من هذه الأخبار المحزنة في حياته المهنية لكنه في تلك السنة قابل الآنسة برايم روز التي أصبحت فيما بعد زوجته وتم عقد قرانهما وعمر هارولد آنذاك لم يتجاوز 19 سنة وبرايم روز 17 سنة وكانت حاملاً في شهرها الخامس بابنهم الأول.

وقد أكمل دراسته الجامعية في الطب بعد ذلك، حيث نجح في اجتياز اختبارات القبول ليلتحق بمركز للتدريب الطبي بمدينة توردموردن بمقاطعة يوركشير، وفي تلك الأثناء كان هارولد أباً لطفلين وبدأ ممارسة الطب في المركز حتى تم اكتشاف إدمانه على المهدئات والمسكنات الطبية والتي كان يقوم بتحرير وصفات طبية لعينات كبيرة منها ليستخدمها في منزله وكان ذلك في العام 1975م.

وبعد ذلك بفترة وجيزة قام هارولد بالالتحاق ببرنامج لتأهيل مدمني العقاقير وتعافى من مشكلته معها ومن ثم قام بالتقدم لوظيفة وتم قبوله فيها على الفور وكانت بمركز دوني بروك الطبي بمدينة هايد.

وكانت هذه المرحلة من أنجح مراحل حياته، حيث عرف عنه بأنه طبيب مجتهد ومثابر، بالإضافة إلى كونه متكبراً بعض الشيء مع الطاقم الطبي الأقل منه سناً ولكنه بلا شك اكتسب سمعة قوية في ذلك المركز الطبي، ولم يكن أحد ليلاحظ أي تصرف غريب لدى هارولد آنذاك.

دافن الموتى يكشف أول خيوط

القضية من كان يعتقد أن من سيكشف عن جرائم هارولد شيبمان هو حانوتي البلدة الذي بحنكته الخاصة تمكن من ملاحظة التشابه الكبير في أوضاع وظروف الوفيات التي بدأت تنتشر بين مرضى الدكتور شيبمان وكان لقلقه الكبير بهذا الأمر أن صارح الدكتور شيبمان بما يدور في ذهنه من قلق إزاء أعداد الوفيات وتشابه ظروف وفاتهم فغالب المرضى توفوا وهم في ملابسهم الكاملة، بل في أوضاع لا تظهر بأنهم قد عانوا من موتهم، بل غالبيتهم أما توفوا جالسين بوضعهم العادي أو وهم مسترخون على أريكتهم الخاصة.

ولكن الدكتور هارولد ثبط من عزيمة الحانوتي وأبلغه بأن وفاتهم جميعاً كانت طبيعية للغاية وليس هناك ما يدعو للقلق، ولكن طبيبة جديدة التحقت بالمركز تدعى سوزان بوث كانت قد لاحظت الأمر نفسه وبدأت بتحقيقها الخاص في الموضوع حتى تم إبلاغ الشرطة ومركز الشؤون الداخلية بالأمر مما أدى لاعتقال هارولد وإيداعه السجن لحين التحقيق معه في هذا الأمر الخطير.

وبعد التحقيق معه لم يتم الكشف عن أي تاريخ دموي لهذا السفاح الخطير ولكن ما أخطأت به الشرطة هو أنها لم تقم بالكشف عن ملفاته في المركز السابق الذي عمل به، وإلا لكانت كشفت عن الكثير من الملابسات الخطيرة التي حدثت إبان ممارسته المهنة هناك، حيث كان يقوم بتبديل سجلات مرضاه لإخفاء ملابسات ومسببات الوفاة لكل حالة.

ونظراً لنظرة الاحترام الاجتماعية التي كان يحظى بها هارولد كطبيب ورب أسرة ومثابر في عمله كان من الصعب إثبات ذنبه في الوفيات التي حدث للمرضى الأبرياء، ولم يتم الكشف عن الملابسات الفظيعة لهذه الوفيات إلا بتصميم وعزيمة فتاة كانت أمها واحدة من ضحايا هذا الطبيب المجرم وتدعى انجيلا وودروف، والتي لم تقتنع إطلاقاً بمسببات وفاتها.

وكانت أم انجيلا سيدة ثرية تبلغ من العمر 81 عاماً وتدعى كاثلين غروندي قد وجدت متوفاة على أريكتها في نفس اليوم الذي زارها فيه الدكتور شيبمان في زيارة طبية خاصة، وبعد إطلاع انجيلا على تقرير وفاة والدتها والذي كان شيبمان قد أشار فيه لعدم الحاجة لعمل تشريح لجثتها قد اكتشفت أن التقرير مزيف نوعاً ما كما قام هارولد بتزوير وصيتها بآلة طباعة قديمة وبعد أن أوصلت الدليل للشرطة اقتنعت بأقوال انجيلا ليقوموا بتفتيش منزل هارولد وتحصلوا على عدد من مجوهرات السيدة العجوز في منزله وعينات كبيرة من سائل المورفين المخدر والذي اكتشف فيما بعد أنه سبب الوفاة الرئيسي للسيدة كاثلين بعد أن أعطيت جرعة زائدة أدت لوفاتها بعد ثلاث ساعات من زيارة شيبمان، كما وجد المحققون آلة الطباعة القديمة التي قام هارولد باستخدامها في تزوير الوصية الخاصة بالسيدة العجوز.

(المورفين) سلاح جرائمه

بدا واضحاً لرجال الشرطة أن القضية لن تنحصر في حالة السيدة كاثلين فقط، بل ستمتد لحالات أخرى كثيرة وكان توقعهم في محله، حيث كشف المحققون عن حالات كثيرة من التزوير وتبديل وثائق طبية للمرضى المقتولين وحاول هارولد أن يخفي ملابسات جرائمه ولكن الشرطة ركزت بحثها في الوفيات التي حدثت عقب زيارات مباشرة من قبل السيد هارولد بالإضافة إلى كشفها عن حقيقة لم ينتبه لها السيد هارولد أثناء قيامه بتبديل وثائق الوفيات، حيث إن الكمبيوتر يقوم بتسجيل الوقت على كل تقرير مما سهل على المحققين من الكشف عن التقارير الأصلية بمقارنة التوقيت الزمني المسجل لتوقيت الوفاة وزمن طباعة التقرير وفي النهاية تم القبض عليه واتهامه بـ15 قضية قتل وتهمة احتيال وتزوير وثائق رسمية وذلك في السابع من سبتمبر سنة 1998م.

وبعد عدد من الجولات الساخنة في المحكمة والتي غلبت عليها مشاعر الحزن والحقد على هذا الطبيب وبعد عرض الشهود والاستماع إلى شهادتهم وعرض كافة القضايا على لجنة المحلفين لم يتمكن محامو هارولد من الدفاع عنه أو حتى تخفيف حكمه بسبب تكبره وغروره اللذين كان لهما الدور الأكبر في اتضاح كذبه خلال اعتلائه منصة الشهود لسماع أقواله حول الاتهامات مما قلّل من حظوظه في كسب القضية والذي حكم القاضي في نهايتها عليه بـ15 حكماً مؤبداً وأربع سنوات لقضية التزوير لتأتي المحصلة النهائية بعقوبة أبدية في السجن دون أي فرصة لإطلاق سراح مشروط وكان ذلك في الواحد والثلاثين من شهر يناير سنة 2000م.

والكثير ممن عملوا معه وتابعوا قضيته يتوقعون أن يتجاوز ضحاياه 236 ضحية على مدى أربعة وعشرين عاماً قضاها في مهنته كطبيب معالج، ولكن يبدو أن سر هذه الوفيات سيدفن مع هارولد المتوحش في قبره دون أن يعرف حقيقته أحد.


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة