الاقتصادية المعقب الالكتروني نادي السيارات الرياضية كتاب واقلام الجزيرة
Tuesday 14th December,2004 العدد : 109

الثلاثاء 2 ,ذو القعدة 1425

الحراسات..!
لم تكن البنوك والشركات في المملكة بحاجة إلى حراسات ورجال أمن مثلما هي اليوم..
كانت المملكة على امتداد مساحتها واتساع رقعتها..
في كل مناطقها ومحافظاتها ومدنها وقراها..
آمنة مطمئنة لا يعكر صفو الحياة فيها تفجير هنا أو عمل إرهابي هناك..
وكان آخر ما نفكر فيه أن يتغير الوضع أو أن يحدث ما يسيء إلى الوضع القائم..
***
ومن الطبيعي أن ينزعج المواطن كلما سمع صوت الرصاص (يلعلع) في السماء وبين الأحياء وحيث توجد المجمعات السكنية..
ولم يشذ أحد من المواطنين في استنكار الحالة التي مرت على المملكة ولا زالت عليها منذ سنتين..
إلاّ أن يكون هناك من هو شريك مع هؤلاء ولو بالهوى والعواطف والفهم الخاطئ لما يترتب على ذلك من إضرار بنا جميعاً ودون استثناء..
***
والحراسات (السكيورتي) اقتضت الحاجة في ظل المستجدات المؤلمة إلى التوسع في استخدامها لضبط الأمن في كثير من الشركات والبنوك..
ورجال الحراسات يمثلون عدداً من الرجال المدربين التابعين لعدد من المؤسسات المختصة المرخص لها في هذا المجال..
وهم كأفراد ومؤسسات جزء من المنظومة الأمنية في بلادنا التي يجب أن تتمتع بالرعاية والاهتمام وتقدير الجهد الذي يبذله هؤلاء الأفراد تحديداً..
***
ولكن ما هو ملاحظ أن هؤلاء أو أكثرهم لا يعطون في نهاية كل شهر إلا (الفتات) مقابل سهرهم على أمن الأفراد والمنشآت التي يوكل لهم مهمة الحفاظ عليها..
وهو وضع لم يغب عن ذهني وإن كان قد ذكّرني به مجدداً أحد الإخوة ممن يعمل في هذا القطاع، وشرح في قصيدة له أرسلها إليَّ معاناتهم من الإهمال وتدني مرتباتهم وغياب الحوافز المشجعة لهم لبذل المزيد من الجهد..
***
يقول في قصيدته:
((الوقت جرعني من المر كاسه
وهموم قلبي كنها ضلع بنيان))
إلى أن يقول:
((لا وعذابي عشت عيشة تعاسه
الراتب أقشر والديايين قشران))
ثم يقول:
((شغل الحراسة وجب له دراسه
من مجلس الشورى إلى حقوق الإنسان))
***
والقصيدة طويلة ومليئة بالمرارة مع أمل قائلها بمعالجة مشكلة هذه الفئة من المواطنين بإنصافهم في ضوء ما يقدمونه من جهد، وبخاصة أنه وكما يقول في شطر من بيت في القصيدة: (صبرت صبر أيوب والمختفي بان)..
ومثل هؤلاء الذين لم تسعفهم أوضاعهم بالحصول على شهادات جامعية لا ينبغي أن يتركوا لمثل ما هم عليه الآن من تدنٍ في رواتبهم
((يوم الرجال يتابعون الدراسه
حصّلت ماجستير برعاية الضان))
ثم يختتم قصيدته:
((باسمي نيابة عن جميع الحراسه
وأنا علي راضي وجدي سويدان))
***
نرفع صوت الشاكي الأخ علي سويدان ومن هو في مثل حالته إلى وزير العمل الدكتور غازي القصيبي، فلعل لفتة منه وتفاهماً مع المؤسسات التي يعملون بها تعالج هذه الشكوى في الحدود الممكنة، والأخ علي وبقية من يعمل في هذا القطاع لايطالبون بأكثر من الممكن.


خالد المالك

(يوري إفنيري)..الذي أدخل (الختيار) حياة الإسرائيليين:
عرفات (الميّت) أقوى من شارون (الحي)
* إعداد اسلام السعدني

في غمار الاهتمام الإعلامي واسع النطاق الذي صاحب رحيل الرئيس الفلسطيني (ياسر عرفات) عن دنيانا، كان من الطبيعي أن تتجه أنظار وسائل الإعلام الإسرائيلية إلى (يوري إفنيري) ذلك الرجل الذي كان أول إسرائيلي يجري اتصالات مع ممثلين عن (عرفات) عام 1974،كما كان أول إسرائيلي يجري حوارا مع الزعيم الفلسطيني عام 1982م.
لكن ذلك لا يمنع من أن نعلم أن (إفنيري) 81 عاما الذي يعد حاليا أحد أبرز من يطلق عليهم (دعاة السلام في الدولة العبرية) كان واحدا ممن شاركوا في العمليات العسكرية التي قامت بها العصابات الصهيونية قبل إعلان قيام دولة إسرائيل عام 1948م، كما شارك في المعارك التي نشبت عقب ذلك مع الجيوش العربية، قبل أن يغير بوصلته فيما بعد ويؤسس حركة (هاعولام حازيه)، وهي الحركة التي غيرت وجه اليسار الإسرائيلي على حد قول صحيفة (هآرتس) الإسرائيلية التي أجرت حوارا مع (إفنيري) باعتباره الرجل الذي (أدخل عرفات حياة الإسرائيليين).
وقد جرى الحوار الذي سنستعرضه في السطور القادمة في ظل حالة من الحزن العارم التي تمكنت من (إفنيري) بسبب رحيل (عرفات) أو (الختيار) كما كان يحلو للفلسطينيين أن يطلقوا عليه لاسيما في ظل العلاقة الوثيقة التي ربطت بين الرجلين، للدرجة التي جعلت هذا السياسي الإسرائيلي أحد الزوار الدائمين ل(المقاطعة) وهو مقر الرئاسة الفلسطينية في رام الله.فإلى نص الحوار:
* بوصفك واحدا ممن كانوا مقربين من عرفات، ألا تشعر بأن الملابسات التي اكتنفت وفاته اصطبغت بنوع من الإذلال؟
للأسف الشديد، لم تكن سها (زوجة عرفات) على قدر الاختبار التاريخي الذي واجهته، لقد كانت هذه السيدة هي الخطأ الذي ارتكبه الرئيس الفلسطيني الراحل، فقد اقترن بها في لحظة ضعف، عندما رغب فجأة وبعد كل ما مر به في أن يصبح رب أسرة، ولكن هذه الرغبة خبت سريعا في ضوء المعارضة التي أثارها هذا الزواج، فالناس (الفلسطينيون) لم يستطيعوا تفهم الأسباب التي حدت بذلك الرجل الذي كان متزوجا حتى ذلك الحين من الثورة الفلسطينية للاقتران بسيدة..ليس هذا فحسب بل أن تكون هذه السيدة مسيحية شقراء قادمة من الخارج تبدو عليها سمات المرأة العصرية. وقد أدرك عرفات فيما بعد أهمية أن يبقي بعيدا عن زوجته بمسافة ما مما جعلها تشعر بالمرارة، وأدى ذلك كله إلى النهاية التي رأيناها جميعا.. تلك النهاية التي لم تكن ملائمة على الإطلاق وخلفت في نفسي جرحا حقيقيا.. فعرفات كان يستحق شيئا مختلفا، ولكن في غضون أسابيع قليلة سينسى الناس هذه الملابسات وما سيبقى لن يكون سوى وفاة عرفات بكل ما تحمله من قيمة رمزية هائلة.
في التحليل الأخير سنرى أن ما سيسجله التاريخ الفلسطيني سيتمثل في أن ذلك الرجل الذي قاد الفلسطينيين على مدى نحو نصف قرن قد فارق الحياة خارج وطنه مثله مثل الكثير من مواطنيه..كما أن ما سيدخل في عداد الأساطير القومية العربية والفلسطينية هو أن قائد حركة التحرير الفلسطينية رحل عن الدنيا وشعبه على شفا الحصول على الاستقلال ولكن دون أن ينعم هو نفسه به..إن ذلك يكتسب مغزى رمزيا سيتعمق أثره بمرور الوقت مثله مثل مكانة عرفات.
أعظم من مانديلا
* هل تعتقد حقا أن عرفات كان قائدا تاريخيا عظيما؟
عظيما؟!... إن عرفات سيبقى واحدا من أعظم الزعماء في النصف الثاني من القرن العشرين. إن هذا الرجل يقارن في بعض الأحيان بنيلسون مانديلا.. على الرغم من أن المهمة التي اضطلع بها الزعيم الفلسطيني أصعب آلاف المرات من تلك التي حملها مانديلا على عاتقه.. فمانديلا ذلك الزعيم الإفريقي الذي قضى 28 عاما في السجن وظل طاهر الذيل فيما يتعلق بأية اتهامات خاصة بدعم الإرهاب حصل في النهاية على دولة مستقلة..كان في يوم ما قائد حركة تحرير ثم صار بعد ذلك رئيس دولة..على النقيض من ذلك كان عرفات الذي حمل على عاتقه مسؤولية أمة كانت قيادتها ملاحقة بواسطة أجهزة مخابرات العديد من الدول من بينها إسرائيل.. ونتيجة لذلك كان عرفات مضطرا للجوء للغموض وكان بحاجة إلى القدرة على المناورة.. وقد كانت هذه الموهبة إحدى أبرز صفاته، كما كان عرفات مجبرا على إقامة دولة من لا شيء، دولة دون بنية أساسية ودون اقتصاد، دون أدوات سلطة،كان ملزما باحتواء التوتر ما بين الحرس القديم من القادة التاريخيين القادمين من المنفى بتونس والجيل الجديد من القادة المحليين، وكذلك بين المسلمين والمسيحيين، بين الرجال والنساء، بين الفصائل الفلسطينية وبعضها ببعض، وأخيرا بين اللاجئين الفلسطينيين وبين مواطنيهم الذين بقوا في داخل البلاد، كان على عرفات أن يتحمل أعباء كل ذلك بمفرده تقريبا في ظل ظروف غاية في التعقيد وقد نجح في تحقيق هذا الهدف، ونجح أيضا في ألا يستسلم، لقد وقف صامدا أمام (الرئيس الأمريكي السابق كلينتون ورئيس الوزراء الإسرائيلي السابق ايهود باراك، ولم يذعن لهما، ولذا لا يوجد لدي أدنى شك في أن عرفات سيصبح أحد أبرز الأبطال في التاريخ العربي، وسيدخل قائمة العظماء العرب.
الفرصة الأخيرة
* هل ترى بالفعل أن عرفات لم يكن سوى قائد حركة تحرر مثقلة بالهموم والمشاكل؟
عندما يبحث شاب عربي لم يتجاوز العشرين من عمره في القاهرة أو دمشق عن رمز يتشبث به لن يجد سوى عرفات، فكل عربي يشعر بالإذلال الذي تعاني منه أمته سيشعر بالتوحد مع عرفات كرجل لم يقهر وكرجل طاهر رغم كل شيء، كان يمثل تيار القومية العربية في ثوب أوروبي، لقد ارتكبت إسرائيل والولايات المتحدة خطأ من خلال الإحجام عن إقامة تحالف مع عرفات، لأن هذا الرجل كان يمثل الفرصة الأخيرة لانتصار القومية العربية ذات النمط الغربي، كما كان يمثل العائق الأخير الذي يقف في مواجهة قوى التشدد والتطرف.
خطر صلاح الدين
* لست واثقا من أنني قد تفهمت رؤيتك بشكل واضح، ألا يمكنك التوضيح أكثر؟
إن الخطر الأكبر الذي يواجه إسرائيل يتمثل فيما يمكن أن نسميه خطر صلاح الدين:أي ظهور حركة دينية مضادة للغرب، يتوحد في ظلها العالم العربي تحت لواء إسلامي، وهذا يشكل الخطر الحقيقي على وجود الدولة العبرية، وقد كان عرفات يمثل الجانب المضاد تماما لذلك سواء على الساحة السياسية الفلسطينية أو على مستوى العالم العربي كرمز للقومية العربية، ولذا فكما قال الكاتب والمفكر المصري (محمد سيد أحمد) فلو لم يكن عرفات موجودا لكان على إسرائيل العمل لإيجاده، فهذا الرجل كان شريكا طبيعيا لضمان مستقبل تل أبيب، ولكننا تصرفنا معه بحماقة، لقد كسرناه، لم نفهم أنه كان أحد أهم الدعائم الرئيسية في الجدار المناهض للأصولية، لم نفهم أن عرفات كان القطب المناوىء ل(بن لادن).
جهل شارون
* هل تريد أن تقول إن السياسة المعادية لعرفات التي انتهجها رئيس الوزراء الإسرائيلي آرييل شارون والرئيس الأمريكي جورج بوش كانت سياسة مشؤومة؟!
شارون شخص جاهل ومثله بوش، وهذه هي الصلة التي تجمع بينهما..انهما شخصان ساذجان مفزعان عاجزان عن رؤية السياق التاريخي بصورة شاملة، وقد أثبتت سياساتهما التي استهدفت كسر عرفات قصر نظر تاريخي من قبل أناس غير قادرين على فهم التاريخ أو معايشته، لقد ترك هذان الرجلان (بوش وشارون) الساحة خالية ل(بن لادن)، فمن خلال قيام بوش بتدمير العراق، ومن خلال قيامهما معا بعزل عرفات أسهما في جلب كارثة لأمريكا وإسرائيل، ولكن بينما ستتمكن الولايات المتحدة في النهاية من التعايش مع هذا الوضع الكارثي والتعافي وتضميد الجراح حتى وإن كانت نتيجة ما جرى تدمير مزيد من الأبراج في أمريكا, وتحولها إلى نظام حكم فاشستي ديكتاتوري، سيختلف الأمر تماما بالنسبة لإسرائيل فالمشكلة تتعلق بوجودها ذاته، فبتدميرنا لعرفات ارتكبنا خطأ تاريخيا ربما سيكون من المتعذر إصلاحه.
عرفات الإنسان
* دعنا نترك الحكم للتاريخ قليلا، لقد قابلت عرفات عشرات المرات وقضيت معه مئات الساعات، أي نمط من الأشخاص كان ذلك الرجل؟
عرفات دائما مفاجأة لمن يلتقيه للمرة الأولى.
* كيف ذلك؟
يتمثل ذلك في الاختلاف المدهش بين الصورة التي يكونها المرء عنه من خلال مشاهدته على شاشة التليفزيون ورؤيته بشكل فعلي، بادىء ذي بدىء، لحيته في التليفزيون تبدو هذه اللحية وكأنها لم تنم سوى منذ يومين فحسب، ولكن على الحقيقة تظهر على غير ذلك، أما عيناه فتبدوان على الشاشة وكأن بهما مساً من الجنون والهوس إلا أنهما مختلفتان تماما عندما تراهما على الحقيقة فهما شديدتا الرقة والوداعة، خلاصة القول عرفات شخص شديد الدماثة وكل ما يتعلق به كذلك، إنه شخص حنون للغاية، ومليء بالعواطف ولكل ذلك كانت لديه قدرة هائلة على مد الجسور بينه وبين الآخرين، كان رجلا مباشرا، غير متقيد بالرسميات،عاطفيا، لم يكن رجل الأفكار النظرية الجامدة بل كان رجل المشاعر، لم يكن شخصا يعتمد على التحليل وإنما على بديهته ووجدانه، جانب كبير من الحوارات التي كان يجريها عرفات لم تكن تتم من خلال الكلمات ولكن عبر الإيماءات، حيث كان مغرما بالإيماءات، في الوقت نفسه كانت لديه ذاكرة حديدية وكان سريع التعلم، حيث كان بمقدوره أن يلم بتفاصيل موقف ما في ظرف ثوان معدودات، على الرغم من أنه لم يكن مثقفا، فلا أعتقد أنه كان قارئا للكتب بل ربما لم يكن قارئا على الإطلاق، بالرغم من كل ذلك كان لدى عرفات ميل للدخول في أدق التفاصيل، ولديه في نفس الوقت قدرة على اتخاذ قرارات جريئة في لمح البصر، وبسبب هاتين الصفتين كان من العسير عليه أن يتخلى عن السلطات والصلاحيات، نظرا لأنه كان دائما شديد التمحور حول ذاته.يبقي كروته قريبة من صدره، عندما كنت تراه جالسا مع محمود عباس (أبو مازن)، أو أحمد قريع (أبو العلاء), كان الاثنان يبدوان وكأنهما طفلان صغيران مقارنة به، لقد كان هو من يتخذ القرار، هو وحده، وهذا ما يجعلني أؤمن بأن عرفات هو ذلك الرجل الذي لا يمكن أن يحل محله أحد، فلا يوجد على الساحة الفلسطينية قائد قادر على صنع القرارات كما كان عرفات قادرا على ذلك، كانت لديه أيضا روح سخرية، كان يحب الدعابة وأحيانا ما كان يسخر من أفكاره هو نفسه، ولكنه لم يكن في الوقت نفسه مدعيا ينأى بنفسه عمن حوله، كان يدع الآخرين يقاطعونه ويصححون له أخطاءه، وفوق كل هذا، أعتقد أن أبرز سمات عرفات تتمثل في أنه توحد بالكامل مع الدور الذي كان يقوم به.فقد كان هذا الرجل يمثل هو نفسه كفاح الشعب الفلسطيني من أجل الحرية، وهو ما يعزز مسألة عدم إمكانية إيجاد بديل له لأنه لم يكن هناك سواه قادر على الوفاء بما كان يقوم به، من جهة أخرى، كان لدى عرفات شعور بأن العناية الإلهية تحوطه وهو ما تكرس بعد نجاته من حادث تحطم طائرته في الصحراء الليبية (خلال تسعينيات القرن الماضي)، ومثله مثل آرييل شارون كان أبوعمار مقتنعا بشكل كامل بأنه يحمل مصير شعبه على كاهله، ولكن بخلاف شارون الذي يعد من غلاة العلمانيين كان الشعور الذي يتملك عرفات في هذا الصدد ذا بعد ديني بوصفه مسلما مؤمنا.
دون كوفية
* هل تقاربتما أنتما الاثنان (إفنيري وعرفات) بشكل جوهري؟
لقد كانت هناك ثقة مشتركة بيننا بشكل كامل، سأعطيك مثالا على ذلك، عندما تقابلنا في تونس لم يكن يغطي رأسه، لدي صورة يظهر فيها عرفات دون غطاء للرأس يقوم بتقشير برتقالة حتى يتسنى لي تناولها، دون كوفيته الشهيرة كان عرفات يبدو شديد الشبه بأخيه، وبالرغم من أنه كان يعلم أنني صحفي لكنه كان يدرك في الوقت نفسه أنني لن أنشر هذه الصورة على الإطلاق، لأنني لن أنشر شيئا يرى هو أنه لا يجب نشره.
سجين رام الله
* هل وفاة عرفات طبيعية أم أن لإسرائيل دورا فيها؟
دائما ما تجد نظريات المؤامرة تربة خصبة في مواقف كهذه،ومع أن عقلي ليس ذا طابع تآمري، إلا أن هذه النظريات أحيانا ما يتبين أنها صحيحة، ما يمكن قوله كشهادة شخصية مني بشأن ملابسات رحيل عرفات إنه عندما قابلته للمرة الأخيرة قبل ثلاثة أسابيع فقط من التدهور الصحي الأخير الذي حل به كان يبدو بصحة جيدة للغاية ربما بشكل أفضل من أي وقت سابق، يبقى هناك شيء واحد مؤكد هو أن إسرائيل مسؤولة عن إبقائه محتجزا في غرفتين أو ثلاث غرف لمدة عامين ونصف العام دون هواء نقي أو مناخ صحي، وعلى الرغم من أنه حتى المجرم المحكوم عليه بالموت لديه الحق في أن يجول لمدة ساعة بداخل فناء السجن إلا أن الزعيم الفلسطيني لم يغادر مبنى المقاطعة لشهور وشهور، إذن تل أبيب مسؤولة عن أنها لم تسمح ل(سجينها) المسن البالغ من العمر 75 عاما بأن يتجول بداخل سجنه.
* هل كان شارون يرغب في قتله؟
دون أدنى شك.
* هل لديك أي شكوك أو شبهات في هذا الصدد؟
عندما يصاب أمرؤ ما يعيش في مثل هذه الظروف بانهيار مفاجئ غامض في صحته فإن الشكوك تثور تلقائيا، ولكن ليس لدي أي دليل على هذا الأمر أو ذاك، يمكنني أن أقول شيئا واحدا إن عرفات كان موقنا بأن شارون يريد قتله لقد كان يتحدث كثيرا في هذا الموضوع.
* إذن في نهاية المطاف نجح شارون في إلحاق الهزيمة بالجنرال عرفات؟
لا أعتقد ذلك، عرفات الميت قادر على قهر شارون الحي.
إرث أبو عمار
*ماذا تعني؟
أعني أمرين، أولهما أنه لن يوجد من يتذكر شارون بعد عشرين عاما من وفاته، أما عرفات فسيظل حيا في الذاكرة لمئات السنين وربما لألف عام، كل عربي لا زال يتذكر صلاح الدين بعد ثمانمائة عام من وفاته وسيتذكر العرب عرفات أيضا على هذا النحو.
الأمر الثاني، أن الإرث الذي خلّفه عرفات سيحول دون أن يذعن الشعب الفلسطيني لخطة شارون، إذ ان وفاة هذا الرجل صقلت الخطوط الحمراء لأي تنازلات فلسطينية، والآن لن يجرؤ أي قائد فلسطيني على تجاوز هذه الخطوط، فعرفات الميت لن يسمح بمرور تنازلات ربما كان عرفات الحي سيقبل بها!.
تنازلات تاريخية
* هل قدم عرفات بالفعل أي تنازلات ؟ وهل كان مقتنعا من داخله بفكرة الحل على أساس قيام دولتين وما تستلزمه هذه الفكرة من متطلبات؟
عرفات قدم تنازلين تاريخيين، لقد اعترف بإسرائيل كما أقر بالخط الأخضر (الفاصل بين إسرائيل والأراضي المحتلة منذ عام 1967)، وبذلك قبل بمشروعية وجودنا كإسرائيليين وتخلى عن 78% من الأراضي التي كانت تشكل فلسطين ما قبل عام 1948م، هذه تنازلات تاريخية، وكان من المستحيل في الواقع تقديم تنازلات أكبر من تلك، وعلى الرغم من ذلك فقد قدم الزعيم الفلسطيني الراحل ثلاثة تنازلات أخرى في قمة كامب ديفيد الثانية، حيث وافق على إجراء تبادل محدود للأراضي،ووافق على وجود أحياء يهودية في القدس الشرقية، وكذلك على سيطرة إسرائيل على الحائط الغربي للمسجد الأقصى (حائط البراق الذي يطلق عليه اليهود حائط المبكى)، ولكن هذه التنازلات قدمت شفويا وليس كتابة وسيجد خلفاؤه صعوبة كبيرة في وضعها موضع التطبيق.
مأزق القادة الجدد
*هل ترى أن هناك قائدا عربيا قادرا على التنازل عما لم يتنازل عنه عرفات بشكل واضح وصريح؟
لا شك في أن إجراء أي مساومة حول جبل المعبد (الاسم اليهودي للمسجد الأقصى) بات مستحيلا في الوقت الراهن.
* إذاً ما الذي نتوقعه الآن؟ هل يستطيع أبومازن وأبو العلاء أن يجعلا الوضع مستقرا؟ هل بمقدورهما التوصل إلى تسوية ما مع إسرائيل؟
إنني أعرف أبو مازن منذ عشرين عاما، وأبو العلاء منذ خمسة عشر عاما، والاثنان يتصفان بالأمانة والنزاهة واللياقة، ولكن إذا وضعت نفسك محل فتى فلسطيني من (مخيم) جنين يحمل بندقيته على كتفه، وتخيلت تصرفه عندما يسمع اسمي هذين الرجلين، سيكون رد فعله (من هؤلاء على أي حال؟ من يكونان حتى يأمراني بما يتوجب عليّ فعله؟)، ولذا ستكون سلطة الرجلين سطحية للغاية، من الممكن أن يحظيا بمزيد من الدعم لفترة من الوقت، لأن الشعب الفلسطيني لا يرغب في نشوب حرب أهلية. فجرح ما جرى خلال ثلاثينيات القرن العشرين ما زال غائرا في الذاكرة الفلسطينية، إلا أن هذا الوضع ليس سوى وضع مؤقت بالضرورة سيتلاشى بمجرد أن تدخل القيادة الجديدة في مرحلة اتخاذ قرارات، وهذه هي المشكلة الحقيقية بالنسبة ل(أبومازن) و(أبو علاء) أنه لن تكون لديهما القدرة على صنع قرارات.
الجحيم وأبوابه
* إذاً ما تقوله يعني أن وفاة عرفات ربما فتحت أبواب الجحيم؟
لا يمكن القول إن وجود شخصين أو ثلاثة أشخاص جيدين يحاولون الشد من أزر بعضهم البعض والتماسك للحيلولة دون حدوث هذا التطور المأساوي (فتح أبواب الجحيم) يشكل حلا للأزمة، ولذا فأنا أتوقع حدوث أحد احتمالين، أكثرهما إثارة للفزع بالنسبة لي يتمثل في ذاك الذي يتمثل في أن يكتسح المد الأصولي في العالم العربي الشعب الفلسطيني، ويشكل هذا الأمر مبعث القلق الرئيسي الذي يراودني، ولكن من غير الواضح الفترة الزمنية التي يمكن أن يتحقق خلالها هذا السيناريو.
احتمال آخر يفرض نفسه علينا بشكل أكبر في الوقت الحالي، ففي ظل وجود عرفات بما كان له من نفوذ للسيطرة على الفصائل المسلحة، كان (الشين بيت) جهاز الأمن الداخلي الإسرائيلي يقول لنا إن هناك مئات الفلسطينيين على استعداد لأن يصبحوا انتحاريين (استشهاديين) عندما تحين الفرصة، أما بعد غياب هذا الرجل فلن تكون لدينا خمسة أو ستة فصائل مسلحة، بل خمسون أو ستون وربما خمسمائة أو ستمائة، ولن يكون هناك من يمتلك القدرة على كبح جماح هذه الفصائل، ولن يكون هناك كيان قادر على قمعها، وضع فوضوي مثل ذلك سيجلب الويلات على الفلسطينيين في المقام الأول ولكنه سيجعل أرواح الإسرائيليين في خطر.
كنت إرهابياً
* ألا تتجاهل حقيقة أن عرفات كان مؤيدا للعنف ضد الاسرائيليين؟
لقد كنت إرهابيا أنا أيضا، عندما كنت في السادسة عشرة من عمري لم أكن لأتردد أو اعترض إذا أعطاني قائدي في منظمة (ليحي) إحدى العصابات الصهيونية التي نشطت في فلسطين قبل حرب 1948 عبوة ناسفة وطلب مني تفجير نفسي وسط مدنيين، ولذا لا يوجد لديّ حساسية حيال هذا النمط من العنف، إنني أتفهم ما هو العنف وأعرف أن الشعب الذي لا يتاح له حل سياسي يلجأ للعنف، ومن هذا المنطلق كان واضحا بالنسبة لي على الدوام أن عرفات على استعداد للجوء إلى كافة السبل من أجل تحقيق أحلام مواطنيه، فلم يكن عرفات رجلا عدوانيا، بل أعتقد أنه كان على العكس من ذلك تماما، بيد أنه كان من الجلي أن هذا الرجل بوصفه زعيما وطنيا سيسلك سبيل العنف إذا ما وجد طريق السلام مسدودا أمامه، إنني أجد ذلك أمرا بديهيا.
* ألا تعتقد أن هناك طابعا عدوانيا بشكل خاص يتسم به درب الكفاح الذي سلكه عرفات؟ ألم يكن هناك طابع (مرضي) في الطريقة التي استخدمت بها الحركة الوطنية الفلسطينية العنف، وهو ما تبدى في إقدامها على قتل النساء والأطفال؟
السقم الحقيقي يتمثل في هذا الذي تزعمه، الجزائريون على سبيل المثال لم يقتلوا سوى المدنيين، نصف مليون شخص قتلوا في حرب الجزائر، وبعد استقلال البلاد مباشرة أُعدم مائتا ألف شخص باعتبارهم خونة، وكذلك تم إبعاد نصف مليون مواطن فرنسي عن الأراضي الجزائرية خلال أيام قلائل، إذن بالمقارنة مع حركة التحرير الجزائرية تبدو الحرب التي شنتها منظمة التحرير الفلسطينية حربا نظيفة بشكل كبير، إذا نظرنا إلى ما جرى في كينيا سنجد أن قبائل (الماو.. الماو) كانت تتنقل من مزرعة إلى أخرى وتذبح في طريقها عائلات بأكملها من البيض، ناهيك عن ضرب أمثلة بما حدث في ماليزيا أو المناطق الكردية أو في إيرلندا، لا يوجد شيء استثنائي فيما يتعلق بالسبل التي اتبعها الفلسطينيون في كفاحهم.
* ماذا عن العمليات الانتحارية (الاستشهادية)؟ ماذا عن حديث عرفات عن مسيرة المليون شهيد صوب القدس؟
إنني أنظر بواقعية إلى هذه الظاهرة، ولذا طرحت على نفسي سؤالين بصددها هل كان هناك طريق آخر ( أمام الفلسطينيين بخلاف هذه العمليات)؟، وهل كان بوسع عرفات منعها؟، وكانت الإجابة سلبية على كلا السؤالين.
مأساة كامب ديفيد
* وماذا عن مأساة كامب ديفيد الثانية، ألا يتحمل عرفات أدنى مسؤولية عن ذلك الانهيار الذي حل بعملية السلام؟
المسؤولية عن هذا الانهيار تقع على عاتق إيهود باراك، إن باراك كان أبله كبيرا فيما يتعلق بالصراع الفلسطيني الإسرائيلي وكان مجرما كبيرا أيضا، وأرى أنه يتحمل القدر الأكبر من المسؤولية عن الخسائر المخيفة التي وقعت في الأرواح خلال الأعوام القليلة الماضية، إنه أسوأ من شارون.
استغلال متبادل
* ألم تساورك أي شكوك بأن عرفات كان يستغلك؟
بالطبع كان يفعل ذلك وكنت مدركا لهذا الأمر بشكل كامل، في العديد من المواقف كان من الملائم بالنسبة له أن يجد إسرائيليا يقف إلى جانبه، لقد استغل كل منا الآخر لخدمة القضية التي آمن بها كلانا.
* هل أحببته؟
لا اعتقد أن الحب كلمة مناسبة، أنا أكن له تقديرا كبيرا كإنسان وكرجل وطني لأنني أمقت الخونة وأحب من يحملون بين جوانحهم روحا وطنية، لقد كان هذا الرجل قائدا يعطي الأوامر التي تؤدي إلى مقتل إسرائيليين، في المقابل كنت جنديا إسرائيليا قتل عربا في الماضي ولكن بشكل ما التقينا في وسط الطريق، تماما كما حدث خلال الحرب العالمية الأولى عندما خرج الجنود الأعداء من الخنادق ليحتفلوا سويا بليلة رأس السنة ثم عادوا بعد ذلك ليقتل كل منهم الآخر!
عناق مميت
* هل هناك من صلة بين الدور النشط الذي قمت به في عام 1948 في ترحيل العرب وتدمير قراهم وبين حاجتك فيما بعد لإيجاد صلة بياسر عرفات؟
بكل تأكيد، إنني مدرك تماما لحقيقة أن إسرائيل تلك الدولة التي أسهمت في تأسيسها قامت على ظلم تاريخي فظيع، كما أنني أعلم ما الذي قمت به بشكل شخصي خلال الحرب ولا أنكره، وعندما أقابل فلسطينيا اسأله عن اسم القرية التي ينتمي إليها، وفي بعض الأحيان يذكر هؤلاء الفلسطينيون في إجاباتهم أسماء بعض القرى التي شملتها العمليات العسكرية التي شاركت فيها، وتتداعى إلى ذهني في هذه الحالات مشاهد تلك القرى بعد انتهاء العمليات والمواقد لا تزال مشتعلة والطعام لازال على الموائد لم يبرد بعد، وبالتالي توجد علاقة بين عرفات وبين كل ذلك، فعرفات كرّس مشاعره كلها للقضية الفلسطينية، وكنت أشعر دائما أن هناك صلة ما تربط بيني وبين تلك المشاعر، لأنني مثل عرفات لم تكن لدي حياة خاصة، كما كنت أرى الجوانب المثيرة للشفقة في هذا النزاع، كنت أرى شعبين يمسك كل منهما بخناق الآخر، لا يريد أي منهما أن يخفف قبضته عن الآخر أو أن يفلت الآخر، وكنت أريد إنهاء هذا العناق المميت بين الجانبين.
* هل كنت تعتقد أن عرفات كان يصلح لأن يكون شريكا في ذلك؟ هل كنت تظن أنه كان بوسعه أن يكون الرجل الذي ينتهي النزاع على يديه؟
صدقني مع ياسر عرفات كان من الممكن أن يستطيع المرء إغلاق هذا الملف، وكنت أعلم كيف أقوم بذلك، أنا مقتنع تماما بأن شخصا مثلي كان بوسعه الجلوس مع عرفات لمدة شهر واحد والتوصل في النهاية إلى اتفاق سلام، ولهذا السبب أشعر الآن بأننا فقدنا فرصة عظيمة..لقد عاش بالقرب منا خلال الأعوام الأخيرة ولكننا تركنا الوقت يمر وأهدرنا فرصة لا تعوض وهذه خسارة فادحة.

..... الرجوع .....

الفن السابع
الفن العربي
المنزل الانيق
نادي العلوم
خارج الحدود
الملف السياسي
استراحة
تقرير
إقتصاد
منتدى الهاتف
مجتمعات
اثار
من الذاكرة
جزيرة النشاط
روابط اجتماعية
ملفات FBI
x7سياسة
الحديقة الخلفية
صور العام
شاشات عالمية
رياضة
الصفحة الرئيسة

ارشيف الاعداد الاسبوعية

ابحث في هذا العدد

للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2002, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved