الاقتصادية المعقب الالكتروني نادي السيارات الرياضية كتاب واقلام الجزيرة
Tuesday 18th May,2004 العدد : 81

الثلاثاء 29 ,ربيع الاول 1425

لا تعتذروا..!!
بمثل هذه الدموع الكاذبة..
وهذا التنديد المفتعل..
بكل ما رأيناه وسمعناه من أسى وشعور بالألم مشكوك في مصداقية أصحابها..
وبهذا الذي كان صدى لسلوك السجّان المحتل في بغداد في ضوء وحول جرائمه مع سجانيه..
بهذه الاعتذارات المترددة المعلنة على استيحاء لإطفاء ردود الفعل الغاضبة..
وبكل اللقاءات الإعلامية التي وظفت للتخفيف من هول الجريمة الإنسانية بحق سجناء أبو غريب دون أن تطفئ نار الكراهية للمعتدين..
أقول للمحتلين: تباً لكم ولا تعتذروا فالجريمة أكبر من كل دموع التماسيح والاعتذارات الكاذبة..
***
ولكل الأبواق العربية المأجورة والمعادية لأمتها..
لتلك الأقلام المشكوك في انتماء أصحابها إلى العروبة والإسلامية..
لهؤلاء ولمن ينتمون إلى لغتنا وديننا ممن بلغ بهم عدم الحياء حد الدفاع عن أعمال العدو وسوءاته الأخلاقية بحق شعب العراق الشقيق..
أقول لهم: لا تعتذروا فقد ظهرتم على حقيقتكم وانكشف دافعكم وتبين للأمة حالكم..
***
إلى ما يزيد كثيراً على المليار مسلم..
عرباً كانوا أم عجماً..
وإلى الشرفاء في العالم من غير هؤلاء..
إلى ذوي الحس الإنساني والعاطفي..
والمتأدبين بأخلاق الديانات السماوية..
أسألكم لماذا غابت النخوة والانتصار للحق في تعاملكم مع هذا الموقف المقزز..؟
وأينكم من الدعوة إلى حقوق الإنسان وكرامة الإنسان وحق الإنسان في حياة حرة كريمة وشريفة؟
***
قتل وتعذيب..
وممارسات جنسية يقوم به السّجّان مع السجناء والسجينات في العراق المحتل..
وصور مؤذية تفضح الحال هناك وتنقل للعالم القليل مما يجري في السجون هناك..
فيما يكتفي العالم بالصمت ويلوذ بالفرار عن إبداء الرأي مراعاةً أو خوفاً أو نفاقاً للولايات المتحدة الأمريكية..
وكان قدر هذا الشعب أن يعيش هذا العذاب بديلاً للحرية التي وُعِدَ بها وبُشِّرَ بحلولها وعاش على أمل بإطلالتها..
***
أتساءل:
أين الضمير العالمي..
وأين العدل..
وأين عقلاء أمريكا من هذا الذي يسيء إلى تاريخها ويقوّض ما تدعيه من مبادئ وأخلاق!


خالد المالك

كالمستجير من الرمضاء بالنار
العراقيون من القمع ( الصدامي ) إلى الإذلال (الأمريكاني)

* إعداد إسلام السعدني
في الوقت الذي كانت فيه الإدارة الأمريكية تحاول إلهاء العالم وبخاصة الرأي العام في الولايات المتحدة عن اقتراب الذكرى الأولى لإعلان الرئيس جورج بوش انتهاء العمليات العسكرية الرئيسية في العراق في الأول من مايو من العام الماضي، خاصة في ظل التصاعد الحاد في وتيرة عمليات المقاومة العراقية، تفجرت بغتة في وجه واشنطن ولندن فضيحة من العيار الثقيل، بعد الكشف عن صور تكشف عن وقوع ممارسات لا أخلاقية بحق المعتقلين العراقيين على يد الجنود الأمريكيين والبريطانيين في عدد من السجون العراقية وخاصة في سجن أبو غريب.
وقد باتت هذه الصدمة هي الشغل الشاغل لكافة وسائل الإعلام في مختلف بقاع الأرض، وتلاحقت المقالات المنددة بهذه الجرائم التي يندى لها كل جبين وذلك على صفحات العديد من الصحف والمجلات حتى في داخل أمريكا نفسها..
وفي مقدمة هذه المقالات كان ذاك المقال المسهب الذي كتبه الصحفي الأمريكي اللامع سيمور هيرش ونشرته مجلة نيويوركر، وهو المقال الذي كشف فيه هيرش النقاب عن العديد من التفاصيل الخاصة بتلك الانتهاكات المروعة لحقوق الإنسان التي وقعت على يد قوات الاحتلال الأمريكي في أبو غريب..
في الوقت الذي كانت فيه الإدارة الأمريكية تحاول إلهاء العالم وبخاصة الرأي العام في الولايات المتحدة عن اقتراب الذكرى الأولى لإعلان الرئيس جورج بوش انتهاء العمليات العسكرية الرئيسية في العراق في الأول من مايو من العام الماضي، خاصة في ظل التصاعد الحاد في وتيرة عمليات المقاومة العراقية، تفجرت بغتة في وجه واشنطن ولندن فضيحة من العيار الثقيل، بعد الكشف عن صور تكشف عن وقوع ممارسات لا أخلاقية بحق المعتقلين العراقيين على يد الجنود الأمريكيين والبريطانيين في عدد من السجون العراقية وخاصة في سجن أبو غريب.
وقد باتت هذه الصدمة هي الشغل الشاغل لكافة وسائل الإعلام في مختلف بقاع الأرض، وتلاحقت المقالات المنددة بهذه الجرائم التي يندى لها كل جبين وذلك على صفحات العديد من الصحف والمجلات حتى في داخل أمريكا نفسها..
وفي مقدمة هذه المقالات كان ذاك المقال المسهب الذي كتبه الصحفي الأمريكي اللامع سيمور هيرش ونشرته مجلة نيويوركر، وهو المقال الذي كشف فيه هيرش النقاب عن العديد من التفاصيل الخاصة بتلك الانتهاكات المروعة لحقوق الإنسان التي وقعت على يد قوات الاحتلال الأمريكي في أبو غريب..
يستهل الكاتب مقاله بالإشارة إلى تلك المفارقة الكامنة في أن سجن أبو غريب مسرح تلك الممارسات المشينة التي اقترفتها القوات الأمريكية والذي يقع على بعد عشرين ميلاً غرب بغداد كان معروفاً خلال فترة حكم الرئيس العراقي المخلوع صدام حسين بأنه أحد أسوأ السجون سمعة في العالم بأسره جراء عمليات التعذيب والإعدام المستمرة التي كانت تجري بداخله، والظروف المخزية التي كان يعيش في ظلها المحتجزون فيه.
ويضيف هيرش أن هذا السجن كان يضم في فترة من الفترات خمسين ألف سجين وسجينة تغص بهم زنازينه التي لم تكن مساحة الواحدة منها تتجاوز 12 قدماً طولاً في 12 قدماً عرضاً.
ويستعيد الصحفي الأمريكي ما جرى للسجن في فترة الفوضى التي أعقبت سقوط نظام الحكم السابق في بغداد أوائل إبريل من العام الماضي، مشيراً في هذا الصدد إلى أن السجن تعرض لعملية سلب واسعة النطاق شملت الاستيلاء على كل شيء يمكن الاستيلاء عليه حتى صار دون نوافذ أو أبواب، قبل أن تعيد القوات الأمريكية تأهيله ليصبح سجناً عسكرياً يضم آلاف الأشخاص من بينهم نساء ومراهقون.
وأوضح الكاتب أن العديد من هؤلاء المحتجزين تم اعتقالهم في عمليات مداهمة عشوائية قامت بها القوات الأمريكية، أو احتجزوا على يد الجنود الأمريكيين عند نقاط التفتيش على الطرق السريعة، مشيراً إلى انه تم تقسيم هؤلاء المعتقلين إلى ثلاثة أقسام، الأول يضم المجرمين العاديين، والثاني يشتمل على الأشخاص الذين يشتبه في تورطهم في أنشطة ضد قوات التحالف أما القسم الثالث فكان يضم عدداً محدوداً ممن يشتبه في أنهم يعتبرون من بين قادة عمليات المقاومة في العراق.
ويعود بنا هيرش من خلال مقاله إلى شهر يونيو الماضي وهو الشهر الذي تولت فيه الجنرال جانيس كاربنيسكي قيادة اللواء 800 للشرطة العسكرية الأمريكية ومن ثم قيادة السجون العسكرية في العراق، مستعرضاً في هذا الصدد تاريخ كاربينسكي العسكري، قائلاً: إنها السيدة الأمريكية الوحيدة الموجودة في ساحة القتال، وأن لها خبرة واسعة كضابط للاستخبارات العسكرية، حيث عملت من قبل ضمن القوات الخاصة الأمريكية في حرب الخليج الأولى عام 1991
ويضيف هيرش في الوقت نفسه أنه على الرغم من تلك الخبرة العريضة إلا أنه لم يكن لكاربينسكي سابق خبرة في مجال إدارة السجون، مشيراً إلى أنها وجدت نفسها فجأة مسؤولة عن ثلاثة معتقلات ضخمة، وثماني كتائب تضم ثلاثة آلاف وأربعمائة من عناصر قوات الاحتياط الذين كانوا مثلها تماماً دون أدنى خبرة في مجال التعامل مع السجناء.
ويلقي سيمور هيرش في مقاله الضوء على الجانب المدني من حياة المسؤولة العسكرية الأمريكية، حيث يكشف عن أن هذه السيدة التي تعمل في مجال تقديم الاستشارات الاقتصادية والتجارية كانت تحلم بالالتحاق بالقوات المسلحة منذ أن كانت في الخامسة من عمرها، مشيراً إلى أنها كانت متحمسة للغاية للاضطلاع بالمهام التي صارت منوطة بها بعد أن تولت منصبها الجديد في العراق.
وينقل عنها قولها في حوار صحفي جرى معها في ديسمبر من العام الماضي إن العديد من العراقيين المحتجزين في سجن أبو غريب يرون أن الظروف المعيشية بداخل السجن أفضل من تلك المتوافرة لهم في منازلهم، معربة عن شعورها بالقلق إزاء أن يرفض هؤلاء الخروج من السجن بعد ذلك لهذا السبب !، وهي التصريحات التي صارت الآن مثيرة للضحك المرير بعد ما تكشفت صورة الحياة المهينة في داخل سجن أبو غريب.
ويشير هيرش إلى أنه بعد هذا التصريح المفرط في غرابته بشهر واحد فحسب، تلقت كاربنيسكي توبيخاً رسمياً وتم وقفها عن العمل، قبل أن يأمر الجنرال ريكاردو سانشيز قائد القوات الأمريكية في العراق ببدء تحقيق موسع في النظام الذي يتبعه الجيش الأمريكي في إدارة السجون العراقية.
تقرير تاجوبا
ويوضح الكاتب أن هذا التحقيق استمر حتى نهاية فبراير تقريباً وانتهى بتقرير أصدره الجنرال أنطونيو تاجوبا يقع في 53 صفحة وغير مسموح بنشره للعامة، وهو التقرير الذي يكشف هيرش عن أن نيويوركر قد تمكنت من الحصول على نسخة منه. وأشار هيرش إلى أن النتائج التي توصل إليها هذا التقرير حول الثغرات الموجودة في نظام إدارة الجيش الأمريكي للسجون العراقية كانت كارثية، موضحاً أن تاجوبا وجد أن الفترة ما بين أكتوبر وديسمبر من العام الماضي شهدت العديد من الحالات التي مارس فيها الجنود الأمريكيون سلوكاً وحشياً وإجرامياً وغير إنساني بحق المعتقلين العراقيين في سجن أبو غريب.
وينقل الكاتب عن تاجوبا قوله في التقرير: إن الانتهاكات المنهجية وغير المشروعة التي تعرض لها هؤلاء المعتقلين قد جرت على يد جنود السرية 372 من الشرطة العسكرية وهي السرية التابعة للكتيبة 320 والتي تخضع بدورها لإمرة الجنرال كاربنيسكي.
وأورد تاجوبا في التقرير حسبما يشير هيرش أن هذه الانتهاكات شملت تحطيم مصابيح كهربية وصب السائل الفوسفوري الموجود بها على أجساد المعتقلين، وضرب هؤلاء بشكل مبرح بالعصي والكراسي وتهديدهم بالاغتصاب سواء كانوا رجالاً أو نساءً، فضلاً عن وضع عصي في مؤخراتهم، إلى جانب السماح لأحد عناصر الشرطة العسكرية بخياطة جرح معتقل أصيب به بعد أن جرى دفعه على الجدار في زنزانته، ووضع مصباح كيماوي، وربما عصا مكنسة في مؤخرة معتقل آخر.
كما شملت الممارسات التي أوردها الجنرال الأمريكي وذكرها هيرش في مقاله بمجلة نيويوركر استخدام الكلاب البوليسية المدربة الخاصة برجال الشرطة العسكرية لإثارة الفزع في قلوب المعتقلين والسخرية منهم.
وأكد الكاتب أن تقرير تاجوبا يستند إلى العديد من الأدلة المذهلة من بينها الإفادات التي أدلى بها بعض شهود العيان، إلى جانب صور وأشرطة فيديو تم التقاطها لعمليات التعذيب هذه، مشيراً إلى أنه لم يتم تضمين بعض هذه المواد سواء كانت صوراً أو أشرطة فيديو في التقرير بسبب طبيعتها الحساسة.
وينتقل هيرش بعد ذلك لاستعراض الممارسات البشعة التي كشفت عنها الصور التي بثتها وسائل الإعلام وخاصة ما بثته شبكة سي.بي.إس التليفزيونية الأمريكية من صور تكشف عن إجبار المعتقلين العراقيين على اتخاذ أوضاع مهينة وفاضحة أمام الجنود والمجندات الذين يبدو عليهم الاستمتاع بذاك الذي يجري من انتهاكات مشينة لحقوق الإنسان.
ويواصل هيرش استعراضه لتقرير تاجوبا، حيث يذكر أسماء العسكريين الأمريكيين الذين تم توجيه التهمة لهم بالتورط في فضيحة التعذيب، والذين يحملون جميعاً رتباً تتراوح ما بين جندي ورقيب وهم إيفان فردريك المعروف باسم تشيب، وتشارلز جارنر وجافال ديفيز وميجان أمبول وسابرينا هارمان وجيرمي سيفيتس إلى جانب ليندي إنجلاند التي أعيدت إلى نورث كارولينا في الولايات المتحدة بعدما أصبحت حاملاً.
ويقول هيرش بمرارة إن الصور تكشف كل شيء عن تلك الممارسات المخزية، مشيراً بشكل خاص إلى صورة منها تبدو فيها المجندة إنجلاند وهي تشير إلى الأعضاء التناسلية لمعتقل عراقي عاري الجسد بينما تتدلى سيجارة من زاوية فمها، كما تظهر إنجلاند في صورة أخرى مع جارنر وهما يبتسمان ابتسامة عريضة خلف هرم مكون من أجساد عدد من السجناء العراقيين العراة، وذلك إلى جانب صور أخرى يبدو فيها المعتقلون وكأنهم يمارسون ممارسات شاذة مع بعضهم البعض.
ممارسات لا أخلاقية
وينقل هيرش هنا عن برنارد هايكل المتخصص في دراسات الشرق الأوسط بجامعة نيويورك قوله: إنه على الرغم من أن كافة الثقافات ترفض مثل هذه الممارسات اللا إنسانية، إلا أن هذه الممارسات تعد مرفوضة بدرجة أكبر في العالم العربي خاصة أن الإسلام يحرّم الشذوذ الجنسي، كما أنه من المشين أن يتعرى الرجال العرب أمام رجال آخرين، أو أن يجبروا على ممارسة العادة السرية أو الاستلقاء فوق بعضهم البعض.
ويخلص هايكل للقول: إن كل هذه الأمور تعد ضرباً من ضروب التعذيب.
ويعود هيرش ليشير إلى أن بعض الصور التي تم الكشف عنها والتي تتعلق بالممارسات التي حفل بها سجن أبو غريب، قد أظهرت أيضاً معتقلين لاقوا حتفهم في داخل السجن من بينها صورة لجثة ملفوفة في ورق السلوفان وحولها كميات من الثلج.
تورط الاستخبارات العسكرية
ويتابع الكاتب الأمريكي الاستشهاد بتقرير الجنرال تاجوبا الذي يتضمن نتائج التحقيقات المكثفة التي قام بها هذا الرجل في سجن أبو غريب، حيث يورد التقرير رسائل بعث بها إيفان فردريك لأسرته في الولايات المتحدة يتحدث فيها عن انتهاكات حقوق الإنسان التي كانت تجري في السجن من قبيل إجبار المعتقلين على التعري أو إجبارهم على ارتداء ملابس داخلية أنثوية، إلى جانب الأوامر التي تلقاها وزملاؤه من الاستخبارات العسكرية بإدخال بعض السجناء في الحبس الانفرادي بدون ملابس تقريباً، ودون تهوية أو مياه نقية لمدة قد تصل إلى ثلاثة أيام، حيث قال فردريك في إحدى هذه الرسائل: إنه حينما سأل عن أسباب هذه الانتهاكات تلقى رداً مفاده أن الاستخبارات العسكرية الأمريكية تريد أن تجري الأمور على هذه الشاكلة، كما أن الرقيب الأمريكي كشف في رسائله عن أن عناصر الاستخبارات هنأوه مع زملائه من الجنود على ما قاموا به من أعمال مع المعتقلين واصفين ذلك بأنه عمل جيد، مشيراً إلى أن عناصر الاستخبارات أصبحوا يحصلون على نتائج إيجابية ومعلومات أكثر من هؤلاء السجناء نتيجة لهذه العمليات.
وعلى الرغم من أن هيرش يعترف بأن الرقيب فردريك سعى من خلال رسائله إلى أسرته إلى تبرئة نفسه من التورط في تلك الانتهاكات، والتي وصلت إلى حد قيامه هو نفسه ذات مرة بحسب شهادة الشهود بضرب معتقل عراقي بقسوة أصابته بسكتة قلبية تقريباً، إلا أن الصحفي الأمريكي يضيف أن الوقائع التي يرويها هذا الرقيب الأمريكي في تلك الرسائل دعمتها إفادات شهود آخرين من داخل السجن، وهو ما دفع هيرش إلى مواصلة تقليب صفحات تلك الرسائل الحافلة بالجرائم البشعة التي ارتكبها محررو العراق.
ومن هذا المنطق يفرد سيمور هيرش مساحة كبيرة في مقاله لرسائل فردريك التي يتحدث في إحداها عن استخدام الكلاب البوليسية في إفزاع المعتقلين على مرأى ومسمع من ضباط السجن.
كما يكشف فيها النقاب عن واقعة بشعة تتعلق بوفاة معتقل عراقي تحت وطأة التعذيب، وما قام به المسؤولون عن استجوابه بعد ذلك من وضعه في كيس مليء بالثلج لمدة 24 ساعة ثم نقله على محفة واضعين في جثثه محقناً زائفاً من باب التضليل لإيهام الآخرين أنه لا يزال حياً.
ومن مكان آخر من تقرير تاجوبا، ينقل هيرش تلك الحقائق المروعة التي أوردها الجنرال الأمريكي نقلاً عن شهود عيان من بين المجندين الأمريكيين في السجن والذين يروون كيف تم إجبار المعتقلين العراقيين على ممارسة العادة السرية أمام بعضهم البعض بحضور الجنود الذين كانوا يستمتعون برؤية مثل هذه المشاهد المهينة.
ويصل هيرش إلى الفقرة التي يتحدث فيها تاجوبا عن اللحظة التي تفجرت فيها هذه الفضيحة بداخل سجن أبو غريب، وذلك قبل شهور من ظهور الصور الخاصة بها على شاشات التليفزيون، ويقول الجنرال الأمريكي في هذا الصدد حسبما يشير مقال هيرش إن الأمر بات معروفاً داخل السجن بعد أن حصل أحد الضباط الأمريكيين في داخل أبو غريب على اسطوانة مدمجة تحوي مشاهد خاصة بالممارسات التي يتعرض لها المعتقلون العراقيون، وهو ما أثار غضبه الشديد، وجعله يوجه بيانا شديد اللهجة للجنود الموجودين في السجن يستنكر فيه هذه التصرفات.
ويلفت سيمور هيرش الانتباه هنا إلى أن المهمة الأصلية للسرية 372 في العراق منذ وصولها إلى هناك في ربيع العام الماضي تمثلت في القيام بالمهام المعتادة للشرطة وهي المهام الخاصة بالمرور وما إلى ذلك، حتى تم اختيارها في أكتوبر 2003 للقيام بأعمال الحراسة في سجن أبو غريب، مشيراً إلى أن بعض أفراد هذه السرية كان لديه خبرة في العمل في السجون المدنية وليس العسكرية خلال فترة وجود هؤلاء الأفراد في الولايات المتحدة.
وبعد ذلك يتناول هيرش الفقرات الواردة في تقرير الجنرال تاجوبا بشأن جلسة الاستماع التي عقدت للنظر في الاتهامات الموجهة للرقيب فردريك بحضور 24 شاهداً، من بينهم الجنرال كاربنيسكي إلى جانب بعض زملاء الرقيب المتهم، تلك الجلسة التي انتهت بإحالة فردريك إلى مجلس عسكري.
وفي هذه النقطة ينقل هيرش عن أحد محاميي فردريك قوله هل تتصور أن هؤلاء الفتية القادمين من ريف فرجينيا قد قاموا بما قاموا به بحق المعتقلين من تلقاء أنفسهم ؟ هل قاموا بذلك فقط للاستمتاع ولإحراج العراقيين؟، حيث يشير هذا المحامي إلى أن هؤلاء المجندين والمجندات كانوا ينفذون أوامر رؤسائهم وبصفة خاصة تلك الأوامر التي تتماشى مع توجهات الاستخبارات العسكرية.
ويؤكد على هذه الرؤية فردريك نفسه الذي يشير في إحدى رسائله لأسرته أن عناصر الاستخبارات العسكرية وعناصر السي.آي.أيه وعدد من الخبراء اللغويين والمتخصصين في عمليات الاستجواب كانوا دائماً يشكلون القوة الأكثر تأثيراً في مجريات الأمور في سجن أبوغريب.
ويبدو أن وجود عناصر الاستخبارات قد أوجد حساسية في التعامل مع رجال الشرطة العسكرية المسؤولين عن أعمال الحراسة في السجن، وهو ما يؤكد عليه سيمون هيرش في مقاله من خلال الإشارة إلى كما جاء في هذا الشأن ضمن تقرير أعده الجنرال دونالد رايدر الضابط المسؤول عن تطبيق العقوبات الجنائية في الجيش الأمريكي بتكليف من الجنرال سانشيز في الخريف الماضي حول الأوضاع في السجون العراقية.
وقد أظهر التقرير كما يوضح هيرش وجود بعض المشكلات فيما يتعلق بإدارة هذه السجون، وأيضاً وجود توترات بين مسؤولي وعناصر الشرطة العسكرية من جهة ورجال الاستخبارات العسكرية من جهة أخرى، على الرغم من وجود سابق تعاون بين الجانبين في الحرب التي دارت في أفغانستان.
وأوضح هذه التقرير أيضاً أن تلك الممارسات تتعارض عما يجب أن يكون الحال عليه في أي مركز اعتقال حيث ينبغي أن تتسم الأوضاع بالهدوء لإبقاء المعتقلين في حالة من الهدوء والإذعان، إلا أن تقرير الجنرال رايدر يشير إلى أن الجنرال كاربنيسكي لم تشارك على الإطلاق في تلك الاستجوابات التي أجراها رجال الاستخبارات العسكرية، كما خلص التقرير إلى أن أوضاع المعتقلين في أبو غريب لم تصل بعد إلى حد الكارثة، وهو ما جعل هيرش يعلق عليه بالقول إنه يبدو كما لو كان محاولة للتغطية على ما يجري في السجن، أو في أفضل الأحوال محاولة فاشلة لتقصي الحقائق.
تهيئة المعتقلين!
ثم ينقل الصحفي الأمريكي عن الجنرال تاجوبا الانتقادات الحادة التي وجهها إلى تقرير رايدر، وهي الانتقادات التي تشير إلى أن هذه الاستخلاصات تأتي على الرغم من أن أغلب انتهاكات حقوق الإنسان التي وقعت في أبو غريب كانت معاصرة لوقت إعداد هذا التقرير أو قريبة من ذلك، ويوضح تاجوبا في هذا الشأن أن جنود اللواء 800 والسرية 372 للشرطة العسكرية تلقوا توجيهات بتهيئة المعتقلين بدنياً وذهنياً لعمليات الاستجواب التي كان يقوم بها عملاء المخابرات المركزية الأمريكية وضباط الاستخبارات العسكرية أو المتعاقدين من شركات القطاع الخاص.
وأشار سيمور هيرش إلى أن الجنرال أنطونيو تاجوبا دعم هذه الاستنتاجات من خلال شهادات العديد من الجنود بل والمتهمين بالتورط في هذه الفضيحة، ومن بينهم سابرينا هيرمان التي اعترفت بأنها كانت تتولى مهمة إبقاء بعض هؤلاء السجناء دون نوم، وكشفت أيضاً عن أن كلاً من فردريك وجارنر كانا يقومان بأشياء مماثلة بغية تجهيز الأسرى للاستجوابات التي كان يجريها ضباط الاستخبارات العسكرية.
متهم آخر في هذه الفضيحة يورد أقواله تاجوبا في تقريره، وهو الرقيب جافال دافيز الذي يقول: إن ضباط الاستخبارات العسكرية كانوا يطلبون من الحراس أن يقوموا بإساءة التعامل مع المعتقلين بعبارات مثل أجعلوا هذا الرجل لين العريكة من أجلنا أو تأكدوا من أن هذا الرجل سيقضي ليلة سيئة، ويضيف دافيز في أقواله: إن هؤلاء الضباط كانوا يعربون فيما بعد عن تقديرهم ل،جارنر بالقول عمل جيد.. لقد انهاروا بسرعة.. ، أو بعبارات من قبيل أنهم يجيبون عن أسئلتنا ويقدمون لنا معلومات جيدة.
ضباط الاستخبارات العسكرية كانوا أيضاً محوراً للشهادة التي أدلى بها عادل نخلة ووردت في تقرير الجنرال الأمريكي، حيث يؤكد نخلة وهو مترجم كان يعمل لدى أحد المتعاقدين من القطاع الخاص بداخل السجن، أن مجموعة من هؤلاء الضباط كانوا حاضرين خلال عملية تعذيب قام بها جارنر وفردريك بحق بعض السجناء العراقيين.
ويمضي هيرش مستعرضاً صفحات تقرير تاجوبا وما يورده من أقوال تكشف حقيقة ما جرى في أبو غريب، إلى أن يصل إلى التوصيات التي انتهى إليها التقرير والتي تركزت بصفة خاصة على ضباط الاستخبارات العسكرية والمتعاقدين من القطاع الخاص، حيث أوصى الجنرال الأمريكي بتوجيه توبيخ رسمي للعقيد توماس باباس وهو قائد إحدى ألوية الاستخبارات العسكرية وإنزال عقاب تأديبي مناسب به، كما أوصى بتوبيخ المقدم ستيفن جوردان الذي كان يقود فيما سبق أحد مراكز الاستجواب وإعفائه من مهامه، كما شملت توصيات تاجوبا المتعاقد المدني ستيفن ستيبانوفيتش.
تقاعس كاربينسكي
ولم يعف تاجوبا الجنرال كاربينسكي من المسؤولية، مشيراً إلى أنها تقاعست عن متابعة السجون التي كانت تحت إمرتها كما يجب، كما تقاعست عن متابعة تنفيذ التوصيات والقرارات التي اتخذتها بشأن إصلاح العديد من الأوضاع الخاطئة في هذه السجون وهي الأوضاع التي كانت تظهر من خلال الحوادث التي وقعت مراراً خلال الأشهر السبعة التي تولت فيها الجنرال الأمريكي مهام منصبها كمسؤولة عن السجون العسكرية في العراق، وشملت هذه الحوادث محاولات هروب ناجحة أو فاشلة، إلى جانب تكدس سجن أبو غريب بالمعتقلين بشكل يفوق قدرته على الاستيعاب، ونقص الموارد اللازمة للقيام بمهمات الحراسة، مما أدى إلى تدهور الظروف المعيشية في السجن وبالإضافة إلى كل ذلك يشير الجنرال تاجوبا إلى وجود اختلاف بين عدد السجناء المقيدين رسمياً في السجلات وبين العدد الفعلي الموجود في السجن.
وبالنسبة لكاربينسكي أوصى تاجوبا بتوبيخها رسمياً وإعفاءها من القيادة دون توجيه اتهامات جنائية لها، باعتبار أن خسارة المسؤولة العسكرية الأمريكية فرصتها في الترقي وتوبيخها بشكل رسمي يعدان عقاباً كافياً لها جزاء ما فعلت.
وبعد أن ينتهي هيرش من استعراضه لهذا التقرير، يعود لتناول الأحداث التي أعقبت تفجر فضيحة التعذيب، والتي شهدت محاولات مكثفة من المسؤولين الأمريكيين المدنيين والعسكريين وفي مقدمتهم الرئيس بوش لتأكيد أن ما جرى من انتهاكات لا يعدو سوى أخطاء فردية لا تنعكس على الجيش الأمريكي بأكمله.
جوانتانامو الجديد
ويقول الكاتب: إن ما يحدث في العراق مخالف لما تنص عليه اتفاقية جنيف الرابعة التي تحظر على قوة الاحتلال اعتقال مدنيين لا يشكلون خطراً حقيقياً عليها، وهو ما لا يحدث في الأراضي العراقية، حيث يبقى المعتقلون في السجون شهراً تلو الشهر دون توجيه أية اتهامات إليهم، وهو ما أشارت إليه منظمة هيومان رايتس ووتش في الشكاوى التي رفعتها في هذا الشأن إلى وزير الدفاع دونالد رامسفيلد، ويخلص الرجل للقول: إن سجن أبو غريب قد تحوّل بشكل فعلي إلى جونتانامو أخرى في إشارة إلى معتقل جونتانامو الرهيب الذي تحتجز فيه الولايات المتحدة عناصر حركة طالبان وتنظيم القاعدة الذين وقعوا في قبضتها.
ويختتم هيرش مقاله المسهب بالقول: إن عمليات التعذيب التي جرت بحق المعتقلين العراقيين كان لها العديد من التداعيات التي أثرت على تماسك الجيش الأمريكي وسمعة الولايات المتحدة في العالم، وينقل عن محاميي بعض العسكريين الأمريكيين المتورطين في تلك الفضيحة قولهم: إنهم يرون أن القوات الأمريكية حاولت من خلال اتهام هؤلاء العسكريين التكفير عما وقع من أخطاء، وإنه من الضروري محاسبة كافة المتورطين في هذه الجرائم.
وإذا كان سيمور هيرش قد جعل من ذلك التقرير الذي أعده الجنرال أنطونيو تاجوبا محوراً لمقاله في النيويوركر، فإن الصحفي الأمريكي سكوت ويلسون قد تناول في مقاله له بصحيفة واشنطن بوست عدداً من حالات المعتقلين العراقيين الذين تم الإفراج عنهم، والذين رووا له ما عانوا منه خلال فترة احتجازهم لدى القوات الأمريكية.
ويبدأ ويلسون بقصة المحامي العراقي تحت التدريب موفق سامي عباس الذي اعتقله الجنود الأمريكيون بعد منتصف أحد ليالي شهر مارس الماضي مع عدد من أفراد أسرته وجيرانه وتم اقتيادهم إلى سجن يقع في مطار بغداد الدولي.
وأشار الصحفي الأمريكي إلى أن عباس أخبره بأنه ظل أغلب الوقت معصوب العينين، ولم تنزع عنه هذه العصابة سوى عندما كان يخضع للاستجواب على يد مسؤولين أمريكيين يرتدون ثياباً مدنية وعسكرية، مضيفاً أنه أجبر على ثني ركبتيه حتى انهار من فرط الألم خلال التحقيقات، إضافة إلى أنه لا يزال حتى الآن يعاني من آثار القيود التي كانت موضوعة حول يديه، ومن عجزه عن النوم خلال فترة اعتقاله جراء مكبرات الصوت العملاقة التي كانت تبث طوال الوقت أغنيات غربية صاخبة للحيلولة دون تمكن المعتقلين من أن ينالوا قسطاً من الراحة.
ويقول ويلسون: إن هذه الظروف قد تعرّض لها أيضاً والد عباس الذي يبلغ عمره 57 سنة والذي كان جنرالاً سابقاً في الجيش العراقي المنحل، وتم اعتقاله رغم الشهادة المكتوبة التي منحتها له القوات الأمريكية في الأيام الأولى بعد سقوط بغداد والتي تشيد فيها بالتعاون الكبير الذي أبداه معها.
ويشير الصحفي الأمريكي إلى أنه على الرغم من إطلاق سراح الأب وابنه إلا أن ثلاثة من أفراد الأسرة لا يزالون معتقلين حتى الآن بتهمة الانتماء إلى المقاومة العراقية.
ولا تختلف تفاصيل قصة المعاناة التي مر بها الشاب العراقي عبد الله محمد عبد الرازق البالغ من العمر 19 عاماً كثيراً عن القصة السابقة، حيث يشير ويلسون إلى أنه تم اعتقال هذا الشاب لمدة ستة أشهر قضاها متنقلاً بين العديد من السجون في أنحاء مختلفة من العراق، وينقل عنه الكاتب قوله بعد هذا كله كيف يمكن للمرء ألا يكره الأمريكيين بسبب المعاملة التي تلقيناها منهم؟.. إنها معاملة غير إنسانية على الاطلاق ويستطرد عبد الرازق قائلاً: إن القوات الأمريكية داهمت منزله في حي الأعظمية في العاصمة بغداد، في أحد أيام شهر سبتمبر الماضي بعد أن قطعت التيار الكهربي عن الحي بأكمله قبلها بساعات، حيث اقتيد إلى قاعدة عسكرية في قصر الأعظمية الذي كان يستخدمه من قبل عدي النجل الأكبر لصدام حسين.
وقال الشاب العراقي: إنه خضع للاستجواب من قبل جنود أمريكيين في البداية ثم من قبل رجل يرتدي ملابس ضابط في الجيش الكويتي، قام بتعذيبه فيما بعد مستخدماً الكهرباء.
وأبلغ عبد العزيز الصحفي الأمريكي بأن عمليات الاستجواب ركّزت على محاولة الحصول على أي معلومات قد تكون لديه حول رجال المقاومة العراقية في الأعظمية أو عن المواقع الذي توجد بها أسلحة دمار شامل، مشيراً إلى أنه شعر في العديد من المرات بجنود أمريكيين يدخلون إلى الغرفة التي كان مقيداً بداخلها عاري الجسد معصوب العينين حيث استمع لأحاديثهم باللغة الإنجليزية مع بعضهم البعض قبل أن ينهار تحت وطأة التعذيب في النهاية وينقل على محفة إلى مطار بغداد الدولي.
وأضاف المعتقل العراقي السابق أنه حينما شكا للجنود الأمريكيين في المطار من سوء المعاملة التي لاقاها في قصر الأعظمية أخبره هؤلاء الجنود أنه سيلاقي مثلها هناك أيضاً!.
في بيوت الكلاب
وأشار إلى أنه نقل بعد ذلك إلى سجن أبو غريب حيث تم وضعه في خيمة يوجد فيها أربعون معتقلاً آخرون، في ظل ظروف بالغة الصعوبة نظراً لنقص المياه الخاصة بالشرب أو الاستحمام، إذ إن كل معتقل كان لا يمنح سوى لتر واحد من المياه أسبوعياً ولا يُعطى سوى وجبة واحدة يومياً.
أكثر من ذلك، كان يتم وضع المعتقلين الذين تراهم القوات الأمريكية أصلب عوداً من غيرهم في شاحنات تستخدم كبيوت لكلاب السجن وقد يستغرق ذلك أياماً طويلة.
وروى عبد العزيز لسكوت ويلسون أنه كان يتعرض لمعاملة قاسية حينما يخضع للاستجواب الذي كان يجري كل أسبوعين، حيث كان يتم تقييد رجليه ويديه معاً ثم يُلقى به على أرضية الحجرة التي يتم فيها الاستجواب وذلك لمدة ساعات طويلة تُجرى فيها عمليات استجوابه وهو في هذه الحالة في محاولة من القوات الأمريكية لانتزاع اعتراف منه بأنه كان أحد عناصر المقاومة، أو الحصول منه على معلومات بشأن جيرانه في الحي الذين كان الكثير منهم معه في ذات الخيمة بالفعل، وذلك قبل أن يتم إطلاق سراحه في فجر ذات يوم، دون حتى أن يلتقي بمحامٍ أو تُعرض عليه أدلة إدانته سوى صورة كان يحملها الجنود الأمريكيون عند اعتقاله، وهي صورة يظهر فيها حاملاً قاذفة صواريخ، ويصر عبد العزيز على القول بأنها ملفقة.
آخر الوقائع التي يذكرها ويلسون في مقاله بشأن ما جرى للمعتقلين على يد القوات الأمريكية في السجون العراقية، هي تلك الواقعة التي حدثت للشاب العراقي سيف محمود شاكر البالغ من العمر 26 عاماً.
حيث يقول ويلسون: إن شاكر الذي يحرص على حمل الأوراق التي أفرج عنه بموجبها من سجن أبو غريب أينما كان، أنهى في مارس الماضي رحلة اعتقال دامت نحو ثمانية أشهر بتهمة الانتماء للمقاومة العراقية والتهديد بقتل مترجم متعاون مع الأمريكيين.
ويدفع الرجل عن نفسه هذا الاتهام n كما روى للصحفي الأمريكي n بالقول إن هذا المترجم قد اختلق تلك التهمة للتهرب من سداد دين عليه يقدر بستين دولاراً.
وروى شاكر أنه تنقل بين العديد من السجون العراقية في رحلة مريرة شاركه فيها شقيقه التوأم علي، وهي الرحلة التي شملت معتقلات في الأعظمية وفي مطار بغداد، إلى جانب السجن الموجود بمدينة أم القصر بجنوب العراق، حيث قضى الشقيقان القسط الأكبر من شهور الاعتقال.
وتعرض الاثنان خلال هذه الفترة للضرب المبرح أكثر من مرة وهو ما أثر على كلية شاكر مما جعله يبول دماً.
وبعد استعراض هذه الوقائع المهينة، يؤكد الكاتب أن الصور التي تم الكشف عنها والتي توضح التعذيب والممارسات اللا أخلاقية التي يتعرض لها السجناء العراقيون دعمت الفكرة المنتشرة في بعض الأوساط في العراق، والتي تقول إن الاحتلال عازم على إذلال الشعب العراقي.
ويشير إلى أن الشهادات التي يوردها في مقاله على ألسنة عدد من المعتقلين السابقين تعزز هذه الفكرة بشكل أكبر وفي نفس الوقت تشوه سمعة سلطة الاحتلال أكثر وأكثر.
ويضيف ويلسون أن تلك الشهادات إضافة إلى ما يكشف عنه ناشطو حقوق الإنسان من معلومات تظهر أن السجون الأمريكية في العراق تستخدم لانتزاع المعلومات من المناوئين للقوات الأمريكية بقدر أكبر مما تستخدم كأماكن لإنزال العقاب بالمجرمين.
ويتحدث في هذا الصدد عن الظروف السيئة التي يعاني منها المعتقلون في هذه السجون والذين يتراوح عددهم ما بين 2500 إلى 7000 محتجز، هذه الظروف التي تحدث عنها هيرش من قبل، ومن بينها عمليات الإذلال والإساءات المتكررة والحرمان من النوم وغيرها.
ويشير إلى أن هناك 16 سجناً عسكريا في العراق، من بينها أربعة سجون مخصصة لاحتجاز المناهضين لقوات التحالف، وذلك إلى جانب عدد لا يحصى من أماكن الاحتجاز التي توجد في القواعد العسكرية الأمريكية، وبعضها يقع في القصور السابقة للرئيس العراقي المخلوع صدام حسين.
تحرير الغرائز الوضيعة!
أما الكاتب جوستن ريموندو فيشن في مقاله الذي نشر على موقع ضد الحرب على شبكة الإنترنت هجوماً ضارياً على مقترفي هذه الوقائع المخزية، معتبراً إياها إحدى نتائج السياسة الخارجية المتهوسة التي تنتهجها إدارة بوش.
ويقول ريموندو: إن المحررين الأمريكيين للشعب العراقي من نظامه القمعي السابق يبدون وكأنهم قد حرروا الغرائز الوضيعة الكامنة بداخلهم من خلال تلك الصور التي تكشف عن ممارسات مشينة جرت بحق المعتقلين العراقيين في سجن أبو غريب الذي كان يعد أيضاً للمفارقة معقلاً من معاقل الطغيان في عهد صدام حسين.
ويتحدث الرجل في مقاله بإسهاب عن تلك الصور المخزية التي تناولناها بالتفصيل في السطور السابقة، مشيراً في هذا الصدد أيضاً إلى التحقيقات التي تُجرى حالياً للتحقق من صحة ما ذُكر من أن مترجماً متعاوناً مع القوات الأمريكية قام باغتصاب مراهق عراقي من بين المعتقلين في أبو غريب بينما كانت مجندة أمريكية تلتقط الصور لهذه الواقعة المشينة.
وقال ريموندو: إن تلك الصور التي يظهر فيها الجنود الأمريكيون يضحكون ويسخرون ويتمازحون بينما تُجرى هذه الممارسات اللا إنسانية بحق العراقيين أمامهم تكشف عن الكيفية التي حررت الولايات المتحدة من خلالها العراق.
ويسخر الكاتب في مقاله من التصريحات التي يدلي بها المسؤولون العسكريون الأمريكيون محاولين من خلالها تصوير ما كشف عنه من تجاوزات مخزية ضد المعتقلين العراقيين بأنها مجرد حالات فردية، مشيراً إلى أنه من السخف أن يصدق المرء أن الغالبية الساحقة من الجنود الأمريكيين في العراق لا هم لهم ولا شاغل سوى بناء المدارس ومساعدة العجائز من العراقيات على عبور الطريق!
ويلقي الكاتب الضوء على تلك المعركة المحتدمة حالياً بين رمزين للقوات الأمريكية في خارج البلاد أحدهما رمز مضيء يمثله الجندي الأمريكي بات تيلمان وهو نجم كرة القدم الذي التحق بالجيش بعد اعتداءات سبتمبر وقُتل في أفغانستان مؤخراً، والآخر صورة شائنة يعبر عنها هؤلاء العسكريون المتورطون في فضيحة التعذيب.
وينتقل ريموندو بعد ذلك إلى الحديث عن اتجاهات الرأي العام العراقي التي تميل في مجملها إلى انتقاد أداء القوات الأمريكية في البلاد، لأنها لا تعبأ باحترام السكان أو معتقداتهم الدينية أو عاداتهم وتقاليدهم.
ويشير إلى أن أحد استطلاعات الرأي التي أجريت في العراق أظهرت أن ثلثي العراقيين يرون أن وجود القوات الأمريكية في بلادهم يضر أكثر ما ينفع، وأن الغالبية الساحقة من العراقيين تطالب بانسحاب فوري لقوات الاحتلال من الأراضي العراقية، على الرغم من أنهم يخشون في الوقت نفسه من أن مثل هذا الانسحاب قد يقود إلى مخاطر جمة.
ثم يلفت ريموندو الانتباه إلى أن هذا الاستطلاع جرى قبل تفجر فضيحة سجن أبو غريب، تلك الفضيحة التي يشير إلى تهافت الذرائع التي رفعها المتورطون فيها لتبرير أفعالهم من قبيل نقص الخبرة أو قلة التدريب، حيث يراها الرجل ذرائع مضحكة، قائلاً: هل كان رقيباً مثل إيفان فردريك بحاجة إلى تدريب أو لوائح حتى يكبح جماح نفسه محاولاً ألا يتصرف ككلب مجنون ؟!.
ويقول ريموندو: إن الإشادات التي كان يحظى بها حقير كهذا الرقيب من جانب رؤسائه تؤكد أن ممارساته لم تكن استثناء من القاعدة، وأنها كانت تعبر عن سياسة غير معلنة، ويستعين في هذا الصدد بمقتطفات من رسائل فردريك لأسرته وهي تلك المقتطفات التي تشير إلى أن هذه الممارسات كانت تساعد القائمين على عمليات الاستجواب على الحصول على معلومات أكثر من المحتجزين العراقيين.
سياسات متهوسة
ويؤكد الكاتب أنه بغض النظر عن أي عقاب سيتم إنزاله بالمتورطين في هذه الجرائم البشعة فإن كل الدلائل تؤكد أنها تعد سياسة منهجية متعمدة وليست حالات فردية.
وعلى عكس الاتجاه السائد بين العديد من الكتاب بشأن الإشادة بالدور الذي لعبته شبكة سي.بي.إس التليفزيونية في الكشف عن هذه الفضيحة، ينتقد ريموندو الشبكة بشدة مشيراً إلى أنها أخفت الصور الخاصة بتلك الانتهاكات لمدة تصل إلى شهر على الأقل، وأنها كشفت عنها بعدما ظهر جلياً أنها بدأت في التسرب بالفعل، كما أنها لم تكشف سوى عن عدد محدود للغاية من هذه الصور المروعة.
في الوقت نفسه، يستنكر الكاتب الأسباب التي استند إليها البنتاجون في طلبه الذي قدمه للشبكة قبل شهرين من نشر الصور لإرجاء اتخاذ هذه الخطوة وهي تلك الأسباب التي أشار مسؤولو البنتاجون وقتها إلى أنها تتمثل في الخشية من أن تثير مثل هذه الصور المزيد من التوتر في الأراضي العراقية، ويقول ريموندو في هذا الشأن إنه من المؤكد أن تلك الممارسات المشينة كانت معروفة بين العراقيين، ويشير إلى أن الأكثر منطقية هو أن المسؤولين في وزارة الدفاع الأمريكية كانوا يخشون من أن هذه الصور قد تعزز التيار المناهض للحرب في الولايات المتحدة.
وفي النهاية يقول الكاتب إن الحقيقة كانت ستتكشف على أي حال ويستبعد أن يتم السماح للعراقيين بحضور محاكمة جلاديهم ك(فردريك) ورفاقه من الساديين، قائلاً: إن ما يردده محامو هؤلاء المتهمين من أن الإحساس بالسيطرة والهيمنة قد يكون بمثابة شراب مسكر يدفع من يتجرعونه إلى الإقدام على بعض التصرفات الهوجاء قد يصلح أيضاً لتفسير السياسات التي تنتهجها الإدارة الأمريكية حالياً بفعل إحساسها الزائف بجنون العظمة، وهو ما لا يجعل ما تقوم به الآن في العراق مستغرباً باعتبار أنه يشكل ضرباً من الجنون.
ويشرح رؤيته في هذا الشأن قائلاً: إن إصرار الإدارة الأمريكية على أن تظل البلاد في حرب مستمرة لا تنتهي لا يعبر عن سياسة خارجية صائبة بقدر ما يعبر عن جنون مطبق، كما أن إرسال القوات الأمريكية لتحرير العراق في مهمة أفضت في النهاية إلى تعذيبهم يندرج في نفس الإطار، مطالباً مؤيدي الحرب الكارثية في العراق بتقديم تفسيرات لذاك الذي جرى بحق المعتقلين العراقيين إذا كان لدى هؤلاء المؤيدين أي تفسير من أي نوع.
ويختتم جوستن ريموندو مقاله بنداء إلى وسائل الإعلام في الولايات المتحدة مطالباً إياها بالسعي إلى إجراء مقابلات مع ضحايا عمليات التعذيب التي جرت في العراق بدلاً من الاهتمام باستضافة المتهمين بالتورط في هذه العمليات، مشيراً إلى أهمية الكشف عن أسماء كافة المتورطين في هذه الأعمال المشينة، وذلك بهدف ردع أي محاولة مماثلة في المستقبل.

..... الرجوع .....

تحت الضوء
الطب البديل
الفن السابع
الفن العربي
عالم الاسرة
المنزل الانيق
رياضة عالمية
عواصم ودول
نادي العلوم
المستكشف
خارج الحدود
الملف السياسي
فضائيات
غرائب الشعوب
حوار
السوق المفتوح
استراحة
أقتصاد
منتدى الهاتف
بانوراما
من الذاكرة
جزيرة النشاط
الصفحة الرئيسة

ارشيف الاعداد الاسبوعية

ابحث في هذا العدد

للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2002, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved