الاقتصادية المعقب الالكتروني نادي السيارات الرياضية كتاب واقلام الجزيرة
Tuesday 21st September,2004 العدد : 99

الثلاثاء 7 ,شعبان 1425

المجلة في عام جديد

فوجئت بأن عاماً قد مضى وانقضى من عمر هذه المجلة..
وأنها بهذا العدد تكون قد بدأت عاماً جديداً من عمرها المديد إن شاء الله..
بانتظار أن تكون تجربتها قد أعطتها المزيد من القدرة على تقديم الكثير من النجاحات..
وأن فيما مضى من عمرها هناك الكثير من المؤشرات الجيدة بما يومض لهذا الذي نتوقعه في مسيرتها القادمة بدءاً من عامها الجديد.
***
أقول ذلك بعد أن أعلمني نائب رئيس التحرير المهندس عبد اللطيف العتيق بإطلالة المجلة على عام جديد..
فالسنون تمضي بسرعة..
ونحن نلهث وراء العمل فيما أعمارنا تتناقص..
والوقت يسرقنا دون أن يلبي لنا كلّ ما نتمناه أو نخطط له..
فهذه سنن الكون..
وهذه نواميس الحياة.
***
لم يخطر ببالي أن شمعة قد آن أوان إيقادها احتفاءً بمثل هذه الذكرى الجميلة..
وقد شاركني في ذلك نائب رئيس التحرير المهندس العتيق باختفاء هذا الحدث من ذاكرته..
وبالغياب عن تذكر هذه المناسبة...
وباستحضار هذه المناسبة عندما كانت المطابع توشك أن تبدأ في طباعة العدد الجديد من هذه المجلة.
***
ليس هذا هو الأهم ولا المهم..
وقد أشرت إليه توطئة، ومن باب إشراك القارئ معنا في جو العمل، وفي جانب من مناخه..
لكن الأهم: ماذا سنقدم للقارئ بدءاً من العدد القادم؟
ما هو جديدنا؟
والتغيير المتوقع نحو الأفضل الذي ينبغي أن نهديه لقرائنا؟
ما هي مقترحات القراء؟
وهل تم رصدها ضمن استفتاء علمي يفترض أن يقودنا لتقديم ما هو أفضل؟
وهل راجعنا عملنا السابق خطوة خطوة، وعدداً بعد عدد، ومن سنة لأخرى؟
وما النتائج التي توصلنا إليها؟
تلك بعض أسئلة مما ينبغي أن تطرحه أسرة تحرير هذه المجلة؛ للوصول إلى بناء شخصية المجلة المستقبلية، وبما يكسبها المزيد من التفوق الذي تحقق الكثير منه في الفترة التي مضت من عمرها، وما زال هناك ما هو منتظر.
***
تكاليف إصدار مجلة بحجم هذه المجلة وبنوعية موادها عالية وكبيرة، وأهل الصنعة يعرفون هذا جيداً...
عالية من حيث الجهدين التحريري والفني..
وعالية في تكاليفها المادية الباهظة...
ولابدّ أن يتناغم ذلك مع دراسة صحيحة للمستوى الذي تصدر به هذه المجلة..
وأن ينسجم هذا مع نظرة القراء إلى مجلتهم..
وأن يكون توظيف كلّ هذا صحيحاً وسليماً..
ويؤدي بنا نحو العمل الصحفي الأمثل والأفضل.
***
فها هي مجلتكم (مجلة الجزيرة) وبعد عامين مضيا من عمرها وقد أصبحت في موقع يسمح لنا ولكم بأن نبحث عن مزيد من فرص النجاح لها..
اعتماداً على المستوى في المادة التحريرية التي تقدم بها المجلة لكم..
وحيث الإخراج المستوحى من مزيج من المدارس التقليدية والحديثة في الإخراج الصحفي...
أترك أيّ إضافة جديدة أو اقتراحاً مفيداً لفطنة القارئ..
لرأيه وقناعته...
ولأسرة تحرير هذه المجلة أيضاً..
ليقول الجميع كلمتهم في هذا...
مع التأكيد على أن القارئ هو من سيظلّ صاحب القرار في توجيه (بوصلة) نجاح المجلة في مسيرتها القادمة..
مثلما كان كذلك في الفترة التي مضت من عمرها.


خالد المالك

سياحة زراعة الكلى في العالم (12)
أعضاء بشرية.. للبيع!
* إعداد محمد الزواوي

في كل يوم يموت 17 أمريكيًا بسبب فشل في وظائف الأعضاء، وفي إسرائيل فإن معدل الانتظار لعملية زرع كلية هو4 سنوات، وكنتيجة لذلك ازدهرت تجارة الأعضاء حول العالم.
ففي الهند على سبيل المثال سرعان ما يتم التوفيق بين البائعين الهنود الفقرا
مع المشترين من المرضى الأغنياء من تايوان.
النقاد يطلقون على هذه التجارة (سياحة زراعة الأعضاء)،
في حين يرى المؤيدون أن تلك التجارة تلبي حاجات المرضى.
جريدة (كريستيان ساينس مونيتور) اقتفت في التحقيق التالي الذي اجراه ابراهام ماكلافلين والني بروشي واندروداني، آثار ثلاثة رجال: برازيلي عاطل، ومريض إسرائيلي،
ومحقق من جنوب إفريقيا ساعد في إطلاق جرس الإنذار تجاه عمليات تجارة الأعضاء.
وقد طرحت تلك القضية أسئلة قانونية وأخلاقية صعبة، مثل: من الذي يملك أجسادنا؟
هل يكون من القانوني بيع عضو إذا ما كان سينقذ حياة شخص ما؟
وما هو دور الحكومات في حماية اثنين من الفئات الضعيفة؛
الفقراء الذين يتم استغلالهم ولكن برضاهم
والمرضى الذين يتوقون إلى الشفاء؟
***
في إحدى الليالي الدافئة في ريسايف، وهي مدينة على الساحل الشمالي الشرقي للبرازيل، كان هيرناني جوميز داسيلفا يجلس بمفرده ويفكر في مشكلة حياته؛ فهو يبلغ من العمر 32 عامًا ولا يزال يعيش في منزل أمه المكون من غرفتين، والأمطار تسقط عليهم عبر السقف المليء بالشقوق، والصراصير والفئران تجري على أرضية الغرفة الأسمنتية، ولديه ثلاثة أطفال، وزوجة لا تحبه بسبب فقره، كما أنه عاطل عن العمل وبلا مال ولامهارات وله سجل إجرامي، ومستقبله مظلم كئيب.
فجأة قرعت أسماعه عبارة (نحن ندفع للناس 6 آلاف دولار) قالها أحد الرجال من خلفه، أصغى لها سمعه جيدًا، لم يكن يريد أن يسترق السمع، ولكنه استدار إلى الرجل الأصلع الجالس على مائدة قريبة وراءه، سأله أناس: (هل تتحدث عن جني الأموال عن طريق زراعة الأعضاء؟)، وكان هيرناني قد سمع عن أناس في ريسايف قد باعوا أعضاءهم ولم يصدق تلك الصدفة السعيدة.
وأجاب الرجل: (نعم)، فسأله هيرناني: (أي عضو؟)، فرد عليه الرجل: (الكلية، لماذا تسأل؟ هل أنت مهتم؟)، فرد عليه: (بالطبع أنا مهتم)، فسأله الرجل: (ما هي فصيلة دمك؟)، فرد عليه هيرناني: (فصيلة (أو) O موجب)، فحرك الرجل رأسه بالموافقة وقال إن تلك الفصيلة هي من أنسب الفصائل.
كان العام 2002، وكان هيرناني قد تخطى أول اختبار لبيع كليته إلى منظمة سوف تتوسع بعد ذلك في ثلاث دول، وحققت أرباحًا بلغت مئات الآلاف من الدولارات للأشخاص الذين يديرونها، ولكنها في الوقت ذاته لفتت انتباه الشرطة والسياسيين والجماعات المنادية بالحفاظ على الأخلاق والأطباء حول العالم.
وسرعان ما رجع هيرناني إلى منزله، يحلم بشراء دراجة نارية وبسقف لا يسرب المياه.
الذهاب لجنوب إفريقيا
كان هيرناني يحلم بمبلغ الستة آلاف دولار التي يتوقع أن يحصل عليها نظير بيعه إحدى كليتيه، ولكنه أيضًا كان لديه شكوك كبيرة، ففي أحد الأيام عندما كان عائدًا إلى منزله كان يتساءل إذا ما كانت جنوب إفريقيا يمكن أن تأخذ رئة من رئتيه أو قرنية العين أيضًا، أو تلقيه في تلك البلاد التي لا يستطيع أن يتحدث لغتها.
ثم التقى بأحد أصدقائه كان يقود سيارة فولكس فاجن بيضاء لامعة، فكان قد سمع الناس يتحدثون أن صديقه واحد من عشرات من ريسايف الذين ذهبوا إلى جنوب إفريقيا وعادوا أحياء، كما سمع أن أوائل الأشخاص الذين قاموا ببيع أعضائهم حصلوا على مبالغ تصل إلى 10 آلاف دولار نظير بيع الكلية، وهي ثروة في تلك الأحياء التي يحصل معظمهم على أجور متدنية تصل إلى 1000 دولار سنويًا على الأكثر.
وجلس هيرناني معه في السيارة، ولم يكن فضوليًا بطبعه، ولكنه اليوم قام بإمطار صديقه بعدد من الأسئلة.
سأله: (كم دفعوا لك؟)، (هل دفعوا لك مقدمًا؟)، (كيف تمت معالجتك؟)، (ما هو شكل العملية؟)، (هل اعتنوا بك جيدًا؟)، (هل سأكون على ما يرام بعد ذلك؟).
وقد جاءت الإجابات كلها مطمئنة، وبعد عشر دقائق خرج هيرناني من السيارة بعدما استراح عقله، وقرر الذهاب إلى جنوب إفريقيا لبيع كليته.
ومنذ أن التقى بذلك الرجل الأصلع القصير، والذي يطلق عليه (كابتن إيفان)، سرعان ما أصبحا أصدقاء، ومنذ ذلك الحين قام إيفان بونيفاشيودا سيلفا ضابط الشرطة المتقاعد بمحاولة تهدئة هيرناني، وأوضح له بصبر كيف تقوم الكلية بوظائفها واستطاع أن يهدئ من مخاوفه.
كما قام إيفان برعايته وأدخله إلى عالم جديد تمامًا، فقد أخبر هيرناني أين يمكن أن يجري الاختبارات التي تستطيع أن تثبت أنه يتمتع بصحة كافية تسمح له بمغادرة البرازيل لأول مرة في حياته.
وفي أكتوبر 2002 في عشية سفر هيرناني إلى دوربان، قام كابتن إيفان بتسليمه مبلغ 500 دولار، وأكد له أن هناك 5500 دولار إضافية تنتظره عند عودته إلى البرازيل.
متوسط سعر الكلية ومبلغ 6 آلاف دولار هو متوسط سعر الكلية في تجارة الأعضاء حول العالم اليوم، ولكن بعض الفلسطينيين قاموا ببيع كليتهم في العراق في عهد صدام حسين بعد حرب الخليج الأولى نظير مبالغ تتراوح ما بين 500 إلى 1000 دولار فقط، مما ساعد على أن يجعل العراق محور تجارة الأعضاء في العالم العربي حتى قبيل اندلاع الحرب مباشرة.
وفي أحياء مانيلا الفقيرة، حيث يتم بيع القرنية والكبد والرئة أيضًا، فإن سعر بيع الكلية يصل إلى 2000 دولار فقط، طبقًا لنانسي شيبر هافز، أحد مؤسسي جماعة مراقبة الأعضاء التابعة لجامعة كاليفورنيا بمدينة بيركلي والتي تتعقب تلك التجارة.
وتقول نانسي أن هناك رجلا إسرائيليا حصل على مبلغ 20 ألف دولار نظير بيع كليته، وبعض الأمريكيين قد حصلوا على مبالغ تتراوح ما بين 30 إلى 50 ألف دولار نظير بيعهم لكليتهم.
ولكن بالنسبة لهيرناني فإن مبلغ 500 دولار كان أكبر مبلغ حصل عليه في حياته، وقد أخبره الكابتن إيفان بأن يترك مبلغًا لزوجته ديزي أثناء غيابه لتشتري بعض الملابس الجديدة.
وفي هذا العالم الجديد من بيع الكلى نادرًا ما يموت أحد، ولكن زوجته ديزي كانت تخشى من ذلك، وكان لمخاوفها أساس.
ففي الهند هناك ما يقرب من ألفي شخص يقومون ببيع كليتهم كل عام، وقد أظهرت دراسة أجريت عام 2002 أن 86% من بائعي الأعضاء يقولون إنهم عانوا من تناقص حاد في صحتهم في الأعوام الثلاثة التي أعقبت الجراحة، وفي دولة مولدوفا بشرق أوروبا قام ما يقرب من 300 قروي ببيع كليتهم في الفترة ما بين 1999 و2002
وقد أظهرت دراسة أعدتها رابطة مراقبة الأعضاء أن 79% من بائعي الأعضاء في مولدوفا عانوا من مشاكل صحية في الأشهر والسنوات التي تلت الجراحة.
وفي ظلمة بيتهم في تلك الليلة بعد يوم إنفاق كبير لم يحدث له مثيل من قبل، قام هيرناني بتجاهل مخاوف زوجته وطلباتها بعدم إجراء الجراحة، فرد عليها بحسم قائلاً: (ديزي، أنا سوف أفعل ذلك)، وبعد مناقشة عنيفة وتبادل للإهانات ذهبت زوجته حزينة إلى الغرفة المجاورة ونامت مع ابنها. وفي الصباح التالي قام هيرناني بتقبيل طفله، وانسحب بهدوء من الباب.. متجهًا إلى المطار.
هبط هريناني في مدينة دوربان الخضراء على ساحل المحيط الهندي، وأول ما وطأت أقدامه المطار شعر بمدى الرفاهية في المدينة، وعندما وصل إلى بيت مضيفه الذي يأوي العديد من المتبرعين البرازيليين وجد أن البيت كبير وفخم للغاية. بانتظار العملية انتهى شهر أكتوبر 2002 ودخل شهر نوفمبر، وقد قضوا معظم أوقاتهم داخل المنزل ينتظرون مكالمة لإجراء العملية الجراحية.
وعندما أتت تلك المكالمة في النهاية رحل هيرناني سريعًا إلى مستشفى سانت أوجستين. وهناك العديد من تلك المستشفيات التي تحتضن ما يقرب من 300 من البائعين البرازيليين والإسرائيليين الذين تقول عنهم مصادر الشرطة إنهم تم إحضارهم إلى جنوب إفريقيا في الفترة ما بين 2001 و2003
وتقول الشرطة إن تلك المنظمة يديرها رجل إسرائيلي اسمه إيلان بيري، وقد استطاع هو وأعوانه أن يجنوا أرباحًا بلغت مئات الآلاف من الدولارات.
وربما وقع اختيارهم على جنوب إفريقيا بسبب منشآتها الطبية المتقدمة، كما أن بها أعلى نسب نجاح زراعة الأعضاء في العالم، كما توجد بها قوانين وإجراءات متساهلة فيما يتعلق ببيع الأعضاء الآدمية.
وقام هيرناني بالتوقيع على العديد من الأوراق، إحداها كانت تقول إنه (يتبع) الرجل الذي سوف يبيع إليه كليته، وفي النهاية قابل ذلك الرجل لأول مرة، وهو إسرائيلي اسمه أميرام أهاروني.
وعندما دخل هيرناني إلى الحجرة التي بها ذلك الرجل فهم لأول مرة حجم العمل الذي هو بصدد القيام به؛ أهاروني ذو جسد متورم وشاحب، وانخرط في البكاء بمجرد رؤيته لهيرناني، فقد كان ضعيفًا للغاية ولم يستطع أن يقوم من على سريره، ولكن زوجته قالت له: (إنك الآن جزء من عائلتنا، ومن تلك اللحظة أنت لحمنا ودمنا).
وقد أجريت العملية في 26 نوفمبر عام 2002، واستمرت لمدة سبع ساعات كاملة، وكان هيرناني وأهاروني يجلسان على سريرين متجاورين وخاضا عمليتين جراحيتين في الوقت ذاته.
وكان يقوم بإجراء الجراحة لهيرناني ثلاثة من الجراحين بسبب صعوبة وتعقيد إجراءات نزع الكلية، والتي تتطلب في بعض الأحيان نزع أحد أضلاع المتبرع بالكلية.
وعندما أفاق أهاروني من تلك العملية كانت لديه كلية جديدة وفرصة جديدة للعيش في الحياة، وعندما أفاق هيرناني أيضًا كان يشعر بآلام الجراحة والخيوط في جنبه، ولكن بعد ثلاثة أيام عندما ركب طائرته للعودة إلى بلاده البرازيل، كان سعيدًا للغاية، فسوف يصبح رجلاً غنيًا.
ولكن تلك البهجة تبخرت سريعًا عندما عاد إلى بيت والدته في ريسايف، فقد مر 24 ساعة فقط على هبوط طائرته في البرازيل.
تحدث إلى ابنته البالغة من العمر 9 سنوات وقال لها: (لويزا، اذهبي واستعدي، فسوف ننزل إلى المدينة لشراء دراجة لك).
كان عازمًا على أن يمضي وقتًا ممتعًا، فقد أصبح لديه أموال في محفظته تصل إلى 5500 دولار، إضافة إلى مبلغ مائة دولار أعطاها له كابتن إيفان في أحد مطاعم الوجبات السريعة بجوار الفرع المحلي لسيتي بنك.
وكأحد الذين عاشوا حياة فقيرة فإن الأموال يجب إنفاقها وليس ادخارها، ففي أول أشهر عام 2003 دفع هيرناني مبلغ 1700 دولار لاستبدال السقف والأرضيات والحوائط والنوافذ وإصلاح الأسلاك الكهربائية في منزل والدته.
ثم أنفق مبلغ 1600 دولار لتسديد بعض ديون والدته، وأنفق 1200 دولار أخرى لشراء دراجة نارية واكتشف أن الحياة جميلة.
الجانب الآخر وفي الوقت الذي كان هيرناني مشغولاً فيه بإنفاق أمواله، كان هناك رجل إسرائيلي اسمه آري باش يأمل أن يتجنب عيش حياته مرتبطًا بأجهزة غسيل الكلية، ولكنه استنفد كل خياراته، فقد كان يعالج منذ عام 1995 بأجهزة الغسيل عندما قام الأطباء بتشخيص مرضه على أنه يتعلق بمشاكل في الكلية.
وكان يعلم أن المرضى الذين يحصلون على كلية يمكنهم العيش فترات أطول من أولئك الذين يقومون بعمل غسيل كلوي عن طريق الجهاز.
لذا فكر في أن يلجأ إلى زوجته أو أبنائه لإعطائه كلية، ولأن كل إنسان لديه كليتان، فإن الشخص السليم صحيًا يمكنه العيش بكلية واحدة فقط، ولكن زوجته وأكبر أبنائه كان لديهم فصيلة دم مختلفة، أما ابنه الأصغر فكان يتوافق معه، ولكنه لديه مشاكل صحية مثل تلك التي لدى أبيه آري، لذا فكان قد استنفد احتمالات حصوله على كلية من عائلته.
كان لدى آري باش خيار آخر وهو الاشتراك في قائمة الانتظار في البرنامج القومي الإسرائيلي، والتي لديها ما يقرب من 500 مريض في الانتظار.
ولكن وقت الانتظار ربما يصل إلى مدة طويلة قد تزيد على أربع سنوات بالنسبة للأشخاص الذين في عمر آري، فالأشخاص تحت سن الثامنة عشرة لهم الأولوية، مما يعني أن الآخرين يجب أن يخضعوا لأجهزة الغسيل الكلوي.
ولأسباب دينية، فإن عدد المتبرعين بالأعضاء من بين اليهود الذين على مشارف الموت يعد قليلا نسبيًا، بالرغم من أن نسبة التبرع بين الأقارب أعلى من معدلاتها.
ولكن على أي حال فإن أخذ الأعضاء من الأحياء أفضل وأكثر فاعلية من أخذها من أناس بعد موتهم بقليل.
لذا اكتشف آري وزوجته ماري أنه لا يوجد بديل آخر، فلم يكن أمامهما سوى التفكير في دفع أموال إلى أحد الغرباء الذي يتمتع بصحة جيدة من أجل الحصول على كليته.
وماري تعمل ممرضة في غرف عمليات منذ أكثر من 25 عامًا، لذا شجعت آري على العثور على أحد المتبرعين الأحياء، وقالت له: (إذا ما قمت بعملية زرع كلية في النهاية بعد سنوات من الغسيل الكلوي فإن جسدك حينئذ سوف يكون قد أنهك، أما إذا قمت بتلك العملية قبل أن يعتاد جسدك على الغسيل الكلوي فعندئذ سوف تكون فرصك في الجراحة الناجحة أفضل بكثير).
وشراء الكلية في إسرائيل يعد مخالفًا لإجراءات وزارة الصحة، ولكن لا يوجد عقاب قانوني يتعلق بتلك القواعد حتى الآن.
ومثل العديد من الدول الأخرى فإن الأرضية القانونية لتلك الإجراءات هشة للغاية، لذا فإن الذهاب للخارج من أجل الحصول على كلية يعد عملاً شرعيًا بصورة كاملة، وفي مثل تلك الحالات نادرًا ما يتم سؤال المريض من أين أتى بذلك العضو.
وحتى في ظل مشروع قانون جديد من شأنه أن يعاقب ويجرم السماسرة، فإن المتلقين لتلك الأعضاء لن تتم محاكمتهم بسبب أنهم ضحايا ومرضى ووقعوا فريسة للسماسرة الانتهازيين، كما يقول مائير برودر المستشار القانوني لوزارة الصحة الإسرائيلية.
أما بالنسبة لآري، والذي قضى حياته محافظًا على القانون، فإن المسائل الأخلاقية المتعلقة بشراء الكلية لا تزال معقدة بعض الشيء، فهو لا يريد على سبيل المثال أن يستغل شخصًا فقيرًا يحاول فقط أن يطعم أسرته، ولكنه كان مريضًا للغاية، ويضيف: (إن كل شخص هو سيد جسده والمسئول عنه، وإذا ما أراد شخص ذو صحة جيدة أن يتخلى عن واحدة من كليتيه فلا أرى سببًا يمنع من ذلك، كما أن هناك موافقة عن علم بتلك العملية).
وقد وافق آري وماري في النهاية بعد الكثير من الجدل على تلك العملية وباتا مقتنعين بأنهما سوف يتخذان الإجراء الصحيح، وتقول ماري: (إن هذا القرار سوف يحول مسار حياة زوجي بصورة تامة).
وسرعان ما اكتشف آري أن شراء كلية يعد طريقًا سهلاً في إسرائيل، ففي وحدات الغسيل الكلوي وفي مكاتب الأطباء وحتى في الإعلانات المبوبة في الجرائد وجد أسماء لسماسرة أعضاء, وهم الذين يرتبون عملية تجارة الكلى، ووجد أن عملية تجارة الأعضاء ما هي إلا سر مكشوف يعرفه الجميع، واكتشف أنه يستطيع شراء كلية جديدة بمبلغ يتراوح ما بين 60 إلى 150 ألف دولار.
ثم بدأ آري في البحث على شبكة الإنترنت، وبحث في عيادات في الولايات المتحدة التي تقوم بجراحة زرع الأعضاء، واقترح عليه زميل له أن يتصل بخط هاتفي ساخن خاص بالاستشارات الطبية يديره مساعد لأحد الأحبار من ذوي النفوذ في إسرائيل.
قام بتجربة ذلك الخط وحصل على اسم طبيب في تل أبيب، وسرعان ما اتصل بأحد السماسرة الذي أخبره بأن عملية زرع الأعضاء تجري في جنوب إفريقيا وسوف تكلفه مبلغ 100 ألف دولار، ويجب دفع 10% من المبلغ مقدمًا.
إنه مبلغ كبير، ولكن آري اكتشف أنه يستطيع تدبير المبلغ بالحصول على مكافأة معاشه التقاعدي مقدمًا.
والعديد من الإسرائيليين حتى من أولئك الذين ليس لديهم ثروة كبيرة أو مدخرات استطاعوا أن يجدوا طرقًا لتدبير ذلك المبلغ، فالتأمين الصحي الإسرائيلي يمكنه دفع مبالغ تصل إلى 70 ألف دولار نظير أي عملية تجرى في الخارج، ومن الناحية القانونية ليس من المفترض أن تدفع الهيئة لعمليات جراحية غير قانونية، ولكنها تتم خارج إسرائيل لذا فهي خارج نطاق وسائلهم الرقابية.
يقول النقاد إن شركات الرعاية الصحية تتجاهل ما يحدث في الخارج، ويقول مسئولون حكوميون ومسئولون في وزارة الصحة إنه لا سبيل للتحكم فيما يفعله المرضى خارج نطاق حدود إسرائيل.
كما أن هناك عنصرا اقتصاديا مغريا في هذه المعادلة؛ فدفع مبلغ 70 ألف دولار نظير زرع كلية أرخص بكثير من مبلغ 50 ألف دولار سنويًا مدى الحياة نظير فواتير الغسيل الكلوي، ولكن الأمر يتعلق أيضًا بأكثر من مجرد النقود، فإن المتلقي للكلية المزروعة سوف يصبح أكثر صحة ويتمتع بحياته بصورة أفضل مقارنة بمريض الغسيل الكلوي.
ويقول البعض إنه طالما أن التجارة أصبحت منتعشة بالفعل ومن الصعب إيقافها، فإن أفضل طريقة لحماية البائعين هي نزع الصبغة غير القانونية عن تلك العمليات وإنشاء سوق منظمة.
ومايكل فريدلاندر هو أحد أطباء آري الذين يتابعونه بعد العملية، كما يرأس وحدة متابعة ما بعد زراعة الكلية في مستشفى جامعة حاداش بالقدس، وكان قبل ذلك يعارض عمليات بيع الأعضاء، ولكنه الآن أصبح من المناصرين لمسألة إنشاء سوق قانونية لتلك التجارة.
العثور على متبرع وبعد أسابيع قليلة من إجراء اتصالات مع أحد السماسرة، تلقى آري مكالمة منه في النهاية: (لدينا متبرع من أجلك في جنوب إفريقيا)، ثم تعاقبت الأمور سريعًا بعد ذلك، فتم حجز تذاكر الطائرة، وسلم آري للسمسار مبلغ 10آلاف دولار دفعة مقدمة، على أن يكون بقية المبلغ قابلا للدفع عندما يخضع للجراحة في المستشفى، وفجأة وجد آري نفسه وزوجته ماري في طريقهما إلى جنوب إفريقيا.
في 8 أبريل عام 2003 وصلا إلى مستشفى سانت أوجستين. كان جناح زراعة الكلى واحدًا من أفخر الأجنحة في البلاد، ودهشوا بحرفية الطاقم الذي يعد لإجراء العملية.. ولكن حدثت عقبة لم تكن في الحسبان.
فجأة ارتفع ضغط دم المتبرع ورفض الفريق المعالج إجراء العملية له، ولكن ذلك أراح آري وماري، وأقنعهما بأن الفريق المعالج من الأطباء لم يكونوا مجموعة من المحتالين يحاولون سرقة أموالهم أو سرقة أموال البرازيلي.
ولكن هذا المتبرع البرازيلي لم يكن الوحيد هنا، فعادة ما كان آري وماري يسمعان موسيقى برازيلية تأتي من حوائط المستشفى، كما أن أجهزة التلفاز مثبتة على مباريات كرة القدم، وبعد عدة أيام وعدة اختبارات أخرى، عثروا على متبرع مناسب.
وسرعان ما التقى آري مع الرجل الشاب (الذي لم يكشف آري عن اسمه) والذي سوف يقوم بتغيير حياته إلى الأفضل. فقد كان رجلاً طويلاً ونحيفًا وممتلئا شبابًا، وكان دائم الابتسامة.
وعبر المترجم قال له إنه لا يدخن ولا يشرب الخمر، وهو فقط يريد أن يحسن من وضعه المادي وأن يتزوج ويذهب للجامعة ليصبح مهندسًا معماريًا.
ومن خلال المترجم سأل آري البرازيلي إذا ما كان قد وافق عن طيب خاطر لإعطاء كليته، فابتسم الشاب وقال: (نعم)، وقدم يديه إلى آري وتصافح الرجلان أثناء دفعهما على السرير المتحرك تجاه غرفة العمليات.
وعندما رأته زوجته في اليوم التالي بعد إتمام الجراحة لم يبد لها في صحة جيدة، فقد كان شاحبًا رمادي اللون، وكان متصلاً بأجهزة ربما كثيرًا ما رأتها زوجته في حياتها العملية، ولكن الأمر اختلف عندما رأت زوجها هو المرتبط بتلك الأجهزة، ولكن الأطباء طمأنوها وقالوا لها إن الجراحة انتهت بنجاح.
وفي الأيام التي تلت العملية التقى آري بالمتبرع الذي أعطاه كليته ثانية، والتقطا صورة مع بعضهما البعض، وكان البرازيلي يلف يده حول عنق آري، رافعًا إبهام يده علامة النصر ويبتسم ابتسامة عريضة. فقد كان يبدو في قميصه الأحمر اللامع وكأنه أحد المشجعين الذين فاز فريقه للتو بكأس البطولة.


(الجزء الثاني الاسبوع القادم )

..... الرجوع .....

الطب البديل
الفن السابع
الفن العربي
عالم الاسرة
المنزل الانيق
المستكشف
خارج الحدود
الملف السياسي
فضائيات
حوار
السوق المفتوح
العمر الثالث
استراحة
أقتصاد
منتدى الهاتف
تحقيق
من الذاكرة
جزيرة النشاط
روابط اجتماعية
السـ3ـنة
شباب
الصفحة الرئيسة

ارشيف الاعداد الاسبوعية

ابحث في هذا العدد

للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2002, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved