الاقتصادية المعقب الالكتروني نادي السيارات الرياضية كتاب واقلام الجزيرة
Tuesday 25th May,2004 العدد : 82

الثلاثاء 6 ,ربيع الثاني 1425

في جازان
ثلاث مرات في غضون ثلاث سنوات قُدِّر لي أن أزور جازان أو جيزان لا أدري كيف أكتبها!! وقد كان رسم اسمها موضع خلاف واختلاف كما هو معروف بين القمتين والرمزين حمد الجاسر وعبدالقدوس الأنصاري رحمهما الله..
لم يطل المقام بي طويلاً بجازان في أيٍّ من الزيارات هذه..
وبالتالي، فلم يتبين لي بما فيه الكفاية حجم الجهد المبذول لتحديث وتطوير هذه المنطقة..
***
في كل زيارة لجازان كنت أشعر بسعادة كبيرة مع ساعات أثيرة أقضيها من عمري هناك..
وأخرج مشمولاً مثل غيري من زوارها بسخاء من العواطف ، وهي شيمة أهلنا هناك..
وما تركتها في أيٍّ من زياراتي الاّ وشعرت بالندم أن حائلاً صادفنا في الطريق وحال دون مزيد من الوقت كان ينبغي أن أقضيه بين جبالها وسهولها وبحرها الجميل..
***
وجازان بناسها، وأرضها يُحار المرء عندما يريد الاستدلال على أفضل ما يمكن أن يُقال من كلام عنها..
فهي امتداد ساحلي جميل..
وهي هضاب وجبال وسهول آسرة..
وجازان بلد زراعي متميز بأجوائه وتربته ومياهه، وتلك هبة من الله لأهلها الطيبين..
***
وهذه المنطقة على امتداد تاريخها عُرفت وعرّفت بأنها منبت للشعراء والمؤرخين والأدباء والإعلاميين والفنانين وذوي التخصصات النادرة في الطب والهندسة والاقتصاد وغيرها..
ومظلتها في كل هذا الذي يقال ويكتب ويروى عنها هو هذا الكرمُ، والشهامة، والتعامل الحسن التي تتصف بها حياة وسلوك وطبيعة الناس هناك..
***
ومنطقة بمثل هذه المواصفات..
وبكل هذا التميز..
بتاريخها المشرق
وموقعها المميز..
وبالنمو الهائل في عدد سكانها..
وبما حباها الله من وفرة في الخيرات..
فهي لذلك تحتاج إلى الكثير من المشاريع التنموية الملحة..
وإلى المزيد من الدعم لتطوير برامج التنمية فيها..
مثلما أنها تحتاج إلى الإسهام الفاعل والسريع من القطاع الحكومي والقطاع الخاص في إنجازات غير مسبوقة في فترة يتولى أمير شهم إمارتها..
***
فهنا في جازان كثافة سكانية كبيرة..
يقابلها بطالة كبيرة بين السعوديين..
والمؤشرات تنذر بالمزيد من فاقدي فرص العمل في أوساط السعوديين..
ما لم تتوافر للمواطنين فرص عمل بأعداد تستوعب هذه القائمة الطويلة والكبيرة التي ما زالت تنتظر..
وبنظري فإن الاستثمار الأمثل في هذه المنطقة المهيأة لإنجاح أي مشروع صناعي أو زراعي يأتي من الاهتمام أولاً بهؤلاء العاطلين كخيارٍ وحيدٍ لحل هذه المشكلة وتطوير المنطقة بمثل هذه المشاريع..
***
وحسناً فعل سمو أمير منطقة جازان الأمير فهد بن ناصر بن عبدالعزيز بتبنيه لعقد فعاليات مؤتمر اقتصاديات جازان تحت عنوان (الاستثمار الصناعي والعمل التعاوني الزراعي) ودعوته للوزراء المختصين ولرجال الأعمال للمشاركة معه في هذا التوجه السليم والجهد الخلاق نحو إيجاد صناعة وزراعة بمستوى أفضل في منطقة جازان.
***
لكن الأهم في هذا أن نرى التنفيذ..
وهذه مسؤولية كبيرة في أعناق هؤلاء الوزراء وأولئك الذين دعوا أو لم يدعوا من رجال الأعمال..
***
شكراً لأهلنا في جيزان، ولأميرها والمسؤولين فيها..
على كرم الضيافة..
وحسن المعاملة..
وما أحاطوا به المدعوين من تواصل حميم أثناء تواجدهم هناك..
والشكر أيضاً لابن جازان الوفي زميلنا الدكتور هاشم عبده هاشم رئيس تحرير صحيفة عكاظ الذي عزّ عليه أن يرى أسماء زملائه ضمن قائمة المسجلين في قائمة الغائبين في سجل الحضور فأصر على تواجدنا وحسناً ما فعل.


خالد المالك

أسباب الخوف الأمريكي من فعنونو!!

* إعداد ياسمينة صالح وأشرف البربري
18سنة قضاها في السجن بتهمة الإعلان عن الحقيقة التي كان العالم كله يعرفها ولم يجرؤ على كشفها أحد، إلا حين قرر هو أن يصرّح بالحقيقة التي لا مجال لتكذيبها أو لمجرد الشك فيها: إسرائيل تشكل خطرا نوويا على منطقة الشرق الأوسط كلها! مردخاي فعنونو ليس يهوديا مثاليا بكل تأكيد، ولكنه رجل قاوم خوفه الشخصي وتجرأ على الوقوف في وجه أكبر جهاز مراقبة إسرائيلي، استطاع أن يلتقط صورا لم يكن لتصدق جريدة مثل الصنداي تايمز نشرها ذات يوم. فعل ذلك وهو يردد إلى يومنا هذا نفس العبارة : يجب على العالم أن يعرف أن إسرائيل تشكل خطرا على جيرانها. وهي الجملة التي أغضبت يومها وتغضب كل الذين تعاقبوا على الحكومة الإسرائيلية من بينهم (شميون بيريز) الذي بذل جهدا كبيرا كي يحاكم (مردخاي فعنونو) كخائن ويحكم عليه بالإعدام، لأن بيريز هو في النهاية أبو المشروع النووي الإسرائيلي!
فعنونو يتحدث لوسائل الإعلام عند خروجه من السجن
بقميصه الأبيض ووجهه المتعب، وبإشارة النصر التي أشهرها في وجه الصحافيين لحظة خروجه من السجن، فهم الجميع أن الحقيقة التي ترمي في السجن سنوات لا يمكنها أن تصمت، وأن رجلا مثل (مردخاي فعنونو) الذي تتهمه الحكومة الإسرائيلية بالخيانة الكبرى لمجرد تعاطفه المعلن مع الفلسطينيين ورفضه أن يُرتكب ضد المدنيين في القرى الفلسطينية مجازر باسم الديمقراطية وباسم السلام. هو الذي نبذته عائلته منذ 18 سنة، ووشت به خطيبته يومها. كان في الثلاثينات يومها. يعترف لخطيبته أنه يحب الفلسطينيين وأنه يكره هذه الحرب التي تأكل الأخضر واليابس في الأراضي المحتلة. قال لها إنه لو استدعي للجيش فسيقتل نفسه ! كانت تلك المخاوف التي اعترف بها (مردخاي فعنونو) كافية لتقرر خطيبته الاتصال بالرقم الأخضر111 الإسرائيلي الذي وضعه مكتب الموساد تحت تصرف المواطنين للإبلاغ عن أي شخص يشتبه انه (خائن لوطنه) وربما كان خطأ (مردخاي فعنونو) يومها أنه أخبر خطيبته بأنه اكتشف أن المعمل الذي يشتغل فيه ليس معملا للنسيج كما كان معلن عنه من قبل السلطات الإسرائيلية منذ الخمسينات،بل للصناعة النووية! فاتصلت خطيبته بالموساد! الذين كتبوا عن قضية (فعنونو) كتبوا أيضا أن رجال المخابرات الإسرائيلية لم يأخذوا البلاغ مأخذا جديا، أو أن خطيبة فعنونو لم تقل بالحرف الواحد اسم خطيبها، فقط أخبرتهم عن شكوكها. لهذا كان الوقت كافيا ل(مردخاي) بعد عشرة أيام من اعترافه لخطيبته بأن يتخذ إجراءات السفر إلى استراليا بعد أن التقط الكثير من الصور التي هزت الرأي العام الدولي في الثمانينات وجعلت جريدة الصنداي تايمز البريطانية تضرب عصفورين بحجر واحد. بأن يكون لها سبق نشر الموضوع بتلك الصور الرهيبة، وأن يكون لها تعاون سري مع رجال من الموساد لاستدراج (مردخاي فعنونو) إلى روما وبالتالي إلى الاعتقال. كان الأمر يشبه فيلما على الطريقة الهوليودية. (جيمس سميث) من (الصنداي تايمز) الذي التقى بمردخاي فعنونو في استراليا وفي لندن مرتين يؤكد أن طريقة استدراجه إلى روما لم تكن عفوية وأن بعض (الرجال المهمين) من (الصنداي تايمز) ساهموا في ذلك، بدليل أن الصنداي لم تعلن عن اختطافه مع أنها كانت تعرف ذلك بكل تأكيد.
الذهاب إلى روما
فقد تلقى مردخاي فعنونو طلبا ملحا للذهاب إلى روما. كان يدرك هو أن نشاط المخابرات الإسرائيلية في العاصمة الإيطالية كبيرا وأنه سيعرض حياته للخطر. الذين ألحوا عليه بقبول الذهاب إلى هناك أكدوا له أن بإمكانه العيش في روما باطمئنان على اعتبار أنه من المستحيل أن يشك رجال الموساد لحظة أن (مردخاي فعنونو) سيعيش في مدينة يعششون فيها بحرية، وأنها فرصته ليغير اسمه وجنسيته ويبدأ حياته من جديد كأي مواطن إيطالي! حتى حين التقى (فعنونو) فجأة بتلك الشابة الجميلة والتي عرّفته بأنها يهودية تقيم في أمريكا، وأنها تقضي عطلتها في روما! كانت أفكارها (المناهضة) للحرب سببا في صداقتها معه. فقد أعجب كثيرا بأفكارها (المتسامحة) ولأنهما صارا صديقين فقد اعترف لها أنه جاء من استراليا وأنه مثلها يريد أن يكشف أساليب إسرائيل في تدمير منطقة الشرق الأوسط. قال لها إنه قدم للصنداي تايمز كل الصور والوثائق التي تثبت كلامه. في منتصف شهر سبتمبر من عام 1986.. تم اختطاف (مردخاي فعنونو) بطريقة سينمائية بعد أن عملت صديقته على تخديره. نقل على متن طائرة عسكرية خاصة إلى تل أبيب. وصل إلى هناك ليحاكم كمجرم وخائن (باع) أسرار بلاده إلى الخارج! والحال أن فعنونو كشف للصنداي تايمز وللعالم أن الترسانة النووية الإسرائيلية يمكنها أن تقضي على الحياة كلها في منطقة الشرق الأوسط، بموجب أكثر من 200 قنبلة نووية متطورة تحظى بها إسرائيل من بينها 47 قنبلة ذرية. هذا في الثمانينات كما يقول مردخاي فعنونو، فماذا عن اليوم؟
التهديد النووي الإسرائيلي
لقد نشرت العديد من الصحف المتخصصة في الأسرار العسكرية أن إسرائيل تعد من الدول الأكثر تطورا في مجال السلاح النووي، بحيث إنها تملك اليوم أكثر من 470 رأس نووية. مجلة "Janeصs Intelligence Review" كشفت في شهر فبراير من هذه السنة أن الترسانة الإسرائيلية تتكون اليوم من 400 نوع من القنابل النووية المتطورة والقوية بما يعني أن قوّتها 50 ميجاطن توازي 3850 مرة قنبلة هيروشيما. يتعلق الأمر أولا بما يسمى بالأسلحة التقنية ذات القوة العادية، والتي تعرف بالقنابل الضعيفة لأنها تستعمل لاختيار الهدف، عبر تمشيطه، وبالتالي لا تثير أي إشعاعات نووية في منطقة القتال إلا نادرا. ثمة أيضا أسلحة تسمى بالأسلحة النووية الدقيقة القوية والساحقة التي تملكها إسرائيل والتي لا يمكن استعمالها إلا في حالة الرغبة في القضاء على منطقة الحرب قضاءً كاملا. كما تملك إسرائيل طائرات مجهزة بقدرات على حمل الرؤوس النووية منها طائرات أف16 التي تملك منها أكثر من 300 طائرة ، وطائرات أف15 وتملك منها 25 طائرة زودتها بها الولايات الأمريكية. هذه الطائرات طورتها إسرائيل بحيث إنها تستطيع أن تستعمل لقذف الأشعة بواسطة أجهزة رادارات متطورة يمكن استعمالها من على بعد 4450 كلم من المكان المطلوب قصفه. هذه الطائرات مزودة مباشرة برؤوس نووية أيضا، جو ارض قادرة على أن تصل إلى عمق الأرض لتدمير أهداف استراتيجية. هذا النوع من الأسلحة، المقدمة من طرف الأمريكيين، استعملت عام 1999 في إطار ما سمي أيامها بالحرب الوقائية في يوغسلافيا، وقد استطاعت القوات الجوية الإسرائيلية تجريبه من على متن الطائرات الأمريكية آنذاك. هنالك نوع آخر من هذه الأسلحة النووية ويعرف ب(بوباي تيربو) وضعتها إسرائيل على متن ثلاثي غواصات عسكرية إسرائيلية زودتها بها ألمانيا ما بين 1999، و 2000 بهذا الشكل فان البحرية الإسرائيلية استطاعت أن تضمن قدراتها الضخمة عبر تركيزها على أهداف بعينها في البحر الأبيض المتوسط والبحر الأحمر وشرق آسيا بموجب ما تملكه من غواصات مزودة بأضخم الصواريخ النووية الأكثر فتكا وتطورا. ثمة نقطة أخرى تتعلق بالترسانة النووية الإسرائيلية التي تهدد بها منطقة الشرق الأوسط والدول البعيدة أيضا، تتمثل في الصواريخ البالستية التي تعرف باسم (اريحا2) حيث إن لإسرائيل 50 صاروخا منها تصل مسافتها إلى 1500 كلم تستطيع كل قنبلة أن تحمل ما يوازي طناً من النووي. ثمة صواريخ متطورة من فصيلة (اريحا2) و هي صواريخ (اريحا2B) والقادرة على الوصول إلى مسافة 2800كلم. كما لإسرائيل قاعدة (شافيت) وهي قاعدة متحركة استطاعت من خلالها أن تحدد وتحرك موضع القمر الصناعي(أفق). هذا الجهاز المتحرك يستطيع قيادة الطائرات المزودة بالرؤوس النووية، ويستطيع أن يزودها آليا بنظام الانطلاق عن بعد وبمسافة تتجاوز 7000 كلم، وهو الشيء الذي يفسر قول أرييل شاورن أن إسرائيل قادرة على ضرب أي دولة من دول الشرق الأوسط وتستطيع أن تضرب حتى إيران!
ما أبلغ عنه (مردخاي فعنونو) إذا هو الجزء البسيط من الحقيقة الكبيرة التي كشفت عنها اليوم أكثر من مجلة متخصصة والتي تعتبر إسرائيل خطرا نوويا ليس على جيرانها فقط بل وعلى العالم أيضا. وربما أن إطلاق سراح (مردخاي فعنونو) مؤخرا كان سببا في فتح ملف الترسانة النووية الإسرائيلية من قبل برنامج (مراسل خاص) الذي تبثه قناة (فرانس2) الفرنسية والذي من خلاله تم الكشف بشكل خطير عن القدرات النووية الإسرائيلية والتي يعتبرها بعض الإسرائيليين أنها الضمان الحقيقي لبقاء إسرائيل و لنهاية العالم! السفير الإسرائيلي السابق في فرنسا (يوشي بنون) قال إن القوة الإسرائيلية لم يتعرف عليها العالم بعد وأن قيام إسرائيل الكبرى حلم لا يمكن التراجع عنه اليوم بالذات، لأن الدول التي تحيط بإسرائيل هي دول معادية يجب أن تنتهي!
مجلة (لوفيغارو) نشرت تعليقا حول إطلاق سراح (مردخاي فعنونو) قالت فيه: إن (أزمة الأسرار النووية الإسرائيلية) ليست أزمة جديدة، وليس فعنونو هو الذي كشفها، مباشرة، بل التطورات التي عاشتها منطقة الشرق الأوسط منذ بداية الثمانينات هي التي كشفتها من خلال تهديد إسرائيل لأمن أكثر من دولة ومن خلال إصرارها على التهديد بالحرب وفق سياسة (نقل الحرب إلى الدول الأخرى). .
شارون في الهند
في سبتمبر من عام 2003، أجرى رئيس الوزراء الإسرائيلي زيارة مفاجئة إلى الهند، كانت الأولى في تاريخ ذلك البلد منذ الاستقلال عام 1947، ولكن تلك الزيارة كشفت الدور الذي لعبته إسرائيل في صياغة المشروع النووي الهندي، على اعتبار ما يلعبه من أهمية لأجل التصدي إلى المشروع النووي الباكستاني،ولتكون الهند شرطياً على الطريقة الإسرائيلية في تلك البقعة من الخارطة على الأقل. فبالفعل، في عام 1998، في الوقت الذي كانت فيها التجارب النووية في سباق بين الهند والباكستان. كانت تلك المرحلة بداية العلاقات السرية بين إسرائيل والهند في مجال التسلح النووي. تلك الحقيقة حين ظهرت إلى العالم عكست النفق الضيق الذي يعيش فيه الشرق الأوسط، وفق النقاط التالية:
إسرائيل هي القوة النووية الوحيدة التي لا يمكن تسميتها كدولة على اعتبار أنها لا تملك حدوداً مع جيرانها، وعلى اعتبار أنها تريد أن تؤسس حدودها فقط في إطار الدولة العظمى التي تشكل في النهاية كل الخطر على المنطقة.
إسرائيل لا تعترف بحق التفتيش الأممي فيما يخص أسلحة الدمار الشامل حين يندرج اسمها مجازا، فهي لا تعترف بلجنة التفتيش الأممية، ولا تعترف بالمواثيق الأممية التي تفصل في حق اللجان الأممية في الكشف عن أماكن الأسلحة النووية الإسرائيلية، والتي انبثقت منها مواد 12و 13 من القانون الأممي لنزع التسلح.
إسرائيل هي التي ساعدت الهند في برنامجها النووي ليس حبا في الهند بل رغبة في خلق حالة من (اللاتوازن) في المنطقة، تخرج بموجبها جملة من الصراعات الإقليمية التي تريد إسرائيل استغلالها للتدخل في آسيا من الباب الواسع جدا.
فعنونو والسر الرهيب
إلى ذلك، يقول يوري أفنيري الكاتب إلاسرائيلي وأحد أعضاء حركة السلام اليهودي (غوش شالوم): إن هناك مزحة كنا نتبادلها قديما عن سيدة تصرخ في ظلام السينما (ارفع يدك! لا لست أنت ، بل أنت).
هذه المزحة القديمة ترسم بوضوح كبير السياسة الأمريكية تجاه التسلح بالأسلحة النووية في الشرق الأوسط. فلسان حال هذه السياسة يقول (ها. . انت الذي هناك، العراق وإيران وليبيا توقف. لا لست انت يا إسرائيل).
فقد كان خطر وجود أسلحة نووية المبرر الرئيسي للغزو الأمريكي للعراق. وتواجه إيران تهديدات حاليا لإجبارها على وقف برامجها النووية. وقد استسلمت ليبيا طواعية وفككت منشآتها النووية. ولكن ماذا عن إسرائيل؟
لقد تأكد بما لا يدع مجالا للشك أن الأمريكيين شركاء أساسيون في إقامة الترسانة النووية الإسرائيلية.
ولكن كيف تكشف كل هذا؟ الفضل يرجع في ذلك إلى فني الأسلحة النووية الإسرائيلي موردخاي فانونو.
فعلى امتداد أسبوع أقيم مهرجان للاحتفال بهذا الفني الذي أفرج عنه بعد قضاء سنوات طويلة في السجن الإسرائيلي بعد كشفه للأسرار النووية الإسرائيلية في الثمانينيات.
والحقيقة أن المؤسسة العسكرية الإسرائيلية لم تتوقف عن مضايقته حتى بعد قضاء 18 عاما في السجن منها 11 عاما في سجن انفرادي تماما. وكانت المعاملة التي عومل بها فعنونو في السجن مروعة لدرجة أنه وصفها بأنها (وحشية وبربرية). وبعد الإفراج عنه لانقضاء فترة العقوبة وضع الرجل تحت قيود صارمة تجعل الإفراج عنه أقرب إلى النقل من سجن إلى سجن آخر في ظروف أفضل. فهو محروم من مغادرة البلاد ولا حتى مغادرة المدينة التي يعيش فيها ومحظور عليه الاقتراب من أي سفارة أو قنصلية أجنبية وربما محظور عليه الحديث مع أي أجنبي. هذه القيود عندما فرضها الاستعمار البريطاني على فلسطين خلال الحرب العالمية الثانية في ظل قانون الطوارئ بسبب الحرب انتقدها زعماء التجمعات اليهودية في فلسطين في ذلك الوقت باعتبارها (أسوأ من القوانين النازية).
ويقول مسؤولو الأمن الإسرائيليون إن كل هذه القيود المفروضة على فانونو ليست انتقاما منه لما قام به من إفشاء وأنه ليس اضطهادا له ولكنها إجراءات أمنية.
فهو ممنوع من مغادرة البلاد أو الاتصال بأجانب أو بصحفيين لأن لديه أسراراً خطيرة بالنسبة لأمن دولة إسرائيل.
والحقيقة أن أي شخص يدرك تماما أنه لم تعد لديه أي أسرار. فماذا يمكن لعامل فني سابق في مفاعل ديمونة النووي الإسرائيلي أن يعرفه بعد 18 عاما في السجن في الوقت الذي تتطور فيه التكنولوجيا بخطى هائلة؟
ولكن مع مرور الوقت يتضح أن المؤسسة العسكرية الإسرائيلية تخاف من فعنونو بالفعل. فالفني النووي الإسرائيلي في موقف يمكنه كشف الدور الرئيسي الذي لعبته الولايات المتحدة الأمريكية في بناء ترسانة الأسلحة النووية الإسرائيلية.
ويتابع افنيري قائلا: هذا يثير قلق واشنطن بصورة كبيرة، لدرجة أن مسؤول ملف حظر انتشار الأسلحة النووية في وزارة الخارجية الأمريكية جون بولتون جاء إلى إسرائيل بنفسه لمعالجة هذا الأمر. فمن الواضح أن فانونو يستطيع أن يلحق أضرارا كبيرة بقدرة القوة العظمى على حظر انتشار الأسلحة النووية في العالم.
ويعتبر جون بولتون هذا واحداً من أكبر مؤيدي مجموعة المحافظين الجدد الصهاينة الذين يلعبون حاليا دورا رئيسيا في إدارة الرئيس الأمريكي جورج بوش والذين يعارضون فرض أي حظر على تطوير الأسلحة النووية الأمريكية والأقمار الصناعية العسكرية وقد تم زرعه في وزارة الخارجية رغما عن أنف وزير الخارجية كولن باول.
وفي تصريح مقتضب للغاية تمكن فانونو من الإدلاء به فور إطلاق سراحه قال إن الفتاة الصغيرة التي استدرجته إلى إيطاليا لكي تتمكن المخابرات الإسرائيلية من اختطافه منذ 18 عاما لم تكن عميلة للموساد ولكنها كانت عميلة لوكالة المخابرات المركزية الأمريكية (سي آي إيه) أو مكتب التحقيقات الفيدرالي الأمريكي (إف بي آي). فما هي أهمية مثل هذه المعلومة لكي يكون فانونو حريصا على كشفها بمجرد تمكنه من الاتصال بوسائل الإعلام؟
منذ اللحظة الأولى كان هناك شيء ما غامض في قضية فانونو.
في البداية كانت أول فكرة خطرت بشأن هذه الفتاة أنها عميلة للموساد. فكل شيء كان يشير إلى هذا الاتجاه.
السؤال الثاني هو كيف تمكن عامل فني بسيط من تهريب كاميرا تصوير إلى مفاعل ديمونة النووي وهو أكثر المنشآت الإسرائيلية تأمينا وسرية؟
ويتساءل يوري افنيري: كيف تمكن من التقاط الصور بدون عقبات فيما يبدو؟ وكيف استطاع الاتصال بالصحيفة البريطانية وتقديم الصور إلى علماء بريطانيين لكي يقتنعوا أن إسرائيل تمتلك 200 قنبلة نووية؟
مسألة غريبة. أليس كذلك؟ ولكن الغرابة تختفي لو افترضنا أن فانونو كان ينفذ منذ البداية مهمة لحساب المخابرات الإسرائيلية. فإعلانه عن الترسانة النووية الإسرائيلية في صحيفة بريطانية لن يسبب أي أضرار للحكومة الإسرائيلية. بل على العكس فهذا سيدعم قوة الردع الإسرائيلية دون تعليق من الحكومة التي تستطيع تكذيب أي شيء بحرية كاملة.
ويضيف يوري افنيري :(ما حدث بعد ذلك يدعم هذا الافتراض. فعندما كان في لندن وبعد أن فجر قنبلته وقدم الصور للصحيفة البريطانية كان يدرك تماما أنه مراقب في كل خطوة من خطواته من جانب المخابرات الإسرائيلية، أقام علاقة عاطفية مع فتاة لا يعرفها وهي الفتاة التي استدرجته بعد ذلك إلى روما حيث جرى اختطافه وإعادته إلى إسرائيل في طرد دبلوماسي. فهل هذا الرجل ساذج إلى هذا الحد؟ وهل يصدق أن يقع شخص عاقل ومسؤول في فخ مثل هذا؟ بالطبع لا. الأمر إذن لا يعدو كونه مجرد عملية تمويه كلاسيكية تماما).
ويتابع افنيري قائلا: (لكن عندما تواصلت فصول القضية وتكشفت تفاصيل المعاملة السيئة للرجل بدأت أتخلى عن هذه النظرية. وكان علي مواجهة حقيقة أن أجهزة مخابراتنا أغبى كثيرا مما كنت أفترض. وأن كل هذه الأمور حدثت بالفعل وأن موردخاي فانونو رجل أمين ومثالي وليس لدي أي شك في أن خلفيته شكلت شخصيته. فهو من أسرة كان لديها أطفال كثيرون. وهذه العائلة غادرت المغرب حيث كانت تعيش حياة جيدة لتعيش في (معسكر مؤقت) في إسرائيل قبل انتقالها إلى بئر سبع حيث عانت العائلة من الفقر. ورغم كل هذا تمكن من الالتحاق بالجامعة والحصول على الماجستير وهو إنجاز طيب بالتأكيد لكنه جاء بعد معاناة. وظل يعاني من التمييز الذي كان يلاقيه من أقرانه اليهود الغربيين (الاشكيناز) لأنه يهودي شرقي (سفارديم). ومن المؤكد أن هذا دفعه إلى معسكر اليسار المتطرف حيث تختفي مثل هذه النزعة العنصرية والأحكام المسبقة).
وخلص يوري افنيري إلى ان كل (مندوبي وسائل الإعلام لدى أجهزة الأمن الإسرائيلية) والمعلقين الذين يستفيدون من منح المؤسسة العسكرية الإسرائيلية ينشرون القصص عن (تخيل) لأشياء لم تحدث وعن احتجازه لفترة طويلة في زنزانة انفرادية مما أقنعه بحدوث أشياء (وهمية) وابتكر كل أنواع (التلفيقات) عن علاقة أمريكا بالبرنامج النووي الإسرائيلي.
وأمام هذه الخلفية يمكن للمراقب أن يفهم وبصورة خاطفة السبب وراء كل هذه القيود الصارمة المفروضة على الرجل بعد انتهاء عقوبته والتي تبدو للوهلة الأولى حماقة مطلقة. فمن الواضح أن الأمريكيين قلقون للغاية. والإسرائيليون يشعرون بضرورة التعاطف مع المخاوف الأمريكية. يجب من العالم كله بأي وسيلة متاحة من الاستماع إلى ما يمكن أن تنطق به شفاه شاهد عيان يتمتع بمصداقية هائلة حول اشتراك أمريكا الكامل في تطوير الأسلحة النووية الإسرائيلية في حين أنها تمثل دور الشرطي الذي يمنع انتشار هذه الأسلحة في العالم.
ألم أقل لكم إن أمريكا ليست سوى (المرأة التي تصرخ في السينما المظلمة: لست أنت. بل أنت).

..... الرجوع .....

الفن السابع
الفن العربي
عالم الاسرة
المنزل الانيق
رياضة عالمية
عواصم ودول
المستكشف
الصحة والتغذية
خارج الحدود
الملف السياسي
فضائيات
غرائب الشعوب
السوق المفتوح
استراحة
أقتصاد
حياتنا الفطرية
منتدى الهاتف
بانوراما
تحقيق
جزيرة النشاط
الصفحة الرئيسة

ارشيف الاعداد الاسبوعية

ابحث في هذا العدد

للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2002, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved