الاقتصادية المعقب الالكتروني نادي السيارات الرياضية كتاب واقلام الجزيرة
Tuesday 25th October,2005 العدد : 149

الثلاثاء 22 ,رمضان 1426

مشوارٌ طويلٌ
حين نعود إلى الوراء، إلى ما قبل خمسين سنة مضت - وهي فترة قصيرة في عمر الدول - ما الذي سنراه بالنسبة للحالة التي كانت عليها المملكة مقارنة بوضعها اليوم؟!..
أمنياً واقتصادياً وتعليمياً وصحياً، هناك الكثير من المتغيرات التي توازي الثورة أو الانقلاب على ما كان سائداً، بتحقيق وإنجاز ما هو أفضل.
***
التفاصيل في هذا كثيرة، ومتاحة لمن يرغب أن يتعرف عليها بكل وثائقها وأرقامها وصورها..
وهو ما يقودنا إلى تلمس مواقع خطانا في المستقبل المنظور إن عاجلاً أو آجلاً، بما يعزز ويقوي التجربة التي مرت بها المملكة.
***
وأنا لا يخامرني أدنى شك بأن جميع القوى تدرك أن ملحمة التطور والنمو والقوة التي تتمتع بها بلادنا اليوم، إنما مصدرها ذلك التلاحم الذي ساد المملكة إثر قمع المناوئين لوحدتها..
وأن المشوار لا يزال طويلاً إذا ما أردنا أن نكون الدولة القدوة بقدرات أبنائها وعطاءات رجالها ونسائها، وهو ما يعني أن نثبت للعالم ما يمكن أن نقدمه للإنسانية من إبداع وإسهام في كل ما هو نافع ومفيد.
***
لا ينبغي أن يفهم هذا الكلام، على أن ما تحقق يمثل منتهى الطموح لنا، أو أنه يكفي عن انتظار المزيد من الإنجازات، والكثير الكثير من الانتصارات لنتفوق بها على أسلوب الانهزامية والإحباطات التي ربما داعبت البعض منا ذات يوم..
فالأمم الحية، إنما تضيف إلى نجاحاتها، وتزيد من قدراتها، بالتحدي لتحقيق ما هو أفضل ضمن برنامج عاقل وحكيم ومدروس.
***
والمملكة بحكمة قادتها، وتفاني شعبها، وقد حققت ما حققت من تطور، لا تزال موعودة - إن شاء الله - بما يُفرح ويُسعد ويُسجله التاريخ ضمن التميز والتفرد الذي نتطلع إليه..
وإن كان مثل هذا الحلم الجميل يحتاج إلى إخلاص وعلم، وإلى جدية في العمل، وعلى شعور بأن ما هو مستحيل يمكن بالعزيمة والإصرار، أن يكون هو الممكن وهو السهل إذا ما أردنا تحقيقه.
***
هناك مقومات اقتصادية وقبلها روحية، يمكن للمملكة وشعبها أن تتكئ عليها لبلورة الصورة التي نريد أن نكون عليها، بما يتحقق معه الأمل الذي نتطلع إليه..
الأمر يحتاج إلى مزيد من التنظيم وإلى كثير من الأنظمة، وإلى شعور بالمسؤولية، حتى تتحول الطاقات البشرية إلى حركة دائمة وفاعلة من أجل غدٍ أفضل.
***
وما من أحدٍ منا، إلا وهو شريك في هذا، مسؤول ضمن قدراته ومؤهلاته، جدير بأن يسجل اسمه ضمن الآخرين في كسر كل المعوقات..
والباب لم يغلق أمام المبدعين والخيرين وذوي الطموح، للمبادرة بالمساهمة والمشاركة في استكمال ما تم إنجازه من نجاحات.
***
المتخاذلون وحدهم فقط من ليس لهم فرصة ولو واحدة في بلوغ أي إنجاز أو تحقيق أي انتصار، وليس فينا من يقبل بأن يوصم بذلك..
وتاريخ هذه الدولة - قيادة وشعباً - يتحدث عن عزائم لا تفتر ولا تلين، وطموحات لا حدود لها، ونجاحات جديرة بأن يُحتفى بها.
***
نحن إذاً لن نخاف من المستقبل..
ولن نقبل بأن يكون مستقبلنا في مسيرته إلا بمثل ما قطعناه من أشواط وأفضل..
فالمستقبل لصالحنا - إن شاء الله -، بكل إشراقاته وما يحمله لنا من خير، ونحن متفائلون الآن ودائماً وأبداً بأن القادم سيكون هو الأفضل.


خالد المالك

الاستفتاء عليه مرّ بهدوء غير متوقع
الدستور العراقي..نافذة أمل أم بوابة جحيم؟!

* إعداد - أشرف البربري
حظي الاستفتاء على مشروع الدستور العراقيّ باهتمام دوليّ كبير في ظل الموقفين السياسيّ والعسكريّ المعقدين على الساحة العراقية. والحقيقة أن مبعث الاهتمام بإقرار الدستور العراقيّ كخطوة من خطوات العملية السياسية في العراق يختلف بشدة من طرف إلى آخر وفقاً لأجندة كل طرف؛ فالأمريكيون يتطلعون إلى نجاح العملية السلمية بما يضمن لهم خروجاً مشرفاً من مستنقع العراق الذي اكتشفوا أنهم غرقوا فيه، والدول العربية تتطلع إلى إنقاذ الشعب العراقيّ من دوامة الدم والنار والاحتلال التي يدور فيها منذ الغزو الأمريكي في مارس عام 2003
انعكس الاهتمام العالمي بالدستور العراقيّ على وسائل الإعلام العالمية التي تابعت - بالرصد والتحليل - عملية صياغة الدستور والاستفتاء عليه. تقول صحيفة (واشنطن بوست) إنه رغم كل الجهود التي بذلت بهدف التوصل إلى أقصى قدر ممكن من التوافق بين مختلف طوائف الشعب العراقي بشأن مسودة الدستور العراقي الجديد الذي طرح للاستفتاء العام الأسبوع قبل الماضي فإن العراقيين ظلوا منقسمين بدرجة كبيرة؛ ففي حين حظيت مسودة الدستور بتأييد الشيعة والأكراد الذين يشكلون معاً نحو 70 في المائة من سكان العراق عارضها بشدة غالبية العرب السنة ومعهم التركمان المسيحيون رغم بعض التنازلات التي قدمها الشيعة والأكراد في اللحظات الأخيرة.
وتسببت تعديلات اللحظة الأخيرة في ارتباك واضح للكثير من العراقيين الذين قالوا إنهم لن يصوتوا لا (مع) ولا (ضدّ) الدستور؛ لأنهم ببساطة لم يطلعوا على نسخته الأخيرة؛ حتى يمكنهم تحديد موقفهم بعد أن أدخلت تعديلات كثيرة عليه بعد طباعة نحو خمسة ملايين نسخة منه وتوزيعها على العراقيين.
تقرب الطالباني للسنة
في المقابل فإن الرئيس العراقي جلال طالباني سعى إلى الاقتراب من السنة قبيل فتح صناديق الاقتراع وتعهد بتشكيل حكومة ائتلافية عراقية بالمعنى الحقيقي للكلمة إذا ما تخلى السنة عن السلاح وشاركوا في العملية السياسية.
والمعروف أن الحكومة العراقية الحالية التي يرأسها رئيس الوزراء الشيعي إبراهيم الجعفري تخضع لسطوة الشيعة والأكراد بشكل أساسي ولا يتجاوز الوجود السني فيها مجرد وجود رمزي.
ورغم أن السنة الذين يشكلون نحو عشرين في المائة من الشعب العراقي قاطعوا العملية السياسية في العراق منذ بداية الاحتلال لرفضهم المبدئي الاحتلال، فإنهم أدركوا أن المقاطعة ربما لن تكون في صالحهم على المدى البعيد خاصة مع انفراد الشيعة والأكراد بالسيطرة على الجمعية الوطنية ثم لجنة صياغة الدستور؛ لذلك فقد حرص العراقيون السنة على المشاركة المكثفة في الاستفتاء على الدستور بهدف إسقاطه من ناحية، ولتأكيد قوتهم ووجودهم السياسي من ناحية أخرى.
ورغم أن السنة لا يشكلون نسبة كبيرة من سكان العراق فإن تركز المقاومة المسلحة في صفوف السنة يعطيهم وزناً نسبياً كبيراً في المشهد السياسي الحالي؛ حيث يتملك السنة الكثير من الأوراق التفاوضية في ظل امتلاكهم سلاح المقاومة العسكرية.
وأمام مركز الاقتراع على الدستور في مدينة تكريت مسقط رأس الرئيس العراقي المخلوع صدام حسين قال العميد أمير عبد الكريم: (لقد قلت لا؛ فهذا الدستور كتبه الاحتلال ولن يغير أي شيء في البلد).
أما في الفلوجة فكان التعبير عن الرأي بصورة أشد عنفا حيث دمر معارضو الدستور مقر الحزب الإسلامي السني لأن قيادته وافقت على التصويت لصالح الدستور في اللحظة الأخيرة رغم أن الحزب كان ضمن ائتلاف سياسي واسع النطاق يعارض الدستور. في حين شهدت مدينة الرمادي كبرى مدن الغرب العراقي وأحد معاقل المقاومة المسلحة مواجهة بين أنصار الدستور ومعارضيه قبل فتح مراكز الاقتراع.
أما في مدينة النجف في الجنوب العراقي ذي الغالبية الشيعية فكان الحضور الأمني واضحاً بشدة في مركز الاقتراع حتى أنه يمكن القول إنه كان هناك نحو عشرة جنود لكل ناخب واحد.
تحذير للعراقيين
في الوقت نفسه شهدت الأيام التي سبقت التصويت على مسودة الدستور مواجهة بين الاحتلال والحكومة العراقية الموالية لها من ناحية والفصائل المسلحة من ناحية أخرى ولكنها كانت مواجهة من نوع جديد؛ فقد شن الطرفان حملة إعلامية مكثفة، حيث سعت الحكومة إلى حشد العراقيين للتصويت بنعم للدستور، في حين هددت الفصائل المسلحة وحذرت أي شخص من المشاركة في الاستفتاء. وقد وزعت جماعة تنظيم قاعدة الجهاد في بلاد الرافدين الذين يقوده أبو مصعب الزرقاوي منشورات تهدد العراقيين وتحذرهم من المشاركة. وقال أحد المنشورات: (لقد حذرنا وقد أعذر من أنذر).
في المقابل فإن ستة فصائل عراقية مسلحة دعت العراقيين إلى المشاركة في الاستفتاء لإسقاط الدستور. واعتبرت هذه الفصائل ومنها جيش المجاهدين وغيره من الفصائل التي تتمركز في مدينة الرمادي، أن المشاركة في الاستفتاء فرصة (للرد على الاحتلال وحلفائه الذين يقولون إن المقاومة لا تمتلك أجندة سياسية).
وبالفعل شهدت مدينة التاجي شمال العراق موقفاً يشير إلى أن فصائل المقاومة العراقية سعت إلى حشد العرب السنة لإسقاط مشروع الدستور عبر صناديق الاقتراع؛ فأمام أحد مراكز الاقتراع كان هناك أحد قادة المسلحين الذي عمل في جهاز المخابرات العراقي في عهد صدام حسين يشرف على مجموعة من المسلحين يتولون تأمين مركز الاقتراع. وقد شاهده أحد الصحفيين وهو يعاقب أحد المسلحين لأنه شن هجوما على أحد مراكز الاقتراع.
الأمر نفسه تكرر في أقصى غرب العراق حيث يسيطر المقاتلون تقريبا على الموقف في محافظة الأنبار؛ فقد تولت مجموعات من المسلحين تأمين العديد من مراكز الاقتراع.
وفي الفلوجة انتشرت مجموعة من المسلحين يحملون بنادقهم الآلية لتأمين مراكز الاقتراع في المدينة. وفي مدينة الرمادي تعهدت إحدى القبائل المحلية بحماية مراكز الاقتراع رغم أن تنظيم القاعدة وضع رسالة تهديد على باب منزل زعيم تلك العشيرة الشيخ خضير محمد رئيس المجلس الانتقالي لمحافظة الأنبار.
في الوقت نفسه حشد الجيش العراقي والقوات الأمريكية جهودهما؛ من أجل تأمين مراكز الاقتراع في مختلف أنحاء العراق، وكذلك نقل صناديق الاقتراع إلى تلك المراكز في مختلف أنحاء العراق؛ فعلى مدى سبع ساعات قبل الاستفتاء بيوم تولى الجيش العراقي نقل صناديق الاقتراع إلى مقارها في مدن وقرى محافظة صلاح الدين.
في المقابل صعد معسكر أبي مصعب الزرقاوي هجماته ضد مراكز الاقتراع قبيل الاستفتاء في محاولة من جانبه لمنع العراقيين من المشاركة فيه. وتركزت هجماته على منطقة المثلث السني التي ينشط فيها مقاتلو القاعدة.
مشاركة السنة
يمكن القول إن الإقبال الشديد للسنة على المشاركة في الاستفتاء كشف عن مجموعة من الأمور المهمة، في مقدمتها التمايز الواضح بين فصائل المقاومة العراقية الوطنية المناهضة للاحتلال والجماعات الإرهابية التي يقودها الزرقاوي؛ ففي حين دعا الزرقاوي إلى مقاطعة الاستفتاء دعت تلك الفصائل الوطنية إلى المشاركة فيه وإسقاطه.
الأمر الثاني أن غالبية السنة العراقيين يؤيدون فصائل المقاومة الوطنية المسلحة التي تستهدف الاحتلال أو القوات الحكومية الموالية لها وليس تنظيم الزرقاوي الذي أظهرت تجربة الاستفتاء أنه لا يتمتع بأي أرضية لدى الشعب العراقي بما في ذلك المثلث السني معقل المقاومة المسلحة بمختلف أطيافها.
الأمر الثالث أن العرب السنة في العراق استوعبوا درس المقاطعة في الانتخابات العامة في يناير الماضي عندما تركوا الساحة للشيعة والأكراد ليفرضوا كلمتهم على الحكم؛ ولذلك جاءت مشاركة السنة في الاستفتاء أكبر من مشاركة الشيعة والأكراد في العديد من المناطق.
استمرار الانقسامات
تحت عنوان (استمرار الانقسامات العميقة في العراق بشأن الدستور) نشرت صحيفة الإندبندنت البريطانية تقريرا قالت فيه إن الساعات التي سبقت فتح مراكز الاقتراع في الاستفتاء على مسودة الدستور العراقي شهدت إجراءات أمنية صارمة وبدت بوضوح في العاصمة بغداد التي خلت شوارعها من المارة ما عدا رجال الجيش والأمن العراقيين والدوريات الأمريكية؛ فقد سبق موعد الاستفتاء فرض حظر على التجوال ومنح كل أجهزة الدولة عطلة رسمية.
في الوقت نفسه فإن الانقسام الحاد بين العراقيين تجاه هذا الدستور كان السمة الواضحة.
تقول عتيقة جواد وادي المعلمة في إحدى المدارس الثانوية ببغداد: (هذا الدستور سوف يفتت العراق. أنا وأفراد أسرتي صوتنا ضد الدستور). أما علوان جاسم الأسود وهو الرجل الوحيد الذي وجده مراسل صحيفة الإندبندنت جالسا على أحد المقاهي البغدادية فقال إنه سوف يصوت لصالح الدستور لأن المرجعية الدينية الشيعية تؤيده. وأضاف (الدستور سيساعدنا في تشكيل حكومة شيعية).
وأبرزت صحيفة الإندبندنت أيضا حالة الانقسام التي تعرضت لها الطائفة السنية في اللحظات الأخيرة قبيل فتح مراكز الاقتراع عندما غير الحزب الإسلامي العراقي إحدى القوى السياسية للطائفة السنية موقفه، وأعلن تأييده مسودة الدستور بعد تعديلات اللحظات الأخيرة؛ مما أثار غضبا واسعا في صفوف السنة بما في ذلك أنصار الحزب الذين تقدموا باستقالات جماعية في بعض المدن كما هاجموا مكاتبه في عدة مدن أيضا.
وأجريت عملية التصويت تحت إجراءات أمنية صارمة فحظرت السلطات العراقية استخدام السيارات في الشوارع في المدن الكبرى خوفا من أي هجمات انتحارية ضد مراكز الاقتراع. وكان على الناخبين التوجه إلى مراكز الاقتراع سيرا على الأقدام في حين حصل الصحفيون ومراسلو وسائل الإعلام العالمية وبعض الفئات التي يتطلب عملها التحرك السريع على تصريح باستخدام السيارات.
وفي الوقت الذي كانت السلطات تستعد فيه للاستفتاء كان البغداديون مشغولين بتخزين احتياجاتهم خوفا من تطورات الموقف خاصة أن السلطات فرضت حظرا على التجوال لمدة أربعة أيام.
وفي حي الكرادة ذي الغالبية الشيعية في بغداد التقى مراسل الإندبندنت بغيث باسم وهو طالب عراقي سني قال إنه جاء إلى حي الكرادة لشراء احتياجات أسرته حيث أغلقت المتاجر في حي اليرموك ذي الغالبية السنية أبوابها. وأضاف أنه ضد مسودة الدستور لأنه بمثابة شرارة لإشعال الحرب الأهلية في العراق. وأضاف (أعتقد أن الحزب الإسلامي خائن؛ لأنه يتعامل مع حكومة الجعفري وهي مجرد لعبة في أيدي الأمريكيين)!
وقد شارك في الاستفتاء 61 % من عدد العراقيين الذين لهم حق الاقتراع في الاستفتاء وهم 15 مليون عراقي من بين إجمالي عدد سكان العراق الذي يبلغ نحو 26 مليون نسمة.
ورغم أن الزعماء الأكراد والشيعة أظهروا قدرة كبيرة على حشد أنصارهم للتصويت في انتخابات الجمعية الوطنية في يناير الماضي فإن الأمر اختلف بعض الشيء في التصويت على الدستور حيث تفوق إقبال السنة الذين قاطعوا الانتخابات الماضية على كل من الأكراد والشيعة.
وانطلق إقبال العراقيين السنة على التصويت في الاستفتاء على أساس قدرتهم - من الناحية النظرية - على الإطاحة بالدستور في حالة رفض ثلثي الناخبين المشاركين في التصويت في ثلاث محافظات عراقية مسودة الدستور.
ويتمتع السنة بالفعل بالغالبية في أربع محافظات من بين 18 محافظة يتكون منها العراق، هي: الأنبار ونينوي وصلاح الدين وديالي.
وقد كان العراقيون السنة متحدين في رفض الدستور حتى قبل التصويت بساعات قليلة عندما انشق الحزب الإسلامي على الإجماع السني وأعلن تأييده الدستور بعد إدخال عدة تعديلات في اللحظات الأخيرة.
إمكانية تعديل الدستور
وكانت التعديلات الأخيرة تتمثل في النص على إمكانية تعديل الدستور مرة أخرى خلال ثلاثة أشهر بعد الانتخابات البرلمانية المنتظرة في الخامس عشر من ديسمبر المقبل. ومن المنتظر في تلك الانتخابات وصول عدد أكبر من السنة إلى عضوية الجمعية الوطنية التي ستتولى تعديل الدستور.
وكان السفير الأمريكي في العراق زلماي خليل زادة هو صاحب هذا الاقتراح باعتباره حلا وسطا يضمن استقطاب جزء من السنة لتأييد الدستور بهدف إحداث شرخ في صف السنة يمكن أن يمر من خلاله مشروع الدستور عند الاستفتاء.
والحقيقة أن الإدارة الأمريكية في العراق وبخاصة القيادة العسكرية تشعر بأهمية بالغة بالنسبة لاستقطاب العراقيين السنة إلى العملية السياسية؛ ولذلك فهي غير مستعدة لعمل أي شيء يزيد من سخط العرب السنة ويدفعهم إلى المزيد من دعم المسلحين الذين يشكلون صداعا مزمنا للوجود الأمريكي في العراق.
في الوقت نفسه فإن الأمريكيين يدركون أن ظهورهم في الصورة في عملية صياغة الدستور أو التفاوض عليه سوف يزيد من الشكوك التي تحيط به خاصة أن التدخل الأمريكي في أي شيء في العراق يحاط بالكثير من الشكوك.
يقول سنان يوسف طالب الهندسة العراقي المسيحي الديانة: (هذا دستور أمريكي كتب بأيد عراقية، وأنا أعتقد أنه معدّ منذ وقت طويل).
وفي الوقت نفسه فإن التنازلات التي تصور الحزب الإسلامي أنه حصل عليها تبدو بلا قيمة حقيقية من وجهة نظر الكثيرين. يقول محمد عثمان عضو الجمعية الوطنية الكردي: أعتقد أنه لن يحدث أي تعديل في الدستور بعد انتخابات ديسمبر المقبل ببساطة؛ لأن السنة لن يحصلوا في أي انتخابات على العدد اللازم لذلك من مقاعد الجمعية الوطنية؛ ولذلك فقد وافقت على هذا التنازل الوهمي بهدف جذب السنة إلى تأييد الدستور، وأضاف (ورغم ذلك فإنه يعتقد أن الأشهر الستة المقبلة ستكون حبلى بالمشكلات في العراق بغض النظر عن مصير الدستور في ظل الاستحقاقات شديدة التعقيد التي تنتظر العراقيين).
ويرى غالبية العراقيين أن معركتهم الحقيقية هي ضد المعاناة اليومية المزمنة في ظل انهيار الأمن والبنية الأساسية وهذه لن تتأثر بنتيجة الاستفتاء.
يقول نبيل إبراهيم الحاصل على بكالوريوس اقتصاد ويعمل ميكانيكياً: لا أعتقد أن الدستور سوف يوفر لي الوظيفة المناسبة لمؤهلي؛ لذلك لا أنوي التصويت.
تأثير كنديّ!
وتناولت صحيفة (تورنتو ستار) الكندية قضية الدستور العراقي الجديد والاستفتاء عليه من منظور مختلف حيث ذكرت أن نضال الكنديين من أجل تعديل دستورهم لعب دورا رئيسيا في إرشاد المشرعين العراقيين الذين تولوا مسؤولية وضع مسودة الدستور التي جرى الاستفتاء عليها.
ويقول بوب راي رئيس وزراء مدينة أونتاريو الكندية سابقا والذي زار العراق في الصيف الماضي ضمن وفد منتدى الاتحادية بهدف تقديم المشورة للعراقيين في صياغة الدستور: أعتقد أنه بالنسبة لأي كندي جلس في الجو شديد الحرارة في مركز المؤتمرات في العاصمة العراقية بغداد (حيث كانت تمارس لجنة صياغة الدستور عملها) سيكون الأمر فظيعا.
ويضيف أنه ومعه مجموعة المستشارين الكنديين تذكروا الفشل والنجاح الذي حققه الكنديون عندما خاضوا تجربة تعديل الدستور الكندي عام 1992 ولذلك فقد كانت خلاصة التجربة بالنسبة لهم والتي قدموها للعراقيين أنه يجب التركيز على الاستفتاء وعلى وجود صيغة للدستور قابلة للتعديل.
أما ديفيد كاميرون أستاذ العلوم السياسية في جامعة تورنتو وعضو منتدى الاتحادية وأحد خبراء القانون الدستوري فقد زار العراق لمساعدة العراقيين في صياغة مسودة الدستور وعاد ليقول: إن الوزراء العراقيين كانوا مهتمين بالتجربة الكندية، وبالتحديد الطريقة التي تم بها احتواء الطبيعة الوطنية لإقليم كيبيك ضمن الدولة الكندية.
وأضاف في دراسة نشرها قسم العلوم السياسية في الجامعة أن العراقيين أبدوا قدرا كبيرا من الفهم المعقد لأشكال الحكومة الفيدرالية وضرورة أن يتضمنها الدستور الجديد على أساس التوافق الشعبي.
والحقيقة أن الجدل بشأن الدستور العراقي الجديد تضمن العديد من نقاط الخلاف التي شهدتها مفاوضات تعديل الدستور الكندي قبل أكثر من عشر سنوات، منها حجم السلطة الممنوحة للحكومة المركزية، وكيفية توزيع عائدات النفط، واللغة التي يجب على الحكومة استخدامها لغة رسمية للبلاد. يقول أندريه بوبار أستاذ القانون الدستوري في جامعة مونتريال الذي عمل مستشاراً للأكراد في لجنة صياغة الدستور العراقي: لا أعرف إذا ما كان من الممكن القول إن الدستور العراقي يحمل بصمات كندية أم لا، ولكن العراقيين - وبصفة خاصة الأكراد - يدركون تماما المشكلات التي تواجه الفيدرالية الكندية والصراعات المستمرة بين الحكومة المركزية والحكومات الإقليمية.
وأضاف أن العراقيين حاولوا استخلاص أفضل الدروس الممكنة من تجربة الدستور الكندي رغم أن السياق مختلف تماما بين التجربتين؛ فالجدال بشأن الدستور الكندي كان يجري بعيدا عن أعمال العنف التي أسفرت عن مقتل أكثر من 500 شخص في العراق خلال الأسابيع الثلاثة السابقة على الاستفتاء، كما أن صياغة الدستور الكندي كانت تتم بإرادة وطنية خالصة بعيدا عن أي نفوذ لقوة احتلال تفرض سيطرتها على كل مناحي الحياة كما هو الحال بالنسبة للعراق.
والحقيقة أن عملية التصويت نفسها واجهت الكثير من العقبات، في مقدمتها المشكلات الأمنية، خاصة في ظل وجود أكثر من 6100 مركز اقتراع كان مطلوبا تأمينها وتأمين سبل وصول الناخبين إليها.
في الوقت نفسه فإن السلطات العراقية حظرت سير المركبات في شوارع المدن العراقية وهو ما حدّ من قدرة الناخبين على الوصول إلى مراكز الاقتراع.
ويقول بوبار: إن الأكراد الذين كانوا يتمتعون بحكم ذاتي فعلي في شمال العراق منذ حرب تحرير الكويت عام 1991 سوف يحتفظون بكل مكاسبهم في ظل الدستور الجديد الذي لعبوا دورا رئيسيا في صياغته.
ويضيف أن قضية تقاسم السلطة بين الحكومة المركزية والحكومات الإقليمية في إطار الفيدرالية التي يتضمنها الدستور العراقي الجديد ستخضع في جزء كبير منها إلى مدى قوة كل من الحكومة المركزية والحكومات الإقليمية كما حدث في كندا عندما تمكنت الحكومة المركزية من فرض كلمتها في العديد من القضايا الخلافية مع حكومة إقليم كيبيك.
أما بالنسبة لقضية تقاسم الثروة والموارد فإنها قضية شائكة بالنسبة للعراقيين حيث يشكل النفط الثروة الرئيسية للعراق وهو يوجد في بعض الأقاليم وليس له أي وجود في أقاليم أخرى؛ مما يعني أنه من الضروري التوصل إلى صيغة تضمن لكل أقاليم الدولة الحصول على حصة من هذه الثروة.
في الوقت نفسه فإن التركيبة العرقية والطائفية للشعب العراقي تتطلب قدرا من المرونة والفيدرالية اللا مركزية في الدستور على رغم أن الولايات المتحدة كانت تريد نموذجا أمريكيا قائماً على منح الحكومة المركزية الجزء الأكبر من السلطة. وقد استشار العراقيون أيضا خبراء سويسريين وماليزيين وبلجيكاً لمعرفة طبيعة النظم الفيدرالية في دولهم.
ورغم كل الاهتمام الدولي بعملية صياغة الدستور العراقي والاستفتاء عليه بعد ذلك، فإننا لا يمكن أن نتجاهل الحقيقة الواقعة على الأرض، وهي أن العراق ما زال دولة مدمّرة، وما زال شبح الحرب الأهلية يخيّم عليه، والمطلوب المزيد من الجهد العراقي والدولي والإقليمي؛ لإنقاذ هذه الدولة من الوقوع في دوامة الحرب الأهلية التي لن تبقي ولن تذر.

..... الرجوع .....

الطب البديل
الفن السابع
الفن العربي
عالم الاسرة
المنزل الانيق
نادي العلوم
الملف السياسي
حوار
استراحة
إقتصاد
حياتنا الفطرية
منتدى الهاتف
مجتمعات
روابط اجتماعية
x7سياسة
صحة وغذاء
شاشات عالمية
تميز بلا حدود
أنت وطفلك
الصائم الصغير
الحديقة الخلفية
الصفحة الرئيسة

ارشيف الاعداد الاسبوعية

ابحث في هذا العدد

للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2002, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved