الاقتصادية المعقب الالكتروني نادي السيارات الرياضية كتاب واقلام الجزيرة
Tuesday 31th January,2006 العدد : 158

الثلاثاء 1 ,محرم 1427

الأصل.. والصورة !!
هناك صورة وهناك أصل..
أو أصلي وتقليد..
خذه بضمان أو بغيره..
كما لو أنهما وجهان لعملة واحدة.
***
هكذا تتصادم المواقف أمامنا..
وتتقاطع الخيارات..
من محطة لأخرى..
في رحلتنا المتسارعة في هذه الحياة.
***
فبعضنا يختار القمة مكاناً له ولا يقبل بغيرها..
وآخرون ربما تساوى ذلك عندهم..
الخياران - الصور والأصل - يبقيان همَّاً للبعض..
لكن لا مشكلة بين ما كان أصيلاً أو صُنِّف على أنه تقليد عند البعض الآخر.
***
أريد أن أقول: إن المسألة ليست عمى ألوان..
أو أن الصورة من أساسها لم تكن لها ملامح واضحة..
وأريد أن أقول: إننا مجتمع فينا من يعيش بلا طموح..
وبعضنا يحتاج إلى من يذكِّره ويحفِّزه ليختار الموقع المتقدم أو الأفضل.
***
لكن المسألة ليست محصورة بحق المرء في الاختيار..
ولا أنها في سوء الاختيار لمن يعتقد أن له حق الاختيار..
فاختيار المواقع المتقدمة لا يتم إلا بشروط، وعند حلول فرصتك في حق الاختيار فهناك الكثير من المتطلبات.
***
من يريد أن يتمتع بالأصل لا التقليد..
ويتبوَّأ كرسياً في الأمام وليس بالخلف..
من يريد أن يكون قائداً لا مقوداً..
ورئيساً لا مرؤوساً..
عليه أن يُحضِّر لذلك بالتعليم والتدريب والخبرة ومواصفات الوظيفة القيادية، وإلا فشل في تحقيق ذلك حتى ولو لامست رغبته كل هذه التمنيات.
***
هناك أصوات تتحدث عن أنها مُحبَطة، وتختلق أسباباً لذلك..
وأخرى تتحدث بما يوحي للمستمع بأنها مظلومة..
وثالثة تقول إنها أجدر ممن يرأسها، وعندها لتأكيد ذلك حججها ومبرراتها..
ومثل ذلك من يرى في نفسه الكفاءة ليكون في موقع متقدم، أو أكثر تقدماً..
لكن.. ما كل ما يتمنى المرء يدركه دائماً، على قول الشاعر، بل وقول الواقع.
***
ولأننا نتمنى للجميع أن توافق الوظيفة هواهم، وتكون قياساتها لهم لا لغيرهم..
وأن يكون الإنسان في الموقع الذي يتمناه ويلبِّي طموحاته..
بأمل أن ينتج ويفيد ويستفيد، ويعطي للوظيفة حقها من الجهد والبذل والعطاء والإخلاص..
قلنا: إن التمني لا يكفي، والرغبة وحدها لا تعطي للإنسان كلَّ ما يريد، قياساً على أن( طالب الولاية لا يُولَّى) مع الفارق طبعاً.
***
ليتنا نسعد في حياتنا، وهذا لا يتحقق ما لم نتمثل دائماً بالقدوة ونحاكيه حيثما يكون..
باعتباره أصلاً لا صورة، أي أنه ليس مقلداً، ولم يأخذ مكانه (بالفهلوة) أو الكلام المنمَّق المعسول..
مع أن هناك حالات قد لا تكون كذلك، فتأخذ مواقع يكون أصحابها لا يستحقونها، وهذا قد يغري من هو بدون مكونات تحقق له ما يتطلع إليه، ليستمرئ هذه السياسة، فتضيع حياته بالتمني الذي لن يتحقق.
***
هل فهمتم ما أعنيه؟..
ومن ثم أدركتم مراميه..
وبالتالي.. هل تريدون أن تكونوا كالأصل أم الصورة؟!..
إنها عملة واحدة ولكن بوجهين!!..
فاختاروا ما يناسب قياسكم من وجهيها، ولا تتعبوا أنفسكم فيما لا قدرة لكم على الوصول إليه.


خالد المالك

خطوط السكك الحديدية في العالم.. نشأتها وتطورها (2-3)
عام 1814 انطلقت في بريطانيا أول قاطرة تسيرعلى قضبان

* إعداد - خالد حامد وأشرف البربري
عندما انطلقت أول قاطرة بخارية تسير على قضبان في العالم عام 1814 في بريطانيا انفتحت أمام البشرية أفاق جديدة في مجال النقل والحركة وأصبح ذلك (العفريت) الذي يقطع الأرض بسرعة لم يعتدها البشر في ذلك الوقت كلمة السر في تغيير العلاقة بين الزمن والمسافة. والحقيقة أن اختراع القاطرة البخارية وما تتمتع به من قدرة كبيرة على قطع مسافات طويلة في زمن قصير كان من أسرع الاختراعات انتشارا في العالم خلال القرن التاسع عشر. فلم يكد ينتهي الربع الثالث منه حتى كانت القضبان الحديدية تخترق الصحاري والوديان في العديد من مناطق العالم.
وكانت مصر أول دولة في الشرق تعرف القطارات كما كانت ثاني دولة في العالم تعرف هذه الوسيلة للنقل بعد بريطانيا. وقد بدأ التفكير في هذا المشروع قبل حفر قناة السويس بهدف إيجاد وسيلة حديثة لربط البحرين الأحمر والمتوسط حيث كانت سفن البضائع القادمة من آسيا تفرغ حمولتها في السويس لتنقلها الجمال بعد ذلك برا إلى السفن الراسية في ميناء الأسكندرية على البحر المتوسط وكان يحقق لمصر دخلا كبيرا كرسوم عبور.
دفع هذا الوضع الخديوي عباس الأول إلى التفكير في إقامة خطوط سكك حديدية تربط بين الأسكندرية والسويس وفي عام 1851 دخل في مفاوضات مع روبرت ستفنسون لإقامة الخط على أن يبدأ بمد خط من القاهرة إلى الأسكندرية. وبدأ العمل في هذا المشروع عام 1852 وانتهت المرحلة الأولى منه حتى مدينة كفر الزيات في منتصف المسافة بين القاهرة والأسكندرية تقريبا عام 1854 حيث كانت الرحلة تبدأ من القاهرة بالقطار وتنتهي في كفر الزيات لتستكمل الرحلة بعدها بالجمال والعربات التي تجرها الخيول. وبعد ذلك استكمل بناء الخط حتى الأسكندرية ثم من القاهرة إلى السويس.
خط القاهرة - أسوان
ثم واصل المصريون مد خط السكك الحديدية من القاهرة إلى الجنوب لتصل إلى مدينة أسيوط على بعد حوالي 230 ميلا من القاهرة عام 1874. وفي عام 1898 وصل القطار إلى مدينة الأقصر على بعد 340 ميلا من القاهرة. وبعد الوصول إلى الأقصر أقيمت شركة خاصة تولت مد خط السكك الحديدية إلى مدينة أسوان في أقصى الجنوب باسم شركة قنا أسوان للسكك الحديدية.
والغريب أن البريطانيين الذين كانوا قد فرضوا سيطرتهم على مقدرات مصر بعد احتلالها عام 1882 استخدموا نظاما جديدا في الجزء الأخير من خط السكك الحديدية بين القاهرة وأسوان وهو الجزء الممتد من الأقصر إلى أسوان حيث تم استخدام نوعية مختلفة من القضبان والقطارات بحيث لا يمكن لقطارات سكك حديد مصر في ذلك الوقت مواصلة الرحلة مباشرة إلى أسوان حيث يضطر الركاب إلى النزول في الأقصر وركوب قطار آخر ينطلق بهم نحو أسوان تديره شركة قنا/أسوان للسكك الحديدية وهي شركة مملوكة لمستثمرين بريطانيين. وبعد نجاح البريطانيين في احتلال السودان تحت راية مصرية بريطانية مشتركة عام 1899 قررت سلطات الاحتلال تعديل خط القطار من الأقصر حتى أسوان ثم الشلال الأول في أقصى جنوب مصر ليصبح امتدادا طبيعيا لشبكة السكك الحديدية في مصر. وتم ذلك المشروع عام 1926 حيث امتد الخط إلى وادي حلفا داخل الحدود السودانية.
قطارات المدن بمصر
وفي عهد الخديوي إسماعيل بدأت مصر دخول عصر قطارات المدن عندما تم مد خط قطارات حلوان الذي يربط بين محطة سكك حديد مصر في قلب القاهرة بضاحية حلوان خلال الفترة من 1870 حتى 1872. وكان هذا الخط تابعا لشركة سكك حديد مصر المملوكة للدولة حتى عام 1888 عندما تولت شركة سواريس فيراري تشغيله. وسرعان ما انتشرت في القاهرة خطوط قطارات المدن (الترام) وتولت إدارته شركة بلجيكية وشركة فرنسية وأصبحت هذه القطارات وسيلة المواصلات العامة الأولى في عاصمة مصر خلال الربع الاول من القرن العشرين. وأثناء الحرب العالمية الأولى بدأ الإنجليز يفكرون في إقامة خط للسكك الحديدية يربط بين مصر وفلسطين لخدمة المجهود الحربي. وبالفعل بدأ العمل في بناء الخط من القنطرة شرق على الضفة الشرقية لقناة السويس وحتى غزة. واكتمل البناء عام 1918. في الوقت نفسه وافقت شركة قناة السويس على إقامة كوبري علوي فوق القناة حتى يمكن ربط خط سكك حديد القاهرة السويس بخط سكك حديد فلسطين مباشرة لتوفير الوقت بشرط تفكيك الكوبري بعد انتهاء الحرب.
تطور سكك حديد مصر
واستمر تطور السكك الحديدية في مصر التي شكلت واحدة من أهم المؤسسات الاقتصادية في مصر خلال النصف الأول من القرن العشرين بسبب اعتماد البريطانيين عليها في عمليات الإمداد والتموين لقواتها سواء أثناء الحربين العالميتين الأولى والثانية أو فترة ما بين الحربين.
وبعد قيام ثورة الثالث والعشرين من يوليو عام 1952 في مصر ثم رحيل القوات البريطانية بعد ذلك شهدت شبكة السكك الحديدية في مصر تغييرات كبيرة حيث اختفى خط سكك حديد رفح بعد الاحتلال الإسرائيلي لشبه جزيرة سيناء عام 1967حيث استخدمت إسرائيل حديد الخط في بناء خط بارليف الشهير على الضفة الشرقية لقناة السويس.
عصر قطارات الأنفاق
وفي الثمانينيات دخلت مصر عصر (قطارات الأنفاق) أو مترو الأنفاق كما يطلق عليه في مصر.
لاشك أن مشروع مترو الأنفاق من أكبر المشاريع والإنجازات التى تحققت على أرض مصر، حيث أصبحت مصر بتنفيذ هذا المشروع العملاق، أولى الدول الإفريقية والشرق أوسطية امتلاكا له، وقد وضع مشروع مترو الأنفاق اللبنة الرئيسية لتطوير النقل الجماعى داخل القاهرة الكبرى ليس فى الوقت الحاضر ولكن فى المستقبل أيضاً، إذ إن عائد مشروعات الأنفاق يمتد للأجيال القادمة.
وقد حققت تجربة مترو الأنفاق في مصر نجاحا كبيرا رغم بعض السلبيات حيث شجع نجاح الخط الأول الذي يربط بين شمال القاهرة وجنوبها إلى إقامة خط ثان يربط بين شمال شرق القاهرة وغربها. وتجري حاليا الخطوات التنفيذية للبدء في إقامة خط ثالث لتغطية مدينة القاهرة بشبكة قطارات الانفاق.
وتبلغ الطاقة التصميمية للخطين الأول والثانى 3.7 ملايين راكب/يوم، وهذه الطاقة ستكون عاجزة عن استيعاب الحجم المرتقب للحركة على شبكة المترو، وهى حوالي 8.7 ملايين راكب/يوم بحلول عام 2022 لذلك ظهرت الحاجة الملحة لإقامة الخط الثالث لتحقيق مجموعة من الأهداف في مقدمتها خفض المرور السطحي للسيارات والحافلات وغيرها من المركبات بما يعادل 2 مليون رحلة يومياً فى منطقة وسط المدينة وما يؤدي إليه من تحسين للبيئة وتوفير الوقت والمال لمستخدمي وسائل النقل العام في القاهرة. كما أن الخط الثالث سيؤدي إلى رفع كفاءة الخطين الأول والثاني لتبادل الخدمة معهما وارتفاع العائد. بالإضافة إلى تحقيق عوائد اجتماعية وبيئية، تتمثل فى تقليل التلوث والضوضاء والارتفاع بالمستوى الصحي للسكان، بالإضافة إلى تحقيق سهولة التحرك وراحة وأمان المواطنين. وتشير الأرقام إلى فشل مصر في استغلال شبكة السكك الحديدية في نقل البضائع رغم أنها تغطي مساحات واسعة من مصر. ففي عام 1992 بلغ حجم البضائع التي نقلتها القطارات في مصر 9.6 ملايين طن تشكل 5.4 في المائة من إجمالي حجم النقل البري للبضائع في مصر. ورغم زيادة الحجم عام 2002 ليصل إلى 12 مليون طن فإن النسبة انخفضت إلى 8.2 في المئة.
خط حديدي أشعل الحرب
يرى عدد كبير من المؤرخين الأوروبيين بأن مشروع خط سكك حديد بغداد/برلين كان من بين البذور الأولى للحرب العالمية الأولى بعد ذلك بسنوات حيث نظرت بريطانيا إلى هذا المشروع الذي كانت الحكومة الألمانية تقف وراءه بقوة كحلقة في مسلسل ألمانيا وتركيا وروسيا لكسر سيطرة بريطانيا على حركة التجارة في بحار العالم. وقد كان مشروع الخط الحديدي طموحا للغاية حيث يربط العاصمة الألمانية برلين بموانئ العراق على الخليج العربي ليصبح طريق ألمانيا إلى التجارة الآسيوية مفتوحا.
وقد بدأ العمل في هذا المشروع عام م 1889 وقد حصل البنك الألماني في عام 1912 من الحكومة العثمانية على حقوق استكشاف وإنتاج البترول في بلاد الرافدين الذي تمر به سكة حديد برلين بغداد وعلى مساحة تمتد 20 كيلومترا على جانبي سكة الحديد، كان ذلك سيكسر تبعية ألمانيا وهي القوة الاقتصادية الناشئة في أوروبا لنفط شركة روكفيلر ستاندارد اويل الأميركية، لم تكن بريطانيا منتجا كبيرا لنفط الخليج في إيران لكنها كانت مصرة على حرمان منافسيها وخاصة ألمانيا من الثروة الكامنة هناك.
وبالرغم من المحاولات الالمانية لإشراك بعض الشركات الاوروبية المرتبطة بعضها مع بريطانيا أو فرنسا للاستثمار المشترك مع مشروع سكك حديد بغداد / برلين، فإن القلق البريطاني كان أقوى تاريخيا من الصفقات المؤقتة.
بل إن روسيا القيصرية دخلت اللعبة بالقول إن خط سكك الحديد الذي يمر بالموصل،سيهدد ممتلكاتها في القوقاز ويؤثر على حدودها الأرمنية مع السلطنة. وسارعت الى مطالبة السلطنة بتعويضات مباشرة، كان مؤتمر برلين سابقا قد أقرها. واضطرت السلطنة الى تغيير مرور الخط الى طريق قونية!! وكانت فرنسا تنظر الى المشروع من خلال منظار آخر يختلف نوعيا عن العدسات البريطانية. واعتقدت أن تجارتها الواسعة مع الامبراطورية العثمانية وتحديدا في بلاد الشام قد تجلب لها الأرباح العالمية في استثماراتها المصرفية الجديدة. وكانت تهتم بخطوط التجارة التي تربط الموانئ البحرية العثمانية ولا سيما أزمير والاسكندرونة مع خط حلب الموصل الحيوي. وقادت المعركة البريطانية شركاتُ الملاحة والخطوط التجارية التي تربط الشمال الاوروبي مع الهند عبر الموصل والبصرة وبدأت مساومة الألمان بأن بريطانيا لن تقاوم المشروع في حالة سطوتهم على القسم الأساسي الجنوبي من الخط الممتد بين بغداد - البصرة!! وحين امتنعت المانيا عن هذه المساومة صرح اللورد كرزن بأنه لا يمكن أبدا السكوت عن هذا الخط. بل إن كرزون قد اندفع في حماقاته الفكرية قائلا إن هذا المشروع قد يؤدي الى انعاش الدولة العثمانية. وعندما قامت الحرب العالمية الأولى وضعت كلمة النهاية لهذا المشروع الطموح الذي لم يكتب له أن يكتمل وإن كانت الأجزاء التي أقيمت منه داخل العراق دخلت حيز التشغيل وأصبحت نواة لشبكة السكك الحديدية في العراق.
ويمتد خط السكك الحديدية الرئيسي في العراق حاليا من البصرة في الجنوب إلى الموصل في الشمال بطول 1263 ميلا. ويتكون الخط من ثلاث محطات رئيسية في بغداد والموصل والبصرة بالإضافة إلى 130 محطة صغيرة.
وإلى جانب هذا الخط الرئيسي توجد شبكة من الخطوط المتفرعة منه التي تربط مدن شرق وغرب العراق بالخط الرئيسي.
وتعاني شبكة السكك الحديدية في العراق شأنها شأن كل مرافق الحياة في هذه الدولة العربية التي نكبت بالحصار الدولي لمدة 13 عاما بعد غزو الكويت عام 1990 ثم بالاحتلال الأمريكي منذ عام 2003م.
ورغم كل الخطط التي أعلن عنها لإعادة تأهيل شبكة السكك الحديدية في العراق بتكلفة تصل إلى 55 مليون دولار مازال الأمر على حاله تقريبا.
القطارات في بريطانيا
كانت بريطانيا تتربع على عرش العالم منذ القرن الثامن عشر سواء عسكريا أو اقتصاديا أو علميا. ولذلك لعبت دورا مهما في الثورة الصناعية التي شهدها العالم في القرن الثامن عشر باكتشاف قوة البخار. وكانت بريطانيا اللاعب الرئيسي في عالم القطارات والسكك الحديدية في القرن التاسع عشر.
وقد استطاع (وليم مردوخ) في عام 1781 إنتاج قاطرة تعمل بقوة البخار، وتمت تجربتها في منطقة (رودث كورنول) بإنجلترا عام 1784 وتبارى المخترعون في تطوير وتحسين هذه القاطرة، وفي سنة 1814 تمكن (ريتشارد نريفثك) من افتتاح خط حديدي قصير في مقاطعة ويلز الجنوبية بإنجلترا، وذلك بعد اختراعه لقاطرته التي أطلق عليها (ليلحقِ بي من يشاء)، ولكن الأمور لم تسر كما أراد، إذ لحق به الجميع، وذلك بعد تحطم القضبان المسنّنة، والمصنوعة من الزهر، وكان النجاح من نصيب (جورج ستيفنسن)، الذي نجح في تسيير قاطرة ذات عجلات ملساء على قضبان ملساء، وذلك في منجم (كولنج ورث)، بإنجلترا وأقنع رجال الأعمال الإنجليز بإنشاء خط ترام لمسافة قصيرة مستخدما فيها قاطرته، وبالفعل تم تشغيل الخط في عام 1825، ثم توسعت التجربة لتمتد بين ليفربول ومانشستر في سبتمبر 1830، وفي ذات العام تم تشغيل أول خط حديدي في الولايات المتحدة الأمريكية، وبدأت الخطوط الحديدية تزحف على القارة الأوروبية بدءًا من عام 1832 إذ لم يأت عام 1836 حتى بلغت أطوال السكك الحديدية في إنجلترا وحدها 1000 ميل وفي أنحاء العالم 11500 ميل.
وقد لعبت الشركات الخاصة الدور الأكبر في تطور ونمو شبكة السكك الحديدية في بريطانيا خلال القرن التاسع عشر لاسيما وأن أول خط أنشأه القطاع الخاص وبالتالي لم تكن هناك دولة بإمكانياتها الهائلة وراء هذا الخط مما فتح الطريق أمام شركات أخرى للدخول في هذا المجال الجديد.
ورغم أن العديد من الشركات الصغيرة ظهرت واختفت خلال تلك السنوات لأسباب مختلفة فإن وجود تلك الشركات في مجال خطوط السكك الحديدية في بريطانيا ظل ملموسا خلال العقدين الأول والثاني من القرن العشرين. ولكن الحرب العالمية الأولى وما أعقبها من مشكلات اقتصادية أدت إلى اختفاء العديد من الشركات الصغيرة التي لم تتمكن من مواجهة المنافسة واستطاع عدد أقل من الشركات الكبيرة من التهام تلك الشركات الصغيرة بشرائها وضم خطوطها إلى شبكاتها. وبحلول عام 1923 أصبحت بريطانيا تضم أربع شركات للسكك الحديدية فقط عرفت باسم (الأربعة الكبار) وهي (جريت ويسترن رايل واي) و(لندن ميدلاند أند سكوتش رايل واي) و(لندن أند نورث إيسترن رايل واي) و(ساثرن رايل واي).
وعندما جاءت الحرب العالمية الثانية عام 1939 وحتى 1945 ألقت بظلال كثيفة على السكك الحديدية في بريطانيا كما ألقت بظلالها على مختلف مناحي الحياة. فنتيجة للتداعيات الاقتصادية لتلك الحرب انطلقت حملة لتأميم المؤسسات الاقتصادية الكبرى في بريطانيا حتى يمكن تنفيذ خطط إعادة بناء ما دمرته الحرب وفقا لخطط موحدة. وبحلول عام 1948 كان السكك الحديدية قد تأممت تحت اسم (بريتش ريال وايز) التي تولت تشغيل وإدارة كافة خطوط السكك الحديدية في بريطانيا.
وفي منتصف الخمسينيات انطلقت حملة لتحديث شبكة السكك الحديدية في بريطانيا ولكن مع مطلع الستينيات أصبحت العديد من خطوط القطارات في المناطق الريفية غير ذات جدوى ويجب إلغاؤها. وتشكلت لجنة لوضع خطط تحديث شبكة السكك الحديد في بريطانيا وأصدرت تقريرا عرف باسم تقرير بيشينج عام 1963 احتوى على الكثير من الثغرات منها الدعوة إلى إغلاق أحد أحدث الخطوط الحديدية في بريطانيا الذي يربط مانشستر بشيفلد عبر وولدهيد والدعوة إلى إلغاء خدمة القطارات في أكبر مدينة في بريطانيا وربما في اوروبا. ورغم ذلك حقق هذا التقرير العديد من الآثار الإيجابية منها التخلص من بعض الخطوط غير المجدية أو ما أطلق عليها (الأفرع الميتة).
وفي أواخر الستينيات أعيدت هيكلة هيئة السكك الحديد البريطانية تحت اسم (بريتش رايل) في إطار عملية تحديث مستمرة واختفت القطارات البخارية أمام القطارات التي تعمل بالديزل (السولار) والكهرباء.
وخلال السبعينيات أدرك مسؤولو السكك الحديد في بريطانيا أن القطارات العتيقة لم تعد ملائمة لسوق السفر الذي شهد منافسة شرسة من جانب الطائرات والسيارات فظهر إلى الوجود مشروعان هما (قطار الركاب الحديث) و(القطار فائق السرعة).
ولكن مشروع قطار الركاب الحديث تعرض للعديد من الصعوبات التي عرقلت تقدمه رغم وجود بعض المؤشرات على إمكانية نجاحه. فقد كان هذا المشروع يبدو معقدا ومكلفا جدا في ذلك الوقت. في المقابل فإن القطار فائق السرعة أظهر قدرا أكبر من النجاح وأصبح الخيار المفضل للعديد من شركات القطارات.
وكان عقد الثمانينيات من السنوات العجاف بالنسبة للسكك الحديد في بريطانيا حيث تراجع عدد الركاب بشكل كبير وتأثر هذا القطاع بالمشكلات الاقتصادية التي تعرضت لها بريطانيا في ذلك الوقت بالاضافة إلى المواجهات السياسية الشرسة بين العمال ورئيسة وزراء بريطانيا في ذلك الوقت التي عرفت باسم المرأة الحديدية مارجريت تاتشر. ومع اقتراب التسعينيات عادت فكرة خصخصة السكك الحديد في بريطانيا إلى الوجود مرة أخرى في إطار السياسة العامة للاتحاد الأوروبي. وقد اختارت بريطانيا صيغة معقدة لخصخصة هذا القطاع الحيوي مما أثار العديد من الانتقادات والصعوبات.
وإذا كان قطار نريفثك عام 1814 نقطة تحول في تاريخ النقل ببريطانيا فإن انطلاق قطار (المانش) الذي يعبر القنال الإنجليزي في نفق تحت الماء عام 1994 كان حدثا تاريخيا مهما بالنسبة للإنجليز بما يتجاوز حدود وسائل النقل. فقد أدى هذا النفق الذي يضم طريقين أحدهما للسيارات والآخر للقطارات إلى جعل بريطانيا جزءا من أوروبا بالمعنى الحرفي للكلمة حيث أصبحت هناك وسيلة مواصلات برية تربط بين الجزر البريطانية والقارة الأوروبية لأول مرة في التاريخ.
قطار الأنفاق
ولما كانت بريطانيا أول من عرف القطارات فإن لندن أول مدينة تشهد مد خطوط قطارات تحت الأرض أو ما يعرف باسم (مترو الأنفاق). فمع زيادة الاعتماد على القطارات كوسيلة انتقال سريعة وإمكانية استخدامها داخل المدن في مسارات محددة بدأ البريطانيون يفكرون في تطوير استخدام هذه القطارات من خلال إقامة شبكة أنفاق تحت الأرض تسير فيها القطارات بعيدا عن الشوارع حتى تضمن مسارات مفتوحة بدون تقاطعات لتلك القطارات.
وواجهت الفكرة في البداية صعوبات مالية وفنية عديدة ما أرجأ دخولها حيز التنفيذ حتى عام 1854 وفي العاشر من يناير عام 1863 بدأ تشغيل قطار الأنفاق في لندن حيث ركبه في اليوم الأول أكثر من أربعين ألف راكب. وكان زمن التقاطر عشر دقائق فقط. وبحلول عام 1880 كان عدد مستخدمي قطار الانفاق في لندن أربعين مليون راكب سنويا. ومع استمرار إقبال المستخدمين على هذه الوسيلة زادت الاستثمارات لتطوير الشبكة وزيادة عدد خطوطها وتقليل زمن التقاطر حتى أصبحت شبكة قطارات أنفاق لندن واحدة من أكبر شبكات قطارات أنفاق في أي مدينة في العالم وأشدها ازدحاما. وتضم الشبكة حاليا 274 محطة وتغطي 408 كيلومتر وبلغ إجمالي عدد مستخدميها عام 2004- 2005 حوالي 976 مليون راكب.


* يتبع

..... الرجوع .....

الطب البديل
الفن السابع
الفن العربي
عالم الاسرة
المنزل الانيق
خارج الحدود
الملف السياسي
استراحة
حياتنا الفطرية
منتدى الهاتف
مجتمعات
دراسة
روابط اجتماعية
آفاق
صحة وغذاء
شاشات عالمية
تميز بلا حدود
أنت وطفلك
تقارير
سوق الانترنت
الحديقة الخلفية
الصفحة الرئيسة

ارشيف الاعداد الاسبوعية

ابحث في هذا العدد

للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2002, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved