Thursday 3rd March, 1999جريدة الجزيرة 1419 ,الخميس 15 ذو القعدة


مستعجل
المدارس الصحفية

** تختلف المدارس الصحفية من مدرسة الى أخرى,, مثلما يختلف الصحفيون من صحفي الى آخر.
لكل صحفي وجهة نظر,, ولكل صحفي مدرسته الخاصة التي يتبع لها ويقتنع بأفكارها,, ولكل صحفي منهجه الصحفي الذي يظنه النهج الصحيح الأوحد وما عداه ليس صحافة.
** هنا,, تكون المشكلة,, إذ كثيراً ما نسمع من هذا الصحفي أو ذاك,, أن تلك هي الصحافة وهو ما يراه وينتهجه.
** أما ما يراه الآخرون وما ينتهجونه,, فلا علاقة له بالصحافة بل هو يسخر منه ويتندر عليه,.
** هناك من يرى,, أن الصحافة إثارة,, عناوين مثيرة, مواد صحفية صاخبة,, لقاءات ساخنة,, مقالات ملتهبة,,, زوايا يتطاير منها الشرر,, وما عدا ذلك,, لا يعد صحافة على الاطلاق,, ولا يمكن لأي موضوع أن يصنف على انه موضوع صحفي,, ما لم تتوفر فيه المواصفات السابقة.
** هنالك من يرى,, ان الصحافة هدوء وسكون ونفس هادىء,, ويجزم ان الصحافة متى خرجت من هذا الاطار اضحت مجرد نزهات وخزعبلات وفرقعات لا تلبث أن موت.
** وهناك من يرى,, ان الصحافة رأي ومقال وتحليل,, وهناك وهناك آراء ومشارب ورؤى مختلفة حول الصحافة,, لكن المدرستين الأوليين هما السائدتان اليوم.
** والصحفيون,, بل والكتاب وسائر المتعاونين مع الصحيفة,, هم الآخرون ينتمون لمدارس ومشارب صحفية متباينة,, فهذا يتبع للمدرسة الاولى - مدرسة الاثارة - وآخر يتبع للمدرسة الثانية - مدرسة الهدوء والسكون - وآخر لمدارس اخرى وهكذا,, وبين هذا وذاك من الصحفيين خلافات عمل قد تؤدي الى معارك عنيفة متى وصل الحد الى تسفيه رأي الآخر - وكثيراً ما يحدث ذلك,, وكثيراً,, ما يطرد ويفصل البعض بسببها.
** الا ان المدرسة الاولى - مدرسة الاثارة والقوة والسخونة,, هي المدرسة السائدة,, وهي الأقرب للصحافة في نظري,, وان كنت لا اكره المدرسة الثانية,, غير انني عشت مع المدرسة الأولى اكثر التصاقاً وأكثر أماناً,, واحسست انني تألقت أكثر وأكثر.
** أما المدرسة الثانية,, فشعرت انها اسوأ ايام حياتي,, ودخلت مع تلك المدرسة في دوامة من الخلافات والمشاكل,, قادتني الى ترك الصحافة بعض الوقت - بارادتي او بدون ارادتي - لأن الصحافة لم تكن في يوم من الايام مجرد موضوع تعبير مدرسي,, تصف فيها رحلة مدرسية قمت بها,, او تصف فيها المناظر الخلابة في الربيع,, او تصف فيها شكل الحديقة القريبة من منزلك,, او نصف حال يوم ماطر.
** والدليل على ان المدرسة الاولى هي الاقرب والالصق للعملية الصحفية,, هو ان الصحفية التي تطبق المدرسة الأولى,, يكون توزيعها الأعلى,.
** لقد عايشت وجربت المدرستين,, فوجدت الاولى هي الاكثر اماناً,, وهي الاكثر ارتياحاً,, وهي الاقرب الى نفسي والى الصحافة,, وهي التي تشعر معها انك تقدم عملاً صحفياً خلاقاً يرضيك ويرضي القارىء.
** ففي ظل المدرسة الاولى كانوا يلاحقونني في منزلي,, وفي السيارة ويطاردونني بالتليفون متى تأخرت الزاوية.
** أما المدرسة الثانية فكانوا يفرحون أشد الفرح متى تأخرت الزاوية,, بل يتباشرون.
** في المدرسة الاولى - رغم انني اسخن زاويتي - كانوا يستحثونني على التسخين سخن زاويتك,, سخن أكثر نريدها ملتهبة ,.
** أما المدرسة الثانية,, فمهما كانت الزاوية ضعيفة باهتة رديئة,, فانهم يبحثون عما هو اضعف وارداً حتى غدت الزاوية - في حينها - مجرد سواد لا طعم له ولا لون ولا رائحة.
** في المدرسة الاولى,, اعطيهم خمس زوايا وينشرونها كلها كاملة,,
** وفي المدرسة الثانية,, أعطيهم عشراً,, ويردون ثمان,, لأنها غير صالحة ولا يمكن ان تنشر على الاطلاق ثم اقوم بنشرها في صحيفة او مجلة اخرى,, واكتشف,, ويكتشف الجميع ان خوف هؤلاء لا اساس له,, وانهم مجرد اشخاص مسكونون بالخوف ليس إلا,.
** ثم ان الزاوية التي تنشر من العشر,, يحذف بعضها,, بل ويزيد عليها احيانا بشيء لم اقله,, ومع ذلك,, نصبر.
** اما الدليل الاخير,, فهو ان صحافيي ومحترفي المدرسة الاولى تصل رواتبهم الى ثلاثين الف ريال شهرياً.
** اما صحفيو المدرسة الثانية فرواتبهم لا تزيد على اربعة آلاف رغم انهم متفرغون,,
** اما الفارق الآخر,, فهو ان منسوبي المدرسة الثانية,, ينسون تماماً بمجرد تركهم العمل الصحفي,, وما أسرع ما يتركونه,, اذ بمجرد مغادرتهم باب الجريدة,, لم يعد لهم اسم ولا رسم,, وينساهم الناس في اليوم التالي.
** اما ارباب المدرسة الاولى,, فيصل احدهم تسعين عاماً والناس تردد أسماءهم بكل قوة,, حتى ولو تركوا الصحافة,, ونادراً ما يتركونها الا لاسباب خارجة عن ارادتهم.
** ثم ان اصحاب المدرسة الأولى,, لا يمكن لأحدهم ابداً ان يعمل في غير الصحافة حتى لو عين بمائة الف ريال.
** اما اصحاب المدرسة الثانية فقد تفاجأ بهم في اي مهنة اخرى مهما كان مردودها,.
** شتان بين المدرستين,, اذ لا تجتمع صحافة وموت بل ان المدرسة الاولى تنشط قواك وتشحذ ذاكرتك - وتجعلك تقبل على العمل والكتابة بنفس .
** اما المدرسة الثانية فتجعلك تكره مجرد الامساك بالقلم .
** اتمنى,, لو تتاح لي الفرصة للبوح بالمزيد من الحقائق والمعلومات عن المدرستين وعن فرسان كل مدرسة واتمنى لو مُكّنت من سوق بعض الاستشهادات؟!.
** كما انني,, اجزم,, ان مثل هذا الكلام,, قد لا ينشر الا في ظل المدرسة الاولى,, ومتى رأيتموه في أي صحيفة,, فاشهدوا لها بأنها صاحبة المدرسة الاولى وادفعوا ريالين ولا تستخسروه فيها.
عبد الرحمن بن سعد السماري
backtop
الاولــــى
محليـــات
مقالات
المجتمع
الفنيـــة
الثقافية
الاقتصـــادية
القرية الالكترونية
ملحق المدينة
منوعــات
عزيزتي
المحرر الأمني
الرياضية
مدارات شعبية
وطن ومواطن
العالم اليوم
مئوية التأسيس
الاخيــرة
الكاريكاتير


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث][الجزيرة]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved