Thursday 3rd March, 1999جريدة الجزيرة 1419 ,الخميس 15 ذو القعدة


يارا
التدمير اليومي المنظم للشباب

فقدت الاتصال بالغذاء, فلم تعد تعرف كيف تتعامل مع الأكل والشرب, وفقدت كل عاداتها الطيبة المرحة التي كانت تسم حياتها في أيامها الأولى عندما كانت عازبة ومتطلعة وطموحة وتحب عبد المجيد عبد الله وراشد الماجد والتمثيليات المدبلجة والحياة المليئة بالدنيا والضحك وأكل الحلى والشوكولاته والجزم الشاهقة التي تطل منها على العالم بكبرياء معطر بانوثة مرحة, كان لها صديقات (مها وحصة وابتسام وعبير وايمان) من المدرسة وعبر الاقارب والحفلات, فكانت على خصومة دائمة مع والدتها بسبب التلفونات والثرثرات والضحكات التهريجية التي تطلقها اثناء المكالمة, لم تكن جميلة بالمقاييس التقليدية, كانت متوسطة في الطول وفي لون البشرة وفي قلق الطموحات ما عدا النحافة والذكاء, كانت النحافة تتسيد تصرفاتها فعندما كانت في المدرسة تنط هنا وتنط هناك منذ ان كانت في الابتدائية,, اما الذكاء فلم تجد له مكاناً تستثمره فيه, فتم توظيفه في الايام الاولى في المرح والشقاوة والفرفشة والتعليقات السريعة والخاطفة ثم انتفت الحاجة اليه بعد ذلك, وكانت تقول للأبلة عندما توبخها على ضعفها الدراسي: لماذا تكون المرأة ذكية وهي لا تحتاج الذكاء في كل ما ينتظرها من حياة, كانت تعرف كما يعرف الجميع انها ستنتهي في أحسن الاحوال مدرسة ولا شيء آخر غير مدرسة, فما الفائدة اذاً من رعاية الذكاء وتطويره, فالوظيفة ستأتي اما بالواسطة وإما بالسرى, والترقية بعد ذلك لا علاقة لها بالذكاء, وان تصبح مدرسة بقية عمرك فمن الأفضل ان تبقي هادئة ورزينة ومتزنة, وهذا السلوك لا يتطلب ذكاء.
وعندما تتزوج ولن تجد اي فرصةبعد ذلك للتعبير عن ذكائها, وقد برهنت الأيام صحة ما ذهبت اليه, فقد اصبحت مدرسة وأما لثلاثة اطفال, واخيراً اصبحت حبيسة أوهام السمنة, فالممثلات نحيفات والرياضيات نحيفات وملكات الجمال نحيفات والمذيعات نحيفات, الاذاعة والتلفزيون والجرائد تشيد بالنحيفات وعروض الأزياء لا تقدم سوى النحيفات, ونماذج الفترينات والأزياء موجهة للنحيفات, اما المتينات وحتى المربربات مثلها لا يحصلن الا على الهزء والتعليقات.
وهذا التلفزيون الكريه يقدم لها دون توقف نماذج لنساء تجاوزن الأربعين والخمسين وما زالت حياتهن تمتلىء بالمرح والنحافة, وهي هنا لم تدخل بعد رسميا في الثلاثينات من عمرها.
تستيقظ في الصباح على صراخها، وصراخها على اطفالها وصراخها على تلميذاتها وصراخها على زوجها، وصراخها على خدامتها، وصراخها على سائقها، وصراخها على احلامها وعلى ايامها وعلى حطامها؟ حتى اذا جاء الليل يهدها الاعياء لا التعب, فجسدها الشاب لا يريد أن ينام وروحها تتشقق وتتشوق للراحة, فالذكريات القريبة ما زالت تصدح في قلبها, عندما كانت تتهاتف مع (مها وعبير وابتسام,,) واحدة تعقدت لانها لم تتزوج، والأخرى منعها زوجها عن مكالمة الناس، والثالثة لم تعد تعرف عنها شيئاً (ذهبن جميعاً مع الريح) مجرد صداقة بنات لا اكثر ولا اقل,, ايام خاطفة,, ايام تم تعميرها في الاحلام, لا تخلف الا الحسرة والأوجاع.
كانت جدتها وامها والناس يقولون لها ان الهم هو الذي يورث النحافة, وليس غير الغم يهد الحيل, ولكن وزنها ما زال يتصاعد فقبل شهرين كان وزنها ثلاثة وخمسين وهي الآن تقترب من الستين كيلا, وتتوسع في العرض وبرزت لها شحمة تتدلى اسفل ذقنها ولاحظت التعرفطات الشحمية في اماكن مرح النحافة القديم, فانزلقت في فخ الاعلانات وبدأت تتابع المنحفات: اجهزة، ورجيمات، وأدوية، ومواد كيماوية, وهي لا تعرف اي سرطان ينتظرها, لم تسأل لماذا تريد ان تعود نحيفة ولمصلحة من تحرم نفسها من لذة الاكل وهو البهجة الوحيدة المكملة لبهجة الصراخ اليومي بين الحيطان.
هي لا تريد ان تعرف ولكن من يريد ان يعرف أصلا؟.
ملاحظة:
لعل القارىء يتذكر رواية (قصة حب) لأريك سيجال وهو يتحدث عن الشابة الصغيرة الجميلة عندما تموت.
عبد الله بن بخيت
backtop
الاولــــى
محليـــات
مقالات
المجتمع
الفنيـــة
الثقافية
الاقتصـــادية
القرية الالكترونية
ملحق المدينة
منوعــات
عزيزتي
المحرر الأمني
الرياضية
مدارات شعبية
وطن ومواطن
العالم اليوم
مئوية التأسيس
الاخيــرة
الكاريكاتير


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث][الجزيرة]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved