Thursday 4th March, 1999جريدة الجزيرة 1419 ,الخميس 16 ذو القعدة


مقامة كلامية
دائنٌ يطلب الوفاء

(العماوي) شاعر من شمّر، توجّه الى اولاده بقصيدة بثّ فيها همومه وأشجانه، مذكراً أولاده بواجب البر والوفاء له بعد ان شاخ وهرم، وان عليهم بعد ان طالت خطاهم وقصرت خطاه، ديناً واجب الوفاء، فلطالما سعى في شبابه وكهولته خلف الرزق ليؤمّن لهم طعامهم وكسوتهم ولطالما ركض مثل الذئب مخافة ان ينقص طعامهم وتنوبهم نائبة من نوائب الزمان!.
ثم يذكّر أبناءه - الذين وصفهم بالغوش اي الاولاد الطيبين الشجعان - بأهمية البشاشة في حال الضيافة والاستضافة، ثم يذكّرهم بأهمية المصاهرة في الأسرة المشهورة بالطيب؛ لأن النسب (الدوني) يجعل بناتكم غير مرغوبات للزواج من الآخرين
قال الذي يقرا بليا مكاتيب
ياللي تسبون العمى من عناكم
يا ما تغرشيت الخلايق تقل ذيب
من خوفتي يقصر عليكم عشاكم
وقمت اتوكا فوق عوج مصاليب
قصرت خطايه يوم طالت خطاكم
يالغوش ورد لنا عليكم مواجيب
دينتكم واليوم انا اطلب وفاكم
يالغوش لو صرتوا ضيوف ومعازيب
ترى النبا الطيب ييدم قراكم
المنسب المنسب ترى المنسب الطيب
والمنسب الدوني يبور نساكم
حدثني بهذه القصيدة، وكتبتها عنه الأخ: عبد الله بن دخيل الغانم وهو شيخ تجاوز الستين من عمره، وكان ذلك قبل عشر سنوات تقريباً، وقال لي: انه قبل خمسين عاماً كنت ووالدي مسافرين من الرياض الى (ثرمداء) على الابل (جماميل) نحمل بضائع الى بلدتنا (ثرمداء) وكان والدي: دخيل بن محمد الغانم من شعراء ثرمداء، وكان مما قاله في تلك الرحلة معبراً عن شوقه لأسرته وبلدته وموجها قصيدته إليّ
يا عبيد في قلبي سواة المراضيف
سهرٍ أنا يا بوك من غير علة
الى ذكرت اللي لعيني مواليف
خطر يجي يا عبيد في القلب خلة
شوفة سعد وغنيم يا عبيد لي ريف
واللي كما الغزلان في مرتع له
بارض الجريف لعله رايح الصيف
يا لله عسى الوسمي لخده يعله
حيثه مرب للبني الغطاريف
دق وقايدهن هنوف مجله
نبي نشب النار وندني الكيف
ونقهوي اللي خاطري منتح له
ومن معاني الكلمات في القصيدة: (يا عبيد) يقصد ولده (عبد الله) (المراضيف) مسامير كبيرة لها رؤوس دائرية تُحمى ويُكوى بها المريض (سعد وغنيم) أولاد الشاعر (الجريف) مزرعة للشاعر ومروى لأهل ثرمداء,وكان الحديث مع الأخ: عبد الله بن دخيل الغانم مفيداً وممتعاً، فهو يميل الى المفاكهة والمباسطة وسماحة النفس، ولديه تجربة غنية في الحياة، وحافظة لكثير من الأحداث والمشاهد التي مرت عليه، وكان الأخ الاستاذ: عبد المحسن الرميح بأدبه وحسن حديثه سبباً لتلك المعرفة الأخوية.
وقد مضت عشر سنوات، انقطعت فيها أخبار الشيخ (الغانم) وقد بلغني في آخر مهاتفة مع الأخ (الرميح) انه مريض - شفاه الله - ورغم مرور هذه المدة الا ان الورقة التي سجلت فيها مرويته ما زلت احتفظ بها، واكتبها اليوم سائلاً المولى الكريم ان يسقي أرض (الجريف) من روائح الوسم والصيف مترعات المزن كما تمنى (دخيل الغانم) الشاعر المشتاق لبلدته (ثرمداء) ولأهلها الكرام عليه رحمة الله.
الشيخ سعيد بن محمد السعيد إلى رحمة الله وعفوه,.
ودعنا الى رحمة الله صباح يوم الجمعة الماضي 10 - 11 - 1419ه (ابو محمد) الشيخ: سعيد بن محمد السعيد 1357 - 1419ه وتمت الصلاة عليه بعد صلاة يوم الجمعة بمسجد الشيخ: صالح الونيان، وشيعه الى قبره جموع كثيرة من أهله وزملائه ومحبيه وعارفي فضله وكان قد تقاعد من عمله عام 1417ه حيث شغل وظيفة: مدير الشؤون الادارية بعمادة القبول وشؤون الطلاب بفرع جامعة الامام محمد بن سعود الاسلامية بالقصيم.
لقد اتصف - رحمه الله - بالقناعة والزهد بالدنيا والتواضع ولين الجانب لأقاربه وزملائه ومحبيه وكان صاحب وفاء ومروءة مع اقاربه واصدقائه واصلاً لهم يزورهم ويتواضع لهم حتى ولو كانوا اصغر منه سنّاً وقال لي احد الإخوان: هاتفني (أبو محمد) قبل وفاته بأسبوع تقريباً، وهو على فراش المرض بأحد المستشفيات بالرياض، يطمئن على صحة بنتي الصغيرة التي علم بمرضها البسيط! واتصف - رحمه الله - بالعبادة الصادقة والخالصة لله وحسن التدين والاستقامة وكراهية الرياء والنفاق والمداهنة، وكان حريصاً على عيادة المرضى في المستشفيات وفي بيوتهم وتشييع الجنائز وكان متابعاً للحج حريصاً على التمتع بإجازته السنوية خلال شهر رمضان ليقضيها عاكفاً في بيت الله الحرام، وكان منصرفاً عن الفانية لا ينافس فيها ولا يزاعم ولا يكاثر، كما اتصف - رحمه الله - بحسن الصمت وقلة الكلام مع تميُّزه بالتفاؤل والمرح وطرافة النكتة!.
وكان دقيقاً متقناً ومجوِّداً لعمله الاداري باذلاً الجهد والوسع فيه وقلَّ ان يفارق مكتبه او ان ينشغل عنه بأعماله الخاصة او ان يتمارض ليغيب عنه كما كان متعاوناً مع زملائه مادّاً لهم يد العون والمساعدة والتشجيع حتى كسب حب من زامله وعمل معه!.
وجرى حديث بيني وبينه عن الأنساب، وأصول بعض الأسر بمدينة بريدة، فقال إن اسرة (السعيد) ببريدة أصلها من (منفوحة) قرب الرياض (من احياء الرياض حالياً) وان جدّنا (سليمان بن سعيد) من قبيلة سبيع، وكان أميراً لبلدة منفوحة، في عهد الدولة السعودية الثانية، وأطلعني على ما ورد من توثيق لذلك في تاريخ عثمان بن بشر: (عنوان المجد في تاريخ نجد) وقد جاء ذكر لهذه الأسرة في موقعين من أحداث سنة (1257ه) في التاريخ المذكور.
فاللهم ارحم أبا محمد (سعيد بن محمد السعيد) واغفر له واعف عنه وجازه بالاحسان إحساناً، وبالسيئات تجاوزاً وغفراناً، واجعله من المقربين ورثة جنات النعيم إنك أهل ذلك والقادر عليه سبحانك مولانا العظيم.
عبد الكريم بن صالح الطويان
backtop
الاولــــى
محليـــات
فنون تشكيلية
مقالات
المجتمع
الفنيـــة
الثقافية
الاقتصـــادية
منوعــات
عزيزتي
الرياضية
العالم اليوم
مئوية التأسيس
الاخيــرة
الكاريكاتير


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث][الجزيرة]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved