Thursday 4th March, 1999جريدة الجزيرة 1419 ,الخميس 16 ذو القعدة


التفتيش عن الذات
د, فهد حمد المغلوث

كل شيء في هذه الدنيا مهما كان جميلاً وصادقاً وبريئاً، فإن هناك في الجانب الآخر من يفسّره على الجانب السلبي، وان ينظر اليه نظرة سلبية أحادية الجانب علما بأن فيه جوانب جمالية وصدقا لا تقل أهمية عن تلك الجوانب السلبية التي يحاول الآخرون اكتشافها ويصرّون على وجودها بل ويعطون انفسهم الحق في مصادرتها وكأنها اشياء محرمة لايجب فعلها او مجرد التفكير بها حتى لو كانت تلك الأشياء مجرد أماني وأحلام لم تتجاوز منطقة الخيال والتمني!
علماً ان كلا منا لديه جوانب سلبية وقصور اكثر فظاعة من تلك التي يحاول ان يظهرها في غيره او يلومه عليها.
وفي ضوء هذه التصرفات والسلوكيات المتناقضة والانانية من قبل الكثير، فانه لا غرابة اذن ان الكثير من القيم الانسانية النبيلة الرائعة التي نتمنى ان نراها ونعايشها، لا غرابة اذن ان تضمحل مع مرور الوقت وان تصبح امنية غالية يحلم بها الكثير ممن مازالت قلوبهم تنعم بالصفاء والصدق وتنشد منابع الجمال والبراءة وتبحث عن جذور الحب والخير بكل بساطة وعفوية بعيداً عن التكلف والزيف, والسبب في اضمحلال تلك الاماني والقيم الجميلة التي بدأنا نفتقدها وببساطة شديدة، ان كل شيء جميل ورائع نقوم به او نفعله او حتى نتفوه به بشكل مباشر او غير مباشر يؤوّل على غير محمله، ويفسر على غير مقصده ويساء فهمه وينظر اليه على انه شىء سيىء! فهل هذا صحيح؟
اننا لا نستطيع ان نعمم هذا الانتقاد على الجميع، ولكننا في نفس الوقت لا نستطيع ان نُنكر بأن اولئك الذين يسيئون تفسير كل شيء قبل ان يتحققوا منه وقبل ان يسألوا عنه، وأولئك الذين لا يكتفون بما في أيديهم بل ويأخذوا,, مافي ايدي غيرهم، واولئك الذين يحرّمون على غيرهم ابسط حقوقهم بينما هم يستمتعون بكل شيء، واولئك الذين لا يهمهم مشاعر غيرهم والالتفات لأحاسيسهم، لا نستطيع ان ننكر ان مثل هذه الفئة وغيرها هم اناس مرضى مات فيهم الضمير الانساني الحي وقُتلت فيهم ابسط صور الانسانية من مشاعر صادقة واحاسيس نبيلة لتتحول الى انانية مطلقة وأقنعة مزيفة ومظاهر كذابة وضحك على الذقون حتى لأقرب الناس اليهم وألصقهم بهم او هكذا يُفترض.
لا نستطيع امام كل ما نراه امام اعيننا وامام كل ما نسمعه بآذاننا يومياً سوى ان نستغرب ونتساءل بشكل مستمر ومتواصل، على الاقل بيننا وبين انفسنا رغم اننا لانصل الى اجابات شافية ومرضية او حتى مقنعة، نعم كثيراً ما نتساءل ترى هل يعني الوصول للقمة والتربع على عرشها وهل يعني الاستمتاع بنشوتها ومجدها، هل يعني ان ندوس على الآخرين؟ وهل يعني حينما تتحقق احلامنا ونصل لطموحاتنا ان نتجاهل الآخرين وننظر اليهم بعين الاستخفاف؟ هل يعني ان نحرمهم من ابسط حقوقهم وان نصادر حقهم في التعبير عن انفسهم, نحن في حقيقة الامر، نتحدث عن لمسات انسانية وقضايا اجتماعية وامور حياتية يومية، عن قصص واقعية ومواقف حقيقية من وحي الواقع لامن نسج الخيال.
فما يحدث اليوم للكثير من الناس من تنكر للمبادىء السامية، وابتعادهم عن القيم النبيلة والانجراف نحو المغريات المادية بشكل يسيء للمجتمع ويؤثر عليه لأمر يدعو للوقوف عنده وتأمّل واقعه واتخاذ موقف حاسم وجاد حياله، فهل يُعقل ان يكون هناك مقابل لكل شيء نحصل عليه حتى لو كان حقا من حقوقنا الانسانية وابسطها: كحقنا في الحصول على انهاء معاملة او السؤال عن معلومات هامة من شخص معين تفيد في خدمة المجتمع؟
هل يُعقل ان تكون خلف تلك الكلمات الحلوة والعبارات الجميلة والابتسامات الرقيقة نوايا سيئة تكون بمثابة مقدمة غير شريفة لوصولنا الى مانريده كالحصول على مراكز ومراتب عليا او ترقيات ادارية؟
هل يعقل ان يكون الرضا بواقعنا وبما في ايدينا هو بسبب خوفنا على مالدينا او خسارتنا لأشياء مستقبلية.
وهل يُعقل ان تكون قناعتنا بالحياة مرتبطة بتجاهلنا لما حولنا واغفالنا لتجاوزات غيرنا ممن لايهمهم سوى انفسهم؟
صعب جداً عليك كانسان تشعر بأنك مجرد وسيلة لتحقيق غاية ليس الا! بأنك مجرد روح خال من كل روح حلوة، بأنك مجرد واقع لا يعترف به سوى اولئك المحيطين بك، والمستبعدين منك، بأنك مجرد اسم خال من كل مضمون جميل.
صعب جداً عليك ان تختلي بنفسك لتكتشف انك مازلت قابعاً في مكانك الذي كنت تقبع فيه منذ سنين، لتكتشف انك مازلت تعيش على امجاد لم يعد لها وجود في ارض الواقع، لتكتشف ان ما ترسم له وتخطط للوصول اليه مازال بعيدا عنك.
بل صعب عليك جداً ان تجد من تحلم به وتتمناه واذا بك تكتشف انك وصلت اليه متأخرا وان هناك من سبقك اليه بطرق غير مشروعة! بل الاصعب عليك ان ترضى بأقل شيء ومع ذلك لا تحصل عليه!
ان الحياة ليست هي كل شيء ينبغي علينا التأمل فيها بل واقعنا نحن، لاننا نحن من نشكل هذه الحياة، نحن الحياة نفسها، والحياة حينما لا نكون فيها، حينما تكون غائبين عنها لا يصبح لها طعم، لا نكون لها مذاق, ولكن السؤال الذي ربما طرح نفسه كيف نرى واقعنا بصدق؟ كيف نشعر بأهميتنا دون غرور؟ كيف نشعر بمكانتنا دون مجاملة من الآخرين؟ بل كيف نشعر بمحبة الآخرين حتى ونحن بعيدين عنهم؟ حتى عندما تطول فترة غيابنا عنهم؟
كل هذه التساؤلات تتطلب جلسة مع النفس، تتطلب تفتيشا عن الذات، تتطلب تأملا دقيقا لما حولنا والاهم من ذلك، الاحداث الاخيرة التي حدثت لنا ومررنا بها، كيف كان مرورها بالنسبة لنا؟ مالذي احدثه وجودها في حياتنا؟ هل اثرت فينا؟ واذا كان هناك تأثير، فما نوعه وما حجمه؟ وهل مازال تأثيره موجوداً؟ واذا كان بالفعل هناك تأثير، فهل هو تأثير جميل ام غير ذلك، واذا كان جميلاً كيف نجعله اجمل مما هو عليه، واذا كان عكس ذلك، فكيف نوظفه لصالحنا بحيث لا يسيء الينا ولا يؤثر فينا بشكل سلبي او يجعلنا عرضة للاحباطات واليأس.
الآن وانت تقرأ هذه الكلمات، هل انت بحاجة للتفتيش عن ذاتك؟ هل تسعى لمعرفة من انت؟ هل تريد ان تعرف حقيقة من حولك؟ ان كنت كذلك فهل جربت ذلك بالفعل؟ وما مدى نجاحك من فشلك؟ فليس عيباً ان نكتشف اشياء مؤلمة لا نرضاها بداخلنا، وليس عيباً ان نفشل في الوصول الى حقيقة ذاتنا، ولكن ينبغي ان نتأكد من تلك الوسائل والادوات التي استخدمناها للوصول الى معرفة الذات، هل هي الوسائل المناسبة لنا؟ هل الوقت الذي استخدمناها فيه ملائم؟ هل الاشخاص الذين كانوا معنا يستحقون ان يكونوا معنا,, الى غير ذلك من التساؤلات العملية التي تساعدنا على الوصول الى ما نريده والأهم من ذلك كلة تلك الاجواء المحيطة بنا وقت التفتيش عن الذات ماهي ماهيتها ونوعيتها؟
لا تستعجل الرد في الاجابة على التساؤلات السابقة، فقط اعط نفسك متسعاً من الوقت، فلست في عجلة من امرك، وربما ساعدناك في وضع معايير دقيقة في الكيفية التي نريد بها الاجابة على تلك الاجابات وهذا ما سوف يكون قريباً باذن الله حينما يصفو لنا الجو نحن ايضاً، وما عليك الآن سوى ان تُحضر نفسك وتأكد بأنك لست بمفردك مهما كانت ظروفك، فهناك من هو بجانبك طالما كانت ثقتك فيه كبيرة، وطالما كانت ثقتك بنفسك كبيرة، وطالما حاولت ان تكون صادقاً مع نفسك.
***
همسة
حينما يكون احساسك بالحياة,.
مجرد أماني غالية واحلام وردية,.
حينما يكون واقعك الظاهري,.
يخفي حاجة جميلة ملحة بداخلك,.
حينما تكون ابتسامتك العريضة,.
لا تتجاوز حدود شفتيك,.
حينما تكون كلماتك الحلوة,.
مجرد مقدمة لنوايا وقتية,.
وحينما يكون مالديك وبين يديك,.
سببا في تعاسه أعز الناس اليك,.
***
فحينئذ، تكون انت لست انت!
بل شخص آخر,,!
وان شئت ان تعرف من هو,.
ان تعرف اين هو,.
فابحث عن نفسك,.
قبل ان تخسر نفسك,.
فتش عن ذاتك,.
قبل ان تفقد ذاتك,.
قبل ان تصبح مجرد ذكرى
قبل ان تقول:
لقد كانت لي ذات,.
في يوم من الايام!
backtop
الاولــــى
محليـــات
فنون تشكيلية
مقالات
المجتمع
الفنيـــة
الثقافية
الاقتصـــادية
منوعــات
عزيزتي
الرياضية
العالم اليوم
مئوية التأسيس
الاخيــرة
الكاريكاتير


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث][الجزيرة]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved