Thursday 4th March, 1999جريدة الجزيرة 1419 ,الخميس 16 ذو القعدة


وسيظل من أفذاذ الرجال
عبدالله أحمد عبدالجبار

للرجل الطويل,, كتب الرجل الصامت,.
للمجاهد المجهول,, سطر المحارب القديم,.
هذه كلمة كتبها الناقد الكبير الاستاذ عبدالله عبدالجبار للحفل الذي اقامته تهامة لعضوها المستقيل الاستاذ العزيز/ أبو الشيما/ محمد سعيد طيب.
ولكن نظرا للعارض الصحي، الذي ألم باستاذنا الكبير عبدالله عبدالجبار، لم يتمكن من قراءتها، لذا يسر الجزيرة ، بأن تنشرها كاملة، شاكرة لاستاذنا الكبير ايثاره الجزيرة من بين الصحف بهذه الكلمة، وداعية المولى عز وجل بأن يسبغ عليه ثوب العافية، ويرزقه الصحة والعافية، ليعود إلى نقده وكتابته وأدبه .
الجزيرة
***
** كم من وجوه عابرات قد نراها في الحياة
ننسى الوجوه جميعها، ويظل وجه واحد بين الضلوع نراه في كل الوجوه!
هذه الابيات التي جعل "عنوانها"الكاتب المبدع الصديق عبدالله جفري"آخر الكلام"اقتبسها أنا"لاجعلها أول الكلام"!
الحب جميل، وسواء أكان من اول نظرة او من نظرتين او ثلاث او اكثر فهو يؤثر في النفس ويسمو بها، ويغير حالة الجسد، ونبضات القلب، ويتحكم في تصرفات المحب، سلوكا وملبسا وحديثا.
سعادة الوصال لا أحلى منها! بل حتى الهجران لا يخلو من لذة حيث تطير الامنيات على اجنحة الخيال: فيشعر بالسعادة وإن كانت وهمية، ويتخيل موعدا مع حبيبه,, ماذا يلبس؟ كيف يتحدث؟ ما الكلمات اللائقة للقاء؟ بل ربما بانتقاء كلمات او ابيات من شعر شكسبير، ومجنون ليلى أو غيرهما من الشعراء العشاق.
ويمني نفسه بلمسة يدها ونرجس عينيها وكريز شفتيها وحمرة وجنتيها، وربما مرن لسانه على أداء ملحن لابيات الاخطل الصغير:
قتل الورد نفسه حسدا منك وألقى دماه في وجنتيك
والفراشات ملت الزهر لما حدثتها الانام عن شفتيك
حتى يلقيها على مسامعها املا في ان تستجيب مشاعرها لمشاعره! ويمضي في وصف عنقها وصدرها وثديها، حقا عسجد للكاعب,, ولغيرها، ارنبان نافران مشرئبان!
وربما وقر في ذهن واحد اني قليل الحياء، وردي عليه: كأنك يا صاحبي لم تقرأ قصيدة كعب زهير التي انشدها امام نبينا العظيم "صلى الله عليه وسلم"ومنها هذا البيت
هيفاء مقبلة، عجزاء مدبرة
لا يشتكي قصر منها ولا طول
بل إن القرآن الكريم قد روى قصة امرأة العزيز وغرامها بسيدنا يوسف فقد "شغفها حبا"اي مس منها الشغاف (بفتح الشين) وهو سويداء القلب، فلا فكاك لها منه أبدا,, وتعرفون قصة القميص الذي قُد من دبر فكان ذلك دليل صدقه، وكذبها,.
وقد يبلغ الحب مرتبة من الاستئثار والغيرة لا تضاهى، كما قالت الشاعرة الاندلسية المحلقة "حفصة بنت الحاج الركونية":
أغار عليه من عيني وقلبي ومنك ومن زمانك والمكان
ولو اني جعلتك في عيوني الى يوم القيامة ما كفاني
قد جربت البشرية خدر الحب اللذيذ، وهذا التجاذب بين الذكر والانثى هو تجاوب قلبين وامتزاج روحين,, والذي لا يحب من الجنسين، انسان غير سوي.
** أيها السادة أتعرفون لماذا؟
لان ذلك التجاذب مركوز في صميم الفطرة البشرية,, وهذا التجاوب "أحبولة الطبيعة"صنعها الله جل جلاله ليعمر بها هذه الارض بالنسل البشري.
الآن ونحن على مشارف الالف الثالثة من الميلاد، يبلغ سكان المعمورة 6 مليارات زائدا فناقصا, كل ذلك من اثنين: آدم وحواء.
أيها السادة : أترون اني خرجت عن الموضوع! أنا شخصيا اعتقد اني في صميم الموضوع اتساءل ما تهامة؟ وأجيب - ببساطة - تهامة هي الحب.
هي ذلك الحب الطبير الذي انبثق في قلب شاب صغير منذ ربع قرن اسمه محمد سعيد طيب!
في كل الوجوه لا يرى إلا وجها واحدا استقر بين حناياه,, هو وجهها وجه حبيبته.
حبها اصبح شغفا,, ولو استطاع لوضعها مثل حفصة الركونية في عيونه إلى يوم القيامة!
أحبها فكرة حتى إذا تجسدت بين يديه طفلة ظل اهتمامه بها ينمو وحبه لها يكبر ويتطور حتى اصبحت فتاة جميلة مرشحة لان تكون ملكة جمال لا تزهو بجمالها وإنما بثقافتها الرفيعة!
** أيها السادة: حيوا معي تهامة الثقافية!
وبهذه المناسبة اقترح وأود ان اسمع صدى اقتراحي من المستمعين المستنيرين ومن القراء الواعين - ان يتولى اثنان من المثقفين المحبين لتهامة من استاذة الجامعات او من غيرهم او واحد من هؤلاء وواحد من اولئك دراسة نتاج "تهامة الثقافي"الخصب المتنوع دراسة تقويم ونقد في كل فرع، ومدى تاثيره على الثقافة بعامة والادب بخاصة في بلادنا الحبيبة.
أيها السادة : مازلت اتحدث عن الحب!
ما لصداقة؟ هي في رايي حب متزن بعيد عن الغايات النفعية، وإيثار صادق بين الصديقين مبني على الصدق والاخلاص المجردين.
"أيتها الزوجة، وأيها الزوج اللذان كان زواجهما من حب، اجعلا الصداقة إكسير حياتكما فتشعران بانكما اكثر سعادة واكثر حبا, اما عن علاقة الصداقة بيني وبين ابي شيماء، فستحتاج إلى حديث طويل, وحسبي هنا ان اقول: ما اسعده من كان محمد سعيد صديقه!
** أيها السادة:
الابجدية في فم صاحبنا لا تتلكأ ولا تتعثر ولا تتوقف إلا حيث طبيعة الموقف.
يمضي في حديثه لا يسرع ولا يبطئ، يتحدث متألقا وبخاصة إذا كان بين صفوة من المصغين من اصدقائه ومعارفه من يأنسون إليه ويأنس إليهم ويظل مجليا في موضوعه سياسيا كان او ثقافيا او اجتماعيا و,,, و,,, الخ، قديما او حديثا، فإذا الجمع المصغي مأخوذ لا بطريقته في التعبير والتصوير فحسب، وإنما لشيء آخر ايضا سأشير إليه بعد قليل.
الانسان العادي يتلقى مصادره من الافواه والكتب والصحف والاذاعة المسموعة والمرئية، ومن الشائعات ايضا, فإذا سمع من محدثه شيئا يعرفه فهو لا يتأثر، وقد يقول في نفسه "معلومات قديمة"لان المتحدث لم يضف إليه جديدا.
لكن الشيء الذي يسمعه من "الطيب"شيء جديد,, ليس الاحداث وحدها وإنما ماوراء الاحداث، وليس الاسباب الشائعة، وإنما الاسرار الخفية للوقائع,, والمواقف مستندة الى مصادر وثيقة حية فهم اعرف الناس بالحقيقة.
** أيها السادة :
مقولة "ان الانسان من صنع الآلام"تحتاج إلى نقاش، فما أكثر الناس الذين سحقتهم آلام ليست خطيرة، فأمسوا لا يرجى منهم خير، لا لأنفسهم ولا لمجتمعهم، بل عاشوا في الظلال بلقمة العيش الذليل! او انحرفوا فسلكوا مسلكا مشينا في الحياة.
ولم يثبت امام طرقات الآلام الفاجعة إلا قلة كانت بنيتهم النفسية وطاقتهم الروحية اكبر من الآلام، وكان عزمهم واباؤهم نبراسا للكفاح من جديد في سبيل حياة كريمة شريفة! السر - إذن - في الجوهر الذي لا تزيده المعاناة إلا صلابة وصقلا ونورا.
إلى هذه القلة - كما وصفناها - ينتمي المحتفى به أبو الشيماء، بل هو اكثر من ذلك كله هو رجل يمقت الإمعية، ويكره القالبية، ويستعصي على الاستنساخ!
** أيها السادة: ان مجال الحديث على الصديق المحتفى به طويل جدا, وحسبي الآن ما ذكرت.
وفي الختام لما تأكد لي نبأ اعتزام عميد تهامة جرى بيني وبينه بالهاتف هذا الحوار القصير:
- ما هذا ؟!
- والاسرة والاولاد!
- وتهامة
- في أيد أمينة,, رجال!
كل الحاضرين هنا رجال، فحياكم الله يا رجال، وأنتم تكرمون رجلا كان وسيظل من افذاذ الرجال!
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
5/11/1419ه
backtop
الاولــــى
محليـــات
فنون تشكيلية
مقالات
المجتمع
الفنيـــة
الثقافية
الاقتصـــادية
منوعــات
عزيزتي
الرياضية
العالم اليوم
مئوية التأسيس
الاخيــرة
الكاريكاتير


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث][الجزيرة]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved