Thursday 4th March, 1999جريدة الجزيرة 1419 ,الخميس 16 ذو القعدة


بدون ضجيج
من يركب ومن يمشي ,,؟!

من اخبار (جحا) انه اراد يوماً ان يذهب الى مدينة قريبة هو وابنه (وهذا الابن لم يرد له ذكر في غير هذه الحكاية!) واتفقا على ان يركب الأب الحمار ويمشي خلفهما الابن، واذا بجماعة من اولئك الذين لايجيدون في هذه الدنيا سوى الكلام عن الناس واسداء النصح المجاني وتهويل الأحداث، وهم - عادة - يسيرون جماعة خوف نقمة رجل يكون غاضباً فيحدث ما لا تحمد عقباه, وعندما رأوا موكب (جحا) صاح احدهم:
- اعوذ بالله! انظروا, يركب هذا الرجل حماره تاركاً هذا الصبي المسكين يسير على قدميه, اين الرحمة؟!.
ولأن (جحا) رجل مسالم لم يعلق على كلام الرجل (الفاضي)! ولكنه عندما ابتعد عنهم قال لولده ان اركب انت, فأنت صغير لا تحتمل تعب المشي, انهم صادقون, وهكذا ركب الولد وسار (جحا) خلف خطوات الحمار, وما هي الا برهة حتى ظهرت جماعة اخرى من الذين نطلق عليهم نحن (الفاضين)! فصرخ احدهم:
- انظروا يا ناس, يا للعقوق, يترك الولد اباه يسير على قدميه فيهذه الرمضاء بينما يختال راكباً اخس يا دنيا؟!.
وبعد مسافة يوقن (جحا) انها كافية لكي لا يسمعوه او يروا تصرفه, قال لولده:
- اي بني! ما رأيك ان نركب كلانا على الحمار؟! اليس افضل من ثرثرة هؤلاء الذين لا يصدقون متى تتاح لهم فرصة للكلام حتى يتصايحون؟!.
- قال الولد:
- لنفعل يا ابي.
وركب الاثنان, وكأنما اكتشفا للتو أنهما كان يجب ان يفعلا ذلك منذ البداية, ولكن جماعة (الفاضين) صادفتهم مرة ثالثة واذا بأحدهم يصيح:
- انظروا يا ناس! اين الرحمة؟! رجلان يركبان حماراً صغيراً غير مبالين بآلامه اعوذ بالله من الظالمين!.
وهكذا قرر (جحا) وولده ان يسيرا راجلين ويدعا حمارهما مرتاحاً عملا بصرخة هذا الرجل (الفاضي),, رحمة بحمارهما الصغير كما قال الرجل, ومرة اخرى صادفتهم جماعة اخرى وعندما اقتربوا منهما جعلوا يقهقهون وقال احدهم:
- ارأيتم اشد تغفيلا من هذين؟! يسيران على اقدامهما بينما حمارهما يتبختر مرتاحاً؟! انني اقسم انهما من المجانين!.
هكذا احتار جحا وابنه في من يرضى عنهما كلما صاح احد فيهما, فلا ركوب الأب ولا ركوب الابن ولا سيرهما راجلين ولا ركوبهما معا ارضى عنهما اولئك الذين يبدو انهم يعيشون من اجل توجيه (النقد) و(اللوم) و(السخرية)!.
احياناً يضمك مجلس لا يخلو من واحد من هؤلاء فما هي الا لحظات حتى ينسف كل ما بينك وبينه من جسور لها دواعيها ويبدأ يسألك: اين تعمل, وفي اية مرتبة؟ وكم راتبك؟ وهل لديك (سجل تجاري) وهل بيتك ملك ام بالايجار؟ وتضغط على اعصابك التي تريد ان تنفجر وانت تجيب على هذا (المحضر) الذي فتحه لك هذا (المحقق) المتطوع, ولا يكتفي بالاسئلة والاجابات وانما يبدأ في سرد (نصائحه) لك, وكأنه يلعب دور مستشار في كافة الامور وبالمجان!.
ومن جهة اسوأ فان هذا (النوع) من الناس يخترقون (حرية) الانسان الشخصية عندما تجمعهم (وليمة) ما, فالذي لم يحضر (فيه ما لا فيه!) ويتبرع احدهم فيقول انه رجل يسهر! او بخيل! او (يلبق) سيارته (شطف)! ولا يلقي السلام! وما الى ذلك من كلام اتخد منه (الاسلام) موقفاً غاية في الشدة والحسم, اذ يصور الذي يمارس مثل هذه الاختراقات لخصوصيات الآخرين بشكل الذي يأكل لحم اخيه ميتاً!.
الا ترعبنا هذه الصورة!.
يجب ان نعيد النظر في بعض سلوكنا وندع (جحا) وولده وحمارهما في حال سبيلهم ,,!.
جار الله الحميد
backtop
الاولــــى
محليـــات
فنون تشكيلية
مقالات
المجتمع
الفنيـــة
الثقافية
الاقتصـــادية
منوعــات
عزيزتي
الرياضية
العالم اليوم
مئوية التأسيس
الاخيــرة
الكاريكاتير


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث][الجزيرة]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved