مساحات بيضاء ريمة الخميس جراح الفن,, بين الوصل والقطيعة 2 - 4 |
الفن هو دائما للفن وان ادعى جهامة لشروطه واعلن - جهارة - بأنه يكرس لدور اجتماعي ,, والفن هو دائما للجماعة وان تشاغل عن همومها واعلن انصرافه عنها واغرق نفسه في التجريب حتى اخذته صرعات (الاسالة) و(الاوتوماتية) و(اعلان موت الفنان) لحساب سيادة الفن على ذاته وتحرره من الخضوع للموضوع او الاذعان للفنان,,!
هذا معناه ان الفن في نزوعه الى الوصل بالفن واعلان (القطيعة) مع الحياة، يسعى بوعي او بغير وعي الى الوصل مع كليهما مثلما ان احتجاجه على الخضوع ورفضه الولاء للشروط والمواصفات والتقاليد والمواضعات الفنية ومن ثم هبوطه على مدارج (الواقعية) و(الشعبية) (البوب آرت) و(الرادية) للتصدي لمروق الواقع وكسر شوكة عصيانه معلنا انه قادم ليسفح على اعتاب الحقيقة ألوانه وادواته بل وتراثه من القواعد والشروط والرؤى وتحليق الخيال ومقدرة التجاوز كي يحرر تلك الحقيقة بفضها او فضحها أو ليسجل - اذا اخفق - دورا للتاريخ وشهادة بأن عزمه ونيته كانا قد انعقدا على رغبة الاستشهاد دون مراوغة الحقيقة محققا في الحالين انتصارا مظفرا ان أفلح في الامساك بالحقيقة فقد فاز وان فشل فقد نال شرف الشهادة,.
اقول ان ادعاء الفن وصلا بالجماعة وقطيعة مع موروث الفن ليس الا وصلا مع كليهما,, اي ان الفن بكل اشكاله وضروبه (في التشكيل والعزف والنظم والقص) وبكل هواجسه الناشبة في جوهر (الصياغة) محضة ومجردة وبكل همومه الضاربة والغارقة في عمق الواقع,, في كل حالاته ومغامراته واحتجاجاته واذعاناته (وصلا) خالصا دون (قطيعة) بالفن يحرك تاريخه على مرأى الجماعة وبالمجتمع يستجلي ضميره على مرايا الفن,,!!
هنا واحدة من (المساحات البيضاء) في جهدنا البحثي والنقدي يوسعها ارتباك الاسئلة التي لم تطرح بعد ويملأ فراغها صراخ الاجابة لمطالب (بتسويد) المساحة بمداد المفكرين وافضاءات المبدعين,,!لكن (جراح الفن) التي نحاول ان نلامسها في هذه العجالة ليست هنا,,، كأنما تغرينا القاعدة الذهبية في البدء بالاستبعاد حتى لا يتبقى لنا الا جوهر الموضوع او لب القضية كما يقال!
أهو اذن (وصل) الحركة التشكيلية لدينا في المملكة لنفسها، بمعطياتها، بالتشكيل عموما كفن تراكمت له منجزات على مر العصور وفي مختلف بلاد الدنيا، او قطيعتها عنه في عدم الوعي بهمومه الانسانية العامة، وبأدواره كشكل من اشكال الابداع يخضع لشروط (الماهية) و(المهمة) و(الأداة)؟ أهنا فوق تلك المساحة البيضاء - ضاقت وصلا او اتسعت قطيعة - نلملم (جراح الفن)؟!
نفي الاجابة للاستبعاد قد لا يبقى امامنا الا مواجهة (الشعر) لا التشكيل، واثباتها يدين بخطأ منهجي من شأنه ان يقوض النتائج ويحيل الرصد والتقرير الى اعتسافات افقدتها السماجة مرجعيتها اذ لا يجوز ان نعول كثيرا في إفضاء الفنانين على ارتباكات او ارتجالات لعدد من الفنانات الصغيرات السن الفني والتجربة، في تلك الحكايا التي اوردت عن اللقاءات بهن اثناء المشاركة في معرض الفن في الجنادرية لنصل منها الى احكام عامة ندّعي انها هي (الظاهرة) ,, والواقع اننا هكذا قد بدأنا بالاهون وبقي الأمر والأدهى.
توجهت بسؤال مباشر ومحاصر الى عدد من كبار الفنانين حرصت في صياغته ان لا يترك ثغرة للبس او اختلاف في الفهم او هروب من الاجابة:
لماذا ترسم؟! وهل تكون مسكونا اثناء الممارسة بهواجس الفن ام بهموم الموضوع؟ وربما لامست اجابة واحدة هذا الطرح من بعيد، لكن بقية الاجابات اجمعت كلها بشكل او بآخر على تأكيد حقيقتين: الاولى غياب هذا الوعي بكامله لديهم والثانية سيادة (الذات) ذات الفنان المعزولة عن اي مكتسب من سبر تجربة الفن او تجربة الحياة كطرف ثالث يقحم على قضية السؤال,.
ردتني الاجابات الى ما كان يقوله استاذ يملك من الوعي ما جعله يروي بألم وحسرة واقعة شهدها,, قال:(ان عددا من كبار فنانينا قد كلف برسم جدارية هائلة 45مx10م تواجه شاطىء البحر لتكون الجدارية - شكلا وموضوعا - اشارة حضارية الى نهضة هذا العصر.
وقد سمع احدهم يقول للآخر: (ما رايك ادخل خطاً من عندي على خط من عندك؟)! او ذلك الذي سألوه: ما الفرق بين ال (تجريد) وال (تكوين)
فرد: في التجريد انا اجرد وفي التكوين انا اكون!!
وإن تركنا الافضاء والرواية الى مواجهة الاعمال ذاتها صدمتنا لابد - في مواجهة مباشرة للفاجعة - تلك الاعمال التي رسمت باسلوب فني (ميكانيكي) مبتكر! يضع الفنان صورة للوحة معروفة (قد يعمد الى ان تكون مقلوبة في وضعها) اسفلها الى الاعلى على جهاز للعرض ويثبت لوحة فارغة بيضاء على جدار مقابل ليرى عليها المشهد المعروض بألوانه ودرجاته وخطوطه ثم ينبري يضع الالوان من فرشاته فوق ظلال اللوحة المعروضة ليقوم - حين ينتهي - باضافته (العبقرية) في اخفاء ادلة النقل والنسخ!!
اقول انها فاجعة لان الامر اكبر من مجرد غياب الوعي بما هية الفن ومهمته فيما يطول الموهبة,, وانما علينا ان نتجاوز الصدمة الى البحث عن شواهد الانصاف.
|
|
|