صدى الإبداع الرواية بين الروائي والراوي2 د,سلطان القحطاني |
مما ساعد النهضة الحديثة على القيام واستهلاك هذه المفاهيم ثم تصديرها منظرة الى مسقط رأسها من جديد في لباس يختلف عن لباسها الذي وفدت به او جلبت به من وراء البحار حتى ان اهلها وجدوها غريبة (الوجه واليد واللسان) ولم يبق منها الا الروح حيث وقف اهلها في منتهى الضعف والعجز عن اعادة بنائها كما استطاع الغربيون بناءها بناء معماريا جميلا يلائم روح العصر ومتطلبات الانسان.
ان القصة الحديثة التي نقرؤها اليوم ليس فيها من الحديث الا الصياغة والمشكلة التي تعالجها, اما روحها فقد وجدت من آلاف السنين، شفوية في بدايتها ثم مكتوبة في عصر التجميع (التدوين) فالشعر والنثر متلازمان تلازم الانسان بالكلام.
والاديب الذي لا ينطلق من التراث مثبتا قدميه على الارضية التراثية الصلبة لا يستطيع المضي في طريق الحديث الشائك, يحدثنا وهب بن منبّه في كتابه (ملوك اليمن) حيث كان يروي قصصا منه للخليفة الاموي الاول (معاوية بن ابي سفيان) انه كان يروي القصة فاذا انتهى منها سأله الخليفة عما قيل فيها من شعر، فالمجتمع -بما فيه الخليفة - في ذلك الوقت- لا يرضى بقصة ليس فيها شعر يثبت احداثها ويؤكد ما فيها من اخبار وكأن الشعر هو الدليل على صحة ما ورد فيها من احداث فإن خلت منه فهي ناقصة ولاشك او غير صحيحة اضافة الى ان الشعر عند العرب فاكهة المجالس ودليل قوي على قوة ذاكرة الراوي وشاعريته.
فالرواية كما كانوا يسمونها وهي مأخوذة من الفعل (روى) يروي فهو راو على حد تعبيرهم لا تخرج في اطارها العام عن مدلولين: الاول مدلول اخباري تاريخي، والثاني مدلول وعظي ارشادي وفي كل من الحالتين يحتاج الراوي الى دليل يثبت صحته من عدمها، فإن خرجت عن هذين المدلولين فهي تسلية بلا هدف وقد اعتبروها كذلك تسلية وضربا للامثال - مثل (كليلة ودمنة) و(الف ليلة وليلة) بينما استغل الروائي الغربي هذه الحكايات التي كانت عند العرب لا تعرف الا للتسلية وقطع الوقت او يضرب بها مثل لاحدى المناسبات ينقلها (الراوي) والراوي هو الناقل لاحداث التاريخ، بصرف النظر عن كونه فنانا يصوغ الاحداث في قالب فني يوظف فيه الحدث توظيفا فنيا.
|
|
|