ذرف القيمة الجمالية في التعبير الفني |
للجمال في شكليه الظاهر والباطن قيمة فنية ابداعية وهي اينما وجدت تأخذ بالالباب وتترك الاثر البليغ في النفس والقلب ويتميز الجمال الأول بالوضوح كاشراقة الصبح او توهج الشمس,, اما الآخر فيقترن بالجلال والسحر والغموض كجمال السماء المرصعة بالنجوم او كالليل المستضىء بنور القمر, وهذا الشكل الأخير يعتمد اضافة الى اللفظ، المعاني التي تحرك الأحاسيس في النفس، وتحضُّ على التأمل والتفكير وغالبا ما تفضي الى حالات من الاستكشاف والاستغراق, والواقع اننا نميز الجمال بشكليه في الظواهر الكونية المختلفة كما نراه ايضا في الاشخاص والنفوس, ولكن مانحن بصدد الحديث عنه ينصب في العمل الفني الابداعي في مجال الشعر والنثر والرسم والنحت, فكما ان ليس كل ما يكتب من شعر او نثر يحمل مواصفات الجمال ولا يحرك فينا تلك الومضة التي تعتمد ذلك الجمال والابداع محركا وحاضّا، كذلك الحال مع الرسم او النحت فاذا انعدمت الحركة في كليهما وجمدت (الروح) فيهما يكون حالهما كحال النصوص التي تفتقر الى مقومات الجمال والابداع نمر بها فلا تحرك كامنا ولا تثير عاطفة مع انها قد تكون سليمة في مبناها اللغوي.
اذن ما هي معايير الجمال في العمل الفني الذي هو موضوع حديثنا؟ هل هي الصدق مع النفس في نقل المشاعر والاحساسيس وتصويرها بعين مجردة دونما تدخل من جانب الكاتب! ام هي تقمص الكاتب لحال وجداني يحسه في الخيال وان كان لا يعيشه في الواقع! قد تتعدد الصور وتتنوع مصادر تلك المعايير ولكن يبقى الصدق في التعبير، او بمعنى آخر في نقل الصورة الوجدانية والحسية التي يدركها الفنان، وتجبره الى التعبير عنها بالكلمة او بالفرشاة او الازميل, يقول اوسكار وايلد: ان كل صورة تصدر عن الشعور هي صورة فنية صادقة .
وبالطبع لابد للفنان من ان يمتلك ادواته الفنية التي تمكنه من استخدام الصور البلاغية تماما كأهمية تطويعه لملكة التعبير الابداعي التي تتيح له اجواء ابتداع الصور والرؤى ذات المستوى الاعمق التي تتخطى كينونة التصوير لتصل الى ما هية التعبير، او تلك التي نستشف من كلماتها نفسية الموصوف وعقليته فتتجسم المعاني وتترسخ دونما اقحام او نفور.
والواقع ان ملكتي الحس والتخيل تقومان بدور رئيس في ادراك الجمال لدى كلٍّ من المرسل والمتلقي, كما ان ادراكنا القيم الجمالية يختلف ايضا باختلاف مفاهيهمنا وعاداتنا النابعة كلها من البيئة الثقافية والاجتماعية والجغرافية, وهكذا تكتسب القيمة الجمالية ابعادا اجتماعية وحضارية, فالمطر على سبيل المثال يرتبط بشكل خاص بمعظم الصور القاتمة والكئيبة في الادب الانكليزي بينما المطر عند الشاعر العربي هو رمز الحياة والخير والبركة وهذا المثال البسيط يعكس التاثير المتبادل بين المبدع وبيئته ومعطياتها واثرهما في تكوين مفاهيمه ومداركه.
اذن الجمال في الفن ليس فيما ندركه في الواقع كخطأ او صواب بمعزل عن هذه الاعتبارات انما هو في تلك القيمة التعبيرية التي تترجم نفسها في الصور الفنية النابعة من الصدق الوجداني والادراك الحسي والتصور التخيلي, لذا يمكن القول بأن نجاح المبدع يتوقف على مدى قدرته على ايصال القيمة الجمالية تعبيرا فنيا صادقا واصيلا يترك الاثر المحبب في النفس فتتوق اليه مرارا ومرارا.
بديعة داود كشغري
|
|
|