لاتنكري عطل الكريم من الغنى فالسيل حرب,, للمكان العالي!! |
قالها صاحبي,, متكئا علىالتعاسة التي يذرع فضاءها كل ما نسنس من الغربي هبوب !!
سامح الله ابا تمام، لقد سوغ لمرجفي المدينة، ومتقاعسيها المخرج ، وكرس لمفهوم الركون ، عبر - عذره - لحبيبته وسهل الطريق لصاحبي الفقير ، الذي ترك - حتى محاولة - السعي في الارض، والانتشار في مناكبها! الخيال,, كالشيطان زين لابي تمام سوء عمله، وامده بضلاله، ليجد هذا المعنى العقلي ، فآوى الى جبل يعصمه من الفقر .
السيل حرب للمكان العالي ,, جملة غيرت التاريخ، وجغرفت الواقع وحولت الفقراء الى صناديد، وابطال، الم يخدّرهم ابو تمام بالوهم العالي !!
لعل شيخنا/ عبدالقاهر الجرجاني ، لم تنطل عليه مثل هذه الاوهام، لذا قال معلقا على هذا البيت.
فهذا قد خيل الى السامع ان الكريم اذا كان موصوفا بالعلو والرفعة في قدره، وكان الغني كالغيث في حاجة الخلق اليه وعظم نفعه ، وجب بالقياس ان يزل عن الكريم زليل السيل عن الطود العظيم، ومعلوم انه قياس تخييل وايهام، لا تحصيل واحكام ، فالعلة في ان السيل لا يستقر على الامكنة العالية ان الماء سيال لا يثبت الا اذا حصل في موضوع له جوانب تدفعه عن الانصباب ، وتمنعه عن الانسياب ، ليس في الكريم والمال شيء من هذه الخلال (1) .
ولا يكتفي شيخنا - رحمه الله - بذلك ، بل يوبخ أكثر بقوله:
(ولا يؤخذ الشاعر بأن يصحح كون ما جعله اصلا وعلة، كما ادعاه فيما يبرم او ينقض من قضية، وان يأتي على ماصيره قاعدة، واساسا ببينة عقلية، بل تسلم مقدمته التي اعتمدها بلابينة) (2) .
اجدني امام سؤال، حول امكانية جعل المكان العالي كالكريم، فالقاعدة صحيحة، السيل لا يستقر في الأعالي، بل في السفوح، ولكن من يثبت ان الكريم يقع هناك ؟!
ثم الا يعلم ابو تمام ان الكريم، لا يمكن ان يبقى في ذلك الموقع لان نسبة الاكسجين ، تقل كلما ارتفع الانسان ، حينها سيكون رجل رأس الجبل في ازمة هواء وبالتالي يندرج تحت قوله تعالى:(ومن يرد ان يضله يجعل صدره ضيقا حرجا، كأنما يصعد في السماء) (3) .
ولعل العلو سيطر على مذهب ، وهاجس الشعراء، فهذا الطغرائي في لاميته العجمية يلح على هذا مواسيا نفسه، بل مزين لها سوء عملها، بدليل تخيلي كسلفه أبي تمام، لذا قال:
وان علاني من دوني ، فلا عجب
لي أسوة بانحطاط الشمس عن زحل!! (4)
ويأتي السيد احمد الهاشمي، كشحاذ على ابواب الشعر، ومتسولا الماجد ، تاركا النذل ، طالبا الرجل الماجد، الذي يسكن في الاعالي.
لا تسأل النذل، واقصد ماجداً حدباَ
في طلعة الشمس ما يغنيك عن زحل!!
ولكن ماذا يقول الهاشمي، اذا كان الرجل العالي ، الذي يساله قد اعتذر بانه معطل من الغني ، وان الرجل الزحلي قد استغنى عنه، وتجاوزه من هو دونه!!؟.
تباً، ثم تباً لهؤلاء الشعراء، اذا كان الرجل فيهم فقيرا، برر فقرة ، ولم يعترف بكسله، وخموله.
الهوامش:
1 - أسرار البلاغة للجرجاني ص 245.
2 - نفس المرجع ص 248.
3 - سورة الانعام ال؟آية (125).
4 - جواهر الادب للهاشمي.