الشيخ عيسى بن سلمان آل خليفة، امير البحرين الذي رحل ظهر امس مودعاً حياتنا الفانية لملاقاة وجه ربه الباري، الرحمن الرحيم، يعد واحداً من الحكام القلائل الذين يعكسون بجلاء وصدق خصائص شعبه، فالأمير الراحل مثل شعب البحرين طيب,, بسيط,, دمث الاخلاق متواضع,, تشعر بالقرب منه وبحبه حتى وان لم تلتقه,, واذا التقيته تقربك إليه اكثر لهجته المحببة ككل شعب البحرين.
في كل مرة نلتقي خلالها نحن الصحفيين بالأمير الراحل - يرحمه الله - نخرج وجمعنا لا يتحدث عن أقوال سموه فحسب بل يأخذ الكلام عن سجاياه اكثر من نصف حديثنا، فتشعر وانت في مجلسه بانه واحد من الجلساء يتبادل الاحاديث والمعلومات مع الصحفيين وكأنه واحد منهم، بتواضع جم غير مصطنع يقربك كلامه إليه، فتشعر انك تعرفه منذ وقت طويل وتخرج من مجلسه وانت تحبه اكثر فأكثر,, مثله مثل كل اهل البحرين,,فهم قوم لطفاء بسطاء,, طيبون رغم انهم الأكثر ثقافة وتعليماً في منطقة الخليج.
وقد تولى الشيخ عيسى بن سلمان آل خليفة الحكم في البحرين خلفاً لوالده الشيخ سلمان بن حمد آل خليفة في 16 كانون الاول/ ديسمبر سنة 1961.
ويذكر المؤرخ الدبلوماسي العربي نجدة فتحي صفوة بأن تاريخ البحرين يعود الى الالف الثالث قبل الميلاد وقد قامت فيها مدينة تجارية متقدمة بقيت رائدة للتجارة في مياه الخليج العربي والهند سميت دلمون ودامت من الالف الثالث الى الالف الثاني قبل الميلاد.
وقد شاركت البحرين جزيرة العرب في تاريخها منذ اقدم العصور وكانت عاداتها وتقاليدها ولغتها عربية خالصة طيلة تلك الفترة وكانت مركزاً تجارياً مهماً, وقامت فيها حضارات متتالية ونبغ فيها شعراء كثيرون من اشهرهم طرفة بن العبد احد اصحاب المعلقات السبع ومن اعلام الشعر الجاهلي.
ولما استنار العالم بالاسلام في اواخر القرن السادس الميلادي كان اهل البحرين من اوائل من استجابوا لدعوته, وقد اوفد اليهم الرسول صلى الله عليه وسلم في سنة 630م احد قادته، وهو العلاء الحضرمي، وتبودلت عدة مراسلات بين الرسول صلى الله عليه وسلم واهل البحرين, ثم زاره وفد منهم واخذ عنه شخصياً مبادىء الاسلام وتعاليمه, وتوالى الحكام العرب على البحرين منذ ذلك الوقت عبر عهد الخلفاء الراشدين والدولتين الأموية والعباسية وكانت جزءاً لا يتجزأ من الأمة العربية.
واحتل البرتغاليون البحرين عام 1522م وحكموها حتى سنة 1602 وتعاونت شركة الهند الشرقية مع الفرس لاخراجهم منها فلما خرجوا بقيت البحرين تحت سيادة الفرس بصورة متقطعة لمدة مائة وخمسين عاماً تقريباً، ولكن حكامها حتى خلال هذه الفترات كانوا من العرب وفقد الفرس سيطرتهم على جزر البحرين نهائياً في عام 1782 حينما دخلها فرع آل خليفة من قبائل العتوب العربية بقيادة احمد بن خليفة شيخ جزيرة زبارة في الساحل القطري والملقب بالفاتح, وقد نجح الشيخ احمد بن خليفة في طرد آخر عامل فارسي هو الشيخ ناصر العماني الاصل، وتسلم السلطة منه وبقيت سلالته تحكم البحرين الى يومنا هذا بلا انقطاع.
وقد ارتبطت البحرين منذ سنة 1861 بمعاهدة تحالف وحماية مع بريطانيا التي بسطت سيطرتها على منطقة الخليج العربي منذ خروج البرتغاليين وعلى الرغم من الحماية التي فرضتها بريطانيا على البحرين فإنها كانت على الدوام تعترف بكيانها المستقل وعروبتها طيلة الفترة بين سنة 1861 و1971 التي اعلن فيها استقلال البحرين الكامل.
ولما توفي الشيخ سلمان بن حمد ال خليفة في 2 تشرين الثاني/ نوفمبر سنة 1961 خلفه في الحكم اكبر ابنائه الشيخ عيسى بن سلمان آل خليفة وكان في التاسعة والعشرين من عمره وكانت ولاة الشيخ عيسى بن سلمان آل خليفة في سنة 1932 واصبح ولياً للعهد في سنة 1958، وفي عهده اعلن استقلال البحرين في (14 آب اغسطس سنة 1971) وفي هذا اليوم اصدر الشيخ عيسى بن سلمان بياناً اعلن فيه انهاء جميع المعاهدات والاتفاقات السياسية والعسكرية مع بريطانيا وقيام دولة البحرين العربية المستقلة صاحبة السيادة المطلقة على اراضيها والتقدم فوراً بطلب الانضمام الى عضوية جامعة الدول العربية والامم المتحدة, وطلب البيان الى الدول العربية والاسلامية والدول الاخرى الاعتراف بوضع البحرين وكيانها الجديد المستقل فكان لها ذلك.
رحم الله الشيخ عيسى بن سلمان فقد كان عنواناً لطيبة وسماحة وتواضع اهل البحرين,, شعب الأصالة العربية.
جاسر عبد العزيز الجاسر