في الحديث أو الكتابة عن حوادث المرور,, نجد أن هناك دمجا عفويا بين حوادث الطرق الطويلة (بين المدن) وحوادث الشوارع داخل المدن,, فمن المؤكد (إحصائياً) أن النسبة العظمى من اصابات الموت والإعاقة تحدث على الطرق الطويلة,, وهذه يشترك فيها السائق والسيارة والطريق,.
أما الحوادث داخل المدن فعدد اصابات الموت والإعاقة فيها أقل بكثير,, لكن عددها كبير جداً وتكاليفها عالية جداً,, حتى ان هناك احصائية تقدر أن الهدر في الناتج القومي السعودي من حوادث الطرق سنوياً يصل الى 4%,, وهذه الخسارة سببها الوحيد (تقريباً) السائق.
العميد الدكتور صالح بن محمد المالك بسط رأيه (يوم الاربعاء الماضي)في طرق الحد من الحوادث من النواحي الهندسية والتوعوية والعقابية.
وأنا هنا أريد أن أبدي رأيي في تلك النواحي مبدياً مثالاً موضحاً للجزء الهندسي واقتراحا في الجزء التوعوي وتساؤلا عن الجزء العقابي.
مدخل
إحصائيات الحوادث تثبت أننا مجتمع ترك قاعدة درهم وقاية خير من قنطار علاج ليباشر مهام العلاج ويعاني مآسيه ويقاسي مصائبه,, وتؤكد ذلك الكتب الإحصائية لوزارة الداخلية فعدد الحوادث تضاعف خمس مرات في الثمانية اعوام الماضية وقفز الرقم من 40 الف حادث في عام 1412ه إلى 167 الف حادث في عام 1416ه, إلى 264 الف حادث عام 1419ه, أما المخالفات المرورية فقد زادت بأكثر من مليون مخالفة في عام 1419ه عن عام 1418ه فقط.
مازلنا في شوارعنا لا نلتزم ببعض أبجديات التعامل مع المرور,, مثلاً نجد من يقف خلف الإشارة أو يقف في منحنى الرصيف الخاص بالاتجاه الى اليسار وهو يقصد الاستمرار أماماً,, ومنهم من يصر وقت ذروة السير على الدخول من طريق الخدمة للطريق الرئيسي قرب الإشارة وتعكير انسيابية السير لنأه يريد الالتفاف للخلف (U- TURN) دون اعتبار للآخرين في الطريق.
الغريب أن أغلب هؤلاء ليسوا صغاراً مراهقين بل هم كبار ومعهم عوائلهم,,ولا شك أن الاستهتار ليس السبب, فالسبب هو الجهل أو انها ببساطة غابت عنه,, ولو ذكّر بها بشكل لائق لتم ممارستها كعادة حياة.
بسبب تلك التصرفات,, فالغالب في طرقنا عدم ممارسة أخلاقيات القيادة,, إلا في حالات فردية.
المطلوب تغيير عادة السائق,, وذلك وصولا لحلول منها,.
*تقليل عدد الحوادث داخل المدن.
*تقليل حالات الاختناق المروري عند الإشارة.
*تيسير انسيابية المرور حتى لا يرتفع ضغط السائق فيسرع كردة فعل.
1 التوعية
في دراسة مستفيضة قدمها فريق عمل مكون من د, السيف ، ود, البدر ، ود, شربيني الى مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية عام (1992 1412ه) وجد فريق البحث أن الإصابات والوفيات التي حدثت خلال السنوات من 1405ه حتى 1408ه اثناء فترات اسابيع المرور ومقارنتها بالحوادث التي وقعت خلال فترة ستة أسابيع قبل كل أسبوع توعية,, وكذلك التي وقعت بعده بستة أسابيع أن التوعية المرورية التي تمت خلال تلك الأسابيع المرورية لم تؤثر في عدد الحوادث أو الإصابات والوفيات,, لماذا؟.
العملية التوعوية إذاً لم تنجح في تغيير عادة المتلقي فلأنها بالنسبة له عملية إخبارية عن الغير، كما تكون موجهة للغير وليس له,, فالآخرون وحدهم هم الذين تحصل لهم الحوادث,,وهذه غريزة إنسانية رغم علمنا بها إلا أننا لانتعامل معها,, فالمدخن يعلم أن التدخين ضار لكنه يدخن,, ومتعاطي المخدرات يعلم أن تعاطيها ضار لكنه يتعاطاها,, والسرعة قد تقود الى الموت ومع هذا نسرع,, إنها تلك الغريزة التي تستدني الخير وتستبعد الشر.
التوعية عن المخدرات حُق لها أن تتبع الأسلوب الإخباري لأن مقابل ذلك رقابة رسمية وشعبية,, لكن التوعية عن حوادث المرور لايحق لها (في رأيي) أن تتبع نفس الاسلوب الإخباري حيث لا تأثير للرقابة الرسمية ولا وجود للرقابة الشعبية,, فعموم الناس لاينظرون الى السرعة انها مخالفة,, ولا يجرّم فاعلها أو يستنكر فعله.
حملات التوعية منذ بدئها التزمت الاسلوب الوعظي المباشر والمؤدب جداً,, في رأيي أن الحملة يجب أن تزرع من ضمن ماتزرع صفات ونعوتا ساخرة وقاسية ,, تطلق صفة محددة على مرتكب كل نوع من أنواع المخالفات المرورية,, تنتشر بين الشباب ويتعارف الجميع على اطلاقها,, يتلقاها الصغير على أنها وصف قميء من الأفضل له أن يتجنبه,, فتغيير عادة المتلقي (فن) لابد أن يؤدي الى تثبيت عادة أخرى تتحول الى نظام حياة.
حينما يقوم مراهق بتدريب مراهق آخر على قيادة السيارة يكون التدريب في الغالب خاطئاً، وعندها تترسخ لدى المتدرب عادات مثل,, ربط فكرة السرعة بالشجاعة وربط فكرة كسر الأنظمة بالحرية والإيحاء بأن من تجاوزك فقد أهانك وعليك ردعه بكل وسيلة، الأمر الذي الغى كون القيادة أخلاقاً بقدر ما هو فن,, لذا لابد أن يكون تعليم الشاب على يد رجل عاقل متخصص,, يغرس فيه الوعي بمخاطر السرعة وقت المطر,, والسرعة في الشوارع الضيقة أو المحاذية للمدارس,, والاقتراب الشديد من السيارة الأمامية أو الانعطاف يميناً أو يساراً بدون الدخول من منطقة الانعطاف ,, الخ.
2 مثال هندسي
الشكل المرسوم يمثل شارع عمر بن عبدالعزيز بمنطقة الملز,, وهو شارع هام رغم قصره,, حيث يربط الشارع التجاري المشهور شارع الستين (صلاح الدين) والدائري الشرقي.
طول الشارع (3كم) تقريباً,, ولكن فيه أربع نقاط ساخنة تعيق المرور وأسميتها ساخنة لأن الإعاقة تحصل ساعة الظهيرة دائماً.
أنا على ثقة بأن هناك شوارع عديدة في مدينة الرياض وغيرها من المدن مثل هذا الشارع,.
نقطة ساخنة رقم (1/3),.
في عز الظهر عند خروج الطلبة من المدارس وعودة موظفي الشركات إلى بيوتهم يحصل اختناق يعيق المرور,, فالقادمون من شارع صلاح الدين المتجهون شرقاً يعاقون من طلبة المدرسة المتوسطة النموذجية وثانوية اليرموك وسائقيهم والذين يرغبون الإتجاه شمالاً أو العودة (U) غرباً,.
نقطة ساخنة رقم (2),.
الوقوف في هذا المنحنى يفرض الاتجاه يساراً أو العودة (U) وليس الاتجاه أماما حيث ان أمامهم الرصيف,, لكن الحاصل هو استغلالها من قبل المتجهين أماماً وبالتالي مضايقة أصحاب المسار الاصلي وخلق نقطة اختناق.
بعض السائقين يعلم أن ذلك خطأ لكن من يرده؟,, أما البعض الآخر فيظن أن ذلك سوء تنفيذ للطريق من الأمانة ويلومها والقائمين عليها.
نقطة ساخنة رقم (4),.
تم حل مشكلتها بإرجاع مدخل الخدمة مسافة كافية.
3 تساؤل عن عقاب
إذا اتهم أحد بقطع الإشارة يسجن 24 ساعة,, بينما هو متهم لم تثبت إدانته,,إلا إذا كانت إدانته تصدر من جندي المرور,, فهذا يحتمل الخطأ تماماً كما يحتمل الصواب,.
فهناك من جنود المرور جنود بسيطون في قدراتهم,, وهناك جنود لهم ميول في النظر الى الاشياء وبالتالي الحكم عليها.
لماذا,, (وان كان لابد),, لايوجع هذا المتهم بغرامة,, بدل أن تحجز حريته؟!.