| |
المنشود رقية سليمان الهويريني
|
|
العيد.. ودعوة للصفاء!! يأتي يوم العيد، وكل عام يعود هذا اليوم، والمظاهر والاستعدادات تدل على أنه سلوك وأداء شكلي وليس مضموناً فعلياً. فحين نصحو من النوم ونفتح أعيننا نستبشر أن هذا اليوم هو يوم العيد، وقد أكملنا جميع الاستعدادات اللازمة من ملبس ومأكل ومشرب وهدايا متنوعة. وكثير منا قد أنفق ماله وأهدر وقته الثمين في شهر رمضان لقضاء متطلبات يوم واحد فقط أو بالأحرى ساعات معدودة!! فهو مناسبة مكلفة وشاقة ومجهدة.. أي أن مظاهر اللباس الفخمة والولائم الباذخة والتهاني المتكررة في أيام العيد دون طعم أو مذاق صادق تجعل منه يوماً ثقيلاً على النفس!! لا سيما ممن تجبرهم المجاملات على الالتقاء بأشخاص ربما يكونون قد أساءوا إليهم أو ظلموهم أو استولوا على حقوقهم. فبعض العائلات بينها مشاحنات ومنازعات على إرث لم يبت فيه أو استولىعليه الأقوى، ومع ذلك يحضرون للمقر المعد للعيد، وتراهم يتبادلون القبلات الصفراء والسلام البارد، ويعود بعضهم مكسوراً يشعر بالقهر إن كان مظلوماً، وبالحزن إن كان مهموماً، وإن حضر مجاملة فإن الملل يخنق أنفاسه. فالعيد لا يعدو عن كونه يمثل لديه ارتباطات متكررة ومنهكة ومرهقة. وإننا حقاً نأمل أن يكون يوم العيد سعيداً بكل المقاييس بحيث ينعكس هذا اليوم على المرء ويشعره بالسعادة والهدوء النفسي ويصبح - بالفعل - فرصة طيبة للتخلص من الحسد والغيرة وإزالة ما في الأنفس والصدور من كراهية وحل الكثير من المشكلات الأسرية وتقوية أواصر العلاقات.. ويكون العيد يوماً للتسامح والعفو وتجاوزاً لكثير من السلبيات والأخطاء التي صدرت من الآخرين. ومناسبة للترفع عن الكبرياء والغرور وإحلال التواضع والبساطة في كل التصرفات. وفرصة جميلة لإعادة حقوق الآخرين ومساعدتهم مادياً ومعنوياً لإكمال فرحتهم بالعيد. هذا على المستوى الأسري، أما على المستوى العام فلا بد أن يكون للمجتمع في هذا اليوم نصيب من أفراحنا، حيث يحسن بنا زيارة دور الأيتام ومشاركتنا وأبنائنا لهم فرحتهم ومنحهم الهدايا البسيطة التي تشعرهم بأنهم ضمن منظومة إنسانية واجتماعية. وكذلك زيارة مراكز رعاية المسنين ومشاركتهم ذكرياتهم مع أيام العيد الماضية وإدخال البهجة على قلوبهم. ولا ننسى معايدة السجناء الذين قضت عليهم العقوبات أن يبقوا في السجن، في الوقت الذي نتمدد فيه بأجواء الحرية، ولو كان أولئك متهمين في قضايا أو يقضون عقوبات على جنايات استحقوها.. كما لا نغفل عن المرضى في المستشفيات الذين حال المرض دون مشاركتهم لأسرهم فرحة العيد والالتفاف حول بعضهم.. ويبقى أولئك الذين غادروا دنيانا وسكنوا القبور، حيث كانت وجوههم في الأعياد السابقة تشرق بالحب، وتطفح بالبشر، فيضيؤون دروبنا ويشرقون في صدورنا، ويحلو العيد بقربهم وحولهم ويشكّلون لنا شلالاً عن الأمل والعطاء، فلهم منا الدعاء أن يعوضهم الله بدلاً من أعيادنا نوراً وضياءً في قبورهم، وأن يبدلهم بأعياد الدنيا المؤقتة الزائلة بنعيم مقيم بضيافة رب كريم، وأن يرحمهم ويجعل لهم الجنان مسكناً والفردوس مقراً.. وسيأتي العيد هذا العام، وسوف تتلوه أعياد متواترة، وسيلبس الأطفال الجديد، ويدعو الناس لبعضهم بالعمر المديد.. وستستمر دائرة الأيام، وتبقى الحياة، تنبض وتستقبل المواليد القادمين كما تحتضن المقابر الموتى المغادرين. وطالما هناك حياة وأعياد فلا بد أن نبيح للسعادة موقعاً في قلوبنا، وأن نجعل للبهجة مرتعاً بين جوانحنا، وأن نسمح للسرور بالتضوع في نفوسنا، ونستقبل العيد بتفاؤل واستبشار وفرح.. وكل عيد وبلادنا بأمن وخير، ونفوسنا أكثر صفاء وتفاؤلاً.. أجمل ما قرأت: حتى تأخذ أفضل ما عند الآخرين عليك أن تقدم لهم أفضل ما عندك!!
ص.ب 260564 الرياض 11342
rogaia143@hotmail.com |
|
|
| |
|