Al Jazirah NewsPaper Thursday  30/11/2006G Issue 12481مقـالاتالخميس 09 ذو القعدة 1427 هـ  30 نوفمبر2006 م   العدد  12481
رأي الجزيرة
الصفحة الرئيسية

الأولى

محليــات

الاقتصادية

الريـاضيـة

مقـالات

فـن

الثقافية

دوليات

متابعة

منوعـات

نوافذ تسويقية

شعر

الرأي

عزيزتـي الجزيرة

سماء النجوم

تحقيقات

مدارات شعبية

زمان الجزيرة

الأخيــرة

رداً على طروحات د. حمزة المزيني (3-3)
لنقطع الشكَّ بسكين اليقين!
د. عبد الله البريدي

أحسب أنّه تقرر لدينا أنّه لا يسوغ البتة أن نصبّ العلوم الطبيعية كلّها في قالب واحد، إذ إنّها تتفاوت بحسب صلابتها المنهجية، ومن ثم فهي في مراتب متباينة؛ يعلو بعضها على بعض؛ من حيث مستويات الصحة والدقة ودرجات الموثوقية والاعتمادية والتعميم لنتائجها.
وقررنا بأنّ الفلك - لاعتبارات ذكرنا طرفاً منها - لا يُعَد من العلوم الصلبة كالرياضيات والفيزياء، كما أشرنا إلى ظنية الحسابات الفلكية وعدم يقينيتها، وهذه مسائل منهجية بين العلماء والباحثين بل هي معقولة لغيرهم، مما يجعلنا لا نجد مسوغاً لأحد أن يتهمنا بعداء خفي أو معلن للعلم إن نحن قررناها وجلبنا عليها شيئاً من البراهين والحجج، بل نذهب إلى ما هو أبعد من ذلك؛ حيث يولّد هذا المسلك الفلسفي الرشيد حماية أكيدة للعلوم الصلبة وغير الصلبة من فرط الحماس الذي يبديه النسق الأكاديمي الميكانيكي، وكنا قد اتخذنا من طروحات زميلنا الكريم الأستاذ الدكتور حمزة المزيني نموذجاً لذلك النسق، وطلباً للتركيز وعدم التشتت في المباحث والإشكاليات فقد ارتأيت أن نصل برواق تحليلنا المعرفي في هذه القضية إلى منتهاه في ظل المسألة التالية.
المسألة الرابعة: اليقين بين الإبصار والحسابات. نأتي لمسألة حاسمة وهي ماذا لو تعارضت الرؤية البصرية التي (تدعي) دخول الشهر برؤية الهلال مع الحسابات الفلكية التي (تدعي) استحالة ذلك؟ مسألة التعارض هذه، لا بدّ من نقاشها بشكل منهجي هادئ، وقد أكد الدكتور المزيني على أنّ الإبصار يكتنفه مشاكل عويصة، وأشار إلى أنّني ضربت عن تلك المشاكل صفحاً، ولذا يلزمني مناقشة هذه القضية بشيء من الإيضاح.
وفقاً للتفكير المنطقي، إمّا أن نقول بإمكانية الرؤية البصرية أو بالعدم، والقول الثاني غير متصور إطلاقاً اعتماداً على نصوص المنقول ومبادئ المعقول. فأمّا المنقول فقد تأسس النص الشرعي على الرؤية البصرية للهلال دون أي إشارة مباشرة إلى ما ينغص ذلك أو ما يستوجب أي فعل احتياطي لحماية (المدركات البصرية) التي تتأتي من خلال تلك الرؤية، غير أنّ الفعل الشرعي التطبيقي راعى تلك القضية بشكل غير مباشر حين أوجب أن ُُيسأل الرائي بضعة أسئلة ليُستوثق من الرؤية ويُحد من احتمالات وقوع اللَّبس أو الوهم، وأمّا المعقول فقد جرت الأذهان السليمة على إمكانية الرؤية البصرية للأشياء، مع أنّ العقل الإنساني توصل إلى أنّ بعض الحالات قد تكون مصحوبة بنوع من الخداع البصري، كما في حالة (انكسار الضوء)، و ثمة حالات أخر تؤثر على المدركات البصرية كالمشكلة الناتجة من (خلفية الأشكال) أو (التقارب) أو (الإغلاق) أو (التشابه بين الأشياء) التي ُُيراد إدراكها بالبصر، غير أنّها حالات استطاع العقل البشري أن ُيلم بمعطياتها ويفرز أسبابها ويخضعها للتجربة المقننة، مرة بعد أخرى، إلى درجة يتوصل معها العقلُ إلى نتيجة يركن إليها، قبولاً أو رفضاً لتلك المدركات، بل يمكن أن يصل العقل إلى وضع يتوقف فيه؛ فلا يقبل ولا يرفض، وهي حالات استوى فيها طرفا المسألة، وهنا تأتي أهمية إيجاد حزمة من الإجراءات المنهجية التي تعين العقل على الانتقال صوب منطقة القبول أو الرفض، أي أننا - بعبارة أخرى - نلجأ إلى استفزاز النتائج التي نحصل عليها؛ فنقارنها بنتائج أخرى نحصل عليها من طرق مختلفة مع إدمان خلق الأسئلة الفلسفية التي تقض مضاجع العلم، فلا يطمئن بحال إلى إجراءاته ولا يطير تيهاً ولا غروراً بنتائجه ومنجزاته، بل يظل متحفزاً يقظاً متواضعاً!
ومع الأخذ في الاعتبار وجود تعارض بين الرؤية البصرية للهلال والحسابات الفلكية، هب أننا نسلم بأنّ الرؤية البصرية قد تكون مشوهة بواحد أو أكثر من العوامل المشوهة للمدركات البصرية - التي ألمحنا إلى بعضها آنفاً -، نعم دعونا نفترض ذلك مع غض الطرف عن ظنية الحسابات الفلكية وعدم دقتها، أي أننا نفترض بأنّ تلك الرؤية تعجز عن تجاوز منطقة الرفض أو منطقة التوقف عن التسليم بالنتائج نحو منطقة القبول بها، فلمَ والحالة هذه لا نصير إلى تطوير الحزمة المنهجية الإجرائية التي نختبر بها تلك النتائج؟
ونظراً لعدم ترسخ الفعل الفلسفي لدى النسق الأكاديمي الميكانيكي التسطيحي الذي لا يدفع باتجاه استفزاز معارفنا وخلخلة النتائج التي نصل إليها بحجة حماية (جناب العلم)، نتيجة لذلك نجد أنّ ذلك النسق لا يفكر في أي لون من اشتقاق إجراءات منهجية لنختبر بها النتائج، لا سيما إن كان ثمة تعارض بينها نظراً لحصولنا عليها من مصدرين متعارضين، ما الذي جعل النسق الأكاديمي الميكانيكي يتجاهل كل هذا، ويتجه عوضاً عن ذلك إلى إطلاق تهم كارثية جوفاء؟
ونظراً لأنّ بعضنا لا يقتنع بأننا قادرون - أو يمكن أن نكون قادرين - على ممارسة الصناعة الفلسفية أو شيء منها؛ وكأنّ قدرنا المحتوم ألاّ نتجاوز مرتبة (المشغل المتقن للآلة) على أحسن حال (انظر: فقه الفسلفة، للفيلسوف المبدع طه عبد الرحمن)، فإننا نذكِّر هؤلاء بأنّ مدرسة فلسفية غربية حديثة قامت على مبدأ التكذيب للنظريات Falsifiability، والتي تقضي - ببساطة - بأنّ أي نظرية لا تُعَد علماً إلاّ إذا كانت قابلة للتكذيب من حيث الأصل ولكنه استعصى عليك تكذيبها، فاستعصاؤها عليك وأنت الجاد في تكذيبها دليل على علميتها، وصاحب تلك الفلسفة هو الفيلسوف النسماوي الأصل (كارل بوبر، 1902-1994م)، والذي يعدّونه واحداً من أهم فلاسفة العلم في القرن العشرين، لدرجة أنّ (هيرمان بوندي - عالم فلكي ورياضي شهير، 1919-2005م) قال عن بوبر: (باختصار، ليس العلم شيئاً أكثر من منهجه، ومنهجه ليس شيئاً أكثر مما قاله كارل بوبر)!، إذن فنحن نتكئ هنا على (سلفهم الفلسفي) وليس (سلفنا الفلسفي)، لا ضير ولا تثريب، فلنطبق إذن مبادئ تلك الفلسفة على ما نحن بصدده.
لدينا تعارض بين الرؤية بالعين (أو المراصد) والحسابات الفلكية، ولكي نكون أكثر تحديداً، دعونا نركِّز على الحالة التي يؤكد فيها (علماء) الفلك من خلال حسابات ومعادلاتهم الفلكية على استحالة رؤية الهلال مع أنّ الرؤية قد تحققت - إدعاءً - من قِبل أطراف أخرى، حسناً، تعالوا بنا نفتح تلك الحزمة المنهجية ونطبق بعض خطواتها الإجرائية، فمن ذلك أن نفيد من المنهج التجريبي، مفترضين أنّ الرؤية هي التجربة (متغير مستقل)، في تلك الحالة يمكننا وضع اختبارات بعدية - أي بعد حدوث التجربة -، نحاول من خلالها أن نكذب تلك الرؤية ومن ثم نتوصل إلى الحكم بدحضها وبطلان النتائج التي أفضت إليها، كأن ننظر إلى اليوم الذي يكتمل فيه القمر بدراً (متغير تابع)، حيث إنّ ذلك يمثل محكاً لا نختلف حوله (ليلة الخامس عشر) - أو أي محك آخر- ، ونختبر هذا الأمر سنة بعد سنة، إلى أن نصل إلى مرحلة تسكن فيه النفس ويترجح أحد الطرفين، ونتحقق بذلك من درجة موثوقية كلٍّ من الرؤية والحسابات الفلكية، (فنقطع الشك بسكين اليقين)!
هذا ما ندعو إليه ونتمسك به، وهذا هو المستساغ لكلِّ ما ينتسب للعلم؛ بأن يداوم العلماء والباحثون على استفزاز نتائجه ويستحضروا الشك بها حتى يدفعوه بالقين، لا أن يتمسكوا بأهداب حسابات فلكية ظنية ويعكفون على ترديد خطاب مسطح، لا يمسك منهجية و لا ينبت تفلسفاً، وهذا ينبئ عن آثار وخيمة على عقول أجيالنا وقدراتهم الفلسفية؛ إن نحن تقاعسنا في مهمتنا الفلسفية تجاه العلم، والأسوأ من ذلك حين يرتكس ذلك الخطاب في دوائر الاتهام بمعاداة العلم، وتلك الاتهامات لا يسوغ أن ننظر إليها من الزوايا الشخصية الضيقة، بل إلى ما تفرزه من ثقافة التقليد والمحاكاة والاستكانة والخوف من مساءلة العلم وتحديه عبر الأسئلة الفلسفية الناضجة، كما بدا ذلك جلياً من لدن النسق الأكاديمي الميكانيكي وما أنتجه من أنساق تسطيحية فرعية، تتشبث أحياناً ب (الثقافي) وتحاول أن تعبث ببعض أدواته وتستغل أدبياته، وتزعم ممارسة النقد المنهجي، مع أنها لا تقف على أرضية فلسفية صلبة ولا تنطلق من إطار مفاهيمي محكم، إذ لا يمكنك الإمساك بشيء محدد أو متماسك؛ ومن ثم يتعذر عليك القيام بعمليات الهز والاستنطاق لأفكاره المحورية.
وقد شددنا القول غير مرة على حتمية أن ُيقاد العلم ويقيم ويطور ويستفز بشكل دائم من خزانة أسئلة فلسفة العلوم التي تفنى فيها الأجوبة ولا تبقى فيها غير الأسئلة، تلك الفلسفة التي يجب أن نرتقي في ممارستها من طور استخدامها كأداة لا نعرف أسرارها ولا ندرك خفاياها إلى طور نكتسب خلاله القدرة على صناعتها منبثقين من إطارنا الثقافي بثوابته ومنطلقاته، وهي مرحلة متقدمة تبدأ بقناعتنا بحتمية الانتقال من (تفكير الآذان) إلى (تفكير الأذهان)، وهذا لا يعني أنّه يجب أن نطوي آذاننا تماماً فلا نستقبل شيئاً جديداً، كلا، بل المقصود هو أن نقلل من حجم المنقول لنشتغل أكثر بالمعقول، وهذا لا يتأتي إلاّ إذا توفرنا على ما نسميه ب (الأنفة الثقافية)، وسيكون لي وقفات مطولة ومثيرة حول ذلك المصطلح ودلالته وأساليب قياسه وأثره على الإبداع العربي، وذلك عند الشروع في نشر مواضيع مشروعي الخاص في (التشخيص الثقافي).
وأخيراً أرجو أن تقرأ هذه المطارحة المعرفية - الإبستمولوجية - المختصرة المتواضعة بشكل تكاملي، وبصدور متّسعة رحبة، وعقول باحثة عن الحقيقة، متواضعة لها ولطلابها؛ متطلّعاً لأن نسمع رأي المتخصصين والباحثين في الفلك بكلِّ تجرُّد وإنصاف؛ ومتفائلاً بتجاوزنا الحدود الضيقة للموضوع - رؤية الهلال - إلى الفضاءات الفلسفية والاعتبارات المنهجية، مقدِّراً لأطراف الموضوع وقرّائه إسهاماتهم واستفزازاتهم وتعقيباتهم وقبولهم ورفضهم، وما أضيق الحوار لولا فسحة المنهج، وليس شيئاً أعظم وأحقّ من قول الحق تبارك وتعالى: {قُلْ هَاتُواْ بُرْهَانَكُمْ }(111)سورة البقرة، نعم هاتوا برهانكم، وسنكون للحق مذعنين!

beraidi2@yahoo.com



نادي السيارات

موقع الرياضية

موقع الأقتصادية

كتاب و أقلام

كاريكاتير

مركز النتائج

المعقب الإلكتروني

| الصفحة الرئيسية|| رجوع||||حفظ|| طباعة|

توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية إلىchief@al-jazirah.com.sa عناية رئيس التحرير/ خالد المالك
توجه جميع المراسلات الفنية إلى admin@al-jazirah.com.sa عناية نائب رئيس التحرير/ م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2006 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved