Al Jazirah NewsPaper Friday  08/12/2006G Issue 12489مقـالاتالجمعة 17 ذو القعدة 1427 هـ  08 ديسمبر2006 م   العدد  12489
رأي الجزيرة
الصفحة الرئيسية

الأولى

محليــات

الاقتصادية

الريـاضيـة

مقـالات

استراحة

الثقافية

دوليات

متابعة

أفاق اسلامية

أبناء الجزيرة

شعر

الرأي

عزيزتـي الجزيرة

سين وجيم

تحقيقات

مدارات شعبية

زمان الجزيرة

الأخيــرة

خواطر تنموية ساخنة (1)
المدينة العربية... أبلهاء أنتِِ؟!
د. عبدالله البريدي

(1)
يذهب جملة من التنمويين إلى أن التنمية دخلت عصر (تنمية المدن) متجاوزة بذلك (عصر الدول)، مما جعل العديد من الدول الذكية تجتهد في وضع رؤى تنموية طموحة لبعض مدنها، ويشهد العالم هذه الأيام تنافساً محموماً في مجال ريادة المدن لحركة التجارة والصناعة والمعرفة والتقنية... وحديثي هنا عن المدينة العربية، المدينة: الرؤية، المستقبل، المزايا التنافسية، الخطط، المشاريع، البرامج، الخدمات... بهذا المعنى التنموي تعرّى لي غفلتك أيتها المدينة العربية!... بل لقد اتضح لي بلاهتك في أكثر من مشهد ولأكثر من سبب... حدث ذلك أثناء زياراتي لك وتفحصي لخططك ورؤاك وحديثي المتكرر مع أهلك وقاطنيك وعشقاك... وعلى الرغم من شدة وجعي التنموي حيال المدينة العربية فلن أشير إلى مدينة محددة... فالتيه وغياب الرؤية تعاني منه الغالبية المطلقة من مدننا العربية وإن كانت القضية نسبية بطبيعة الحال، فكل مدرك نصيبه لا محالة!، ولكي لا تفوتنا فكرة التعقّل بسبب سكرة التعصب فلن أذكر مدينة بعينها حال استعراضي للجوانب السلبية خصوصاً، وليكن ذلك في جملة من التحليلات والمشاهد والقفشات الرمزية!
(2)
قرّرت في زيارتي الأخيرة لإحدى المدن العربية الكبرى - وهي صورة رمزية لا أكثر للمدن العربية - أن أتغلغل داخل أحشائها، فرحت أتقلّب في المناطق الشعبية وأتفحصها وأتحدث إلى أهلها في المقاهي والطرقات والمطاعم... فضلاً عن الأحياء العشوائية المتناثرة دون استحياء على جبينها وفي سائر بدنها!... والحق أنه قد هالني ما رأيت وأفجعني ما وجدت من حجم البؤس والشقاء والبطالة الذي يتقلب فيه عشرات الآلاف من البشر... للمرة الأولى انتبه إلى أن المدينة العربية باتت جسداً يترهل بلا رأس (رؤية).. حيث لا تقع عينك على مشاعل مضيئة تحملها المدينة العربية لمستقبلها.. الجميع يلهث خلف لقمة العيش وجملة الناس الفقراء لا يزهدون بالكذب ولا يتورعون عن التذاكي الممجوج لا سيما مع السياّح والغرباء لا لأنهم عديمو القيم ورقيقو الدين وإنما لسد جوعتهم وجوعة أطفالهم، وعدد لا يستهان به منهم متورط بألوان من الهروب من الواقع البيئس بالطرب الساذج والسجائر والأحاديث الفارغة... فقد أخبرني سائق أجرة - ضمن مَن أخبرني - أنه يشرب أربع (علب) دخان، اثنين منها في دوام الحكومة الصباحي والآخرين في دوامه المسائي على (صهوة أجرته)، أي أنه يصرف - وهو الفقير المحتاج - مبلغاً كبيراً من أجل أن يتخلص من ضغوطك أيتها المدينة العربية العريقة!
(3)
وفي مشهد آخر، أبكاني منظر لامرأة ريفية (تشوي) محصولاً زراعياً للمارّة، وقد اسودّت يداها من فحم الشواء، وكان بجانبها رضيعها يتلوّى من شدة الجوع.. يقف مستنداً إليها، يستعبر، يستجدي، يبكي، يحترق بكاءً، لا، بل يستنجد بصراخ يقطّع أنياط قلبها بخنجر الحاجة ويفتّت كبدها بأسيد الفقر، حيث جعلت تتشاغل عن رضيعها وتتصيّد عيناها البائستان الزبائن المحتملين الذين يمرقون يميناً وشمالاً أمام شوائها.. لم تكن تحمل قلباً غير قلب الأم الذي يتدفق حباً ويستدير عطفاً ويلتهب ظمأً لإطفاء جوعة طفل لا يدرك أن تلك المدينة العربية مشغولة عنه بغبائها المفرط.. !
(4)
نعم، ماذا قدمت المدينة العربية لنفسها... أحسب أنك ستدرك بتجوّلك في جنبات المدينة العربية ومرورك بين أزقتها أن أكثر جاذبية المدينة العربية ومعظم إنجازاتها لم تصنعها (مدينة اليوم)، بل هي هبات السماء وأعطيات التاريخ.. كالثروات الطبيعية والأنهار والمساجد والقناطر والقصور والقلاع والأسوار والحمامات، فماذا عساها قدمت المدينة العربية لنفسها؟ لا تكاد تجد شيئاً ذا بال.. غير بعض الأشياء المتناثرة هنا وهناك وبعض الأحياء والجسور والعمائر التي أملتها ظروف التخمة السكانية المفرطة التي تعاني منها المدن العربية الكبرى..!!
(5)
لست أدري أي مسوغ لمدينة يقطنها مئات الآلاف، بل الملايين من البشر أن تبيت ليلة واحدة وخطتها الإستراتيجية ليست تحت وسادة بلديتها! إلى أين تسير المدينة العربية؟ يا ويلها ماذا ينتظرها؟ ما غدها؟ ما صباحها؟ ما ضحاها؟ ما مساؤها؟ ما هي الميزة التنافسية التي صنعتها المدينة العربية لنفسها في زمن اقتصاد لا يقوم إلا على المزايا التنافسية التي تتمرد على المحاكاة وتتأبى على التقليد؟ فمثلاً، كم من السيّاح تنوي المدينة العربية السياحية اصطيادهم في العام القادم وفي الأعوام الخمسة والعشرة القادمة؟ ألا تشعر المدن العربية السياحية الكبرى بأن ثمة مدناً أخرى لم تكن تملك شيئاً مما تملك باتت تنافسها في اصطياد السيّاح، بل وتفوّقت عليها؟ ما هو السباق الذي تنوي المدينة العربية تأهيل خيولها له في زمن عولمة الاقتصاد والثقافة والثورات المعرفية والتقنية والاقتصاد المعرفي والرقمي؟ أي نوع من الرؤى والخطط والمشاريع والبرامج الإستراتيجية التي تطبخها المدينة العربية للأجيال القادمة؟
(6)
هل باشرت المدن العربية الكبرى وهي المدينة القدوة - أو هكذا يجب أن تكون - لبقية المدن والمحافظات عملية محاربة الفساد الذي يكاد يطول كل شيء فيها؟ ولو استجليت النظر إلى غالبية المدن العربية فماذا عساك أن تجد غير الفجيعة التنموية... لكم فوجعت بالأخبار التي طيّرتها الصحافة العربية والتي تفيد بأن عاصمة عربية كبرى تنوي التعاقد مع شركة أجنبية للقيام ببعض خدمات البلدية الأساسية، ألهذه الدرجة تفتقد المدينة العربية للقدرة على القيام بتلك الخدمات بطرق لم تعد من أسرار العلم ولا من شفرات التقنية ولا من عجائب الدنيا!! ألا تترفع المدينة العربية عن ذلك ولو من أجل رمزية الأشياء التي ما تفتأ تنخر في وجدانها وتهز كبريائها! لا شك أن عتبنا النهضوي يتضاعف تجاه المدن العربية الكبرى التي لم تزل تحتفظ بعطر معتّق يفوح شذاه من قارورة الحضارة العربية الإسلامية؟ تلك المدن التي كانت ذات تاريخ رمزاً للعروبة وتاجاً للإسلام؟ ما هذا أيتها المدينة العربية.. يا من تضمين آلاف العلماء والفلاسفة والمفكرين والكتّاب والباحثين والمخترعين والقضاة والمحامين والقانونيين والشعراء والأدباء والفنانين والمبدعين والأساتذة الجامعيين والمستشارين والإستراتيجيين والإعلاميين والمحللين والأطباء والمهندسين والمدربين؟ ما هذا أيتها المدينة العربية.. يا من تصدّرين العلم والفكر والأدب.. يا من تصنعين الدراسات والاستشارات لغيرك؟ أفلا أبقيت شيئاً لنفسك؟ ما هذه التضحية التنموية وما ذاك الإيثار النهضوي؟!!
(7)
وبلاهة المدن العربية الكبرى تصبح أكثر وضوحاً لنا حين نقارنها بمدينة عربية لم تكن شيئاً مذكوراً.. لم تكن سوى صحراء قاحلة ارتوت قليلاً بشيء من النفط واستطاعت أن تجتاز إلى مرحلة ما بعد النفط، ويهمني كثيراً التأكيد على أنني أكتب هذه الأفكار والخواطر النهضوية ودمائي تغلي بانتمائي العربي الإسلامي وبإيماني بأنني عاشق للمدن العربية كلها.. نعم أعشقك أيتها المدينة العربية ولا أريد لك سوى الانعتاق من هذا الغباء الذي يلفّك بإحكام، فمن يوقف بلاهة المدينة العربية ويبدله بذكاء بات العالم لا يحترم إلا من يتوفر على قدر كافٍ منه؟.. أبغي لك أن تكوني قادرة على تجاوز مرحلة الاقتيات على الماضي وأروم لك الانفكاك من شيخوختك.. أتطلع إلى أن تجددي شبابك وتستعيدي عافيتك وتصنعي مستقبلاً جديداً لك، مستقبلاً يكون تاريخاً لأجيالك القادمة صنعتهِ أنتِ يا مدينة اليوم وليس أحد سواكِ! ومما ضاعف حزني وفجر كل البكاء في وجداني أنني كنت أقرأ - إبان إقامتي في تلك المدينة العربية - كتاب (رؤيتي: التحديات في سباق التميز) للشيخ محمد بن راشد آل مكتوم حاكم دبي وبحثاً للدكتور عبد الخالق عبد الله (دبي: رحلة مدينة عربية من المحلية إلى العالمية، مجلة المستقبل العربي، عدد 323، يناير 2006).
نعم، سيتضح لنا بشكل أوضح بعض ملامح تلك البلاهة التي تحملها غالبية المدن العربية عندما نستعرض في مقال قادم ملامح التميز في رؤية مستقبلية تحملها مدينة عربية طموحة... لم يدفعني للكتابة سوى بؤس مدينة.. المدينة العربية: حاضر تعيس يقتات على ماض مجيد وينتظره مستقبل غامض!.. أحسب أن المدينة العربية ? وبالذات غير الغنية - يمكنها أن تفقد (غفلة المال) غير أنه يسعها أن تكتسب (فطنة الحاجة)! فهل إلى خروج من دوائر الغفلة؟؟!!



Beraidi2@yahoo.com



نادي السيارات

موقع الرياضية

موقع الأقتصادية

كتاب و أقلام

كاريكاتير

مركز النتائج

المعقب الإلكتروني

| الصفحة الرئيسية|| رجوع||||حفظ|| طباعة|

توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية إلىchief@al-jazirah.com.sa عناية رئيس التحرير/ خالد المالك
توجه جميع المراسلات الفنية إلى admin@al-jazirah.com.sa عناية نائب رئيس التحرير/ م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2006 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved