Al Jazirah NewsPaper Saturday  16/12/2006G Issue 12497مقـالاتالسبت 25 ذو القعدة 1427 هـ  16 ديسمبر2006 م   العدد  12497
رأي الجزيرة
الصفحة الرئيسية

الأولى

محليــات

الاقتصادية

الريـاضيـة

مقـالات

فـن

الثقافية

دوليات

متابعة

منوعـات

الرأي

عزيزتـي الجزيرة

الطبية

مدارات شعبية

زمان الجزيرة

الأخيــرة

فيلبي والمالك.. وصفات طار ذكره بها
محمد أبو حمرا

الشيخ حمد المالك - من الرس في القصيم - صاحب وجاهة، وكان النجديون وخصوصاً البادية يسمونه ابن مالك، هكذا بدون أل التعريفية لأنه مشهور في نجد، وهو رجل أحبته البادية لسماحته ولأنه يُعتبر متكأ لهم في مدينة الرس في بدايات تكوين المملكة، وقبيل ذلك، فقد كان باب مضيفه في الرس مفتوحاً للقاصدين لمدينة الرس، وكانت الرس سوق ميرة للبادية بالذات، فيقصدون ذلك المضيف ويبيعون ما معهم أو يشترون من أهل الرس، لكن ثقتهم في الشيخ حمد المالك جعلته يحتل مكانة مرموقة عندهم لعدة أسباب منها، أنه رجل صدوق، زِدْ على ذلك أن من كان من القاصدين للرس وليس معه سيولة كان يقصد الشيخ حمد المالك فيقرضهم ويسجل ذلك في دفتر الديون، الذي يسمونه دفتر التسجيل، وقد روى لي أحدهم قوله:
- جئت للرس قبيل شهر رمضان للتموين، وكنا لا نأخذ إلا القهوة والهيل والتمر والقرنفل ونسميه (مسمار أو عويدي) فلم تكن نقودي كافية، فقد نقص عليَّ الكثير، وكنت سمعت عن حمد بن مالك، فيممته ولم يكن يعرفني ولم أعرفه أيضاً، وشرحت له وضعي فقال:
- يا رجال تراها هويّنه والخير واجد يا الله لك الحمد.
هكذا قال لي ثم أردف المالك:
- خذ اللي تبي من دكان الابن عبد الله واللي ما هو عندنا ندبره لك.
فأخذت بما يقارب العشرين ريالاً فرنسياً، ونسيت تسجيله عليّ، ومضت ست سنوات وأنا ناسٍ ذلك وأقابله ولم يسألني عنها، فذكرتها بعد مدة وأعطيتها إياه معتذراً منه على التأخير فقال الشيخ المالك: إن كنت في حاجتها فدعها إلى ما بعد.
فأخجلني بسماحته تلك، ومنذ ذلك صارت معرفتي به تزداد.
ولأن الشيخ حمد المالك - رحمه الله - كان سمحاً فقد وفقه الله في كسب محبة الناس حتى إذا جاء ذكره قالوا: والله والنعم.
وكانت تربط الشيخ صداقات عميقة مع الشيخ عمر بن ربيعان، وسمعت من ابن ربيعان ثناءً كثيراً عن الشيخ المالك، ومن ذلك قوله - رحمه الله:
- ليا عدت الرجال يعد ابن مالك من أوّلهم، والله ونعم الشارب.
هكذا قال، وكان الشيخ عمر إذا جاء للرس لا يمكن أن يقيم عند أحد والشيخ المالك موجود في الرس، بل يذهب إليه محبة له وإجلالاً له أيضاً، ولعلاقته الوثيقة به.
وكان الملك عبدالعزيز يعتمد على الشيخ حمد المالك - رحمهما الله -، لأنه رجل حصيف وداهية وحاضر البديهة، وما حادثة جون فيلبي أثناء ضيافة المالك له إلا شاهد على دهاء وحنكة الرجل، وقصة ضيافة فيلبي لدى الشيخ حمد قصة مشهورة ومستفيضة عند النجديين بالذات، ذلك أن مستر فيلبي في أولى بدايات إشهاره لإسلامه جاء إلى الرس للبحث في بعض المواقع الأثرية، فكان الجو وقتها شتاء قارساً وأمطاراً غزيرة، وكان فيلبي على سيارة جيب، فأُصيب فيلبي بضربة برد ليلتها، فحمله الذين معه على حمَّالة وذهبوا به لبيت الشيخ المالك، ولم يكن المالك يعرفه، وكان في حالة إعياء شديد وخور وتعب وجوع أيضاً لطول المسافة، فأجلسوه قرب موقد النار وكان رجلاً جسيماً، وأطعموه التمر مع القهوة، فلما انتبه وعاد له وعيه طلب أترجا (يُسمى اترنج) فأكل حبة كاملة مع الحامض الذي بداخلها، وقدَّم الشيخ العشاء للضيوف ومنهم فيلبي، فعاد له نشاطه وطلب زيادة اترنج، ثم قال: سأنام في الشرفة، واستغرب الشيخ أن ينام والجو بارد جداً في الشرفة، فقال فيلبي: أكلت مضاد البرد، ويقصد الإترنج، فلما أصبحوا وأراد الشيخ الذهاب للمسجد لصلاة الجمعة قال فيلبي: سأصلي معكم، وكان النجديون يومها يشكّون في إسلام فيلبي، وكان خدم الشيخ المالك يضعون له سجادة في الصف الأول تحجز له مكاناً يوم الجمعة، فجاء معه فيلبي، ولما دخلا المسجد فإذا هو مملوء بالمصلين، فتجاوز الشيخ المالك إلى محله المحجوز له، وبقي فيلبي في الصفوف الأخيرة، وكان أغلب مَنْ حوله مِنْ الأطفال ولما خرجا من المسجد كان فيلبي غضب غضباًَ شديداً لأن الشيخ لم يأمر بحجز مكان له في الصف الأول، فما كان من الشيخ إلا أن تصرف بدهاء وذكاء، إذ قال لفيلبي: يا فيلبي.. جلوسك في الصف الأول يمنعك من مشاهدة الناس ولا ترى إلا الجدار، أما الأخير فترى الإمام والمصلين، فهدأ غضبه وشكره.
وكان بيت الشيخ حمد المالك لا يخلو في يوم من الأيام من القاصدين له، وكان الشيخ عمر بن ربيعان إذا جاءته رسائل يقصد الشيخ حمد لثقته به فيقرأ الرسائل له، وأغلب تلك الرسائل من الملك عبدالعزيز أو غيره من كبار المسؤولين، فكان لا يثق فيمن يقرؤها إلا الشيخ حمد المالك الذي يعطيها ابنه محمد ليقرأها عليهما.
ويستعمل النجديون في تعبيرهم كلمة (مَنْصَى) بفتح الميم وسكون النون، وهي مفردة شعبية عندهم يقصدون بها بيت الرجل الذي يقصده الناس لكرمه وسماحته وجوده، أو يقصدون الرجل ذاته، فيقولون: فلان مَنْصَى، فكانوا إذا حلَّ ذكر الشيخ حمد المالك يقولون عنه: رجّال مَنْصَى، هكذا سمعت ذلك من كثيرين من أشياخنا.
وأسرة المالك الآن قد عُرف عنهم ذلك الإرث من أبيهم، فهم لهم محبة عند من يعرفهم لسماحتهم وتواضعهم، والملفت للنظر في أمر هذه الأسرة أن من عرفهم يتعلَّق بهم لإحساسه بأن أولئك الرجال من أبناء الشيخ يحتفون بمن يزورهم ويخجلونه بإكرامه وكأنه واحدٌ منهم، وتلك سجية لا تتوفر إلا عند البيوتات المشهورة، ثم إن آل مالك بوجه عام عُرف عنهم إتقان فن العلاقات العامة، فلا تجد فرحاً إلا وهم فيه، ولا عزاءً إلا وهم من أول المعزين، ولا مناسبة اجتماعية إلا وللمالك حضور مميز.
وحينما نتحدث عن بيت مشهور من بيوتات الرس، فهذا يعني أن توارث الأخلاق الفاضلة والرجولة والوفاء أشياء مهمة في تركيبة المجتمع السعودي، وهي ميزة يجب على أجيال اليوم أن يحافظوا عليها ويقدروها حق قدرها، خصوصاً أن المجتمع ما زال متماسك البنية والخلق المستقيم.
وكما قال النجديون في أمثالهم: (ونعم كايده، ويا قلّ من يحصّلها) أ.هـ، أي أن كلمة ونعم الرجل، لا تأتي بسهولة بل بتعب ونَصَب، وقلَّ من يحصل عليها، لكن الشيخ حمد المالك - رحمه الله - قد حصل عليها وجعلها إرثاً لأبنائه وأحفاده من بعده، ونعم الإرث والمورّث، فرحم الله ذلك الرجل السمح والكريم الخلق، الذي طار ذكره بصفات نحتاج إلى مثلها اليوم، والله المستعان.

الرياض فاكس: 2372911





نادي السيارات

موقع الرياضية

موقع الأقتصادية

كتاب و أقلام

كاريكاتير

مركز النتائج

المعقب الإلكتروني

| الصفحة الرئيسية|| رجوع||||حفظ|| طباعة|

توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية إلىchief@al-jazirah.com.sa عناية رئيس التحرير/ خالد المالك
توجه جميع المراسلات الفنية إلى admin@al-jazirah.com.sa عناية نائب رئيس التحرير/ م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2006 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved