|
| |
هل يجوز أن تجرح اليد اليسرى اليد اليمنى بالجسد الواحد؟! ندى الفايز
|
|
هناك نوع من الأخبار الصحفية العالمية تعرف بأخبار ال(سبنينغ)، وبالطبع هذا المصطلح مشتق من كلمة (سبن) الإنجليزية التي ترمز في الغالب إلى استراتيجية عمل جهاز الاستخبارات الأمريكية CIA فيما يتعلق تحديداً بنشاط ترويج المعلومات المضللة والمفبركة في وسائل الإعلام بأنواعها المكتوب والمقروء والمسموع، بهدف انتزاع ردة فعل من الحكومات أو الجماعات أو حتى الاعتماد عليها في عملية جسّ النبض، إيجابية كانت أو سلبية اتجاه قضية بالغة الأهمية والاستراتيجية؛ إذ سوف تضطر الحكومات حسب توقعات مروجي أخبار ال(سبنينغ) إلى نفي أو تصحيح الخبر، خاصة إذا سبب ما يعرف باللغط السياسي وحقق الهدف المرجو منه، وعليه يمكن التعجيل بمعرفة موقف تلك الحكومات المستهدفة في العديد من القضايا التفاوضية خلال أصعب الأزمات السياسية. ومع أقدمية هذا الأسلوب الذي أصبح مستهلكاً حتى في الأحداث السينمائية التي تعرضها أفلام هوليوود البوليسية؛ إذ يمكن أن تصرح الجهات المستهدفة بتصريحات لا تتناغم مع مواقفها السياسية أحياناً، وعليه فتلك الطريقة أصبحت اليوم وبعد أن حرقت أفلام السينما فكرتها، أصبحت اليوم تستخدم بهدف إحداث إحراج سياسي لا بهدف انتزاع ردة فعل سياسية، وبالطبع هذا التحليل وغيره في هذا المقال يعد تحليلاً من وجهة نظري الشخصية المتواضعة ومحاولة مني لربط بعض الأخبار الصحافية المفبركة عن عمد والتي كانت الصحف العالمية خاصة الأمريكية مزدحمة بها خلال الفترة الماضية من نافذة التذاكي غير المحمود على العرب على ما يعتقد. وبالمناسبة فإنه يرمز إلى وكالة الاستخبارات المركزية بالولايات المتحدة بCIA والمقصود بها Central Intelligence Agency وبالطبع فإن كلمة Intelligence تترجم نصياً بالذكاء, وعليه فالمقصود بوكالة الاستخبارات المركزية، وحسب الترجمة النصية: وكالة الأذكياء المركزية، وذلك إشارة إلى أن العاملين بها وبجميع الأجهزة المماثلة بالدول الأخرى غالباً ما يوصفون بالذكاء الحاد والخارق؛ وعليه فإنه يشار إليهم بالجماعات الذكية، ويشار إلى مكان عملهم بالجهاز الذكي، غير أن بعض الدراسات تؤكد أنهم يخضعون بالفعل لاختبارات قدرات وعمليات قياس لمعرفة معدل الذكاء حتى يمكنهم العمل، وطالما أن كاتبة مثلي عديمة الخبرة ولا تفرق بين شرطي المرور وضابط الاتصالات، وليس باستطاعتها فك شفيرات تلك النظريات فإن غيري وخاصة العاملين بالأجهزة الذكية بالدول العربية، يستطيعون فهم الهدف من رمي طعم إخباري من النوع الذي تقدمه ال(سبنينغ) بوسائل الإعلام خاصة الأمريكية منها، ومن بين هذه الأخبار التي اشتبه بأن تكون من ضمن أخبار ال(سبنينغ) تلك التي نشرت في صحيفة نيويورك تايمز بعد زيارة نائب الرئيس الأمريكي للمملكة وظهر فيها الادعاء بأن السعودية أبلغت الإدارة الأمريكية بأنها قد تقدم دعماً مالياً لعراقيين من طائفة معينة في أي حرب ضد طائفة إسلامية أخرى، إذا ما سحبت الولايات المتحدة قواتها من العراق، وأنها.. وأنها.. وأنها... إلخ... إلخ. ورغم أن الخبر هذه المرة نفي من قبل المملكة العربية السعودية كما نفاه المتحدث باسم البيت الأبيض، والذي سبقه كذلك مقال نشر بصحيفة الواشنطن بوست من قبل كاتب اجتهد بنشر ذات الفكرة وغيرها من الأفكار أو الأيديولوجيات، والجملة الأخيرة لا أدري لماذا يحلو استخدامها عند النخب السياسية المثقفة، مع العلم بأن الخبر المشار إليه وكذا المقال نفيا جملة وتفصيلاً من مصدر مسؤول بالحكومة السعودية، غير أني - من وجهة نظر شخصية - أرى أن التسويق لفكرة دعم الدولة العربية للمليشيات السنية بالعراق مقابل دعم إيران للمليشيات الشيعية وإقامة حروب بالوكالة على الأراضي العراقية حتى وإن لم تستجب لها الدول العربية، يجيء امتداداً للسيناريوهات التي أوصى بها معهد الولايات المتحدة للسلام في دراسة (السيناريوهات المستقبلية لحركة التمرد بالعراق)، والتي نفذت في أكتوبر 2006م برقم 174 والتي أعدها آلان شوارتز؛ حيث تدور حول السيناريوهات المحتملة لمستقبل العراق، بناء على ما يمكن أن تصل إليه الأعمال المسلحة والعملية السياسية، وحددت الأهداف والاستراتيجيات الملائمة والدور المرسوم للدول العربية في كل سيناريو حسب ما تفكر به أمريكا، تمهيداً لعملية الانسحاب من العراق وإدخال الدول العربية والإسلامية فيه أو بالأصح جرها إليه. وعند قراءتنا تلك الأخبار الصحفية من نوعية ال(سبنينغ) التي تفبرك أخبارها على لسان السعودية وغيرها من الدول العربية وتدعي أنهم يهددون بالتدخل بالعراق أو أنهم سوف يقدمون الدعم المالي واللوجيستي ويقومون بالتمويل والإمداد بالأسلحة وأنهم وأنهم... وغيرها من السيناريوهات القائمة على معلومات وأخبار غير صحيحة التي وضعت بالأصل من قبل مراكز الأبحاث الأمريكية ويحاول القائمون عليها عمل ما يعرف بغسل المخ Brainwashing هذا غير تسريب تلك الأفكار على شكل تصريحات وتهديدات تبدو كأنها صادرة عن الدول العربية التي يرجى دخولها إلى العراق؛ الأمر الذي يعد بمثابة إقرار بأمر واقع بالفعل تغذيه فكرة استمرارية حمامات الدم بالعراق وإشعال التطهير العرقي بين الفصائل والمذاهب لا بالعراق فحسب بل بالمنطقة بأكملها إذا ما تمت المراهنة على ميل العرب لقبائلهم ومذاهبهم، الأمر الذي قد يغرق المنطقة بالكامل وليس العراق بحمامات دم تمهد الطريق أمام المتربصين وأعداء الأمة لتحقيق مآربهم. وليس من المبالغة في شيء القول كذلك إن رجل الشارع البسيط قبل السياسي المحنك لم ينس أيضاً ماذا ترتب على دخول العرب المسلمين إلى أفغانستان عند حربها مع الاتحاد السوفيتي، والتي على الرغم من أن الولايات المتحدة المستفيد الأول والأخير من سقوط أقوى قوة عالمية منافسة لها بالعالم إلا أنها حاولت استخدام ما يطلق عليهم بعرب أفغانستان ضد الدول العربية والإسلامية وتصويرهم بأنهم سبب الإرهاب والدمار بالعالم بل إعادة تصديرهم إلى دولهم الأم بهدف إحداث مشكلات أمنية، خاصة أنه بات من المعروف والمؤكد أن هناك أجهزة استخباراتية متعددة الجنسيات تقوم بتجنيد وتدريب العرب المغرر بهم في معسكرات تدريب ومن ثم إعادة تصديرهم إلى العالم وإلصاق تهمة الإرهاب أو تهم جديدة بالعالمين العربي والإسلامي، هذا بجانب أن هناك فرق موت ووحدات انتحارية هدفها إيجاد قتلى في كلا الطرفين السني والشيعي والترويج المنظم لصور ومقاطع سينمائية تضمن وتذكي استمرارية التناحر بين الفصائل والتطهير العرقي والمذهبي بينهم. واستناداً إلى ما تقدم أوضحت غالبية الدول العربية والإسلامية موقفها السياسي الواضح الذي يؤكد على أهمية دعم الاستقرار والمصالحة والوحدة الوطنية بالعراق والعمل على إخماد نار الفتن الطائفية والعرقية والمذهبية عبر التأكيد على دعم وحدة العراق وأمنه واستقراره وسلامة أراضيه وشعبه. هذا ومن جهة وثيقة الصلة بقضية الوحدات الخاصة الانتحارية وفرق الموت لعل من المفيد التذكير بما نشر عن وجود هؤلاء المنتحرين التابعين لفرق الموت والذين كشف عنهم بالتفصيل الموثق كتاب يعقوب بيري (مهنتي كرجل مخابرات) الذي ترأس جهاز الاستخبارات الإسرائيلية الداخلية المعروف بالشاباك في الفترة ما بين 1988 و1995م؛ إذ إنه أوضح بالتفصيل طريقة عمل تلك الوحدات الخاصة واستراتيجية تكوين ما يعرف بالمستعربين علما بأن الكتاب يعد حتى الآن من أهم المراجع الهامة لدراسة وفهم تركيبة عمل الأجهزة العسكرية والاستخبارية بداخل إسرائيل وخاصة ما يعرف بوحدات فرق الموت حيث يصف يعقوب بيري الحياة التي قضاها داخل أحد المنازل الفلسطينية المتعاونة مع جهاز الشاباك (الاستخبارات الداخلية) وكيف تعلم أنماط الحياة التي يعيشها العرب وكشف تفاصيل تجربة كاملة بشكل يوثق تاريخ بداية المرحلة وتشكيل وحدة المستعربين اليهود أو ما يطلق عليهم فرق الموت. ومن أبرز ما جاء في ذلك الكتاب قول يعقوب بيري، وعلى الفور شعرت بأن منزل زكي الذي استضافني هو منزلي حيث كنت أذهب يومياً إلى محل الجزارة الذي يملكه شقيقه حافظ وأساعده في أعمال الجزارة وأرقب كيف يتحدث مع العرب كما قمت برعاية الغنم والأبقار مع شقيقه فارس أما شقيقه وجيه الذي يعمل سائق أجرة فلقد استفدت للغاية منه حيث كان يصحبني في الرحلات التي يقوم بها بين المدن إلى أن تعلمت طريقة قيادة واستخدام العربي للسيارة وكيفية إجراء وفتح الحوارات مع المسافرين وتعلمت كذلك التحدث باللغة العربية بطلاقة والتعرف إلى أنماط الحياة العربية من احترام الوالدين والعطف على الأطفال، وكيفية التعامل مع النساء وضرورة إفساح الطريق للمرأة حتى أبدو عربياً حقيقياً مع حفظ الأمثال والحكم العربية والنوادر العربية التي يرددها رجل الشارع العربي. ويعترف يعقوب بيري رئيس جهاز الشاباك السابق بصريح العبارة عبر التبجح بالقول كيف أن هذه التجربة جعلته يضع اللبنة الأساسية في عمل وحدات المستعربين (ريمون) و(دوفدوفان) و(شمشون) التي نفذت العديد من العمليات بتخطيط من جهاز الاستخبارات الإسرائيلي من خلال وحدة المستعربين اليهود الذين تم إعدادهم وتدريبهم حتى يبدوا ويظهروا بأشكال عربية ولا يمكن افتضاح أمرهم داخل أو خارج الكيان الإسرائيلي عند تنفيذ وأداء المهمات الخاصة بهدف أن تبدو كأنها نفذت من قبل العرب وليس اليهود. إن شعب العراق بكافة أطيافه شعب عزيز وغال علينا خاصة نحن السعوديين ومن الصعب علينا وعلى غيرنا أن نرى اليد اليسرى تجرح اليد اليمنى بالجسد الواحد أو أن يداً منهما تقلع عيناً من عيني ذلك الجسد، خاصة أن بغداد التي نتحدث عنها كانت عاصمة الخلافة العباسية، وبغداد التي نكتب عنها هي بغداد الرشيد والمأمون والمعتصم بالله وابن حنبل وغيرهم من عظماء التاريخ الإسلامي بغض النظر عن الإدارة السياسية التي تعاقبت عليها، ومن الصعب علينا مشاهدة هذا الدمار والتخريب الذي ترتب على الاحتلال الأمريكي للعراق ومحاولة العديد من الأجهزة الخارجية جرّ العراق والمنطقة بالكامل إلى عمليات اقتتال تحت غطاء التناحر بين السنة والشيعة؛ الأمر الذي لا يمكن تصديقه لأن كلاً منهما أخ للآخر، سواء بالعراق أو بكافة الدول العربية والإسلامية، ولعل من المفيد الاستفادة من التجربة السعودية بتدشين مركز الحوار الوطني الذي كان من ضمن إحدى وقائع جلساته الحوار بين السنة والشيعة بناءً على توجيه من خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله ملك المملكة العربية السعودية الذي تعد بلاده قبلة للمسلمين كافة، سنة كانوا أو شيعة، سواء كانوا بالمملكة العربية السعودية أو بالدول العربية والإسلامية الأخرى.
nada@journalist.com |
|
|
| |
|