Al Jazirah NewsPaper Monday  29/01/2007 G Issue 12541
مقـالات
الأثنين 10 محرم 1428   العدد  12541
حتى رغيف الخبز تغير طعمه!!
ندى الفايز

نجح سوق الأسهم خلال السنوات المنصرفة فيما عجزت عنه العديد من الوزارات بوزرائها وخبرائها وخططها الإستراتيجية سواء كانت قصيرة أو طويلة المدى، وذلك من خلال قيام سوق الأسهم بإيجاد حلول أمام مشكلة البطالة، حيث قام بصورة غير مباشرة بتوظيف العاطلين عن العمل من كافة الشرائح ابتداءً من حملة الكفاءة وحتى حملة الدكتورة خاصة خلال فترة الاحتقان الحاصلة بسوق العمل وعدم إمكانية توفير فرص عمل جديدة أمام الداخلين الجدد لأسواق العمل على اختلاف مستوياتهم التعليمية وتفاقم مشكلة العاطلين عن العمل بشكل مقلق حتى على الصعيد الأمني قبل الاجتماعي والاقتصادي.. من جهة أخرى وثيقة الصلة بالموضوع ساعد سوق الأسهم العديد من الأسرة على مختلف طبقاتها الاجتماعية بتحقيق دخل مالي إضافي نتيجة الاستفادة من فوارق وتقلبات الأسعار اليومية بسوق الأسهم بشكل مذهل أدخل البهجة والسعادة على النسيج العائلي والاجتماعي بالمجتمع السعودي بشكل ملحوظ، كل ذلك وأكثر نجح سوق الأسهم بتحقيقه، حتى أن المواطن تصور أن الدولة تقوم بدعم سوق الأسهم لتحقيق العدالة الاجتماعية والرفاه الاقتصادي للمواطن السعودي الذي يعد عماد الوطن، خاصة مع الوعود التي كانت تقطع من قبل المسؤولين وتنشر بوسائل الإعلام بمختلف أنواعه المكتوب والمرئي والمسموع.

سوق الأسهم.. قام كذلك بتوفير فرص متساوية لكافة شرائح المجتمع السعودي بتحقيق مكاسب وعوائد تمكنهم من مواجهة أعباء ومتطلبات الحياة ونجح خلال تلك الفترة بتحقيق حلم المواطن السعودي في امتلاك الأرض والمنزل أو حتى السيارة التي يحلم بها والإيفاء كذلك بمستلزمات ومتطلبات الزواج والمعيشة وتحقيق طموحاته والأهم من ذلك امتصاص الطاقات البشرية في مجالات مشروعة ومدرة للربحية عوضاً عن الانشغال وتفريغ الطاقات وهجر الوقت في نواحي لا تعود بالنفع على المواطن والمجتمع بالخير، حتى أن العديد من الشباب خلال تلك الفترة قام ببيع سيارته الفاخرة أو حتى العادية واستثمار المبلغ بسوق الأسهم عوضاً عن هدر المال بالمظاهر الزائفة وقضاء الأوقات بالمقاهي والاستراحات وعليه ارتفع الوعي والانضباط وظهرت مظاهر إيجابية مثل تحمل المسؤولية والتفكير بالمستقبل مبكراً حتى على الشباب اليافع، وليس مبالغاً القول إن غالبية المواطنين والمواطنات أصبحوا يداومون بعد العصر أمام شاشة الأسهم مع أطفالهم بالمنزل خاصة خلال فترة المساء في جو عائلي رائع وتردد البعض منهم على صالات الأسهم بالبنوك التجارية.

وبالمناسبة يجدر تناول موضوع تغير موعد التداول من فترتين صباحية ومسائية إلى فترة واحدة تعد من فترات الذروة في حياة الأسرة السعودية التي يذهب معظم أفرادها للعمل أو الدراسة بالصبح إلى الظهر ثم يجتمعون على مائدة الغداء ومن ثم طاولة الشاي أو القهوة عصراً لمناقشة أمورهم اليومية وشؤونهم الخاصة، إذاً إن فترة العصر بالذات تعد فترة مهمة لدى معظم الأسر السعودية التي قد لا يجتمع أفرادها إلا خلال تلك الفترة وبالتحديد، وتغير موعد الفترة الزمنية للتداول بسوق الأسهم إلى فترة زمنية واحدة تمتد من الساعة 11 صباحاً وحتى 3.30 عصراً أحدث ضغطاً نفسياً رهيباً على أفراد غالبية الأسر وخللاً في النظام الاجتماعي، فعوضاً عن قضاء رب الأسرة وقته مع أسرته بعد تناول وجبة الغداء معهم أصبح يقضي ذلك الوقت في متابعة سوق الأسهم ونقل التوتر والضغط إلى الأسرة لحظة بلحظة، هذا غير أن السوق خسر شريحة فضلت تناول الغداء مع الأسرة وأخذ قيلولة عوضاً عن ضغط الأعصاب أمام شاشة التداول، وبخاصة من يقومون بمهام المرور على أبنائهم أو إخوتهم وأخذهم من مدارسهم لعدم توفر سائق لديهم أو لحرص البعض منهم على توصيل صغاره وبناته بنفسه، هذا ويحاول البعض تبرير فكرة تغير موعد التداول بربط ذلك قرب توحيد فترة دوام البنوك التجارية لفترة واحدة الأمر الذي يعد مضحكاً لأن سوق المال المفترض أن تكون هيئة مستقلة تماماً عن البنوك التجارية التي حملت أكثر مما تحتمل عندما لعبت دور البائع والمشتري والوسيط حتى مع دخول مكاتب السمسرة للسوق المالي، لم تفصل السوق المالية حتى الآن في بورصة أو مكان مستقل كبقية دول العالم، من جهة أخرى وثيقة الصلة بالموضوع صحيح أن فترة التداول في غالبية الدول مثل الولايات المتحدة وغيرها تتكون من فترة واحدة وليس فترتين غير أن ذلك لا يعني تطبيق نفس الموعد بسوق الأسهم السعودي خاصة مع الفارق في التوقيت العالمي الذي لن يساهم في تنمية التجارة العالمية بشيء، إذاً على المستثمرين والمؤسسات المالية تغيير ساعات نومهم لا عملهم لتنشيط التجارة العالمية!!

وعودة إلى لب الموضوع، معروف أن الأسواق المالية هي أسواق الرساميل وتتأرجح ما بين الانخفاض والارتفاع، ومن طبيعة تقلبات الأسعار يحقق المتعاملون بالسوق الأرباح أو حتى الخسائر، وبعيداً عن جدلية متى يكون السعر عند أدنى مستوى له حتى يتم تنفيذ أمر الشراء ومتى يكون عند أعلى مستوى له حتى يتم تنفيذ أمر البيع، لا ينبغي لعاقل أن ينكر على أسواق المال التقلبات التي تشهدها من حين لآخر وتعد أمراً طبيعياً بل هي من طبيعة بنيان السوق، لكن من المفترض على العاقل أن ينكر حدة تلك التقلبات عندما تأخذ شكل الانهيار بالوقت الذي تحقق التنمية الاقتصادية والاجتماعية والسياسية معدلات نمو عالية وازدهاراً يعود بالبلاد والعباد إلى عصر الطفرة خاصة وأن سعر بيع برميل البترول في السوق العالمي يقارب الأسعار التي كانت سائدة بعصر الطفرة التي مرت بها المملكة خلال عهد الملك خالد طيب الله ثراه.

هذا بجانب الاستقرار السياسي والأمني الذي تنعم به المملكة رغم موقعها الجغرافي في منطقة الشرق الأوسط التي تعد من المناطق الساخنة والتي تشهد ضغوطاً سياسية واقتصادية، ورغم ذلك حافظت المملكة بفضل من الله ثم بقيادتها الحكيمة على الاستقرار الأمني والسياسي والاجتماعي والاقتصادي، والأخير الذي يشير إلى الاستقرار الاقتصادي يعد الوحيد الذي تنقل مؤشراته في نشرات الأخبار العالمية يومياً ويقاس به مقدار الأمن الاقتصادي الذي تنعم به المملكة، والمتابع للنشرات الإخبارية العالمية بمشارق الأرض ومغاربها يجد أن حركة سوق الأسهم والإقفال تذاع في نشرات الأخبار مع بقية أسواق العالم، والانهيار بسوق الأسهم يعطي انطباعاً زائفاً يخدم توجهات مغرضة تهدف إلى خلق حالة من عدم الاستقرار الاقتصادي وكذا في بقية روافد التنمية السعودية، وليس مبالغاً القول إن الأمن الاقتصادي يسبق في أهميته الأمن السياسي بل إن الأخير يقاس اعتماداً على الأول، إذا إن المتلقي للخبر لن يتصور أن انهياراً من ذلك النوع الضخم لم يسبق وأن يحدث حتى خلال فترات حرب الخليج الأولى والثانية والثالثة أن يحدث في السوق السعودي نتيجة عدم تمكن الجهات المسؤولة داخلياً من تنظيم السوق بوضع خطة عقلانية لتنظيم سوق الأسهم السعودي خاصة وأن السعودية تضم رجال تنمية واقتصاد وتخطيط يتمتعون بالخبرة وحاصلين على شهادات مرموقة بتلك التخصصات من جامعات محلية وعالمية ولا يوجد نقص في الأدمغة الاقتصادية والتنموية بالمملكة ولله الحمد والتي لا تشكو من قلة الخبرات أو الرجال في تلك التخصصات بل بالعكس هناك وفرة تعليمية وفائض بسوق الموارد البشرية من حملة الشهادات العليا والمتخصصة بتلك المجالات، وأتصور أن أقلهم تحصيلاً علمياً سوف يوصي فوراً بوقف طرح الاكتتاب العام الذي يطرح من حين لآخر وأرهق بنيان السوق!!

وليس مبالغاً القول إنه من الواضح أنه لا توجد خطة إستراتيجية لدى القائمين على السوق المالي والأخطر من ذلك عدم وجود خطة طوارئ تنفذ فوراً عند حدوث انهيار بسوق الأسهم بهدف وقف النزيف الذي طال حتى رغيف خبز المواطن البسيط الذي يرى مدخراته تحترق وتتبخر أمام عينيه ويغتال حلمه ومستقبل أسرته، بل ويقع تحت طائلة الديون ويقترب من خط الفقر الذي أخذ يطال الجميع، حتى إني أكتب هذه المقال والألم يعصر قلبي نتيجة الخسائر المتلاحقة التي لحقت بمدخراتي وسوف يترتب عليها تعطيل العديد من الأمور المتعلقة بمستقبلي فكيف هو وقع الحال على من بأعناقهم مسؤوليات أكبر؟!

هذا ومن الواضح كذلك أن القائمين على أمر السوق يتبعون إستراتيجية التطبيق عبر استخدام التجربة والخطأ، والمقصود به تجربة حزمة من الإستراتيجيات والنظريات من حين لآخر بدون إجراء دراسات كافية، بل جعل سوق الأسهم معمل تجارب بمعنى الكلمة؛ حيث تطبق فيه النظريات الاقتصادية والقانونية بحذافيرها بدون إبداع أو احتراف بالتطبيق أو حتى القيام بدراسة أو بحوث حول مدى فاعلية ونجاح الخطة (أ) عن الخطة (ب)!!

معروف أن الأسواق المالية هدفها استقطاب رؤوس الأموال لأنها عماد الاقتصاد والقادرة على إنعاش الاقتصاد أو إحداث انهيار لا قدر الله في البنيان الاقتصادي، وعليه لا يقتصر عمل القائمين على السوق المالي على إعادة هيكلة القوانين والانشغال بتنظيم اللوائح والأنظمة على حساب معدلات الربحية والأمن الاقتصادي والاجتماعي للمواطن، وعلى القائمين على السوق استيعاب ذلك جيداً قبل فوات الأوان والتوقف فوراً عن التركيز في إعادة هيكلة السوق وتفعيل اللوائح والقوانين والنظريات الاقتصادية عوضاً عن استقطاب الرساميل وبحث التسهيلات أمام الشركات والأفراد لأن الهدف هو إنعاش السوق، وأن يصبح مدراً للربحية في المقام الأول وليس المطلوب أن يصبح سوقاً مثالياً!!

المشكلة التي يعاني منها القائمون على أمر السوق هو التركيز على محاولة جعل السوق المالي خالياً من المضاربات وسوقاً مثالياً مليئاً بالقوانين والأنظمة وملاحقة المضاربين وإنزال العقوبات بهم وفرض القوانين عليهم، وكان المضارب شخصاً سيئ السمعة يتوجب على هيئة سوق الأسهم ملاحقته والتشهير بصورة غير مباشرة به من حين لآخر دون مراعاة أن هذا المضارب هو عماد وأساس السوق المالي، بل أساس الاقتصاد بالكامل؛ لأن المستثمر الأجنبي إذا دخل سوق الأسهم وربح منه سوف يقوم بتحويل تلك الأرباح إلى الخارج وتحديداً إلى وطنه الامر بخلاف المستثمر السعودي الذي سوف ينفق ويعيد استثمار كل ريال في تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية بالاقتصاد الوطني الذي بدأت تظهر عليه آثار الانهيار بسوق الأسهم ومنها الارتفاع الحاد والمجنون في السلع والمنتجات الاستهلاكية والضرورية للمواطن خاصة الخضراوات والفواكه التي ارتفعت أسعارها بصورة جنونية، هذا غير أن العديد من المتاجر حاولت رفع أسعار المنتجات لتغطية خسائرها ولم تلق قبولاً خاصة مع انخفاض القوة الشرائية لدى المواطن الأمر ترتب عليه إفلاس وإغلاق العديد من المتاجر والشركات بعد قيامها بتسريح الموظفين والعمالة، الأمر الذي طال حتى المؤسسات الطبية بالقطاع الخاص والتي قامت بتسريح عدد كبير من الأطباء نتيجة انخفاض معدلات الطلب على العيادات الخارجية وحتى على العمليات الجراحية وبالمقابل المستشفيات الحكومية لم تعد قادرة على توفير الوظائف الطبية والإدارية للمخرجات التعليمية حتى المبتعثون العائدون!!

ختاماً: يجدر القول إن تدعيات سوق الأسهم السعودي فاقت كل التصورات والتوقعات وتتطلب تدخلاً سريعاً من قبل الجهات العليا لأن رغيف المواطن السعودي قد مُس بالفعل، بل والله حتى رغيف الخبز تغير طعمه بحجة إعادة هيكلة سوق الأسهم التي لم تأخذ بالحسبان الأمن الاقتصادي والاجتماعي بعين الاعتبار خاصة وأن ناقوس الخطر بدأ يدق!!

nada@journalist.com

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد