Al Jazirah NewsPaper Tuesday  30/01/2007 G Issue 12542
مقـالات
الثلاثاء 11 محرم 1428   العدد  12542
هذا هو موقعنا
نحو انطلاقة واقعية في تفاؤلها
د. صالح بن سبعان(*)

والآن كيف نتصرف إزاء هذه الورطة؟!

سألت نفسي هذا السؤال وأنا أطالع وأتأمل نتائج التصنيفات المخيبة للآمال والتي انهالت علينا مؤخراً، وانعكاساتها النفسية على من يتغنون ليل نهار بروعة واقعنا، وبتميزنا متكئين على وهم هلامي يسمونه الخصوصية، ويحاولون من خلال كل ذلك إقناعنا بأننا قد وصلنا إلى القمة في كل شيء، وحققنا طموحاتنا، ولم يعد ينقصنا سوى التغني بمجدنا.

صدمات متلاحقة

اذ لم نكد نفيق من صدمة التصنيف الكارثي للجامعات السعودية والذي وضعها في المركز قبل الأخير من بين (3) آلاف جامعة في العالم حتى تلقت الرياضة ضربة مؤلمة إثر احتلال المنتخب السعودي المركز الـ(81) بين منتخبات العالم في آخر تصنيف.

بعض العقلاء منا قالوا حين ظهر التصنيف الأول: هذا ما ظللنا ننبه إليه وندعو بإلحاح إلى ضرورة مراجعة أمر التعليم العالي والجامعي.

أما المدافعون بدافع الحمية الوطنية فقد تصدوا بالتشكيك في الجهات التي نشرت نتائج تصنيفها، ودافعوا بكل ما يملكون عن جامعاتنا، وعن واقع التعليم العالي بشكل عام، ورأى البعض في التصنيف أو اشتم رائحة مؤامرة تستهدف المملكة والإسلام عبر منفذ التعليم.

أما أهل الرياضة فلم يعيروا تصنيف المنتخب السعودي في المركز الـ(81) أي اعتبار، فهم في شغل عن ذلك بالعمل لكسب المزيد من الخيبات في المنافسات الدولية والقارية والمحلية.

وكأننا على موعد مع الخيبات نهاية عام (2006) وبدايات (2007)، اذ أحلَّ تصنيف منظمة (مراسلون بلا حدود) الصحافة السعودية من المرتبة (161) من جملة (168) دولة شملها تصنيف المنظمة.

ثم ما لبثنا أن أفقنا يوم الخميس 11 نوفمبر (2006م) على تصنيف جديد للدوري السعودي وضعه في المرتبة الـ(65) في قائمة أقوى (75) دوري في عام (2006م).

ما الجديد إذن

تتفاوت ردود الأفعال على هذه النتائج والتصنيفات بالطبع بين الإحباط والإنكار التام. إلا أن الموقف العقلاني والعملي الصحيح لا يركن إلى أيّ من الموقفين المذكورين، لسبب بسيط وهو أنك لن تستطيع معالجة أخطائك وسلبياتك، وستفشل في بلوغ ما أنت مؤهل لبلوغه اذا ما دسست رأسك في الرمال متعامياً عن رؤية الواقع ومواجته رفضاً له وإنكاراً.

تماماً كما لو أنك فعلت العكس واستسلمت لهذا الواقع وسلمت به وكأنه قدر ومصير محتوم لا دافع له، ولا محيص عنه، ولا فكاك منه.

نعم، ثمة خلل ما جعلنا نحتل هذه المراكز المتأخرة، ولن يفيدنا، أو يغير في الأمر أن ندعي بأن كل هذه الجهات التي قامت بهذه التصنيفات مغرضة ومتآمرة وتستهدفنا رغم اختلاف الجهات التي تنتمي إليها.

لماذا تستهدفنا دون سائر الصحف والجامعات والأندية والمنتخبات في العالم كله؟!!

ثمة خلل ما في هذه القطاعات لا يحتاج إلى تآمر دولي علينا!! وما يدعو إلى العجب أنه ما من صحيفة تخلو من إشارة إلى جانب أو أكثر من جوانب هذا الخلل مما يستشفه الكتَّاب والقراء، ولو راجعنا ما يكتب في هذه الصفحة لأغنانا حتى عن قراءة نتائج التصنيفات التي تأتي من وراء البحار.

ورغم هذا يتشنج البعض منا حينما يأتي ما ظللنا نقوله في الداخل من خارج الحدود. فما الجديد فيما يقوله الخارج؟!.

لقد ظللت - شخصياً - أكتب عن سوء حال تعليمنا لأكثر من مرة، وفي أكثر من ملتقى علمي ومنتدى ومحاضرة، وأحاول جاهداً أن أشخِّص أمراضه وأضع ما أقترحه من معالجات.. وغيري فعل هذا أيضاً.

وكتبت عن (واقعنا الكروي) وتحت العنوان نفسه، وحاولت أن أتقصى أوجه الخلل في أعمدة هذا الواقع الكروي من إدارات ولجان داعمة وإعلام وجمهور.

واقترحت أن تعاد هيكلة مجلس الرياضة والشباب، والأندية وأن نعمل على ترسيخ الاحتراف الحقيقي وأن ننشر ثقافته ونعمق الوعي الاحترافي ونؤسسه.

ونبهت إلى أن الإعلام الرياضي الحالي إنما هو إعلام أندية وإدارات، وأنه واحد من أكبر المعوقات في طريق النهضة الرياضية بشكله الحالي، وأنه يحتاج إلى إعادة صياغة جذرية.

كل ذلك كتبته وكتبه غيري.. ولكن بلا جدوى، وكذلك الحال بالنسبة للصحافة فهي صحافة لا صوت لها وإنما صحافة صدى، وقد أفضت في ذلك.. وأفاض غيري كذلك.

انطلاقة أخرى

فما الجديد الذي جاءت به التصنيفات مما لم نكن نعرف؟ حسناً.

هذا هو واقعنا.. وهذا هو موقعنا.. فما العمل؟

القاعدة الذهبية هنا أوضحها الله سبحانه وتعالى لنا بقوله: {ِ إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ }. وبالتالي أن نُعْمِل عقولنا نقداً لواقعنا في مختلف المجالات. نقداً يهدف إلى الإصلاح الشامل بتحليل مواطن الخلل والاجتهاد في وضع الحلول الملائمة، والإخلاص في العمل لعلاجها، حتى نحتل المكانة اللائقة بنا وبإمكانياتنا وقدراتنا المتطورة.

وحتى تكون انطلاقتنا واقعية في تفاؤلها يجب أن لا نبالغ في تقديرنا لأنفسنا وما نحن عليه، كما يجب أن لا تكون مبالغة سلباً في نظرتنا لأنفسنا.

يجب أن نسأل أنفسنا أولاً: أين نقف الآن؟! انطلاقاً من تاريخنا الخاص، ثم - السؤال الثاني - أين نقف، أو ما هو موقعنا في المنظومة الدولية المعاصرة؟.

بهذا المقياس ووفق هذا المنظور فإن السعودية دولة حديثة قياساً بالدول الأخرى، فدولتنا الحديثة - السعودية الثالثة- في سياق تاريخنا الخاص، لم تبلغ المائة سنة بعد. فهي حديثة قياساً بأكثر أو أغلب الدول في المنظومة الدولية، حيث يتجاوز عمر تأسيسها مئات السنين، وبعضها تجاوز الألف في عمره.

ورغم هذا استطاعت وفي زمن قياسي أن تنافس، وتسابق، بل وتسبق العديد من هذه الدول، رغم أنها انطلقت من الصفر، وكان ذلك بفضل الله وبإخلاص قيادتها ووعيها.

وإذا كان دوري كرة القدم فيها يحتل المركز الـ(65) عالمياً بين أقوى (75) دوري كرة قدم في العالم فإنه مؤشر جيد، لأنك يجب أن تحسب تاريخ دخول كرة القدم في المملكة مقارنة بدول عرفت هذا النشاط قبلنا بسنوات طويلة في القارات الخمس، وكذلك الأمر بالنسبة للتعليم الجامعي والصحافة.

إذن فالمملكة استطاعت أن تدخل دائرة المنافسة العالمية، بينما هناك دول وجامعات وصحافة أقدم وأعرق لم تدخل هذا المضمار بعد وبالتالي فإن هذا مؤشر إلى أن هناك تطوراً حثيثاً ومتسارع الخطى.. هذا شيء، والشيء الآخر هو أننا طموحون للغاية؛ لأن هذه المراكز لم تكن مرضية لطموحنا، وأننا حانقون لأننا لم نحتل مواقع أكثر تقدما، وهذا يعكس رغبة قوية في التقدم والتطور والنجاح والتفوق، وإلا فإن من لم يدخلوا هذه المنافسة ولم يرد لهم ذكر لم يثرهم هذا مثلما أثارنا، ولم يُغضبهم في شيء.

وهذا مؤشر جيد، يجعلنا ننطلق من النقطة التي نقف عليها الآن، نحو مواقع أكثر تقدماً ليس في مضمار الرياضة أو الصحافة أو التعليم فقط، بل وفي بقية المجالات.

ونبينا عليه أفضل الصلوات وأتم التسليم يقول: (والله لو تعلقت همَّة أحدكم بالثريا لنالها)، ولاسيما وولاة الأمر يبذلون بلا منّ ولا يبخلون بكل ما من شأنه الارتقاء بهذا الوطن ومواطنيه، ويهيئون المناخ السياسي والاقتصادي والاجتماعي لتحقيق هذا الهدف.

***

لإبداء الرأي حول هذا المقال، أرسل رسالة قصيرة SMS تبدأ برقم الكاتب«7692» ثم أرسلها إلى الكود 82244

(*) أكاديمي وكاتب سعودي

dr-binsabaan@hotmail.com

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد