Al Jazirah NewsPaper Wednesday  31/01/2007 G Issue 12543
مقـالات
الاربعاء 12 محرم 1428   العدد  12543
الجيد والمزعج في الاستجوابات الكويتية
السفير: عبد الله بشارة

وحول استجواب وزير الصحة أوضحت مصادر برلمانية أن هناك اتفاقاً من جانب أطراف نيابية على منع التصعيد حياله حتى مناقشته في جلسة التاسع والعشرين من الشهر المقبل..

وقالت مصادر: (إن نواباً من الدستورية تعهدوا لسمو رئيس الوزراء الشيخ ناصر المحمد بالتزام التهدئة وعدم تنظيم ندوات أو تصريحات خلال الفترة المقبلة، وتشير الدوائر السياسية إلى أن هناك توجُّهاً لدى كتلة العمل الشعبي البرلمانية لتحميل وزير المالية بدر الحميضي مسؤولية رفض الحكومة لزيادة الخمسين ديناراً).

ويقول السيد جاسم الخرافي - رئيس مجلس الأمة: إن الاستجوابات حق دستوري طالما بقي في إطار اللائحة ولم يخرج عنها..

ويعلق الشيخ محمد الصباح - نائب رئيس مجلس الوزراء ووزير الخارجية: (بأن طلب استجواب وزير الصحة الشيخ أحمد عبد الله الأحمد الجابر ليس الأول ولن يكون الأخير).

ومنذ مدة قصيرة استقال وزير الإعلام السيد محمد السنعوسي بعد تقديم طلب الاستجواب من قبل مجموعة من النواب، وقبله وزراء خرجوا من الوزارة بسبب هذا النهج الاستجوابي.

وهنا لا يمكن تحميل النواب أو الحكومة أو أي جهة مسؤولية الأجواء الاحتفائية التي تعيشها الكويت منذ عقود، هناك واقع يقدم للنواب حق الاستجواب، حيث يتيح الدستور مساءلة الوزراء بأسلوب التحقيق والمجادلة والمواجهة لجميع النواب دون أن يُحمّلهم مسؤوليات هذا النهج، لأنهم وجدوا أمامهم المجال بلا التزامات عليهم ترافق عملية الاستجواب.

ويمكن إبداء بعض الملاحظات حول واقع الاستجوابات:

أولاً: إن الانتخابات الكويتية تأخذ منحى الجدية والحدة لأنها تدعو كل المرشحين لتقديم برامج وجداول أعمال قائمة على معارضة الحكومة، والانتخابات الكويتية لها توجُّه واحد وهو الدعوة للمعارضة، وهي باب مفتوح للمساءلة والمواجهة، فلا تُوجد أحزاب تتنوع في برامجها وفي أطروحاتها، وإنما تجمعات قبلية وتكتلات تنطلق من مبدأ المعارضة، ولا يواجهها توازن ببرنامج حكومي واضح، لأن جوهر دستور الكويت هو الدعوة للمعارضة وليس المؤازرة، وبأسلوب حاد وجدول أعمال مختلف..

ويتفوق النواب بسبب المساحة الواسعة للحرية السياسية التي يوفرها الدستور، بالطرح الإعلامي عبر الندوات والتجمعات والمقابلات الإعلامية، والتصريحات كلها تنبع من إظهار المعارضة للحكومة.. بينما لا تمارس الحكومة التي سيواجهها المجلس النشاطات الإعلامية السياسية فهي تراعي الحيادية والابتعاد، ولذلك تبقى وحيدة تاركة الميدان السياسي والإعلامي للنواب العارفين بفوائد ممارسة المعارضة.

ثانياً: من حق النواب أن يُمارسوا ما يشتهون من تصعيد في سقف المواجهات، فالدستور يعطيهم هذا الحق، ولا يمكن التصور بأن قيود الالتزام الأدبي والمعنوي ستحد من حدة ممارسة الاستجواب، وصارت الكويت تتعايش مع واقع الاستسلام بالحق الدستوري للاستجواب.

ومن حق الحكومة أن تقول بأنه لا توجد ندية ولا تكافؤ في فرص الاستثمار الإعلامي ولا تتوفر لها الآليات التي تحد من التعسف النيابي في ممارسة هذا الحق، ما عدا المناشدة للابتعاد عن الإثارة كما قرأناه في تعهد الحركة الدستورية بالالتزام بالهدوء وعدم تنظيم الندوات والمواجهات الصاخبة.

ومن الملاحظ أن الوزير المستجوب الذي يقف على المنصة لا يملك الغطاء الدستوري الذي يوفر له إفشال حصيلة الاستجواب، ولا يجد له أغلبية تسعفه من شظايا المساءلة، ولا يملك قاعدة حزبية مؤثرة تفشل العملية، وإنما يعتمد على استعدادات الموقف الحكومي وصداقات وارتباطات غير مضمونة، لأن الدستور الكويتي لا يقوم على النظام المكتمل لحقوق الديمقراطية في حق الأغلبية في السلطة وفي تدوير المسؤوليات والتداول، وإنما على حس الانتماء الوطني للنواب وعلى نخوة المواطنة لدى الأعضاء.

ثالثاً: سألت أحد النواب السابقين عن مدى دور انتخابات جديدة وفق الدوائر الخمس في التقليل من جاذبية الاستجواب ومن تخفيض أهمية الدور المعارضي للنائب، ويبدو وفق الحسابات الحالية فإن الدوائر الخمس لن تضيق من الأبواب الواسعة التي وفرها الدستور للنواب بممارسة المحاسبة دون واجبات تتوازى مع حق المساءلة، وأن إمكانية تحقيق ذلك ربما تأتي من دائرة واحدة هي الاقتراح الذي طرحه السيد أحمد السعدون وجماعته في الكتلة الشعبية.

ومعنى ذلك أن الاحتقان المزمن سيبقى مع الكويت التي تعيش في هذه الأجواء منذ زمن، لأن احتمالات الدائرة الواحدة بعيدة نوعاً ما..

رابعاً: ما العمل لمواجهة الوضع ومعالجة الاحتقان..؟، وهل يمكن إطلاق الأحزاب في الكويت وترك الساحة للصراع السياسي الحزبي لتقرر مصيره حصيلة الانتخابات..؟، وهل هناك مجال للاطلاع على التجربة الأردنية من أجل حماية السلطة العليا من أوجاع الممارسات السياسية الحزبية ومن شظايا المساءلة..؟.

يبقى الحكم رمزاً لهيبة القانون ولحكم الانضباط، ومع ذلك فإن التفكير ببدائل لإغلاق المنافذ التي أتاحها الدستور لإفرازات التأجيج والمواجهة، أمر حيوي، ويمكن أن تفكر السلطة العليا بتنظيم العمل الحزبي بما يتيح لها تشكيل هيئة حزبية وطنية تؤمن بالالتزام بالموروث وبتجديد أهمية قاعدة الإجماع والتوافق.

مسببات الحدة والاحتقان هي غياب جواهر العمل الديمقراطي المتعارف عليه بالتشكيل الحزبي والمداولة وحكم الأغلبية، ولأن الأوضاع لا تسمح بتطبيق هذا النهج المتعارف عليه، فيبقى للحكومة مجال آخر، وهو التحاور المتواصل والجاد مع جميع الكتل من أجل نزع الفتيل قبل استفحال المشاكل، والثاني هو التعبئة الإعلامية المستمرة للشرح والطرح والتعريف والتثقيف، والثالث هو المبادرة قبل أن تخرج من يدها إلى أيادي النواب، في التحسس بما يريده الناس وتشخيص المزاج الشعبي العام ومعالجته بوضوح مع تأكيد وضع المصالح العليا للكويت فوق كل الاعتبارات.. والالتزام بهذا الموقف دون الرضوخ إلى وساطات وتدخلات واستجداءات.

ومن حسن الحظ أن سمو الشيخ ناصر المحمد مؤمن بالتحاور ويردد كثيراً بأن الحكومة مع الدستور ومع دستورية القرارات، ويؤمن بحق الحكومة في المخاطبة الإعلامية وأهمية دورها في تعريف الناس على الفكر القيادي فيها، ويؤمن بالمبادرة بعد التشخيص، فالقيادة الكويتية متداخلة في الصالون السياسي الكويتي ومتشابكة مع النسيج الشعبي، فلا تنقصها القدرة على تشخيص المزاج العام.

خامساً: وسط هذه الأجواء غير المستقرة، يبرز دور الرئاسة العامة ومكتب الرئاسة في الحفاظ على فعالية التجربة والممارسة الديمقراطية التي مهما كانت قاصرة تبقى أفضل من غيابها، وذلك بتوظيف الحجم المعنوي والسياسي لمقام الرئاسة في إزالة الأشواك، ونزع بذور الصدامات وتعظيم التفاهمات وتطويق التعسف والمبالغات، وتحجيم اللجوء الدائم إلى الاستجوابات، التي مهما كانت شرعية دستوريتها، تظل غير متكافئة في تحقيق الندية، وظالمة للوزير الذي يذهب إلى المنصة بلا يقين حول مسار حياته السياسية، ولهذا فقد العمل السياسي الوزاري جاذبيته وكثرت فيه احتمالات البهدلة.

وهنا نستذكر ما ردده الأمير الراحل الشيخ جابر الأحمد بأن الكويت هي الأصل والباقي فروع، ونحن نريد الكويت المتوهجة لا المتوترة.

abdullah_bishara@yahoo.com

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد