Al Jazirah NewsPaper Wednesday  31/01/2007 G Issue 12543
الاقتصادية
الاربعاء 12 محرم 1428   العدد  12543
التعقيد الروتيني في المؤسسات الحكومية
د. عقيل محمد العقيل

الإجراءات الروتينية الإدارية أصبحت مع الأسف في كثير من المؤسسات الحكومية لدينا هدفاً لا وسيلة رغم نبل الأهداف التي تسعى تلك المؤسسات لتحقيقها، بل إن كثيراً من الموظفين لا يعرفون ما هي مهام المؤسسات الحكومية التي يعملون بها وما هي الأهداف الواجب عليهم تحقيقها، وماذا يترتب على تحمسهم في أداء أعمالهم بالجودة العالية والوقت المناسب أو تقاعسهم عن ذلك، فالمسألة بالنسبة لهم لا تتجاوز مجموعة من الإجراءات عليهم تطبيقها على كل مراجع ليحصل على ما يريد وإن كانت هذه الإجراءات قد أكل عليها الدهر وشرب وأصبحت بفعل التطورات إجراءات لا فائدة منها، بل إنها أمست ذات ضرر كبير على المؤسسة الحكومية وعلى المستفيدين من خدماتها وعلى التنمية بالمحصلة.

هذا الخلط بين الأهداف والوسائل أدى لضياع الكثير من الجهود التطويرية التي يقوم بها المجتهدون من الموظفين (رؤساء ومرؤوسين) في أعمالهم ذلك بأنهم يبذولون جهوداً كبيرة في الاتجاه الخاطئ، فهم يعيدون التنظيم ويحشدون الجهود لتطبيق الإجراءات بدقة حتى إن البعض أصبح يتعسف بالتطبيق من أجل ألا يقع أحد من الموظفين في الخطأ أو يتساهل في التطبيق لأي سبب كان، وهذا أدى بطبيعة الحال إلى المزيد من الإحباط لدى المراجعين كافة وفي أي مجال لإيمانهم أن تلك الإجراءات أصبحت عائقاً كبيراً أمام تحقيق أهدافهم وطموحاتهم.

والأمر الأخطر أن الكثير من موظفي المؤسسات الحكومية لا يعرف الآثار السلبية التي تترتب على الإهمال الشديد لعنصر الوقت في تنفيذ الإجراءات فالوقت بالنسبة له ساعات عمل يقضيها في عمله ليتقاضى في آخر الشهر مرتبه، بينما يعتبر الوقت بالنسبة للمراجع عنصراً حاسماً إذا كان يتعلق باستثمار معين، بل قاتلاص إذا كان يتعلّق بصحة وسلامة الإنسان، وذلك بطبيعة الحال يجعل المراجع أكثر إحباطاً فهو يرى إجراءات لا ضرورة لها البتة تأخذ وقتاً طويلاً لإنهائها في عالم متسارع يشكل الوقت بالنسبة له عنصراً حاسماً في النجاح أو الفشل.

والسؤال الكبير لماذا نعاني جميعاً من الإجراءات ومن الوقت الطويل في تطبيقها؟ لماذا لا يتم معالجة هذه القضية المعيقة للتنمية رغم أنها قضية حلها في منتهى البساطة؟ والإجابة حسب ما يتضح لي تتلخص بعدم وجود آليات مرنة لمراجعة الإجراءات وتغييرها وتطويرها أن استدعت الحاجة لذلك أو إلغاء بعضها تماماً رغم عدم وجود موانع في إيجاد وتطبيق مثل هذه الآليات. فكل مسؤول أو موظف يظن أن مسؤوليته تتلخص في تطبيق الإجراءات بحذافيرها متناسياً أنه في موقع يخوله، بل يحثه على مراجعتها بشكل دوري وتطويرها بما يتناسب والتغيّرات وأهداف المؤسسة الحكومية التي يجب أن تعتبر المؤشر الحقيقي لمدى نجاح أو فشل المؤسسة في تحقيق أهدافها ومدى تعاون هذه المؤسسة مع شقيقاتها من المؤسسات الحكومية الأخرى ومؤسسات القطاع الخاص والمؤسسات غير الربحية في تحقيق أهداف خطط التنمية التي تسعى الدولة لتحقيقها.

وهناك الكثير من الأمثلة التي أثبتت أن أي مسؤول حكومي يستطيع مراجعة الإجراءات المطبقة في مؤسسته وتطويرها سواء بإلغاء الإجراءات التي لا داعي لها أو دمج الإجراءات المكررة إضافة لاستطاعته التنسيق مع مؤسسات حكومية أخرى لتقليص أو إلغاء بعض الإجراءات لعدم الأهمية أو بسبب تطور التقنية وتطبيقاتها بما يجعل عرض الموضوع على المؤسسة الأخرى لا داعي له، ومن الأمثلة التي نعرفها جميعاً إجراءات إصدار الجواز السعودي والتي أصبحت أكثر من سهلة عندما أراد المسؤولون في الجوازات إلغاء الإجراءات التي عفا عليها الزمن ودمج الإجراءات لدى موظف واحد ينهي كافة الإجراءات وهو جالس أمام حاسوبه الآلي ليجد المواطن جوازه جاهزاً في آخر اليوم أو في اليوم التالي في أسوأ الأحوال.

وإذا كان الأمر بهذه السهولة، وإذا كان المسؤول الحكومي يتمتع بالمرونة التي تمكّنه من تطوير الإجراءات من أجل تحقيق الأهداف، فلماذا لا يتم ذلك التطوير بشكل مستمر وبما يتناسب مع المتغيّرات دون الحاجة للجان رئيسية وأخرى فرعية؟ ولماذا يتقاعس الكثير من المسؤولين عن تطوير الإجراءات لتكون أكثر فاعلية في تحقيق الأهداف؟ بظني أن السبب يتلخص في انعدام المؤشرات التي تبيِّن كفاءة الأداء الحكومي وآثاره على تنمية كافة القطاعات الاقتصادية وجودة الخدمات الأساسية التي تقدّمها المؤسسات الحكومية للمواطن والمقيم، نعم إن انعدام المؤشرات المرتبطة بالمخرجات لا بالمدخلات أو العمليات التنفيذية أدت إلى عدم الشعور بمدى الانحراف عن تحقيق الأهداف، وبالتالي انعدام الحاجة لاتخاذ أي إجراءات لمعالجة تلك الانحرافات.

ما هي الحلول؟ وكيف لها أن تنطلق؟ بظني أن الحلول سهلة وممكنة وقد ألخصها بتبني مفهوم التطوير المستمر للأداتين الفعّالتين للعملية الإدارية وهما المدير والنظام الذي يدور في فلكه، وهنا أقصد أن النظام يجب أن يدور في فلك المدير، وليس المدير الذي يدور في فلك النظام.

فبوجود مدير فعَّال جريء مع نظام مرن قابل للتطوير تستكمل الحلقة الأهم لدينا وهو إيجاد نظام إداري بعيد عن الروتينية. ولكن الانطلاقة هي القضية الأصعب، ذلك أن الحلول متوافرة بمجرد البحث في تجارب من سبقونا في مواجهة مثل تلك المشاكل، كما أن مسؤولينا لن يعدموا الحلول متى أرادوا ذلك، وتحمّلوا مسؤولياتهم تجاه الوطن والمواطن، بينما الانطلاقة تحتاج لموقف إيجابي من المسؤولين، موقف ينطلق من ثقافة إنتاجية عميقة تستند إلى منظومة سليمة من القيم والأفكار والمفاهيم (إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه)، فهل يرفع المسؤولون سقف مسؤولياتهم تجاه الوطن والمواطن وينطلقوا في عمليات تطوير دائمة ومستمرة مؤشرها الحقيقي الإنجاز والنتائج، كلي ثقة بأبناء المملكة بالقيام بذلك من أجلنا جميعاً.

alakil@hotmail.com

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد