Al Jazirah NewsPaper Monday  12/03/2007 G Issue 12583
مقـالات
الأثنين 22 صفر 1428   العدد  12583
الملك عبدالله.. يستمع ويحسم
د. صالح بن ناصر الشويرخ

لست من المداحين لكنني لا أستطيع أن أخفي إعجابي بشخصية الملك عبدالله بن عبدالعزيز، فهو بسيط غير متكلف وفي مقابل ذلك فهو جذاب يأسر القلوب. ولعل أكثر صفات الملك عبدالله وضوحاً وبروزاً صفة الاستماع، فهو يجيد مهارة الاستماع بشكلٍ لم أشاهده عند كثيرين.

ما شاهدته من الملك عبدالله وما سمعته عنه ممن قابلوه يؤكدون أن الملك عبدالله رجل مستمع من الدرجة الأولى، فهو يستمع للجميع للوزير وللمواطن العادي ولا يتحرج من ذلك أبداً، فهو لا يقتصر على الاستماع إلى مستشاريه ومعاونيه فحسب، بل يستمع للجميع، وهي خصلة عظيمة، قل أن توجد في أبسط الناس، فما بالك بعظمائهم.

ولقد انعكست صفة الاستماع على أقواله وأفعاله وقراراته، ولعل المتابع لأحاديث الملك عبدالله التي تبث في وسائل الإعلام يتعجب من معرفته وإلمامه واطلاعه على كثيرٍ من أمور الدولة والمواطن مما يدخل في اختصاصات الوزراء ونوابهم ووكلائهم، ومما يعد من دقائق الأمور التي لا ينشغل بها عادة رؤساء الدول.

عندما أسمعه يتحدث أشعر أنه يعيش بيننا وفي داخل بيوتنا وفي مكاتبنا، إن هذه المعلومات التفصيلية الدقيقة لا يمكن أن يعرفها - حفظه الله - لولا صفة الاستماع التي يتحلى بها. وقد انعكس ذلك كله على قراراته، فالغالبية العظمى منها تلامس الواقع الذي يعيشه الناس وتتفاعل مع حاجة المواطن أينما كان.

يجب ألا نظن أن الاستماع إلى الآخرين صفة سهلة المنال خصوصاً إذا جاءت من ملك، وليراقب كل واحد من نفسه خلال يوم واحد فقط ويتابع قدرته على الاستماع. إن كثيراً من الرؤساء والزعماء والوزراء ممن تخرجوا من أعرق الجامعات العالمية يفتقدون لهذه الصفة المهمة، وأعتقد ان إحدى مشكلاتنا الرئيسة مع كثيرٍ من المسؤولين أنهم لا يجيدون مهارة الاستماع، فهم يتكلمون أكثر مما يستمعون، وإذا توقفوا عن الكلام فهم يسمعون لا يستمعون. ويجب أن نفرق بين السماع والاستماع، فالسماع عرضي عام يفتقد للتركيز، في حين ان الاستماع مركز مقصود له هدف محدد. والأدهى والأمر أنهم يعتقدون أن الاستماع إلى من هم دونهم منقصة تحط من قدرهم وتقلل من مكانتهم، ويعتقدون أنهم أعلم من غيرهم وأكثر اطلاعاً منهم على ما يدور داخل مؤسساتهم.

والاستماع ليست مجرد صفة عابرة كما قد يظن بعض الناس، بل هي مهارة وملكة، يحتاج الإنسان في كثيرٍ من الأحيان التدرب عليها، ولكنني أعتقد أنها سجية طبيعية عند الملك عبدالله يمارسها دون تكلف أو تصنع وتشدد نظريات الإدارة على أنها من أهم الصفات التي يجب أن يتدرب عليها القائد، وأن نجاح القائد مرهون بالدرجة الأولى على قدرته على الاستماع، فهي الخطوة الأولى نحو النجاح، إن افتقاد الإنسان لصفة الاستماع يجعله لا يسمع إلا نفسه، ويحرمه من الاطلاع على أفكار الآخرين والاستفادة من اقتراحاتهم ومبادراتهم، إن اكتساب مهارة الاستماع في نظري يحتاج إلى جهد ومثابرة وتدريب وممارسة، وقبل ذلك إيمان عميق بمحوريتها ومركزيتها في القيادة الناجحة، إن افتقاد المرء لصفة الاستماع تؤدي به إلى عدم المعرفة بكثيرٍ من الأمور والخفايا، فالاستماع وسيلة ناجعة للتعرف على المشكلات والصعوبات التي يواجهها الناس التي قد لا تصل للمسؤول بالوسائل المعمول بها في كثيرٍ من المؤسسات الحكومية.

إضافة إلى ذلك فصفة الاستماع صفة مركبة تخفي وراءها عدداً كبيراً من الخصال والصفات العظيمة والجليلة، فهي تعني احترام الناس وتقديرهم وعدم تجهيلهم أو تحقيرهم أو الاستهانة بهم أو التشكيك في نواياهم، كما أنها تعني عدم الشعور بامتلاك الحقيقة والادعاء بمعرفة كل شيء، وتعني كذلك الرغبة في الوصول إلى الحقيقة والحرص على المصلحة العامة.

والخصلة الثانية التي يتحلى بها الملك عبدالله هي صفة الحسم واتخاذ القرار، فهو حاسم decisive وهي خصلة مكملة للخصلة الأولى، فصفة الاستماع لا تكتمل فائدتها وتؤتي ثمارها إلا إذا رافقته صفة الحسم، فهو - حفظه الله - يستمع ويقتنع (وقد لا يقتنع) ويستشير (أو يحيل الموضوع إلى الجهة المختصة) ثم يتخذ القرار. إن الجمع بين صفتي الاستماع والحسم هو الذي يميز الملك عبدالله، وهو السبب الرئيس في رأيي الذي جعل قرارات الملك عبدالله قرارات تاريخية سيستمر أثرها الإيجابي على مجالات التنمية المختلفة في بلادنا سنوات طويلة، كما أن ذلك هو السبب في تفاعل المواطنين صغيرهم وكبيرهم مع قراراته، فقرارات الملك عبدالله مصوبة تصويباً دقيقاً نحو أهدافها دون أن تخطئها، لأنه اتخذها بعد أن علم أين مكمن الخلل وسبب المشكلة.


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد