Al Jazirah NewsPaper Friday  13/04/2007 G Issue 12615
مقـالات
الجمعة 25 ربيع الأول 1428   العدد  12615
التعليم الجامعي بين الإمتاع والإملال
د. صالح بن ناصر الشويرخ

من المشكلات التي يعاني منها التعليم الجامعي لدينا ضعف الدافعية لدى طلاب الجامعة. والأسباب التي ساعدت على تفاقم هذه المشكلة تعود في رأيي إلى عاملين رئيسيين. الأول البطالة وعدم توفر الوظائف لخريجي الجامعات، فكثير من طلاب الجامعة يردون إهمالهم وفتور هممهم وقلة حماستهم إلى عدم توفر الوظائف المناسبة لهم بعد تخرجهم من الجامعة.

وهي قضية معقدة وشائكة مرتبطة بحاجات سوق العمل المتغيرة، والأنظمة واللوائح التي تحكم القطاع الخاص في توظيف السعوديين وغير السعوديين، وأنظمة التدريب واستقدام العمالة والرواتب والحد الأدنى للأجور، وقد تمت مناقشة هذه القضايا في الصحافة المحلية مناقشة مستفيضة خلال السنوات الماضية. ولكن من المهم التنبيه إلى أن ربط التعليم بالوظيفة فقط فيه قصور في فهم وظيفة التعليم بشكل عام والتعليم الجامعي على وجه الخصوص، وهو قصور أسهم في ترسيخه في أذهان الطلاب جميع فئات المجتمع ووسائل الإعلام. فالوظيفة ليست الهدف الوحيد للتعليم الجامعي، بل هناك أهداف أخرى كثيرة من أهمها وأجلها الإسهام في بناء مواطن مسلم صالح ذي عقلية علمية منطقية تسهم في بناء المجتمع والتعاون على البر والتقوى ومحاربة الفساد في أي موقع يشغله. وهو هدف لم تستطع - ولن تستطيع على المدى القريب - جامعاتنا على ما يبدو أن تحققه بسبب تردي لوائحها التعليمية وترهل أنظمتها الإدارية الطلابية وسوء فلسفتها التعليمية ورتابتها وقدم طرقها التدريسية وعدم مناسبتها للعصر الحديث. إن عدم قدرة جامعاتنا على تحقيق هذا الهدف انعكس سلباً على الطلاب والطالبات، فهم لا ينظرون إلى الجامعة على أنها مكان للتعلم، بل هي مجرد بوابة للحصول على الوظيفة، بمعنى أن أحد أسباب ارتباط الجامعة بالوظيفة في أذهان الطلاب هو البيئة الجامعية نفسها، وهذا يقودني إلى العامل الثاني.

فالعامل الثاني الذي ساعد على تفشي ظاهرة ضعف الدافعية لدى الطالب والطالبات يعود إلى طبيعة البيئة الجامعية وخصائصها، فجامعاتنا أماكن طاردة وغير جاذبة للطلاب، فالطالب يحضر إلى الجامعة صباحاً ويغادرها ظهراً أو عصراً مقتصراً دوره على الاستماع إلى المحاضرات وتسجيل المذكرات ومن ثم مراجعتها استعداداً للاختبار، وهذه البيئة ليست بيئة تعليمية صحية، بل هي بيئة مملة لا يشعر الطالب فيها بآدميته، بيئة تتعطل فيها قدراته وتضعف مهاراته وتتلاشى شخصيته.

ويلقى كثير من أساتذة الجامعات وبعض المتخصصين والمرشدين باللائمة في ذلك على الطالب، ويرون أن طالب اليوم لم يعد كما كان طالب الأمس، ويتناسون التغيرات الاجتماعية والثقافية التي شهدها المجتمع، وأن ما يناسب الأمس لا يناسب اليوم. إن الاستماع السلبي، وهي الوظيفة الوحيدة التي يقوم بها الطالب، وظيفة مملة خاصة عندما يكون المتحدث غير قادر على شد انتباه مستمعيه، متحدث يقدم معلومات بالية ويتكلم بصورة رتيبة غير مثيرة.

وليجرب أحدنا التسمر أمام شاشة التلفاز والاستماع إلى برنامج يتحدث عن موضوع لا يهمه ولا يجد فيه إثارة لمدة ساعة كاملة دون أن يسمح لنا بالتحدث مع أحد أثناء البرنامج أو تغيير القناة أو التحرك من أمام الشاشة ولو لمدة قصيرة، فما بالكم لو طلب منكم القيام بذلك لمدة خمس ساعات يومياً.

إن الطالب لو أيقن أن وظيفته الأساسية في جامعته لا تقتصر على الاستماع، وأنه مطالب بالقيام بوظائف وأدوار متعددة، وأنه مشارك أساسي في تشكيل البيئة الجامعية، لو شعر بأن الجامعة مكان لتفتيق ذهنه وصقل مواهبه واكتشاف قدراته وتطوير مهاراته وبناء شخصيته وتعزيز مواطن القوة عنده وتسديد مواطن الضعف لديه، مكان لتمحيص قناعاته واعتقاداته وأفكاره ورؤاه وتعديلها وتطويرها لأقبل على الجامعة واندفع نحوها وتحمس لها. لو أحس الطالب بأن نظرته للأشياء تتغير وسلوكه يتعدل وقدرته على معالجة الأمور تتطور (وهي من علامات حدوث التعلم عند المرء) بعد كل مادة دراسية يدرسها في الجامعة، لزادت الدافعية عنده وأحب الجامعة وأكن لها كل التقدير والاحترام، بل قد يصل إلى درجة العشق لها حتى لو لم تتوفر لديه فرصة سريعة للحصول على وظيفة بعد تخرجه من الجامعة. وبسبب ذلك كله أسهمت الجامعات في تخريج طلاب تنقصهم الكثير من المهارات الشخصية والعملية الضرورية التي يتطلبها سوق العمل خاصة القطاع الخاص، منها القدرة على التعبير، والقدرة على الإقناع، ومهارات حل المشكلات، ومهارة إدارة الاجتماعات، ومهارة كتابة التقارير، ومهارة الإلقاء الشفهي ومواجهة الجمهور، والاستماع إلى الآخرين. ومما يدل على أن الإنسان يرغب في أن يتعلم ما هو مفيد التحاق عدد كبير من الأشخاص بدورات تدريبية تعقدها معاهد التدريب الخاصة لتعلم مثل هذه المهارات والتدرب عليها لأهميتها وللشعور بالحاجة إليها.

إن ضعف الدافعية لدى الطلاب والطالبات، وتسرب الملل إلى نفوسهم وقلة حماستهم ظواهر خطيرة لا يمكن السكوت عنها، والوقوف أمامها موقف المتفرج، وقد تؤدي إلى نتائج خطيرة لا تحمد عقباها. إن تحميل الطالب المسؤولية لن يحل المشكلة، واللجوء إلى أسلوب النصح والإرشاد لن يؤدي إلى نتيجة، بل يجب دراسة القضية دراسة مستفيضة من قبل الجهات المسؤولة، ووضعها على طاولة النقاش، وتقصي الأسباب الرئيسية والعوامل المساندة، والبحث عن حلول ناجعة للمشكلة يجب علينا أن نسعى إلى تغيير البيئة الجامعية التي تتسم بالملل والرتابة، واقتراح وسائل قادرة على تحفيز الطلاب ودفع هممهم وزيادة حماستهم للتعليم، وإذا لم نفعل ذلك فإن المشكلة سوف تتفاهم وتتعقد أكثر ومن ثم قد نجد أنفسنا في موقف لا نستطيع معه أن نفعل شيئاً حيالها.


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد