Al Jazirah NewsPaper Monday  07/05/2007 G Issue 12639
مقـالات
الأثنين 20 ربيع الثاني 1428   العدد  12639
خطاب سياسي عربي جديد تتبلور ملامحه
د. صالح بن سبعان(*)

ما لاحظه المراقبون من أن أجواء من التفاؤل سبقت قمة التضامن في رياض العرب بين شعوب المنطقة العربية، وما عزا به البعض هذا التفاؤل إلى (مكان) انعقادها في أرض الحرمين الشريفين واستضافة الملك عبدالله بن عبدالعزيز لها بما يتمتع به من حكمة ووضوح وصدق، فإن البعض يرجع هذا التفاؤل إلى حنكة وخبرة الدبلوماسية السعودية التي تجيد فن المصالحة وتقريب وجهات النظر بين الفرقاء مهما اشتد الخلاف والتصارع بينهما.

إلا أن قليلين تنبهوا إلى عامل موضوعي كان ولابد من أن يمارس تأثيره الحاسم في مداولات وقرارات القادة العرب، وهو عامل (الظرف) التاريخي وضغطه الكبير.

إذ عقدت القمة في ظرف هو استثنائي بكل المقاييس، وولدت قراراتها في مفترق طرق ولحظة مخاض هائل.

وتكفي نظرة عجلى لخريطة العالم العربي من خليجه إلى محيطه وانتهاء بمنابع نيله لتكشف عن عمق جراحه وغزارة نزفها، بما يهدد وجوده جذرياً وينذر بخطر إعادة تقسيمه مرة أخرى بعد سايكس بيكو بعد الحرب العالمية الأولى، ولا يبدو في سحابة الخطر العملاقة أن ثمة دولة أو رقعة في الوطن العربي كله بمنجاة من هذا الخطر.

وإذن فقد عقدت القمة في أحرج موقف عربي في تاريخه الحديث.

وموقف مثل هذا لا بد أن يدفع إلى المقدمة برجال يتقنون التصدي لتحدياته بقدرات تؤهلهم للعب هذا الدور وأن يفرز عن قرارات ملائمة ومناسبة وحكيمة، فلا هي بالمتهاونة المتراخية ولا هي بالمشتطة الانفعالية. قرارات تكون لها القدرة على التحقق في أرض الواقع، ولها القدرة على التأثير المطلوب إحداثه.

وهذا في مجمله يعني: ان الموقف العربي كان في حاجة إلى خطاب سياسي جديد يجمع عليه القادة ويلتفون حوله، وقد لخصت كلمة خادم الحرمين الشريفين أمام القادة العرب هذا الخطاب وقدمته بلغة واضحة وبسيطة لا تحتمل التأويلات، لاسترداد القرار العربي، الذي أضاعته الخلافات على المكاسب الآنية الضيقة المتسلحة بالشعارات الفضفاضة الفارغة.

كما أضاعته الرؤى العاطفية الانفعالية اللا واقعية، التي اكتفت بصدقها وحماستها، رامية وراء ظهرها بالعقل والحكمة، استغناء.

كان الأمر بحاجة إلى شجاعة يعلن بها أحد القادة العرب المجتمعين بأنهم هم المسؤولون عما وصل إليه العالم العربي، وهذا ما أكده مضيفهم خادم الحرمين الشريفين، نافياً مسؤولية الجامعة العربية قائلاً: (لا أريد أن ألقي اللوم على الجامعة العربية، فالجامعة كيان يعكس أوضاعنا التي نراها بدقة، واللوم الحقيقي يقع علينا نحن قادة الأمة العربية).

إلا أن استرداد القرار وفي ظل هذه الخصومات والخلافات التي تعصف بالعالم العربي من داخله تبدو مستحيلة، ولكنه يؤكد (أن الفرقة ليست قدرنا، وأن التخلف ليس مصيرنا المحتوم، فقد منحنا الله - جلت قدرته - الكرامة وخصنا بعقول تستطيع التفرقة بين الحق والباطل).

وإذن فإن (أول خطوة في طريق الخلاص هي استعادة الثقة بأنفسنا وبعضنا البعض) فبالمصداقية (نمنع القوى الخارجية من رسم مستقبل المنطقة).

كان لا بد من هذه الجرعة من الشجاعة والشفافية ليتبين القادة طريقهم لحل ما يواجهونه من مسؤوليات وتحديات.

وقد أوضح خادم الحرمين للقادة العرب ولشعوبهم اتجاه هذا الطريق قائلاً إن الثقة بأنفسنا وببعضنا هي الخطوة الأولى في هذا الطريق.

هذه الشفافية هي التي جعلته يصف الوجود الأمريكي في العراق بأنه احتلال أجنبي غير مشروع على الرغم من تحفظ البعض على هذا التوصيف للوجود الأمريكي في العراق، وفي إجابة عكست هذا التحفظ طرحه صحفي على الأمير سعود الفيصل في مؤتمره الصحفي مع عمرو موسى، أكد وزير الخارجية هذا الوصف موضحاً أن الوجود الأمريكي هو احتلال لأنه لم يأتِ بدعوة من أهل العراق، وأن نهج خادم الحرمين في التعبير عن أفكاره بوضوح يجعله يسمي هذا الوجود احتلالاً أجنبياً.

النتائج الآنية والمباشرة التي تمخض عنها هذا النهج وهذا الخطاب السياسي الجديد أكدت جدواه ونجاعته منذ اللحظة وقبل انتهاء القمة بقبول السودان وجود قوات غير إفريقية في دارفور بضمانات من خادم الحرمين الشريفين بعدم تدخلها في الشأن السوداني الداخلي، ليطوي السودان ملفاً اتخذته أمريكا وحلفاؤها ذريعة للتدخل بالقوة المسلحة في السودان.

كيف فعل خادم الحرمين ذلك؟

اجتمع فقط مع الأمين العام للأمم المتحدة والرئيس السوداني ورئيس منظمة الوحدة الإفريقية وأمينها، ثم طرح على المجتمعين المسألة بوضوحه المعهود.. فكان الاتفاق هكذا.

بهدوء وروية، دونما حاجة إلى مايكروفونات وإعلانات مسبقة، وخطب رنانة.

هذا النهج فرض نفسه - كخطاب جديد - على محاور إعلان القمة في كل القضايا الساخنة التي ظلت عالقة، أو ظل ما هو مركزي منها عالقاً طيلة القمم العربية السابقة مثل القضية الفلسطينية، حيث شهدت المبادرة العربية - التي أقرت القمة تفعيلها - ردود أفعال أحدثت ليس انشقاقاً وسط حلفاء إسرائيل التقليديين فحسب، بل وأحدثت اختراقاً في الشارع الإسرائيلي نفسه، حيث سارت مظاهرات - قبل انتهاء القمة - مؤيدة للمبادرة فيه، تدعو إلى الانطلاق منها لحل سلمي شامل ودائم في المنطقة، مما أربك قادة إسرائيل فتضاربت تعليقاتهم ومواقفهم. وهذا أول غيوث قمة الرياض.

فهذا الاختراق هو المطلوب الآن كخطوة أولى لتعرية إسرائيل أمام شعوب حلفائها في الغرب الأرو أمريكي، وإرباك قادته وإحراج تحيزهم المتستر وراء صورة كاذبة عن الدولة الصغيرة المهددة بمحيط عربي يسعى لإبادة اليهود في إسرائيل- الضحية.

وإذا أعلن القادة العرب أن السلام خيار استراتيجي لهم، فإن سعود الفيصل قد أكمل هذه الجملة الناقصة في بيانهم حين قال في مؤتمره الصحفي إن الخيار الآخر في حال عدم تجاوب إسرائيل مع المبادرة، ورفض التعامل معها، سيفتح المجال أمام أمراء الحرب.. وهم كثيرون.

وهذا هو التوازن المطلوب في الخطاب السياسي العربي الراهن.

(*) أكاديمي وكاتب سعودي


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد