Al Jazirah NewsPaper Thursday  24/05/2007 G Issue 12656
مقـالات
الخميس 7 جمادى الأول 1428   العدد  12656
كيف نواجه التضخّم المعرفي؟
د. صالح بن ناصر الشويرخ

كما هو معروف لدى الجميع أن هذا العصر يمتاز بالانفجار المعرفي والتضخم المعلوماتي، وأصبح الإنسان يواجه صعوبة كبيرة في التعامل مع حجم المعلومات المتزايد الذي يتدفق من خلال شبكة المعلومات الدولية ووسائل تقنية المعلومات الأخرى، وقد نتج عن هذا الوضع عدم قدرة المناهج الدراسية سواء في المدارس أو في الجامعات على ملاحقة هذا التطور والتضخم المعرفي الهائل، ومهما بلغ حجم المنهج الدراسي، فإن حجمه سيظل صغيراً مقارنة بحجم المعرفة الإنسانية الهائل، ولن يستطيع أن يغطي جميع جوانب المعرفة في العلم ذي الصلة، مما يعني وجود قصور كبير في المخزون المعرفي لدى الطلاب.. ولمواجهة هذه المشكلة الجوهرية، بدأ التربويون ومخططو المناهج منذ زمن في البحث عن وسائل فعالة للتعامل مع هذا الموقف.

ويُعتبر التعلُّم الموجه ذاتياً self-directed

learning إحدى الوسائل الرئيسة لمواجهة ظاهرة

التضخم المعرفي، حيث أصبح هذا النمط من التعليم جزءاً أساسياً من مناهج عدد كبير من الجامعات والكليات العالمية سواء في العلوم الإنسانية أو العلوم الطبيعية بما فيها الطب.. والتعلُّم الموجه ذاتياً عبارة عن عملية يأخذ فيها المتعلم زمام المبادرة بمساعدة الآخرين أو بدون مساعدتهم في تشخيص حاجاته التعلُّمية، وصياغة أهدافه التعلُّمية، وتحديد مصادر التعلُّم، واختيار إستراتيجيات التعلُّم وتطبيقها ومن ثم تقويم نواتج التعلُّم.. فبدلاً من الاهتمام بالمعلومة نفسها، أصبح الاهتمام ينصب على مصادر المعلومات وكيفية الحصول عليها والتعامل معها.. أي التعامل مع المصادر ومع المعلومة نفسها، أي أن العملية التعليمية تحوَّلت من تدريس معلومات إلى تطوير مهارات، فالمعلومات تتغير أما المهارات فتبقى، كما أن تلك المهارات وسيلة للحصول على مزيد من المعلومات عند الحاجة.. ومن هنا أصبح التعلُّم الموجه ذاتياً مهارة مهمة من مهارات التعلُّم الأساسية، وفيه يأخذ المتعلم زمام المبادرة في استعمال المصادر وتوظيفها بدلاً من مجرد الاستجابة لها بطريقة سلبية.

ومن الفوائد الأساسية لهذا النمط من التعليم مواجهة مشكلة النمو المستمر في المعرفة، وهي ظاهرة شائعة في كل العلوم، ولا يمكن حلها، فأي برنامج تعلُّمي لا يُمكن أن يدرس كل شيء في العلم ذي الصلة، فهو وسيلة ناجحة في مواجهة تضخم المناهج الدراسية curriculum hypertrophy.. فبدلاً من تضخيم المناهج الدراسية وتوسيعها لتستوعب أكبر قدر ممكن من المعارف والمعلومات، وهي عملية لا تنتهي، بدأ كثير من المؤسسات التعليمية حول العالم في تبني مفهوم التعلُّم الموجه ذاتياً.

كما أن الاهتمام بمفهوم التعلُّم الموجه ذاتياً نابع أيضاً من وجود أدلة على أن المرء الذي يأخذ بزمام المبادرة يتعلم بشكل أفضل من الإنسان الذي ينتظر الآخرين ليقوموا بتدريسه، كما أن التعلُّم الموجه ذاتياً ينسجم مع النمو النفسي عند الإنسان، إذ إن من الجوانب الأساسية للنضج عند الإنسان تنمية القدرة على تحمل المزيد من المسؤولية تجاه حياته.

إن نقطة الانطلاق في التعلُّم الموجه ذاتياً هو شعور المتعلم بالحاجة إلى التعلُّم، ومن خلال التعلُّم الموجه ذاتياً يمكن للمتعلم أن يتحكم بما يريد أن يتعلمه، وكيف ومتى يتعلم؟.. علماً بأن التحول من مرحلة التعلُّم الموجه من الآخرين إلى مرحلة التعلُّم الموجه ذاتياً ليس عملية سهلة، بل هو عملية انتقالية عصيبة سيشعر فيها الطالب بالارتباك والتخبط والإحباط وعدم الرضا، لكن بالتخطيط السليم والدعم والمؤازرة والمساندة والتشجيع من قِبل المعلم سيتخطى الطالب هذه المرحلة ويصل إلى مرحلة الثقة والرضا.

وهناك أيضاً فوائد اقتصادية مرتبطة بالتعلُّم الموجه ذاتياً، إذ إن المجتمع لا يملك المصادر الكافية ليوفر مستوى التعليم الشخصي الذي يحتاجه كل أعضائه في كل مجال من مجالات التعلُّم، ومن هنا يجب على الأفراد أن يكونوا قادرين على توفير ما يحتاجون إليه لتحقيق حاجاتهم التعليمية سواء أكان ذلك فردياً أم تعاونياً إذا أرادوا أن يكتسبوا المعارف والمهارات التي يرغبون فيها.. وتبرز أهمية هذا العامل لأولئك المهتمين بتمويل التعليم والتدريب اللذين يزيد الطلب عليهما يوماً بعد يوم، ولأولئك المحرومين من التعليم.. وإذا أخذنا بالحسبان الضغوط المالية على التعليم نجد أن هناك عدداً كبيراً من الطلاب في الفصول مما يجعل تطبيق الاهتمام الشخصي من قِبل المعلمين والتركيز على الحاجات الخاصة بالأفراد أمراً غير ممكن، مما يستدعي تطوير مهارات التعلُّم الموجه ذاتياً عند الطلاب، حتى يتمكن المعلمون من قضاء أوقاتهم في جميع المواد التعليمية وتنظيم المصادر وغير ذلك من الأنشطة التربوية بطريقة أكثر فاعلية.

وهناك مجموعة من المهارات التي تساعد في تطبيق التعلُّم الموجه ذاتياً أهمها: القدرة على طرح الأسئلة والتمكن من مهارة الاستعلام، وحل القضايا والمشكلات، والانفتاح على وجهات نظر الآخرين، وتصفح المعلومات والبيانات واختيار المصادر ذات الصلة بسرعة، والحصول على معلومات حول الأداء الشخصي من خلال الملاحظة الشخصية والتغذية الراجعة من الآخرين، وتقويم الأداء الشخصي باستخدام تلك المعلومات، ووضع أهداف لتحسين الأداء الشخصي، وملاحظة أداء الآخرين والاقتداء بهم لتحسين الأداء الشخصي، والالتزام الصارم بتحقيق الأهداف الشخصية، والتحفيز الذاتي المستمر.. وأختم مقالي بسؤال أوجهه للمعنيين بالتربية والتعليم في بلادنا: أين موقع التعلُّم الموجه ذاتياً في خارطة النظام التعليمي المحلي؟!


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد