Al Jazirah NewsPaper Saturday  09/06/2007 G Issue 12672
رأي الجزيرة
السبت 23 جمادى الأول 1428   العدد  12672
بيروت يا وردة العواصم

كانت لبنان فيما مضى الوجه الحضاري المنير للعالم العربي قبل أن تستشري بها منغصات العيش والسلم التي قادت إلى الحرب الأهلية الرعناء وعصفت بأبنائه في سني خلت، وأكلت الأخضر واليابس في أتون نارها الحارقة, ما يميز هذا البلد عن غيره من مكونات العالم العربي هي تلك الخصوصية الطائفية والمذهبية إذ نجحت الحياة المدنية إلى حد ما في الحفاظ على كينونته الاجتماعية والسياسية قبل أن تجر لبنان عنوةً إلى سياسة التحالفات الإقليمية الضيقة التي جرت عليه الوبال والخراب وحولته إلى ساحة لتصفية الحسابات الدولية.

اشتهرت بيروت في حقبة الستينيات وأوائل السبعينات كعاصمة بكونها المتنفس الثقافي وملاذ الهاربين من وجه البطش السياسي وعاش بها الأدباء واستوطن بها المفكرون وقصدها المثقفون من كل حدب وصوب وتغنى بها نزار قباني ووصفها بأم الدنيا التي أهديت بدلاً من الوردة سكينيا.

والآن ست الدنيا تئن تحت وطأة الاحتقان الأمني والتأزم المذهبي بين مكونات البلاد وفسيفسائها الاجتماعية والسياسية التي استشرت بها المذهبية وهو الأمر الذي لم يعد مقتصراً على لبنان في هذا العصرالعربي الأغبرالذي أصبحت فيه سلطة الجماعة والتقوقع الطائفي والحزب تعلو فوق سلطة الدولة الأم.

ولم يكن لبنان ليلملم جراح الاغتيالات المجهولة والمظاهرات والاعتصامات المجيشة والارتباك الحكومي والمؤسسي حتى أعلنت جماعة فتح الإسلام تمردها وعصيانها على الدولة والشرعية، وكأن بيروت قد أصبحت على موعد دائم مع القلاقل التي لا تنتهي ويسيل لعاب أبطالها للقضاء على السلم والاستقرار اللبناني، فمن اغتيال الحريري إلى التشابك الإقليمي حول البلاد مروراً بالدمار الذي لحق بالبنية التحتية للبلاد جراء شراسة إسرائيل ومناوشتها لجني المكاسب الحزبية الداخلية وصولاً إلى قلاقل مخيم نهر البادر؛ محطات ومحطات تمر على لبنان وتذهب لتعطي الفرصة لغيرها من القادمين من خلف أسوار الشرعية والهوية اللبنانية.

لا يختلف اثنان على أن ظاهرة فتح الإسلام في طريقها إلى الزوال والتصفية النهائية خصوصاً بعد إلغاء الغطاء الشرعي عنها من قبل الفصائل الفلسطينية وتضييق الخناق عليها من الجيش اللبناني. ولكن السوال الذي يطرح نفسه في هذا الصدد: إلى متى يستمر رمي كور النار في أحضان لبنان الواحدة تلو الأخرى ومنهم الهدافون ولغرض ومصلحة مَنْ يسددون أهدافهم وعبواتهم الناسفة التي تكتشف في شوارع لبنان وكان آخرها انفجار منطقة الذوق, لقد أضحت البلاد وسلمها الأهلي على حافة الهاوية من جراء المزاج المجيش الذي يسيطر على مداخل ومخارج الحياة العامة في لبنان لا لشيء إلا لأغراض وأهداف مجهولة تأتي من خلف الحدود وتنبثق من بوتقة التطرف والتمذهب السياسي الذي كلما استوطن في بلد وتربع في إهانة أبنائه زادت قلاقله واضطراباته بعد أن تسيطر عليه ظاهرة البندقية الضالة وثقافة المواطن الأجير.

***

لإبداء الرأي حول هذا المقال، أرسل رسالة قصيرة SMS تبدأ برقم الكاتب«9999» ثم أرسلها إلى الكود 82244


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد