Al Jazirah NewsPaper Saturday  25/08/2007 G Issue 12749
رأي الجزيرة
السبت 12 شعبان 1428   العدد  12749
من أجل العراق

ما يعصف بالعراق من تقتيل وتدمير للإنسان والحرث والنسل، وأتون حرب شعواء أكلت الأخصر واليابس في جسد الدولة, يجعلنا أمام تساؤل مهم وجوهري في سياق هذه الأحداث: هل الديمقراطية الموعودة من واشنطن للعراقيين كانت تستحق كل ذلك؟ وهل كان العراقيون أسوأ منهم الآن في عهد النظام السياسي السابق؟ وهل فهم الدرس الأمريكيون وغيرهم من صقور الحكومات الغربية الداعين إلى استخدام القوة من أجل إسقاط ما يصفونه (بالدكتاتوريات) وبث موجات الديمقراطية في الدول، بحسب تعبيرهم وادعاءتهم؟ (رزمة) من الأسئلة والاستفهامات ينضح بها إناء المأساة العراقية، ويصرخ لها الضمير الإنساني بعد هذه الفوضى التي عاثت بالشعب، وأنهكت كاهل المجتمع بالقتل والتفجير.

والآن، وبعد أن أفلت الجنون من عقاله، والتهب الجرح العراقي، ودفق الصديد والدم، وأصبح علاجه يحتاج إلى مراحل من العناية المركزة، خرج تصريح الرئيس الأمريكي الذي تطرق فيه إلى حكومة رئيس الوزراء العراقي، معرباً عن خيبة أمله من أداء الحكومة العراقية، وتطور سير خطة المصالحة الوطنية، وهو ما سبق أن ألحق أيضاً بتصريحات ساسة أمريكيين أعربوا عن عدم ثقتهم بحكومة المالكي، ووصل بهم الأمر إلى حدّ دعوة الناخبين العراقيين إلى إسقاطها. الرئيس الأمريكي تدارك ما خرج منه من تصريح الخيبة والإحباط، وحاول ترميمه بالعودة إلى القول إن المالكي رجل (صالح)، وهو يسانده في محاولة لتدارك الموقف. ولكيلا نشخص الأمور والقضايا دعونا نقفز من تعبير (الرجل الصالح) إلى مصطلح ومفهوم النظام الصالح الذي أصبح العراق بأشد الحاجة إليه للخروج من مأزقه وورطته التاريخية.

النظام الصالح الذي نحن بصدد الحديث عنه في العراق ليس بعسير المنال أو صعب التحقيق إذا تضافرت الجهود المخلصة من أبنائه، ورفعت عنه يد التدخل الأجنبي، وصفيت ساحته من أحصنة طروادة العميلة التي تجري على أرضه في خدمة مصالح استراتيجية لدول مجاورة ساهم الاحتلال في تقديم البلاد لها على طبق من ذهب، من خلالها استغلالها للتمذهب السياسي، وإطلاق المدّ المذهبي القادم من الخارج, كما أن ذاك النظام المرجو والمنشود يحتاج إلى وقفة صادقة مع الذات تتجاوز وتتعدى قضية تهميش المقاومة وإنكارها ووصفها بالإرهاب، واستغلال ما يجري في الميدان من تجاوزات لشطب مفهوم المقاومة الذي يعتبر إفرازاً طبيعياً ومعلوماً للوجود الأجنبي في كل مكان وزمان. ولعل في فتح قنوات اتصال مع هذه المجموعات المقاومة ومحاولة إدخالها للعملية السياسية الخير الكثير بدلاً من استخدام لغة السلاح والعسكرة للواقع والإصرار على الحلول الأمنية التي لم يفلح منها الكثير حتى الآن.

وفي السياق أيضاً كان على الحكومة أن تقف وقفتها الحازمة مع ميليشيات المذهب التي أضحت قوقعتها الطائفية هي الأولى والمقدمة لديها قبل الدولة والوطن والجميع؛ مما حول المجتمع إلى مجموعات طائفية ينهش بعضها بعضاً، وزاد نفوذها إلى حدّ تهديد بقاء الحكومة وديمومتها السياسية.

ما نرمي إليه هنا لا يعني المطالبة بإلغاء الطائفية من العراق، والتي يعلم الجميع أن فسيفساء المجتمع العراقي مبنية عليها، بل إن المطلوب هو خلق مناخ سياسي جامع يصهر في بوتقته جميع الطوائف تحت غطاء دستوري شامل وفاعل بعيد عن قناعات التهميش والإقصاء والتحالفات المذهبية التي لم يجنِ منها العراقيون إلا نظاماً سياسياً يعرقله الشلل وواقع أمني مهترئ ممتلئ بالقتل والاغتيال ونزعات فئوية تجنح إلى اقتطاع أجزاء من العراق والاستقلال بها وبثرواتها لتحقيق طموحات تاريخية طالما غازلت من خلالها بعض الجهات الخارجية مَن يعلنون لها الولاء في الداخل العراقي.

إن الاستقرار المرجو في العراق لا يتحقق من خلال رجل صالح واحد فقط بل من خلال نطام سياسي شامل يستحق أن تُطلق عليه صفة الصلاح ويتمتع بصفاته ومكوناته السياسية والاجتماعية؛ ليكون درعاً للديمومة السياسية، وغطاءً شاملاً لجميع مكونات الشعب في حاضره ومستقبله من الأيام تحكمه المأسسة ويحميه الدستور وتنتشر فيه ثقافة المواطنة بدلاً من الميليشيا والمذهب.




 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد