Al Jazirah NewsPaper Monday  26/11/2007 G Issue 12842
متابعة
الأثنين 16 ذو القعدة 1428   العدد  12842
زيارة ولي العهد الأمير سلطان بن عبد العزيز آل سعود إلى موسكو
تجسيد للشراكة الإستراتيجية بين المملكة العربية السعودية وروسيا
بقلم د. تيسير كمناكش

موسكو - خاص لصحيفة «الجزيرة» السعودية

وصف عدد من كبار المسؤولين والشخصيات الروسية الزيارة التاريخية التي قام بها لجمهورية روسيا الاتحادية صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن عبد العزيز ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء ووزير الدفاع والطيران والمفتش العام بأنها احدثت نقلة نوعية تتجاوز فيها علاقات البلدين مرحلة العلاقات الدبلوماسية العادية إلى مرحلة جديدة تكون فيها هذه العلاقات أوثق، وذات أبعاد استراتيجية تخدم مصالحهما الوطنية والإقليمية والدولية، كما أن الزيارة سمحت للرياض وموسكو بالمساهمة في مواجهة التحديات التي تفرضها طبيعة التطورات والمتغيرات في السياسة الدولية.

فقد قال بوريس غريزلوف رئيس مجلس الدوما الروسي إن العلاقات السعودية - الروسية شهدت في الأعوام الأخيرة زخماً غير مسبوق في الاتصالات الدبلوماسية والزيارات الرسمية المتبادلة بين المسؤولين في البلدين، لم تشهده طوال المرحلة التي أعقبت استئناف العلاقات الدبلوماسية بينهما عام 1991، وقد توجت هذه الاتصالات بزيارة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز، حينما كان ولياً للعهد، لروسيا في شهر سبتمبر عام 2003م، وبالزيارة الأخيرة للرئيس فلاديمير بوتين للمملكة والآن بزيارة ولي العهد الأمير سلطان بن عبد العزيز، حيث تؤكد هذه الزيارات رغبة الطرفين في إحداث نقلة نوعية تتجاوز فيها علاقاتهما مرحلة العلاقات الدبلوماسية العادية إلى مرحلة جديدة تكون فيها هذه العلاقات أوثق، وذات أبعاد استراتيجية تخدم مصالحهما الوطنية والإقليمية والدولية.

وقال غريزلوف إن الزيارة أيضاً تسمح للرياض وموسكو بالمساهمة في مواجهة التحديات التي تفرضها طبيعة التطورات والمتغيرات في السياسة الدولي، حيث إن هذه العلاقات لم ترق بعد إلى المستوى الذي يتناسب مع مكانتهما الدولية، أو تعكس الأهمية التي يوليها كل من الطرفين للآخر على الرغم من أن المصلحة الوطنية لكل منهما تفرض على السياسة الخارجية لكليهما العمل على كسب الآخر وتحويله إلى رصيد يضاف إلى الثقل الدولي لهما، وعليه فإن التحدي الرئيس في عملية تطوير هذه العلاقات هو الوصول بها إلى مستوى يحقق هذا الغرض الاستراتيجي المشترك.

وأضاف يقول: من المؤكد أن الأساس لتحقق هذا الغرض هو وجود شبكة متداخلة من العلاقات الثنائية التي تشمل الميادين السياسية والعسكرية والاقتصادية والعلمية والثقافية والإعلامية. وهذا كما يبدو غير متحقق بشكل كامل رغم وجود اتفاقات التعاون القائمة في المجالات الاقتصادية والاستثمارية والعلمية والثقافية والإعلامية ومجال النفط والغاز، التي وقعت في إطار الاتفاقية العامة الموقعة بين البلدين في نوفمبر عام 1994، وقد يكون ما صرح به الرئيس بوتين في لقائه مع الأمير سعود الفيصل وزير الخارجية في 18 إبريل 2002حول واقع العلاقات الاقتصادية بين البلدين خير تعبير عما كان يشعر به الجانب الروسي حيال مستوى علاقات البلدين حينما قال: (ما يؤسف له أن مستوى التعاون الاقتصادي بين بلدينا لا يعكس على الإطلاق إمكانياتنا، وإني أشعر بالخجل من ذكر رقم قيمة التبادل التجاري بيننا، وهو (120مليون دولار) يعني في الواقع غياب العلاقات الاقتصادية بيننا، (وقد لا يتجاوز المحقق في المجالات الأخرى هذا الواقع).وقد يجد المراقب كثيراً من المسوغات النفسية بالماضي، والموضوعية المرتبطة بواقع البلدين لتفسير عدم تحقيق هذه الاتفاقات لأهدافها، لا سيما في التسعينيات من القرن الماضي حيث كانت روسيا تعيش مرحلة ما بعد انهيار الاتحاد السوفيتي، وهي مرحلة انتقالية كانت موسومة بالفوضى وعدم الاستقرار، والصراعات السياسية والإثنية والتخبط في السياسة الخارجية، وهذا كان عائقا أمام الدول الأخرى، والمملكة العربية السعودية لم تكن استثناءً في ذلك، في تطوير علاقات وثيقة معها إذ لم تكن تلك الدول على ثقة بما كان يحمله المستقبل لروسيا. ولقد تجاوزت روسيا اليوم تلك المرحلة ووضعها الداخلي يختلف اختلافاً جذرياً عما كانت عليه في أثناء تلك المرحلة الانتقالية إذ تحقق نوع من الاستقرار والنظام مما سمح باستعادة دور الدولة وهيبتها، وبدأت تعود بقوة للساحة الدولية مدعومة باقتصاد قوي، ومصادر طبيعية ومالية وافرة، ورؤية واضحة في سياستها الخارجية، وهذا الوضع سمح ويسمح للدول الأخرى تطوير علاقاتها معها بثقة.

أرضية صلبة

وقال الكسندر سلطانوف نائب وزير الخارجية، المندوب الخاص للرئيس الروسي لشؤون الشرق الأوسط: إن الارتقاء بمستوى العلاقات السعودية الروسية وشمولها لتغطي المجالات كافة قد يؤسس لأرضية صلبة يمكن البناء عليها بحيث تخدم هذه العلاقات الأهداف الاستراتيجية للبلدين في المحيط الدولي والمتمثلة برؤاهما المشتركة حول ضرورة وجود نظام دولي يقوم على التعددية القطبية والتعاون بين الحضارات بدل صراعها الذي تعمل عليه قوى دولية أخرى، وسيادة القانون الدولي، وحل النزاعات الإقليمية الدولية بالطرائق السلمية.

وفي هذا السياق ولوضع أسس متينة لعلاقات مستقرة ومفيدة للطرفين حاضراً ومستقبلاً وتحقق الثقة بين الجانبين، يمكن الأخذ بالحسبان أنه على الرغم من كل ما أصاب روسيا من تداعيات انهيار الاتحاد السوفيتي فهي ما زالت تتمتع بمكانة استراتيجية وجغرافية وتاريخية واقتصادية وعلمية وثقافية، ولديها إمكانات كامنة هائلة في جميع هذه المجالات، مما يبقيها فاعلاً رئيساً في منظومة العلاقات الدولية، والنظام العالمي، لذلك يعد وجود علاقات استراتيجية وثيقة معها استثماراً لهذه الإمكانية بما يخدم مصالح المملكة حاضراً ومستقبلاً.

كما أن المرحلة الانتقالية الصعبة التي عاشتها روسيا بعد انهيار الاتحاد السوفيتي، وتميزت بعدم الاستقرار السياسي والاقتصادي والاجتماعي، وتقلب المواقف داخلياً وخارجياً قد تم عبورهما وحسمت الخيارات للدولة، سياسياً واقتصادياً واجتماعياً، بشكل لا يسمح بالعودة إلى الوراء بسهولة، فالبوتينية، وبسبب النجاحات المتحققة في الداخل الروسي في كثير من المجالات، التي تمس حياة المواطن الروسي، وبسبب تجاوبها مع التطلعات التاريخية الروسية المتمثلة بوجود دولة مركزية قوية، آخذة بالتجذر، وهذه الخيارات المتمثلة بمركزية الدولة ووحدتها، وتحقيق النمو الاقتصادي، واستقلال السياسة الخارجية، وتأكيد الدور الروسي في السياسة الدولية أصبحت بمنزلة المحددات للمصالح الروسية في المرحلة الحالية، وفي هذا السياق يولي الروس أهمية كبرى للمصالح الاقتصادية أكثر من أي مسألة أخرى في علاقاتهم الثنائية مع الآخرين، وقد تكون لها الأولوية في تقدير أهمية علاقاتهم بتلك الدول لا سيما تلك التي ليس لها علاقة مباشرة بأمنهم القومي، لهذا فهم ينظرون إلى علاقتهم بالمملكة من هذا المنظور بشكل رئيس، وبدون وجود علاقات بالأهمية المطلوبة مهما كانت طبيعة العلاقات في الجوانب الأخرى.

علاقات وثيقة

أما ضامر عزاتولين النائب الأول لرئيس الإدارة الدينية لمسلمي الشطر الأوروبي من روسيا فيؤكد بقوله إنه بسبب التحول الذي أصاب بنية النظام السياسي والاقتصادي في روسيا فقد برزت قوى سياسية واقتصادية جديدة تمتلك مفاصل القوة في الحياة السياسية الروسية ولها تأثير مباشر وملموس في القرار السياسي الاقتصادي وفي الإعلام، وأبرز هذه القوى المؤثرة شركات النفط وشركات التصنيع العسكري، لذلك فإن الوصول إلى مثل هذه المؤسسات والتعاون معها يعد سبيلاً مباشراً للوصول إلى صانع القرار الروسي.. ولا يكفي أن تكون العلاقات جيدة مع المؤسسات والشخصيات الرسمية، ومضى يقول.. ولاشتراك البلدين في مصلحة استراتيجية مهمة تتعلق بكونهما منتجين رئيسيين للنفط والغاز، وهما عنصران مهمان لهما، وحاجتهما إلى التنسيق في مجالات الإنتاج والأسعار لحفظ مصالحهما في سوق النفط العالمي، فإن توثيق العلاقات بينهما اقتصادياً وتجارياً يسهل عملية التنسيق، ويوجد الثقة المطلوبة بينهما بشأن سياساتهما النفطية.

وفي ضوء الأهمية والمكانة التي تحظى بها المملكة دينياً وسياسياً واقتصادياً ومالياً، فإنها بتوثيق العلاقات مع روسيا ومع القوى الدولية التي تسعى إلى إقامة نظام عالمي متعدد الأقطاب يقوم على توازن المصالح في ظل الشرعية الدولية، يمكن أن تسهم في تحقيق ذلك فعلياً، خصوصاً وقد اتضحت الآثار الخطيرة لغياب التوازن الدولي، ولأن دور المملكة كان فعالاً في الحرب الباردة التي انتهت بغياب القطبية الثنائية في النظام الدولي، وهذا قد يكون مصلحة مشتركة للبلدين تدعمها علاقاتهما الثنائية.

إعادة الثقة بين البلدين

وأكد ميخائيل كامينين المتحدث الرسمي باسم وزارة الخارجية الروسية في نفس السياق أن النجاح يتطلب إيجاد علاقات وثيقة التعامل الجدي مع إرث المرحلة السابقة لعلاقات البلدين، ومع أن الدولتين قد نجحتا إلى حد كبير في تجاوز تلك المرحلة، إلا إنه لإزالة أي سوء فهم يمكن التأكيد صراحة على أن المملكة تنظر إلى وجود المسلمين في روسيا في أنه وجود أصيل، وهم جزء من روسيا، وهم رصيد لروسيا في العالم الإسلامي، ورصيد للإسلام والعالم الإسلامي في روسيا، وان تكون الرسالة لهؤلاء المسلمين لا تتناقض مع هذه الرؤية، إن التأكيد الدائم لذلك يساهم في إعادة بناء الثقة ما بين روسيا والإسلام التي تسعى قوى دولية على قطع تلك الصلة التاريخية الوثيقة بينهما، وتأكيد مثل هذه المواقف من المملكة العربية السعودية لمكانتها المحورية في العالم الإسلامي يساهم في خلق الثقة بين البلدين، وقد أحسنت المملكة صنعاً بدعم قبول روسيا كعضو مراقب في منظمة المؤتمر الإسلامي. كما قد لا يكون سوء الفهم وعدم الثقة اللذان سادا العلاقات بين البلدين خلال التسعينيات خاصين بالحكومة الروسية بل يتعدانها إلى كثير من المسلمين في روسيا الذين بعد أن رحبوا بعد انهيار الاتحاد السوفيتي، بمن وفد إليهم من المملكة في سياق الأعمال الدعوية والخيرية، غيروا مواقفهم، لأنهم، كما يؤكدون، اكتشفوا أنهم أمام الدعاة يحتاجون إلى من يعيد لهم الثقة بإسلامهم، وهم الذين حافظوا على دينهم في روسيا لما يزيد على ألف سنة مع كل ما تعرضوا له من مشكلات، وهم الذين أنجبوا علماء لا يقلون عن علماء الإسلام في بلاد المسلمين، لهذا تتطلب إعادة ثقة هؤلاء المسلمين، ولا سيما أن بعضهم أصحاب نفوذ ودور كبير في الحياة السياسية والاقتصادية في روسيا، ليكونوا عناصر إيجابية في تطوير العلاقات بين البلدين، وهنا لا بد من الإشادة بمؤسسة الملك فيصل الخيرية، التي منحت جائزة الملك فيصل العالمية لخدمة الإسلام لرئيس جمهورية تتارستان منتيمير شايمييف أحد أهم الشخصيات المسلمة في الاتحاد الروسي.

أهمية خاصة للزيارة

وقال البروفيسور ليونيد ميدفيدكو إن زيارة ولي العهد السعودي إلى موسكو تأتي في اعقاب الزيارة التاريخية التي قام بها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين للممكة العربية السعودية والتي مثلت نقلة نوعية في تاريخ العلاقات السعودية الروسية. وان الجانب الروسي يولي زيارة سمو ولي العهد الأمير سلطان بن عبد العزيز إلى روسيا أهمية خاصة ويعلق المراقبون عليها الكثير من الآمال حيث ينظر الجانب الروسي إلى المملكة بأهمية لما تتميز به من ثقل سياسي ودبلوماسي واقتصادي وإسلامي في المنطقة.

محطات مهمة في العلاقة السعودية- الروسية

وأشار البروفيسور روبرت لاندا إلى أن العلاقات السعودية الروسية مرت بمحطات هامة أسهمت في تطورها وتوثيقها ويأتي في مقدمتها زيارة خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز لموسكو عام 2003م. وما أحدثته هذه الزيارة من نقلة نوعية على كافة الأصعدة والمجالات، حيث مثلت أول اجتماع قمة في تاريخ العلاقات بين البلدين، وبطبيعة الحال أعطت هذه الزيارة دفعة تاريخية للعلاقات الثنائية بين البلدين وأسفرت عن نتائج طيبة حيث تم التوقيع على عدد الاتفاقيات ومذكرات التفاهم، وأصبح بعد ذلك هناك حوار إيجابي بين البلدين واتصال مباشر بينهما، واستمرت الوفود من جانب الطرفين.. وما تلا هذه الزيارة من تبادل الزيارات للمسؤولين من قبل الجانبين الروسي والسعودي، أشهرها زيارة صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن عبد العزيز أمير منطقة الرياض، وصاحب السمو الملكي الأمير سعود الفيصل وزير الخارجية وزيارتا صاحب السمو الملكي الأمير بندر بن سلطان بن عبد العزيز أمين عام مجلس الأمن الوطني لموسكو، وزيارة صاحب السمو الملكي الأمير سعود بن نايف بن عبد العزيز سفير خادم الحرمين الشريفين لدى إسبانيا، وزيارة صاحب السمو الملكي الأمير نواف بن فيصل نائب الرئيس العام لرعاية الشباب، وزيارة وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف للرياض، ومستشار الأمن القومي الروسي سيرجي إيفانوف، وغيرهم من المسؤولين وأعضاء اللجان المشتركة.

زيارة الأمير سلطان حدث تاريخي

وقال البروفيسور فلاديمير إيسايف نائب مدير معهد الاستشراق بأن الزيارة التي قام بها إلى روسيا الأمير سلطان بن عبدالعزيز آل سعود ولي العهد إلى موسكو يمكن وصفها بدون مبالغة بأنها حدث تاريخي آخذا بالاعتبار الوضع الراهن للعلاقات بين البلدين.وتدل جميع الأعوام الأخيرة التي تلت إعادة العلاقات الدبلوماسية بين موسكو والرياض في مطلع التسعينيات بعد أن كانت قد قطعت عشية الحرب العالمية الثانية، على أن هذه العلاقات تتطور على الصعيدين الكمي والنوعي. واليوم يرى أهل السياسة والاقتصاد والعلم وجود المزيد من نقاط الالتقاء وعناصر التقارب وتطابق مواقف البلدين بصدد مختلف قضايا العصر. ومن هنا ينبع السعي المشروع إلى تحويل هذا التقارب إلى مستوى العلاقات المثمرة والتعاون. لا سيما أن قيادة المملكة العربية السعودية المعروفة بنزعتها البراجماتية تهتم بتنويع علاقاتها السياسية الخارجية بإقامة علاقات مع شركاء جدد ومنهم روسيا الاتحادية.وأعتقد أن هناك قدرات كبيرة لتطوير هذه العلاقات في مسارات مختلفة. ولنأخذ على سبيل المثال المجال الاقتصادي. فإن روسيا والمملكة العربية السعودية من أكبر مصدري النفط في العالم.

مفاجأة غير متوقعة

ويكون مفهوما في ظل هذه الظروف ان تسعى الرياض إلى إحداث تغيير نوعي في علاقاتها مع روسيا. وبدأ هذا المسعى في نيسان (أبريل) 2002 عندما وصل وزير الخارجية السعودي سعود الفيصل إلى موسكو في زيارة رسمية. واستغرق لقاؤه مع الرئيس الروسي أكثر من ساعتين ونصف الساعة ليفتح صفحة جديدة في سجل العلاقات الثنائية.

وشهدت موسكو والرياض عملا مشتركا مكثفا على تهيئة الظروف الضرورية لإحداث اختراق في المجالين السياسي والاقتصادي في ربيع وصيف 2002، فيما جرى حديث عن التعاون في مجال النفط خلال شهر آب. وعقدت اللجنة الوزارية الروسية السعودية المشتركة للتعاون التجاري والاقتصادي والعلمي والتقني والثقافي اجتماعها في أواسط تشرين الأول 2002 بموسكو.وقالت وسائل الإعلام الروسية حينذاك إنه حصلت مفاجأة غير متوقعة عندما اجتمعت هذه اللجنة.وأسفر الاجتماع عن توقيع البروتوكول الذي أكد فيه الطرفان سعيهما إلى إقامة قاعدة قانونية يعتمد عليها لتطوير التعاون التجاري والاقتصادي والاستثماري والعلمي والتقني وفي مجالات أخرى، وحدد الإجراءات المطلوب اتخاذها ليتحول ما يخططان له إلى واقع عملي ملموس. وتمثلت أهم النتائج التي توصل إليها الطرفان في الاتفاق على تنسيق سياسة تصدير النفط والغاز واستراتيجية التحكم في سوق النفط العالمية والاتفاق حول مستقبل التعاون الروسي السعودي المشترك في مكافحة الإرهاب والتجارة غير المروعة للمخدرات.ودعا البروتوكول، إضافة إلى ذلك، إلى استثمار الأموال السعودية في صناعة النفط وغيرها من الصناعات الروسية. ووضح بالنظر إلى عدد أوجه التعاون أن المقصود وضع حجر الأساس للشراكة الاستراتيجية.غير أن حالة الزهو والنشوة التي أحدثتها الانطلاقة الواعدة سابقة لأوانها، فطريق التقارب بين موسكو والرياض تعترضه عقبات كثيرة منها أن كل طرف ليس على معرفة جيدة بالآخر في حين من المعروف أن روسيا والمملكة العربية السعودية كانتا ولا تزالان عرضة لهجمات دعائية متفننة من قبل وسائل الإعلام الغربية التي تحجب عن كل منهما الصورة الحقيقية للأخرى. ومن أجل تصحيح هذه الصورة يحتاج الأمر إلى الوقت والجهد لتقديم الصورة الحقيقية للملكة العربية السعودية إلى الجمهور الروسي وتقديم الصورة الحقيقية لروسيا إلى الجمهور السعودي. ولا بد من بذل جهد جهيد في مجال التعاون الإعلامي وتبادل المعارف والذخائر الثقافية والكتب والقيام بأنشطة تنويرية لتمكين الروس والسعوديين من التفاهم ومد جسور الثقة التي يستحيل دونها المضي قدما على طريق التقارب. ولا تخفي موسكو والرياض اليوم ارتياحهما ورضاهما عن حصيلة ما تم في الاجتماعات وأثناء اللقاءات وخلال الاتصالات.بالفعل لا يمكن التهوين من أهمية الشراكة الاستراتيجية بين روسيا والمملكة العربية السعودية اللتين تشقان طريقهما في ظل رياح العصر الحديث العاتية.وثمة ما يدعو إلى الظن أن هذه الشراكة لن تعود بفوائد ملموسة على شعبي البلدين فحسب بل يكون لها أثر إيجابي على مجمل التطورات الإقليمية والدولية في عالم لم يغتنم الفرصة للاطمئنان والاستراحة بعدما حدثت الأحداث المفجعة في 11 أيلول 2001.

النبضات الآتية من الرياض

وقال البروفيسور والمستشرق المعروف الكسندر فيلونيك بأنه يعير أهمية كبيرة إلى زيارة ولي العهد السعودي الأمير سلطان بن عبد العزيز وأضاف إن هذه الزيارة تكتسب أهمية خاصة أمام خلفية الوضع المتفجر الحاد الناشئ بمنطقة الشرق الأوسط. وحسب قوله فإن غالبية بلدان المنطقة تبدي حذرا بالغا إزاء ما يسمى بنظرية صراع الحضارات التي يروج لها الغرب بصورة مكثفة.

ونظرا لوزن هذه المنطقة الاستراتيجية الغنية بالنفط فإن مثل أي هزات بالمنطقة يمكن أن تولد موجة من الاضطرابات التي تشكل خطرا على الدول المجاورة ومنها روسيا وبقية العالم.

لهذا السبب لا يمكن أن تغيب عن اهتمام المراقب الجاد والمحايد التطورات الجارية في السياسة السعودية في الأعوام الأخيرة بالأخص بعد أحداث 11 أيلول- سبتمبر عام 2001. إنها تطورات منطقية تماما تسعى إلى ضمان أمنها واستقرارها والمصالح الوطنية المشروعة لها.ويعتقد البروفيسور فيلونيك بأن سعي السعوديين إلى تنويع علاقاتهم بما في ذلك روسيا الاتحادية هو عين الصواب. وقال فيلونيك: إنني أشير بارتياح إلى النبضات الآتية من الرياض باتجاه تطوير العلاقات مع روسيا وأستحسن هذه الإشارات وأؤيدها كل التأييد.وتتشكل لتوه الأطر العامة للتعاون الثنائي والعلاقات بيننا. لكنني أعتقد بأن هذا التعاون يمكن أن يشمل مختلف المجالات: السياسة وقضايا الأمن والاقتصاد والتجارة والإنتاج والاستثمارات وغيرها. كما أنني أعتقد بأن الكثير سيتوقف على روسيا أيضا وعلى توجه قيادتها نحو المشاركة في تحديد مسار قافلة التعاون بين موسكو والرياض.

أهمية فائقة لزيارة الأمير سلطان

وأعلن البروفيسور يفيم ريزوان نائب مدير متحف الانتروبولوجيا والاثنوغرافيا التابع لأكاديمية العلوم الروسية في بطرسبورغ أن زيارة ولي العهد السعودي الأمير سلطان بن عبد العزيز آل سعود لروسيا تتسم بأهمية فائقة وقال إنني أعتقد بأن هذه الزيارة تستعرض ميول قيادتي البلدين إلى إضفاء طابع استراتيجي على العلاقات التي قامت بين الدولتين وشعبيهما.

ويعد احلال الثقة المتبادلة والتفاهم بين دولتينا بالمساعدة على حل عدد من القضايا التي تواجه روسيا والسعودية على حد سواء.وتعتبر روسيا والسعودية عملاقين في مجال انتاج وتوريد النفط، المادة الخام التي لا تعوض في العالم، ومن مصلحة بلدينا تنسيق أعمالهما هنا. وأعتقد بأن هذه الزيارة ملحة أيضا على ضوء النظام العالمي المعاصر وتحديات البشرية. ومنها مخاطر الارهاب الدولي والتطرف اللذين يتستران براية الإسلام. وأرى أن لدى البلدين المسوغات للعمل معا من أجل التغلب على هذه المخاطر. وتتسم زيارة ولي العهد بالنسبة لي بأهمية خاصة. حيث تربطني بالزملاء من السعودية صلات قديمة طوال نشاطي العلمي كله منذ أن شرعت قبل ربع قرن في أبحاثي العلمية في مجال الإسلام وتاريخ حضارته وثقافته. وقد كرست كل هذه الفترة لدراسة تراثه المتنوع بما في ذلك التراث الموجود على أراضي روسيا.

وتغلغلت في أجواء تلك العصور السحيقة وأحسست بروح مهد الرسول محمد صلى الله عليه وسلم لدى عملي المستمر بالمخطوطات والنصوص القرآنية القديمة المحفوظة في المتاحف الروسية. وأعتقد بأن من واجبي الإسهام بنصب الجسور في المجالين الروحي والثقافي لشعبينا.وآمل ان تكشف زيارة ولي العهد السعودي لروسيا آفاقا جديدة لتطوير العلاقات الروسية السعودية في مختلف الميادين. وسيعطي ذلك زخما جديدا أيضا للتعاون بين الدوائر التي تمارس النشاط الذهني ومنظمات التثقيف والتنوير في بلدينا. فبفضل المعارض والمهرجانات والفعاليات الأخرى تستطيع الأوساط الاجتماعية وشعبا بلدينا تنمية الرأسمال الروحي الذي لا يقدر بثمن الذي هو المعرفة وتصورات أحدنا عن الآخر من المصدر الأول دون اللجوء إلى الوسطاء.

طريق التقارب بين الرياض وموسكو

وقال الدكتور إيغور تيموفييف، الكاتب والمستشرق الروسي المعروف ان طريق التقارب بين موسكو والرياض تعترضه عقبات كثيرة منها أن كل طرف ليس على معرفة جيدة بالآخر في حين من المعروف أن روسيا والمملكة العربية السعودية كانتا ولا تزالان عرضة لهجمات دعائية متفننة من قبل وسائل الإعلام الغربية التي تحجب عن كل منهما الصورة الحقيقية للأخرى.

ومن أجل تصحيح هذه الصورة يحتاج الأمر إلى الوقت والجهد لتقديم الصورة الحقيقية للمملكة العربية السعودية إلى الجمهور الروسي وتقديم الصورة الحقيقية لروسيا إلى الجمهور السعودي. ولا بد من بذل جهد جهيد في مجال التعاون الإعلامي وتبادل المعارف والذخائر الثقافية والكتب والقيام بأنشطة تنويرية لتمكين الروس والسعوديين من التفاهم ومد جسور الثقة التي يستحيل دونها المضي قدما على طريق التقارب. ولا تخفي موسكو والرياض اليوم ارتياحهما ورضاهما عن حصيلة ما تم في الاجتماعات وأثناء اللقاءات وخلال الاتصالات.بالفعل لا يمكن التهوين من أهمية الشراكة الاستراتيجية بين روسيا والمملكة العربية السعودية اللتين تشقان طريقهما في ظل رياح العصر الحديث العاتية.وثمة ما يدعو إلى الظن أن هذه الشراكة لن تعود بفوائد ملموسة على شعبي البلدين فحسب بل يكون لها أثر إيجابي على مجمل التطورات الإقليمية والدولية في عالم لم يغتنم الفرصة للاطمئنان والاستراحة بعدما حدثت الأحداث المفجعة في 11 أيلول 2001. على اتفاقية التعاون في مجال النفط والغاز ومذكرة التفاهم والتعاون بين غرفة تجارة وصناعة روسيا ومجلس غرف التجارة والصناعة السعودية ويذكر ان النادي الروسي للتعاون مع البلدان الاسلامية كان قد رشح الشيخ عبدالرحمن الجريسي رئيس غرفة تجارة وصناعة الرياض للفوز بميدالية ابن سينا التي تمنحها الامم المتحدة للشخصيات الاقتصادية الكبرى بالاضافة إلى أن أكاديمية العلوم الروسية كانت قد منحت السيد الجريسي لقب أكاديمي فخري.

بوتين يستقبل سلطان في قاعة لا يستقبل فيها إلا الرؤساء

هذا وكان ولي العهد السعودي الأمير سلطان بن عبد العزيز اختتم يوم الجمعة الماضي زيارة رسمية إلى روسيا استغرقت ثلاثة ايام، بلقاء الرئيس فلاديمير بوتين في الكرملين ووزير الخارجية سيرجي لافروف، وجرى بحث قضايا الشرق الأوسط والوضع المحيط بإيران والعلاقات الثنائية، وأكدت المصادر الروسية ان مباحثات ولي العهد وزير الدفاع السعودي ركزت خصوصا على التعاون العسكري والتقني، وتقديرا لجهوده في مجال السلام منح معهد العلاقات الدولية في موسكو ولي العهد السعودي دكتوراه فخرية.

وقال بوتين خلال لقائه الأمير سلطان امس الجمعة إن القضايا الإقليمية تأتي في المرتبة الأولى بالنسبة لاهتمامات البلدين.

ونقلت (نوفوستي) عن بوتين قوله (إنني مسرور جداً بهذا اللقاء ومن توفر إمكانية للتحدث بشأن القضايا الدولية وعلى رأسها الوضع في المنطقة). ولفت إلى أنه تمت خلال زيارة المسؤول السعودي الرفيع مناقشة شؤون التعاون الإنساني والاقتصادي، بالإضافة إلى التعاون العسكري التقني. وأضاف بوتين (أتذكر الحرارة والود اللذين استقبلني بهما العاهل السعودي والأصدقاء السعوديون في المملكة. أرجو نقل أسمى تمنياتي لجلالته).

وكان الرئيس الروسي يشير إلى زيارته إلى السعودية في فبراير - شباط الماضي.

ورد الأمير سلطان بوصف روسيا بالدولة (الصديقة) للسعودية مؤكدا ان العلاقات بين البلدين تقوم على الثقة وانها مرشحة للتطور. ولم يكشف عن اللقاء بين بوتين والأمير سلطان الا في اللحظات الاخيرة.وأشارت انترفاكس إلى أن الاجتماع جرى في قاعة في الكرملين تستخدم خصيصا لاستقبال رؤساء الدول. ووصف لافروف لقاء الأمير سلطان مع بوتين بأنه (المحطة الرئيسية) في الزيارة التي قال إنها ستركز على تنفيذ الاتفاقيات التي تم التوقيع عليها اثناء زيارة بوتين إلى الرياض.وفي رد على سؤال حول ما اذا كان ناقش مع الأمير سلطان خطط مؤتمر انابولس للسلام في الشرق الاوسط، اكتفى لافروف بقول (نعم). وأضاف لافروف (الجانبان راضيان) مضيفا ان العلاقات الروسية السعودية دخلت مرحلة جديدة من (النمو المكثف).وكان وزير الخارجية الروسي لافروف قد قال إن مواقف بلاده والسعودية متطابقة، في حين أشاد ولي العهد السعودي بسياسات موسكو. وقال لافروف لدى لقائه الأمير سلطان إن (مواقف روسيا والمملكة متطابقة بشأن القضايا الدولية الأساسية). وأضاف (إننا نثمن تعاوننا الذي يتعزز بنشاط كبير) وقال (إننا نلاحظ تطور العلاقات السعودية الروسية على الاتجاهات كافة بشكل كبير وخصوصاً عقب زيارة بوتين التاريخية إلى المملكة).ومن جانبه لفت الأمير سلطان إلى أن بلاده (راضية عن السياسة التي تمارسها روسيا). وشدد على (أننا نعول على مواصلتها مستقبلاً).وكان الأمير السعودي قد التقى يوم الخميس الماضي النائب الأول لرئيس مجلس الوزراء الروسي سيرغي إيفانوف وبحث معه جملة من القضايا الدولية والإقليمية والثنائية، خاصة آفاق التسوية السلمية في الشرق الأوسط والوضع المحيط بإيران. كما جرى خلال اللقاء أيضا النظر في مسائل تنمية العلاقات الثنائية بين البلدين التي اكتسبت في الآونة الأخيرة (ديناميكية إيجابية).وكان معهد العلاقات الدولية بموسكو قد منح ولي العهد السعودي يوم الخميس الماضي كما أشرنا من قبل شهادة دكتوراه فخرية. وقال رئيس المعهد أناتولي توركونوف أثناء مراسم منح الدكتوراه الفخرية للأمير سلطان، إن هذا اللقب (يمنح للشخصيات المعاصرة التي تسهم مساهمة كبيرة في تعزيز السلام والاستقرار في العالم).

«*» خبير في الشؤون الروسية



 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد