Al Jazirah NewsPaper Saturday  05/01/2008 G Issue 12882
مقـالات
السبت 27 ذو الحجة 1428   العدد  12882
يارا
عبد الله بن بخيت

ذُهِلتُ أن يتصل مجموعة من الطلبة السعوديين من أمريكا يطلبون الفتوى في الاحتماء بالكنائس من عواصف ثلجية قد تودي بحياتهم، وذهلت بأن أجاز ذلك الدكتور محمد النجيمي الفضائي المعروف، ولكن الشيء الذي لم يذهلني هو أن يتحول الدكتور النجيمي إلى مفتٍّ.

اعتدنا في أدبيات الإرهاب أن نناقش محتوى الفتاوى متجاهلين عاملين مهمين أخطر من محتوى الفتوى. العامل الأول العلاقة التراتبية بين الشباب وبين مطلقي الفتاوى، والعامل الثاني استعداد هذا الشاب السيكولوجي لتنفيذ الفتوى. من الواضح أن الدكتور النجيمي جزاه الله خيراً قدم فتوى متسامحة. سمح للطلبة، مشكوراً، إنقاذ حياتهم، ربما لو أنهم لجوؤا لغيره لقدم لهم فتوى متزمتة قد تودي بحياتهم. تتسم فتوى النجيمي بالتسامح مع تقييد بسيط جاء في قوله (عند الضرورة) ولا يعلم إلا الله ما هي الضرورة الأكثر ضرورة من الحفاظ على الحياة. ولكن إذا قرأناها بنفس مستوى التسامح الذي أظهره مفتينا يمكننا القول إنه يرمي إلى تفاصيل عملية اللجوء. أن يبدأ اللجوء إلى الكنائس مع اشتداد العاصفة وليس قبل ذلك والخروج من الكنيسة مع أول بادرة ارتخاء من العاصفة. تقليل مدة البقاء في الكنيسة. لم نعلم أن دخول الكنائس محظور إلا من الدكتور النجيمي فالتاريخ القريب والبعيد يخبرنا أن كثيراً من رجالات الإسلام دخلوا الكنائس وبعضهم صلى فيها ولم نسمع أن أحداً حدد دخولها بالضرورة. لكن هذه ليست القضية الكبرى في هذا الصدد، القضية الكبرى التي يحملها لنا هذا الخبر لا تكمن في تسامح أو تزمت الفتاوى وإنما تكمن في تجاهل المرء غريزة حب الحياة بكل فطريتها، بحيث يضع حياته رهينة في يد شخص آخر (مفتٍّ أو غير مفتٍّ). عندما قرر هؤلاء الطلبة طلب الفتوى كان في ذهنهم احتمال أن يقول المفتي (نعم يجوز) وكان في ذهنهم أيضاً أن يقول (لا يجوز فلتذروكم العواصف الثلجية). طالما طلبوا الفتوى أصبح من واجبهم الأخذ بها بشقيها. مجرد أن أستفتي على حياتي فهذا يعني أن حياتي مرهونة في يد من أطلب منه الفتوى. إذاً ما الفرق بين هؤلاء الذين طلبوا فتوى مصيرهم من النجيمي وبين هؤلاء الذين يرهنون حياتهم بفتاوى التفجير. عندما نقرأ خبرَ إرهابيٍّ نكتفي بالقول إن هؤلاء الذين نفذوا العملية ضحايا فتاوى تكفيرية ونتجاهل الجذر الأهم والأخطر وهو استعداد هؤلاء لقبول الفتاوى التكفيرية. ننسى أن هؤلاء وهؤلاء أساساً مسلوبو الإرادة ينتظرون أن يأتي من يوجِّه مصيرهم. عندما أرى العواصف القاتلة أمامي واتصل بشخص يبعد عني خمسة عشر ألف كيلومتر ليحدد مصيري أكون في الواقع جاهزاً لغير هذا الشخص ليوجه مصيري لعملية يريدها. إذاً مشكلتنا ليست في الفتوى التكفيرية وإنما في البيئة التي تجعل الإنسان مسلوب الإرادة يطلب الفتوى حتى على مصيره.

فاكس 4702164


yara.bakeet@gmail.com
لإبداء الرأي حول هذا المقال أرسل رسالة قصيرة SMS  تبدأ برقم الكاتب 6406 ثم إلى الكود 82244

 

صفحة الجزيرة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد